أصغر برلمانية في مجلس الشعب التونسي أمل سويد: تشربت حب السياسية منذ الطفولة
أمل سويد، من مواليد 15 تموز/يوليو 1988، هي أصغر نائبة في البرلمان التونسي، مرشحة عن قائمة حركة النهضة لدائرة قابس جنوب تونس، تحضّر لماجستير الرياضيات الأساسية في كلية العلوم... وتطمح أن تكون مثالاً يحتذي به شباب تونس... تحت قبة مجلس نواب الشعب التونسي التقيناها وكان معها هذا الحوار:
- حدثينا بداية عن ظروف انتخابك في البرلمان؟
كٌنت ناشطة ضمن «حزب النهضة» التونسي ذي الخلفية الإسلامية وكُنت أعمل في مكتب الحركة في منطقة غنوش التابعة لمدينة قابس جنوب البلاد، وترشحت عن منطقتي مع مجموعة من الشباب، الا أنني كُنت في مقدمة القائمة وكان أمر نجاحي مفروغاً منه تقريباً، إلى أن حلّت الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس وفاز فيها «حزب النهضة» الذي أنتمي اليه بالمرتبة الثانية بعد حزب «نداء تونس» الذي يتحدر منه الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي.
- وكيف استقبلت نبأ ترشيحك؟
يومها كنت أعمل في مكتب الحركة كالعادة، وفوجئت بدخول عدد من سكان المدينة مهللين ومباركين ترشحي عنهم في البرلمان التونسي، واختلطت مشاعري في تلك اللحظات بين الفرح والخوف الشديد من التجربة، خاصة أنني سأضطر إلى مغادرة مدينتي نحو العاصمة للبدء بالعمل.
- ولماذا شعرت بالخوف؟
المسؤولية الكبيرة التي حمّلني إياها أهل منطقتي أشعرتني بالخوف من الإخفاق، لأنني دخلت بذلك تجربة مختلفة كل الاختلاف عن تكويني الأكاديمي في مجال الرياضيات. وحتى تجربتي في مجال العمل السياسي لا تقارن بتجربتي الحالية كعضو في البرلمان.
- حدثينا عن تجربتك الحالية في مجلس الشعب التونسي؟
إذا أحبك الله جعل لك القبول في الأرض... الثقة التي منحني إياها أهل منطقتي، واحترام زملائي في البرلمان وتقديرهم، أمور جعلتني أعيش تجربة مميزة على كل الصعد، وها أنا أبحث كل يوم عما يفيد بلادي لتشع مجدداً في العالم كنموذج عربي منفتح بامتياز.
- كيف يتعامل معك زملاؤك في البرلمان، ممن هم أكبر سناً وأكثر تجربة وخبرة؟
ما زلت محل اهتمام الكثيرين من زملائي. فمنهم من يعتبر صغر سني خطوة إيجابية، ومنهم من يحاول أن يثبط عزيمتي وعددهم قليل بصراحة... والبعض قال لي «أنت تمارسين السياسة قبل أن تُولدي»...
- ما هي إيجابيات كونك أصغر نائبة في البرلمان؟
لأنني أقرب الى جيل الشباب، أحاول دائماً أن أرصد اهتماماتهم وأبحث عن حلول تفيد جيلي والأجيال القادمة، خاصة في ما يتعلّق بالتنمية التي أصبحت اليوم مطلباً أساسياً في المجتمع. كما أن وجودي في البرلمان قد يحفز الكثير من الشباب على تقليدي والسير على خطاي وتجاوزي أيضاً، لأن هناك عزوفاً كبيراً من جيل الشباب عن ممارسة السياسة، ما يشكل تهديداً لمستقبل السياسة في تونس.
- كيف تقيّمين دور المرأة في البرلمان التونسي؟
حالياً هناك 73 امرأة في المجلس من بين 217 نائباً وهو أمر معقول وجيد إذا ما نظرنا الى تمثيل المرأة في الدول العربية.
- ما هي مشاريع القوانين التي تنادي بها المرأة حالياً في البرلمان؟
تجريم العنف المسلّط على المرأة بمختلف أنواعه في ظل الأرقام المخيفة التي تتداولها حالياً وسائل الإعلام والتي أثبتت أن امرأة من بين اثنتين في تونس تتعرض للعنف الجسدي أو المادي أو الجنسي أو الاقتصادي... هذه الأوضاع المخيفة يجب أن يجرّمها القانون بحزم.
- أنت ابنة عبدالعليم سويد، سجين سياسي سابق، هل شكلت هذه الحادثة حافزاً لك لدخول البرلمان التونسي؟
ربما كانت أحد الأسباب، فأنا تشربت حب السياسية منذ الطفولة لأنني أتحدر من بيت مناضل سياسي سابق دافع عن المظلومين ورفض الاستبداد والتفرد بالرأي، وعاقبه النظام السابق بأن زج به في السجن لسنتين وحرمه من وظيفته أستاذاً للرياضيات وضيّق عليه مادياً... ورغم ذلك تربينا على حب السياسة وكبرنا ونحن نطمح الى رفع شعلة الحرية عالياً في بلادنا، ما انعكس إيجاباً على اختياري الدخول الى مجلس الشعب.
- حدثينا عن ظروف اعتقال والدك وما خلفته هذه الحادثة من مأساة عليك وعلى عائلتك؟
اُعتقل والدي وأنا طفلة صغيرة بسبب انتمائه الى حركة النهضة المحظورة وقتها. كنت أذهب الى المدرسة ويعيّرني التلاميذ بأنني ابنة مجرم من دون أن يعرفوا سبب اعتقال والدي. هذه الحادثة خلفت العديد من الشروخ في كل أفراد عائلتي.
- حالياً، هل تجدين الدعم من أفراد عائلتك؟
نعم، أجد كل الدعم وأرى في عيونهم نظرات الفخر والاعتزاز. فهذه النظرة التي أراها في عيون والديّ تغنيني عن العالم بأسره.
- وظيفتك كنائبة في البرلمان التونسي، ماذا سلبت منك؟
لقد مُنعت من ارتداء اللباس الرياضي المفضّل لدي، وأصبحت مجبرة على ارتداء الزي الرسمي الذي يجعلني أبدو أكبر سناً. ومن الطرائف التي حصلت معي، دخولي البرلمان في الأسبوع الاول من عملي وأنا انتعل حذاء رياضياً، فواجهت انتقادات من زملائي تطالبني بتبديله لأنه لا يليق بالنصب الذي أشغله.
- في تصريحات سابقة قلت إنك ستحرصين على رفع صوت الشباب عالياً من أجل الدفاع عن همومهم ومطالبهم في التشغيل والتنمية والعيش الكريم...
نعم، هذا هو هاجسي اليومي والوعد الذي قطعته على نفسي بألا تنتهي السنوات الخمس التي تجمعنا في هذا المجلس حتى أكون قد تركت بصمة إيجابية يتذكرها الناس.
- هل كُنت موجودة في البرلمان أثناء الهجوم الارهابي على متحف باردو الملاصق لمجلس نواب الشعب؟
التحقت بزملائي بعد الحادثة مباشرة ورأيت الجثث المنتشرة هنا وهناك وبقي في ذهني شخص فقد ابنه وزوجته اللذين كانا يرافقانه أثناءها وكان يبكيهما بحرقة ويحاول أن يوقظهما، فبكيت لحاله وخجلت مما أصابه في بلادنا...
- هل تُخيفك التهديدات التي ترد بين فترة وأخرى لأحد نواب مجلس الشعب أو للشخصيات العامة من أجل إثارة البلبلة؟
أنا لا أخاف التهديدات أبداً، وأركب مع هموم الناس في وسائل المواصلات العامة يومياً، وأجلس في المقاهي والمطاعم الشعبية قبل تلك الفاخرة، وأعيش حياة طبيعية جداً، لأنني من عامة الشعب وموجودة لخدمة الشعب. وكوني لا أخاف التهديدات يعود الى ترسبات الطفولة التي حملتها في ذاكرتي وأنا طفلة، فقد كان أبي دائماً محل اهتمام رجال الشرطة لانتمائه السياسي، وكثيراً ما كنت أستفيق مرعوبة خلال الليل لأجد احد رجال الشرطة يقف قرب سريري ويسألني عن مكان أبي... في البداية كٌنت أخاف من الطرق على الباب الى ان اصبح الأمر عادياً.
- (بعيداً عن السياسة نسألها ممازحين...) أعتقد ان رحلة البحث عن رجل يقبل بأن تكون زوجته نائبة في البرلمان مضنية أكثر من دخولك البرلمان؟
بعد ضحكة طويلة تجيب: «للأسف نعم، فالرجل التونسي كالرجل الشرقي يخشى الوقوع في حب امرأة ذكية، بينما المرأة لا تخاف من الوقوع في حب رجل ذكي. هذه معضلة عربية بامتياز، طبعاً لا نقول الكل بل البعض، لأن الرجل مهما علا شأنه يريد أن تكون تلك المرأة التي وصلت الى أحد المناصب المرموقة أخته، ابنته، قريبته، ولكن ليست زوجته بحيث يخشى ألا يظل له ولبيته شيء في ظل انشغالها بوظيفتها المرموقة.
- بعد انتهاء السنوات الخمس المحددة بالقانون التونسي، ما هي مشاريعك؟
قررت حالياً دراسة الإخراج التلفزيوني، وسأخوض هذا المجال فور انتهائي من المجلس، لأنني أميل بطبعي الى الفن وأحب إبراز موهبتي في هذا المجال.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024