مدرّس ضرب تلميذه حتى الموت والسبب الواجب المدرسي!
مثل كل يوم، استيقظ في ساعة مبكرة، ارتدى ملابسه، حمل حقيبته واتجه إلى مدرسته من دون أن يدري أن اليوم سيكون ذهاباً بلا عودة، بعدما قرر مدرّسه كتابة السطر الأخير في حياته عقاباً له على عدم أداء الواجب المدرسي، ليرحل تاركاً الحسرة في قلوب الجميع، خصوصاً والديه اللذين تمنيا لو حُرم ابنهما من التعليم بدلاً من أن يُحرم من الحياة.
إسلام شريف جمال، هو اسم أشهر تلميذ في مصر الآن، فالمسكين لم يتجاوز عامه الثاني عشر، حلمه في غد أفضل ضاع على يد مدرس بلا قلب انتُزعت الرحمة منه، وهوى على جسده النحيل بعصا غليظة صنعت المشهد الأخير في حياته، وسط مراوغات لجأت إليها إدارة المدرسة للتستر على المعلم القاتل وإضاعة حق هذا الطفل البريء، الذي لو كان يعلم ما سيحدث له لما ذهب إلى مدرسته في ذلك اليوم.
نسوة اتشحن بالسواد إجباراً، ورجال ذرفت أعينهم الدموع قهراً على صغير كان أول فرحتهم في الحياة... مشهد أحال مستشفى قصر العيني الشهير في القاهرة إلى سرادق عزاء، قبل صدور قرار النائب العام بالتصريح بدفن الصغير عقب ورود تقرير الطب الشرعي، مشيراً إلى أن الوفاة وقعت نتيجة ضربة قوية تلقاها المسكين على رأسه مع صفعة قوية على الوجه أحدثت نزيفاً حاداً في المخ أفقده الوعي ليدخل في غيبوبة انتهت بالوفاة.
واقع مظلم
كان المشهد التالي أكثر قسوة مع أمٍّ تحاول نبش التراب لتُدفن مع صغيرها، بعدما أبت أن يوارى جسده النحيل الثرى بمفرده، غير مصدقة أن الوداع الأخير بينهما بات واقعاً مظلماً لا يملك أحد القدرة على إنارته مرة أخرى.
كل هذه الأحداث تكاد تتكرر يومياً، فكم من أمهات فقدن فلذات أكبادهن لأسباب مختلفة؟ لكن أن يكون السبب عدم قيام الصغير بأداء واجبه المدرسي فتلك مأساة بل كارثة، عندما يتناسى المعلم دوره التربوي ويتحول إلى قاتل بدلاً من أن يكون مربياً فاضلاً.
مدرسة الشهداء
قصة نهاية إسلام بدأت داخل مدرسة في حي السيدة زينب الشهير تحمل اسم «شهداء بورسعيد»، أطلقه المسؤولون عليها تخليداً لذكرى 74 شهيداً من مشجعي النادي الأهلي في مباراته الشهيرة مع نظيره المصري في بورسعيد، وهي تلك المباراة التي تحولت إلى مذبحة من دون أن يدري أي منهم أن شهيداً جديداً سيلحق بهم داخل المدرسة، لكن هذه المرة هو ضحية واجب مدرسي وليس تعصباً كروياً مثل أقرانه.
دق جرس المدرسة معلناً بدء الحصة الثالثة، إلا أن مدرّس اللغة العربية الخاص بفصل الضحية تأخر في الحضور، فظن التلاميذ أنه ربما يكون غائباً، وبدأوا يلعبون معاً في مشهد كانت شقاوتهم فيه هي البطل، وسط وصلة من الضحكات والقفشات أطلقها البعض، ليتحول الأمر فجأة إلى صمت رهيب عندما فوجئ الجميع بالمدرّس يقف وسطهم.
العقاب
شعور بالخوف تملّكهم وانتظار للعقاب سيطر عليهم، وبالفعل كان ما كان، حيث أمرهم مدرسهم جميعاً بأن يقفوا رافعين أيديهم الى أعلى في وصلة عقاب استمرت لأكثر من نصف ساعة، قرر بعدها العفو عمّن قام بأداء الواجب المدرسي فقط، ليأمرهم بالجلوس في ما عدا من تخلّف عن ذلك، إذ عليه الاستمرار في هذا النوع من العذاب الذي فرضه.
جلس الجميع في الوقت الذي ظل إسلام يقف رافعاً يده الى أعلى وعلامات الإعياء تظهر على وجهه، يتوسل بين لحظة وأخرى مدرّسه الذي استمر في عقابه بلا رأفة، بل زاد في العذاب وأمر المسكين بأن يحمل حقيبته ويرفعها الى أعلى، ليزداد التعب ويبدأ إسلام في الانهيار بعدما خارت قواه ولم تعد قدمه تقوى على حمله، فأنزل يده بلا أمر من المدرس الذي تحول إلى وحش كاسر قرر تحطيم عظامه بلا رحمة.
السقوط
صفعة قوية تلقّاها إسلام على وجهه أجبرته على البكاء، لتتبعها ضربة قوية من عصا غليظة هوت على رأسه، شعر بعدها أنه فقد البصر بعدما اسودّت الدنيا في وجهه، فانطلقت صرخات الاستغاثة بمدرّسه الذي لم يعبء بالأمر واكتفى بتوجيهه ليغسل وجهه بالماء البارد، لكن قدم الصغير لم تقوَ على حمله وسقط في الطريق.
اتصال هاتفي ورد الى شريف جمال (34 سنة) صاحب مقهى، من إدارة المدرسة يفيد بإصابة ابنه بحالة إعياء، هرع إثرها لاستطلاع الأمر، ليجده في غيبوبة لا يعرف سببها ولم يفكر في معرفته، فكل همّه كان التوجه بطفله الى أقرب مستشفى لإسعافه.
فحوصات وصور أشعّة خضع لها الصغير ظهرت نتيجتها لتؤكد وجود اضطراب في درجة الوعي ونزيف في المخ تسببا في غيبوبته ليظل في العناية المركزة.
السر ينكشف
في اليوم التالي عاد الأب الى المدرسة لعلّه يفلح في معرفة ما حدث حتى التقى عبدالرحمن صديق ابنه الذي روى له تفاصيل ما حدث، مشيراً إلى المدرس الذي كان يشرف على تنظيم الطابور المدرسي.
ثورة من الغضب تملكت الرجل قام على أثرها باحتجاز المدرس وطلب الشرطة التي حضرت بالفعل إلى المدرسة لتلقي القبض على وليد محمد هلال (43 سنة)، مدرس اللغة العربية، بتهمة ضرب التلميذ الذي يرقد في غرفة العناية المركزة، وهو الاتهام الذي أنكره أمام وكيل النائب العام المصري، إلا أن تحريات المباحث كانت كفيلة بإثبات كذبه عندما جاءت لتؤكد الواقعة، ليصدر قرار بإخلاء سبيله بكفالة قدرها 20 ألف جنيه سدّدها وانصرف على ذمة القضية، من دون أن تحرك إدارة المدرسة أو وزارة التربية والتعليم ساكناً إزاء ما حدث، حتى وقع ما لم يتمنّه الأب.
كلمة النهاية
«البقاء لله»، عبارة تلقاها الرجل المسكين كانت كفيلة بأن تبلغه بفقد ابنه الأكبر وسط ثلاثة من الذكور وفتاة، جميعهم تلاميذ في مدرسة الموت التي شهدت نهاية إسلام، لتنقلب الدنيا رأساً على عقب ويصدر قرار جديد من النائب العام بضبط المدرس وإحضاره، بحيث اتخذت وزارة التربية والتعليم قراراً بإيقافه عن العمل وتحويله الى وظيفة إدارية، مع إيقاف مدير المدرسة هو الآخر، في الوقت الذي هجر التلاميذ المدرسة خوفاً من أن يلقوا النهاية البشعة ذاتها.
إغلاق المدارس
رغم صدور قرار بحبس المعلم القاتل، إلا أن هذا لم يطفئ النيران التي اشتعلت في قلب والد التلميذ الضحية، والذي أعلن عن نيته أخذ حقه بيده حتى لو وصل الأمر إلى قيامه بمعاونة أهله بغلق جميع مدارس المنطقة انتقاماً من وزارة التربية والتعليم، التي وصف موقفها بالمتقاعس، مؤكداً أنه بعد هذا الحادث لن يترك أي ابن من أبنائه أو أشقائه يستكملون تعليمهم، متسائلاً: هل ندفع الأموال لقتل أبنائنا؟
«كان عريساً عندما رأيته في الصباح وهو ذاهب الى المدرسة، لو علمت أنه سيموت بسبب الواجب لما تركته يذهب»، جملة قالتها الجدّة وهي تشارك في مراسم الدفن، لتنطلق صرخاتها منادية على عزيز لن يجيبها مرة أخرى.
«الجهل أهون من الموت»، عبارة أطلقتها الأم شيماء، في محاولة لتبرير قرار زوجها بعدم تعليم باقي صغارها، بعدما ذهب كبيرهم ضحية واجبه المدرسي، الذي صنع منه شهيداً للتعليم في مدارس تطبّق العنف وسيلة لعقاب تلاميذها بلا رحمة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024