تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

الإبن سرّ أبيه علاقة مميزة لا تخلو من تعقيد

لا يختلف إثنان على الدور الرئيسي الذي يضطلع به الأب في تكوين شخصية أبنائه لا سيّما الأولاد، فهو النموذج الذكوري الأوّل الذي يتماهون به ويثقون به. ومقولة «الإبن سرّ أبيه» تحمل الكثير من المعاني التي تصبّ جميعها في أن الإبن لا بدّ أن يحمل الكثير من صفات والده وسلوكياته، وإن كانت العلاقة بينهما معقّدة في بعض الأحيان، أو ربما تتسم ببعض النفور.
ورغم ذلك فإن الإبن عمومًا يفاخر بوالده، وبالتالي فهو حاضر في وجدانه وفي لاوعيه بصورة الرجل القوي.
وغالبًا ما يظهر ذلك في أحاديث الصبيان في ما بينهم، فكم مرّة نسمع طفلاً تعرض للإبتزاز من أحد زملائه يقول متوعّدًا «والدي سوف يأخذ حقّي»، وكم مرّة نسمع عبارة «والدي أقوى من والدك».
ويتفق إختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق والتربويون على دور الأب في تكوين شخصية الصبي وتربيته، من الولادة حتى بلوغه سن الرشد، مما ينتج عنه علاقة فريدة ولكن في الوقت نفسه لا تخلو من تعقيدات .
فما هي خصائص هذه العلاقة الفريدة بينهما؟


السلطة
جرت العادات الإجتماعية منذ القدم على أن الأب هو الذي يفرض معظم القوانين المنزلية والحدود التي يلتزمها الأبناء فيكون مصدر السلطة والمرجع الذي تكون له كلمة الفصل في الكثير من الشؤون العائلية.
وغالبًا يكون المرجع لإبنه خصوصًا في سن المراهقة، ولا يتردد في استعمال سلطته عندما يشعر بأن ابنه لا يطيعه أو لا يأخذ برأيه. وممارسة الأب سلطته بشكل صارم قد تؤدي إلى نفور الإبن منه وتوتر العلاقة بينهما.
ومع ذلك فإن هذا مؤشر لأن الأب يمارس دوره بشكل كامل. وفي المقابل رغم نفور الإبن من سلطة والده فهو يكنّ الإعجاب والإحترام لهذه الصورة الأبوية فهي نموذج مثالي يُشعره بالطمأنينة، رغم اعتراضه عليها ومقاومته إياها.
ومع أن الحوار بين الأب والإبن قد يكون متوترًا، تتوطّد العلاقة بينهما مع الوقت وتتلاشى صورة الأب السلطوي.

حضور دائم في حياة الإبن
لكي تنجح علاقة الأب والإبن، على الأب القيام بالكثير من النشاطات مع ابنه لينقل إليه تراثًا غنيًا من التعلّم. لذا من الضروري أن يكون الأب حاضرًا في كل لحظة استثنائية في حياة ابنه كي يرافق نموّه ويراقب تطوّره.
فعندما لا يفوّت أي حدث مهم في حياة ابنه مثل عيد ميلاده أو حضور نهائيات كرة القدم المدرسيّة التي يشارك فيها ابنه، وعندما يشاركه في النشاطات الرياضية و يراقب نموّه العاطفي فهو يملأ جزءًا كبيرًا من مكانته الأبوية ويمارس دوره كأب في الوقت نفسه.
ففي مرحلة المراهقة يحتاج الإبن إلى الإستناد إلى نموذج الأب القوي، فهو يتماهى به ليبني شخصيته. وفي المقابل عندما يقدّر الأب ابنه، فهو يترك انطباعًا إيجابيًا وفعالاً في حياته، خصوصًا في حياة ابنه العاطفية والإجتماعية .
فصورة الأب يجب أن تساهم في إدراك الطفل وتعرّفه إلى العالم المحيط به. وغياب الأب يؤدي بشكل واضح إلى نقص وعدم توازن في شخصية ولده.

علاقة تكاملية ورصينة
يصعب على الوالد التعبيرعن حبه لإبنه بعبارات كلامية واضحة، فالآباء بعامة ليسوا موهوبين في هذه الأمور، لذا يعكسون محبتهم وعاطفتهم لأبنائهم بمشاركتهم النشاطات الرياضية ليبرهنوا عن حبهم.
فالأب والإبن يتبادلان المحبة أثناء ثرثرتهما في السيارة، أو خلال مساعدة الإبن والده في الصيانة المنزلية، فهذه علاقة متحفظة توحّد جيلين. والإبن يقلّد والده فهو النموذج الذكوري الأول في حياته.

علاقة تنافس
تظهر مشاعر التنافس بين الأب وابنه في الثالثة، إنها عقدة أوديب التي تحدّث عنها سيغموند فرويد. فالصبي يشعر بأن والده يحرمه أمه ويمنعه من كسب عاطفتها، مما يجعله منافسًا حقيقيًا له، وهو بدوره يريد أن يستولي على القوة والسلطة والكفاءة التي يتمتع بها والده.
بعبارة أخرى يريد أن يشبهه ويتخطاه. هذه المنافسة تدفع الصبي إلى الشجار مع والده ومعارضته  في الكثير من الأمور لا سيما تلك التي  يبرع فيها الأب.
في السادسة يصبح الأب نموذجًا رائعًا، «والدي الأكثر جمالا في العالم والأقوى» إذا كانت الصورة متكاملة بشكل وافٍ.

علاقة تميل نحو الأمومة
يتميز آباء عصرنا الحاضر بأنهم يهتمون أكثر بتربية أبنائهم ويشاركون في كثير من الأمور التي كانت حكرًا على الأم. فكثر هم الآباء الذين يحضّرون أطفالهم للإستحمام ويلاطفونهم ويقرأون لهم الأشعار ويصحبونهم إلى الحضانة، باختصار يهتمون بهم كما أمهاتهم.
هذه المشاركة في العناية بالطفل منذ نعومة أظافره تساهم في توضيح صورة الأب.
وإذا كان بعض الآباء يتصرّفون بعنف ذكوري مع أبنائهم في مرحلة الطفولة، مثلا مصارعتهم، فإنهم يقدرون أكثر أبوّتهم، لذا فهم متنبّهون إلى تصرّفات أطفالهم ويراقبونهم عن كثب مما يجعلهم حاضرين للإستماع إلى أطفالهم ويمضون الكثير من الوقت معهم.

علاقة تمنح الثقة بالنفس
يساهم الأب في تكوين الشخصية المستقلّة للإبن، فهو يعزز لديه تحمل المسؤولية والإستقلالية الضروريتين. لذا دوره مختلف عن دور الأم وعلاقته بابنه تكاملية، فهو يساهم في تعزيز انفتاح الطفل على الحياة الإجتماعية عندما يصحبه معه إلى نشاط رياضي.
بعبارة أخرى، الأم توفر الطمأنينة والحنان، أما الأب فيثير الإدراك والوعي. فالأب يثير ملكة التيقظ عند الطفل منذ نعومة أظافره، فهو يلعب مع ابنه بشكل مختلف، مثلا بينما تحاول الأم أن تجنب الطفل الوقوع أثناء اللعب نجد الأب يتركه يجرب الإحساس بالوقوع، ويحضّه على الوقوف فيما الأم تسرع نحوه وتحاول طمأنته.
كما أن الأب يستند إلى عنصر المفاجأة في تعامله مع ابنه خصوصًا أثناء اللعب مما يؤدي إلى تطوير ملكة التيقظ عند الطفل، ويمنحه الثقة بالنفس.

هل صحيح أن الأهل يؤثرون في عادات أبنائهم الغذائية؟
تؤثر عادات الأهل الغذائية في الطفل. فالأم تقدّم أو تحضّر لطفلها الوجبات الغذائية التي تحبها فقط، وإذا امتنع الطفل عنها لا يكون لديه خيار آخر مما يضعف إمكانية تطوير ذوقه الغذائي.
وقد أثبتت الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع أنه كلما وفرنا للطفل غذاء متنوعاً نسمح له بتطوير ذوقه الغذائي.
من هنا تكمن أهمية اجتماع كل أفراد العائلة حول مائدة الطعام، حيث يلاحظ الطفل استمتاع أهله بالأطباق المحضّرة والتي في الوقت نفسه لا يحبها، ولكن ينتهي الأمر إلى أنه يندمج مع فكرة الاستمتاع بالطبق الموجود أمامه، فالطفل يميل إلى إعادة إنتاج ما يراه على طريقته الخاصة. كما أن أصدقاءه في مطعم المدرسة يكونون النموذج الآخر الذي يقلّده.    

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080