ماذا يقول علماء الدين؟ عندما تصرخ الزوجة: آسفة أرفض الطلاق!
بعد سنوات طويلة على فيلم «آسفة أرفض الطلاق»، الذي لعبت بطولته ميرفت أمين وحسين فهمي، والذي دار حول رفض الزوجة استبداد زوجها وتطليقها وفق مزاجه، تشهد محكمة الأسرة هذه الأيام قضية مثيرة أقامتها زوجة ضد زوجها ترفض فيها قراره بتطليقها، لأنها لم ترتكب ذنباً يدفعه الى ذلك. فهل يمكن بالفعل تقييد حق الرجل في الطلاق إذا لم يكن لديه سبب مقنع؟ سألنا علماء الدين.
عفاف، زوجة في منتصف الثلاثينات من عمرها، أقامت دعوى قضائية ضد زوجها حسن، الذي قرر من دون سابق إنذار تطليقها بقرار منفرد منه، ومن دون مراعاة للعشرة الطويلة التي أثمرت عن أربعة أولاد بعد عشر سنوات زواج. وأضافت عفاف في دعواها: «كان زوجي مثالياً في كل شيء، لأننا تزوجنا بعد قصة حب طويلة منذ أيام الدراسة في الجامعة، إلا أنني فوجئت خلال السنوات الأخيرة بتغير تدريجي في مشاعره تجاهي من دون مبرر. حاولت البحث عن أسباب هذا التقلب في حياة شريك حياتي، فاستشعرت أنه مغرم بالتغيير الدائم في حياته، حتى أنه أصبح يفكر جدياً في تغيير حياته كلها، حتى أولاده قرر تركهم لأربيهم بمفردي بعد أن يتخلص مني بالطلاق الذي يراه حقاً مطلقاً له من دون أي ضوابط من دين أو عرف أو أخلاق، بعدما ماتت الرحمة والشفقة في قلبه تجاهي وتجاه أولاده».
بكت عفاف وقالت بأعلى صوت: «آسفة أرفض الطلاق، لأنني لست رخيصة أو قطعة أثاث اشتراها وقتما أحبها أو أُعجب بها ثم قرر بيعها بأرخص الأسعار من طريق الطلاق بعدما ملّ منها. ولهذا، فلن أترك منزل الزوجية مهما كانت الأسباب، حتى لو تلفّظ بيمين الطلاق أمام القاضي، لأنني لا أعرف سبباً واحداً مقنعاً يرغمه على تطليقي». أنهت عفاف دعواها بإرفاق فتوى لدار الإفتاء المصرية تؤكد أن من حق القاضي التدخل لمنع الزوج من التطليق ظلماً للزوجة والأولاد. ولهذا، فإن حقه في التطليق ليس مطلقاً، لأنه لا يفرط بسلعة أو يقرر الاستغناء عنها، إنما يتعامل مع بشر كرّمه الله وأوجب صيانة حقوقه من تعسف الزوج الذي يضر بزوجته وأولاده.
سلطة القاضي
يشير الدكتور سيف رجب قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون في طنطا- جامعة الأزهر، إلى أن من واجب الزوجين شرعاً أن يعاشر كل منهما صاحبه بالمعروف، ومن المعاشرة بالمعروف التي أمر بها الشرع أن يُحسن الرجل صحبة زوجته ولا يفعل ما يؤذيها، فما بالنا بمن يريد أن يطلقها من دون ذنب ويشرّد أولاده منها، ولهذا فقد روى الصحابي معاوية بن حيدة حواراً دار بينه وبين النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فقَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِي مِنْهُنَّ وَمَا نَذَرُ، قَالَ: «ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ، وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تُقَبِّحِ الْوَجْهَ، وَلَا تَضْرِبْ».
ونصح الدكتور قزامل الزوجة قائلاً: «عليك أن تصبري على زوجك وتعاشريه بالمعروف، وتتجاوزي هفواته، لأن الحياة الزوجية لا تستقيم إلا بشيء من التجاوز عن الهفوات، والصفح عن بعض الزلات، وفي الوقت نفسه، ننصح الزوج بأن يتقي الله في زوجته ويتوقف عن رغبته في تدمير بيته وتشريد أولاده، فهذا ظلم لها يكون ظلمات يوم القيامة، فقال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم».
وطالب الدكتور قزامل بضرورة نشر الوعي الديني بين الأزواج، حتى لا يسيء الزوج استخدام حقه في الطلاق، ويدرك أهمية الابتعاد من مجرد التفكير في الطلاق الذي جعله الإسلام أبغض الحلال إلى الله، وأنه لا يجوز مجرد المزاح بألفاظه، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «ثلاث جدّهن جد وهزلهن جد، النكاح والطلاق والرجعة».
وأنهى الدكتور قزامل كلامه قائلاً: «يجب على القاضي شرعاً إنصاف الزوجة المظلومة وتعطيل حق الزوج بالطلاق من طريق الإقناع، وليس بالقوة التي لا تستقيم معها حياة زوجية وصفها الله بأنها رحمة ومودة وسكن».
شبح الطلاق
أما الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في الزقازيق- جامعة الأزهر، فتؤكد أنه لو تم عقد دورات توعية للرجال قبل الدخول إلى الحياة الزوجية لأصبح للزواج معنى آخر، حيث سيعلم الزوج أن أمور الزواج والطلاق لا هزل فيها، ولهذا يجب عليه أن يتقيد بضوابط الشرع التي تؤكد أن الطلاق يستوي فيه الجاد والهازل، وأنه وثاق متين يجب صونه من الأهواء والنزوات وأنه لن يُعتد به إلا أمام المحكمة.
وأضافت الدكتورة فايزة أن من حق الزوجة رفع أمرها إلى القاضي لإنصافها ووقف الظلم الواقع عليها، إذا رأت غدراً من الزوج ورغبة في تدمير حياتها الأسرية وجعلها تحمل لقب «مطلّقة» من دون ذنب، وهنا يجب على القاضي دراسة القضية على أرض الواقع لاتخاذ القرار السليم والملزم، في ضوء ما تسفر عنه التحريات واللقاءات مع الزوجين والاستماع إلى حجة كل منهما.
وأنهت الدكتورة فايزة كلامها، مؤكدة أن حكم القاضي هنا يكون واجب النفاذ شرعاً، لأن هذه وظيفته في إقامة العدل والحكم بين الناس به والقدرة على إنفاذه والتصدي لمن يسيء استخدام حقه ويضر بالآخرين، ومن حقه هنا اتخاذ قرار بإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للزوج لإبعاد شبح الطلاق من تفكيره.
حق الرجعة
تشير الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية- جامعة الأزهر، إلى أن من عظمة الشريعة الإسلامية ورفقها بالزوجات أنها وفرت لهن الحماية من هزل بعض الأزواج ومراهقتهم وعدم حكمتهم، إذ يرغبون في تدمير حياتهم الزوجية، وذلك بأن فتحت الباب في «حق الرجعة» من دون عقد جديد أو شهود خلال مدة العدّة، وجعلت ذلك مرتين، فإن طلقها للمرة الثالثة ففي هذا إصرار على الفرقة وعدم بقاء الحياة الزوجية، وبالتالي فهو يتحمل نتيجة ذلك الطلاق من نفقة ومتعة وغيرهما من الحقوق التي أوجبها الشرع للمطلّقة وأولادها، وخاصة إذا كان الاعوجاج منها.
وأوضحت الدكتورة مريم أن من حق الزوجة المظلومة، التي تعاني شبح تفكير الزوج في الطلاق، أن تلجأ إلى علماء الدين والقضاة لتبصير الزوج بأمور الحلال والحرام، وخاصة ما يتعلق بالزواج والطلاق، وأن الله سبحانه وتعالى يلعن «الذوّاقين والذوّاقات»، أي الذين يلجأون إلى الطلاق لأتفه الأسباب، وقد يتراجع الزوج إذا أدرك أنه سيكون ملعوناً في الدنيا والآخرة طالما طلّق زوجته ظلماً، لقول الله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا» (آية 36) سورة «الأحزاب».
مساءلة الزوج
تؤكد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بور سعيد- جامعة الأزهر، أن حق الطلاق ليس مطلقاً للزوج وفق مزاجه ومن دون أي محاسبة، لأن الوحيد الذي لا يحاسب على ما يفعل هو الله، أما الإنسان فهو محاسب في الدنيا قبل الآخرة، لقول الله تعالى: «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» (آية )23 سورة «الأنبياء».
وتشير إلى أنه يمكن تقييد الطلاق وفق بعض المذاهب الفقهية، بألا يقع مثلاً إلا أمام القاضي، وأنه ليس مجرد كلمة تقال في ساعة غضب أو هوى شخصي، وتتحمل الزوجة وأولادها نتيجته ظلماً وعدواناً، ولا يجوز للأزواج الاستهتار بالأحكام الشرعية، بل لا بد من إجبارهم على الالتزام بالشرع، وقد اتفق الفقهاء منذ ظهور الإسلام حتى الآن على أن الطلاق حل لمشكلة وليس لإيجاد المشكلات.
وطالبت الدكتورة عبلة، علماء المجامع الفقهية بالبحث عن مخرج شرعي رسمي يتم تقنينه لمنع الأزواج من إساءة استخدام حقهم في الطلاق، وكذلك منع الزوجات من استخدام حقهن في الخلع، لأن هذه الأحكام الشرعية في الطلاق والخلع إنما وجدت لإصلاح الأسرة وليس لتدميرها، ولهذا يجب علاج الجوانب الإنسانية، دينياً واجتماعياً وثقافياً وتربوياً.
المشقة والتيسير
ترى الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية (بنات) في الإسكندرية- جامعة الأزهر، أن منع الزوج من استخدام حقه في الطلاق يتطلب اجتهاداً فقهياً جماعياً، والاستماع بالتفصيل من علماء المجامع الفقهية الإسلامية الى المشكلات الزوجية التي تؤدي إلى إساءة استخدام الزوج الطلاق، وما يستتبعه من آثار مدمرة على حياة الزوجة التي تصبح مطلّقة بكلمة ويصير أولادها مشردين بسبب كلمة ينطقها الزوج المستهتر، مع العلم أن القاعدة الفقهية تقول: «المشقة تجلب التيسير»، فلو تم إعمالها، نجد أن إنصاف مثل هذه الزوجة المظلومة وملايين غيرها وحمايتهن من شبح الطلاق يستدعيان وجاهة فقهية واجتماعية لمنع الطلاق، الذي يعد أبغض الحلال إلى الله، نظراً الى ما يترتب عليه من آثار مدمرة إذا أساء الزوج استخدامه».
وأوضحت الدكتورة آمنة، أنه مطلوب من الفقهاء مناقشة القضية بجدية وسرعة، وعدم الاكتفاء بمهاجمة الزوج، بل عليهم إنصاف الزوجات عملياً بالتصدي للأزواج المستهترين، طالما أن أهداف الزوجات نبيلة بما يحقق مقاصد المحافظة على كيان الأسرة من الانهيار، في عصر أصبحت فيه إحصاءات الطلاق مذهلة ومخيفة، ومن المتفق عليه أنه قد تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، والواقع خير شاهد على حاجتنا إلى تغيير فتاوى إباحة الطلاق للزوج بشكل مطلق ومن دون ضوابط، لأنه ليس مجرد كلمة يقولها ويمشي، في حين تتحول حياة الزوجة وأولادها بسببها إلى جحيم.
وعن حكم الشرع في قول الزوجة لزوجها «آسفة أرفض الطلاق» إذا أراد التعدد، قالت الدكتورة آمنة: «التعدد حق مقيد للزوج، فإذا لم تكن هناك ضرورة لذلك، فمن حق الزوجة رفع أمرها إلى القاضي ليقرر ما يراه في مصلحة الأسرة، سواء بطلاقها للضرر أو منع الزوج من التعدد من طريق الإقناع، وليس بسيف القانون، مع أن هناك آراء فقهية تعطي القاضي حق تقييد التعدد إذا كان الزوج شهوانياً أو مستهتراً وكثير الزواج والطلاق.
طوفان الطلاق
يؤكد الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الإسلام يحرص على استمرار مؤسسة الزواج والأسرة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لأنها الوسيلة الوحيدة لإقامة مجتمع مستقر متماسك، بل إن المشرّع سبحانه وتعالى يتلمس الأسباب الشرعية التي تتيح استمرار العلاقة الزوجية، خاصةً أننا نعيش اليوم فى عصر قلّ فيه الوازع الديني وخربت فيه الذمم.
وأضاف: «لقد أصبحت الأسرة المسلمة في مختلف دول العالم الإسلامي مهددة باستمرار بسبب استهتار الأزواج في استخدام حقهم المطلق في الطلاق، وكذلك إساءة استخدام حقهن المطلق في الخلع، ولهذا يجب تقييد هذا الحق من خلال الاجتهاد الفقهي المستنير، لحل مشكلة كثرة الطلاق وفق ضوابط النصوص الشرعية لمواجهة هذا الطوفان من عمليات الطلاق الذي يتم لأتفه الأسباب، حتى أن معدلات الطلاق في عالمنا العربي والإسلامي ارتفعت إلى حد مخيف، بسبب سلوكيات وأخلاقيات بعض الأزواج غير المسؤولين، وتدفع ضريبته الأم والأولاد الذين يتعرضون للضياع بسبب عنترية كاذبة أو أهواء ونزوات لزوج مستهتر أو متعنت من دون سبب مقبول شرعاً».
وأشار الدكتور أبو طالب إلى أنه يمكن الرجوع في مثل هذه القضية إلى فتوى صدرت قبل سنوات للمرحوم الدكتور أحمد السايح، الذي اجتهد وقدم أدلة شرعية تؤكد منع الطلاق- إلا أمام القاضي- طالما هناك أسباب وجيهة ومقبولة شرعاً عند الزوجة، وبما يحقق مقاصد الشريعة للحفاظ على الأسرة، حتى لو قال الزوج كلمة «الطلاق» ألف مرة، وهذا يتطلب العمل على إصلاح عقول الأزواج حتى يتعرفوا إلى مكانة الأسرة في الإسلام، وأنه لا يمكن هدمها بكلمة بسيطة سريعة النطق، ولهذا فقد استند السايح إلى أن التوثيق في عصرنا يعد شرطاً أساسياً لوقوع الطلاق من خلال ذهاب الزوجين إلى المأذون ومعهما اثنان من الشهود، ليتم الطلاق أمامهما ويوثّق رسمياً، ومن دون ذلك لا يقع الطلاق وللزوجين أن يستمرا في حياتهما الزوجية وكأن شيئاً لم يكن.
اشتراط الشهود
يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر: «عمل الإسلام على إقامة الزواج على أساس متين، من خلال الخطبة وعقد الزواج الذي وصفه الله، بما فيه من إشهار وإشهاد وولي، بأنه «ميثاق غليظ»، فهل يعقل أن ينهدم هذا البنيان بكلمة في ساعة غضب أو حتى تهريج، مع أن الأدلة الشرعية تكمن في اشتراط الشهود وقت وقوعه، وأن يكون الطلاق موثقاً عند المأذون باعتباره مصرحاً له بذلك من القضاء».
وأضاف: «لا مانع شرعاً من تفعيل فتاوى الإشهاد على الطلاق أمام المحكمة أو المأذون الذي تعيّنه المحكمة، لأن هذا أمر ضروري ولا يتم الطلاق إلا به لحماية الأسرة من الانهيار، بفعل بعض الأهواء والنزوات الشخصية التي لا تستند إلى العقل، مع العلم أن الاجتهاد مفتوح في الإسلام طالما لم يتعارض مع نصوص شرعية قطعية، ويجب أن يكون هدفنا علاج وضع خاطئ، هو ظلم الزوج المستهتر الكثير التلفظ بالطلاق لزوجته وأولاده حين يلقي لفظ الطلاق، فيكون الحل سلب الرجل حق الطلاق المطلق من دون ضوابط».
وأنهى الدكتور أحمد عمر هاشم كلامه، مؤكداً أن الحل الحقيقي يتمثل في نشر الوعي الديني، وأن يتم عمل دورات توعية للمقبلين على الزواج للابتعاد من الحلف بيمين الطلاق، الذي يؤدى إلى تدمير الأسر التي تعد النواة الأولى للمجتمع الإسلامي، وأن كثرة أطفال الشوارع مردّها حالات الطلاق والتفكك الأسري، وبالتالي يكون بقاء الزوجة مع زوجها بعيداً من شبح إلقاء الزوج عليها يمين الطلاق في أي وقت بسبب أو من دون سبب.
مقبول بشرط
أما الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتؤكد ضرورة عرض قضية كثرة الطلاق، بسبب استهتار الأزواج، على الهيئات الدينية في العالم الإسلامي، للبحث عن مخرج للتيسير، لأن الإسلام دين التيسير لا التعسير، لقوله تعالى: «... يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.....» (آية 185) سورة «البقرة»، لأن حق الزوج المستهتر في إلقاء يمين الطلاق فيه هضم لحقّ زوجته وتضييع لحقوق الأولاد، ولهذا فلا بد من البحث عن حل شرعي، لأن ظلم المرأة وأولادها من دون ذنب أمر يرفضه الإسلام.
وأوضحت الدكتورة عفاف أن كل اقتراح لوقف نزوات «الأزواج المطلاقين» ولا يحلل الحرام ويعمل على إبقاء الزوجة مع زوجها أمر مطلوب شرعاً، ويجب على علماء المؤسسات والهيئات الفقهية الإسلامية الاجتهاد للتوصل إلى فتاوى قاطعة في هذه القضية الحساسة التي فيها الحلال والحرام.
وأنهت الدكتورة عفاف كلامها، مؤكدةً أن إنصاف الزوجات والمحافظة على الأسرة مطلب شرعي، طالما انه أمر ليست فيه شبهة، لأن الإسلام أمرنا بالابتعاد من الأمور التي فيها شبهة، لقول رسـول الله (صلّى الله عـليه وسلم): «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».
تبعات الطلاق
يعارض الدكتور محمد البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية، الآراء الفقهية السابقة، مؤكداً أن حق الزوج في الطلاق وقتما شاء حق أصيل في الشرع، ولا يجوز تقييده، لأنه هو من بدأ رابطة الزواج وتحمّل تبعاتها، وكذلك من حقه إنهاء الزواج بالطلاق وتحمل تبعاته من نفقة للزوجة والأولاد.
وأشار الدكتور البري إلى أن ليس من حق الزوجة أن تقول لزوجها «آسفة أرفض الطلاق»، كما أن ليس من حقه القول لها إذا أرادت الاختلاع منه «آسف أرفض الخلع»، فكل حق يقابله واجب، وبالتالي ليس من حق القاضي التدخل في شأن داخلي بين الزوجين، بل عليه تنفيذ الرغبة المشروعة لأحدهما تجاه الآخر، سواء بالطلاق أو الخلع، مع ضمان حقوق الآخر المترتبة على قرار شريك حياته.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024