أحمد الأحمد: من يُضحك الجمهور ليس أقل شأناً ممن يبكيهم
مبدع في فنه كما في أخلاقه وكلامه وتعامله مع الآخرين، يمتلك كماً من الشفافية ومخزوناً معرفياً وطاقات إبداعية كبيرة وموهبة أصيلة مدعّمة بالدراسة الأكاديمية.
إنه الفنان أحمد الأحمد الذي عادة ما يتصدى للصعب من الشخصيات فيلتقط حسّها الإنساني بسلاسة وتلقائية ليقدمها من فيض روحه، تاركاً من خلالها بصمته الخاصة التي تمنحها ألقها وتفرّدها، الأمر الذي جعله يبرز نجماً يمتلك أدواته التعبيرية وحضوره المؤثر... هو صادق مع نفسه ومع جمهوره، مما حمّله مسؤولية الاختيار فحرص على تقديم الأفضل دائماً.
حُفرت له في الذاكرة غالبية الأدوار الهامة، بدءاً بشخصية هولاكو الشاب عبر مسلسل «هولاكو» وليس انتهاءً بسمعان بوقعقور في «الخربة» وسلام في «الحقائب ـ ضبّوا الشناتي»... إضافة إلى العديد من الشخصيات المتلونة. أحبّه الجمهور بالأدوار الكوميدية التي قدمها، كما فضّله بالشخصيات الجادة. هو فنان لا يعرف المستحيل، ومع كل دور جديد يثبت أنه مبدع حقيقي وأن عشقه للفن لم يذهب هباءً... معه كان لنا هذا اللقاء
نقطة تحوّل
- إلى أي مدى لامست الشخصية التي أديتها في «حقائب ـ ضبّوا الشناتي» الواقع السوري؟
الأمر لا يتعلق بشخصية (سلام) وحدها، فكل شخصية قُدمت في المسلسل حاكت شرائح من المجتمع السوري، وانبثقت هذه الشخصية من واقع المجتمع. فسلام يرى الأمور بإطارها العام وأدق تفاصيلها، ويسعى دائماً إلى تقريب وجهتي النظر بين الطرفين داخل المنزل، حتى أن اسمه (سلام) يدلّ إلى ذلك.
فالأمر يعنيه في العمق وإن أظهر عكس ذلك، وكان يؤكد أهمية أن يسمع كل طرف الآخر ويفهمه ويتقبّله ليستطيع العيش معه... والخلاف هنا يبقى في الحدود الدنيا، لكن الخلافات المصيرية تقف عند سقف العائلة، وينبغي أن تكون داخل المنزل وتُحلّ ضمنه.
أضف إلى ذلك أنه كان الشهم والسبّاق بين إخوته لحل كل ما يعترض العائلة من مشكلات ومصائب، وكان أكثر من يبحث عن الخلاص.
- هل قُدّم عمل في السنوات الأخيرة يمكن اعتباره «نقطة تحوّل» في المسيرة الدرامية السورية، فيُقال «ما قبل هذا العمل وما بعده»، خاصة أنه في ما مضى قُدمت أعمال وصِفت بأنها حقّقت هذه السمة؟
مما لا شك فيه أن العملية الفنية والانتاجية قد اختلفت عن ذلك الزمن، فثقافة المشاهد والكاتب والممثل والعملية الإنتاجية كلها تغيّرت.
ولكن عندما نتحدّث عن مرحلة ماضية ينبغي أن نرى كمية الإنتاج وقتها، فاليوم كثُرت الأعمال على الصعيدين الكمي والنوعي، لذلك لم نعد نستطيع تحديد العمل الذي يشكل نقطة تحوّل، فما من عمل خارق لأنه باتت هناك مجموعة من الأعمال الجيدة التي يمكن أن تندرج ضمن مفهوم «نقطة تحوّل».
التخصص الدرامي
- هل تؤيد مبدأ التخصص في التمثيل كأن يُقال «فنان كوميدي أو تراجيدي...» أم ترى أن على الفنان تأدية مختلف الأدوار؟
في الدراما التلفزيونية يحدث كل شيء، وإن كان الممثل يمتلك الإمكانيات ويقدم نتيجة جيدة فليقم بذلك، لأن ليس هناك قوانين في هذا الشأن، ولكن الأمر يختلف عندما نتحدث عن المسرح والسينما، وليس القصد هنا أن التلفزيون لا تحدّه ضوابط وإنما له قوانينه الخاصة، فهو فن قائم بحد ذاته، وفي النتيجة هي رغبات ورؤى تختلف من ممثل إلى آخر.
- كل دور يتسم بالكوميديا له خصائصه وأدواته ومفرداته، فما مدى مساهمتك كممثل في رسم الشخصيات التي تقدّمها ضمن هذا المنحى؟
المساهمة تكون ثلاثية، فالكاتب يبدي اقتراحه الأول ومفهومه ورؤيته عن الشخصية وحياتها وعوالمها والدراما التي تتضمنها. وبعد أن يقرأ الممثل النص يعطي اقتراحاته الخاصة، بالإضافة إلى المخرج.
أما في ما يتعلق برسم المعالم النهائية للشخصية، فينبغي أن يكون من إبداع الممثل رغم تقيّده بسمات أو صفات الشخصية التي وضعها الكاتب.
وهناك مسألة هامة، وهي إلى أي مدى يتقاطع الفنان مع الدور ويكون قريباً منه، وعلى المخرج إما أن يذهب مع الممثل في ما يقدم من اقتراحات ويضيف عليها أو أن يدله إلى طريق آخر يكون هو الأصح، وبالتالي هو ليس عملاً فردياً. ولكن بشكل عام، عندما يكون النص واضحاً، تبرز سمات مشتركة يتفق حولها الجميع ولا يحدث تباعد في الآراء، وتبقى التفاصيل الصغيرة، ولكن يحدث أن ممثلاً بسبب رغبته في تقديم المميز والأفضل قد يشطح في الأداء وهنا تأتي مهمة المخرج في عملية ضبط الإيقاع.
ظلم الكوميديا
- إلى أي مدى ظلمتك الكوميديا؟
حقيقة، لا أشعر بأنها ظلمتني، فكما يُظهر الممثل طاقات في الدراما قد لا يظهرها في الكوميديا، كذلك الأمر في الكوميديا إذ يظهر طاقات قد لا يظهرها في العمل الدرامي. ولكن بالنسبة إليّ، أنا أشتغل على كل الأنواع، خاصة أنه في السنوات العشرين الأخيرة اتخذت غالبية الفنانين السوريين هذا المنحى، أي قدموا الأنواع كلها.
وأرى أن الكوميديا ليست وصفة جاهزة وإنما تحتاج إلى بحث وتعتمد على ما في داخلك وطريقة تفكيرك وقراءتك الأمور. وعموماً ليست لدي مشكلة في أن أقدم الكوميديا دائماً أو أن أقدم النوعين معاً، لا بل أستمتع بتقديم كلا النوعين، وإن اختلف الأسلوب بينهما... أجد نفسي هنا وهناك.
وكلامي هنا يتناول الناحية الحسية والعاطفية والتقييم النفسي للأمور. أما في ما يتعلق بالناحية العملية، فنجم الكوميديا السورية بشكل عام لا يحظى بأهمية النجم الدرامي، وأعتقد أن السبب في ذلك ضآلة العمل الكوميدي الذي يأتي غالباً بكلفة إنتاجية محدودة وشروط سهلة ويصوّر في مدة زمنية أقل، وهذه الشروط بحد ذاتها تشكل الجانب السلبي في التعاطي معه. فالعمل الكوميدي يتعرض للظلم، علماً أن من يُضحك الجمهور ليس أقل شأناً ممن يبكيهم.
- هناك من يرى أن في الإمكان تحميل العمل الكوميدي ما تعجز عنه الأعمال الدرامية الأخرى، فإلى أي مدى تؤيّد هذا القول؟
لا أوافق على هذا الكلام في إطاره العام. فالكوميديا تحمل أفكاراً شأنها شأن الأعمال الأخرى، ولكن لكل أسلوبه، كما تختلف أساليب تناول الكوميديا التي تُتهم عادة بأنه ينبغي تضمينها مفاهيم ورسائل مهمة، ولكن هو نوع كوميدي، فهناك كوميديا فكرية تخاطب العقل وكوميديا سياسية نقدية وأخرى للتسلية فقط والمتعة وكوميديا هزلية، فينبغي ألا نحاكم الكوميديا لما تحمل في طياتها، بل يجب تقديم الأنواع جميعها.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أنني أقوم هنا بتوصيف حالة عامة، فعلى سبيل المثال عندما نقدم عملاً من أجل المتعة، فلا بد من أن يتمتع بحرفية عالية ليستمتع به المشاهد مقدار استمتاعه بالكوميديا الهادفة، ففن المبالغة والتهريج فن صعب ويشكّل مدرسة بحد ذاته تشطح فيه عبر خيالك إلى أبعد الحدود لترسم ابتسامة على وجه المشاهد، ويمكن أن تضمّنه مفاهيم تأخذه باتجاه حالات أخرى كالنقد اللاذع أو السخرية.
قلم حمرة
- حتى في «قلم حمرة» اتسم دورك بلمسة من الطرافة!
كانت هناك لمسات منها، فقدمت في المسلسل شخصية تشيخوفية، لمدرّس يحب من لا تحبه، ولا يحب من تحبه، وهو إنسان مُتعب مضى عليه زمن في سلك التعليم، ولكن لا نستطيع القول عنه إنه كوميدي، بل تتسم شخصيته أحياناً ببعض المواقف الطريفة والمفارقات.
- هل جاءت هذه المواقف من النص أم أنها لمساتك على الشخصية؟
رسمت الكاتبة الشخصية وفق هذه اللمسات الطريفة، والمخرج قرأ الدور بهذه اللمسات وقدمته بهذا الإيحاء.
- اختلفت الآراء حول مسلسل «قلم حمرة»... هناك من رآه عملاً مختلفاً وآخرون وجدوه مجرد ثرثرة؟
يحق لأي كان أن يقول رأيه وهو رأي فني قابل للانتقاد، ولكن مسلسل «قلم حمرة» نوع درامي، ونحن كعاملين ومشاهدين للدراما ينبغي أن نرى كل الأنواع، فليس هناك وصفة جاهزة من المسلسلات علينا أن نراها دائماً، وأرى أن «قلم حمرة» عمل جيد جداً من النواحي كلها، وإن شكّل نوعاً جديداً، فهذا لا يعني أن نرفضه بل أن نراه، فهو يستحق المتابعة والمشاهدة، لأنه نوع يقدّم وجهة نظر ولم يعتده المشاهد بعد. عموماً، أرى أن الفن التلفزيوني يتطور، وفي هذا العمل هناك لمسات تشعر بأنها نوع من التطوير.
بين التلفزيون والسينما
- ما سبب ابتعادك عن السينما في الفترة الأخيرة؟
سبق أن خضت تجربتين سينمائييتن، الأولى عبر فيلم «باب الشمس» للمخرج يسري نصر الله، والثانية عبر فيلم «أيام الضجر» للمخرج عبداللطيف عبدالحميد، وكان من المفترض أن أشارك في فيلم سينمائي إلا أن وقت تصويره تعارض مع تصوير مشاهدي في مسلسل «حقائب ـ ضبّوا الشناتي»، وكان من الصعب التنسيق بين العملين، ولكن هناك تجارب تُعرض عليّ وأتمنى أن أُحقق إحداها.
- أين تكمن خصوصية تجربتك السينمائية في فيلم «أيام الضجر»؟
في الأسلوب وكيفية التعاطي، فالسينما لغة بصرية مختزلة ورؤيا مختلفة تحوي حالة من التكثيف، وتلمس ذلك من خلال النص والإخراج والتصوير... وإن وجِدت تقاطعات مع التلفزيون، فلأن الفنون في النهاية كلها قريبة من بعضها، ولكن تختلف بالروح. فبالإضافة إلى التباين التقني، هناك ما يتعلق بالروح، لأن السينما فن قائم بحد ذاته، هذا من دون الانتقاص من الفنون الأخرى بما فيها التلفزيون.
- ولكن التلفزيون فن استهلاك والسينما فن خالد؟
لذلك قلت إن كلاً منهما فن قائم بحد ذاته، وإن كنت تستطيع تقديم مفاهيم ورسائل وقيم لها علاقة بالإنسان والأخلاق في التلفزيون، فالهدف واحد...
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024