إبداع هندسي في قالب من الرفاهية والترفيه

09 أيار 2015 | روزي الخوري

قمة الإبداع أن يتحوّل منزل في قلب العاصمة، إلى مساحة زاهية في قلب الطبيعة، وكأننا في منزل ريفي فسيح تحوطه الأشجار والجلسات الوثيرة وحوض السباحة.
مقوّمات الترفيه كلّها تقيم بين جدران هذا المسكن الذي أراده المهندس نيكولا بخعازي قمّة في الذوق والإبداع والراحة لقاطنيه، وقطعة من ... طبيعة.

هذه الشقة الممتدّة على مساحة 650 متراً مربّعاً، هي الطبقة العلوية من مبنى عملاق في وسط بيروت، وقد حوّل المهندس سطحها إلى «ترّاس» مقسّم إلى جلسات صيفية تحوطها الأشجار الخضراء والمثمرة، كشجر الزيتون، وكلّها منسقة بطريقة هندسية لافتة.
ويقابلها حوض السباحة الذي لا تحدّه الحواجز ليطلّ على منظر بانورامي رائع يشرف الجالس فيه من علُ على المدينة.

ولكن قبل الخوض في التفاصيل الجمالية لهذه المساحة الخارجية، لا بدّ من التأمل في المساحة الداخلية، حيث كلّ شيء منسّق في قالب عصري استُخدمت فيه مواد متعددة من الإسمنت والحديد والرخام والستينلس والخشب والجفصين المنقوش على الجدران، والزجاج الملوّن على الجدران، وقد تداخلت كلّها بانسجام وانسياب لتظهير أبهى صورة هندسية.

ولأن المساحة رحبة، تقصّد المهندس أن يجعل غرفة الطعام أعلى مستوى من الصالونات، فاستحدث لها درجة من «الكونكريت» السهل التنظيف.
أما جدارها فارتدى الجفصين الأبيض المرسوم بنقوش فنية على شكل لوحات مستطيلة، أخفت خلفها خزائن مخصصة لوضع أواني غرفة الطعام، وكذلك الباب الفاصل عن المطبخ.

مواد كثيرة تداخلت لتصميم غرفة الطعام، ركائز الطاولة والمقاعد من الكروم وقد اتّسمت الطاولة بكبر حجمها لتضمّ عدداً أكبر من الزوار.

الصالونات عصرية، وكلّ جلسة لها خصوصيتها وأسلوبها، ولكنها كلّها ضمن قالب واحد هو العصرية وهدوء الألوان والتصاميم الواضحة البعيدة من الزخرفة والتكّلف، ضمن إطار الابتكار والتفرّد.

في الجلسة المخصّصة للمدفأة التي تعمل على الغاز، المقاعد وثيرة من الجلد البني الفاخر، تتوسطها طاولة مربّعة كبيرة من الرخام الأبيض الموشّى بالرمادي. أما المدخنة فمن الزجاج، بحيث يمكن الاستمتاع برؤية النار والدخان يتراقصان ليبعثا الدفء في أرجاء المنزل.

وتماشياً مع الأجواء الطبيعية والمفعمة بالجمال والاسترخاء، غرس المهندس شجرة زيتون صغيرة داخل المنزل على الحائط الزجاجي، وزّعت جمالها ونقاء رمزيتها في كلّ أرجاء قاعات الاستقبال.

على وقع النوطات والأنغام الموسيقية المنبعثة من آلة البيانو، التي كان لها دور فاصل بين الجلسات، ندخل الصالون الأبيض والأسود، رمز الأناقة الهادئة.

تطالعنا هنا مكتبة ضخمة على طول الجدار، ضمّت مجموعة من الكتب، وتوسّطها جهاز تلفاز عملاق كشاشات السينما، وهو ما جعل الجوّ أكثر استرخاءً، ورفاهية وترفيهاً. قسم من المكتبة يلعب دور الباب، يُشغّل كهربائياً فيُفتح ليقودنا إلى جناح غرف النوم.

في هذه المساحة أيضاً، أراد المهندس بخعازي أن يكون الجوّ مفعماً بالراحة والدفء والاسترخاء، فصمّم الغرف كما لو كانت في فندق فاخر.
جمعت بينها الألوان الزاهية من البيج والأبيض والبنفسجي والخيوط الواضحة كما المواد الفاخرة. أرضها من الخشب الباركيه الزاهي، وسقفها من الجفصين المحدّد بخيوط عصرية، لتنبعث منها الإنارة الموجهة المستديرة والمستطيلة، كما الإنارة غير الموجّهة. أبواب غرف النوم من الخشب الفاخر، بعضها ارتدى المرايا لإضفاء مساحة أكبر.
أما حمّامات الغرف فكلّها عصرية، وألوانها فرحة، لكن الخشب الجوزي والسنديان كما الكروم، من العناصر البارزة التي استخدمت في هندستها.

المساحة الهادئة والأكثر بياضاً كانت في المطبخ، المصنوعة خزائنه من الخشب الأبيض اللمّاع. واحتلت وسطه «آيلند» من الستينلس توسّطها الغاز، وفوقه أجهزة الـ «هوت» الثلاثة من الكروم، لامتصاص الرائحة، وقد لعبت دوراً تجميلياً في المطبخ.
امتداد الـ «آيلند» لعب دور طاولة وحولها المقاعد البيض، بحيث يستمتع الجالسون بتناول الطعام إلى جانب الحائط الزجاج الذي يشرف على الخضار والأشجار والشتول التي غُرست خارجاً.
ويذكّرنا كلّ هذا المشهد بالأجواء الطبيعية، ولا سيما في الطبقة العلوية التي يوصلنا إليها درج من الخشب المنقوش والمزخرف، إطاره من الستينلس، توّج انسجام المواد المختلفة المستعملة لإنجاح هندسة هذه الشقة.

إلى جانب العملية في جناح «التراس» حيث تحوّل سطح الشقة إلى جلسة صيفية، استوعب أيضاً سطح «البيرغولا» أجهزة الطاقة الشمسية التي تزوّد المنزل كما حوض السباحة، الماء الساخن.
كذلك تمّ رفع أرضية «التراس» متراً ونصف متر لجعل مستواها أعلى، وبذلك يمكن الاستمتاع أكثر بالمنظر الاستراتيجي الذي يشرف عليه المنزل. الجلسات العديدة توزّعت بين الاخضرار، وطغى عليها اللون الأبيض والأرائك الملوّنة بمختلف الألوان الفرحة والزاهية.

جزءٌ من هذه الجلسة تمّ إقفاله بالزجاج، وضمّ طاولات بيضاً وجلسات يمكن الاستفادة منها صيفاً وشتاءً، ليجتمع بذلك الصيف والشتاء، كما أجواء العملية والترفيه والرفاهية، تحت سقف واحد.