فوضى
لا تضيع الأوراق. أعرف أنها هنا في هذه المساحة تحديداً. أدلّ بإصبعي عليها، أحميها بكفّي. لست قلقة، لم يسبق أن أضعت ورقةً. لم يسبق أن أضعت أيّ شيء. أعرف أنني منظّمة في فوضاي. لا أريد أن أكون منظّمة والسلام. ولا، لم أستعر التعبير من نظرية الفوضى المنظّمة في العلوم أو الأعمال أو الجيوسياسة. كم سمعنا هذه العبارة في منطقتنا، كلّما عجزنا عن الاعتراف بتخلّف وعينا السياسي، وكلّما استسلمنا لنظريات المؤامرة، قفزت العبارة إلى عقولنا: الفوضى الخلاقة أو الفوضى المنظّمة. أتأمّل مكتبي بفخر، لا أريد صورته الواضحة، لا أريده فارغاً، قطعة خشب لامعة، ويستحيل أن أراه على هذه الصورة. أوراق تلتصق بأوراق، تعانق أوراقاً، ومشاريع لا تتوقف ولا تنتهي. كلمات هنا، كلمات هناك. أفكار مبعثرة بانتظام، تجتمع هنا، تتفرّق هناك. يحلو الجلوس أمامه، في المكان نفسه، بقعتي على هذه الأرض. أتأمل فوضاه، ملامح الدفء فيه، وإيحاءات هذه الفوضى: هذا معمل أفكار ومصنع تنفيذها. وهل فعلاً الأماكن الفوضوية تشحذ الإبداع؟ أؤيد من يقولون إن الفوضى ليست بالضرورة غياب التنظيم. هل أقصد دفن الأوراق تحت الكتب أو تحت غيرها من الأوراق؟ تشير دراسات إلى أن الأوراق المنسية هي أوراق لن يؤذينا نسيانها. لا أنسى الأوراق. فوضاي بسيطة ومنظّمة إلى حد مخيف. لا أشجع على الفوضى ولا أدعو إليها. وقد حاولت أن أحيط نفسي خلال العمل ببقع فارغة. لكنني أعترف بأننا لا نتغيّر. نتأثر بمن نحب ومن لا يشبهوننا، نتأثر بالصديقة المهووسة برمي أي نوع من الورق أو بالزوج الذي يسعى إلى ترتيب ثيابه حسب تدرجات ألوانها. قرأت أنّ الفوضى تعبّر عن الصدق، عن غياب الادعاء والتعقيد برغم أنها يمكن أن تكون عبارة عن مشهد معقّد.
أجمل المشاهد المعقّدة مشهد الرفوف المغطّاة بالكتب والصور والصحون والتماثيل الصغيرة والتذكارات والحروف المبعثرة. الرفوف التي تدفئ عري الجدران بعد أن تخفيه. تسمح بالكشف عن أصحاب المكان، بتخيّل مغامراتهم والاطلاع على قصص ومشاهد من أيامهم. أجمل ما في الرفوف فوضاها...
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024