بعدما قاوم المرض لسنوات: رحل الأبنودي في «عز النهار»
على مدار سنوات طوال، استطاع الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي أن يقاوم المرض وينتصر على سوء حال رئته، إلا أنه في النهاية رحل في وضح النهار، يوم 21 نيسان/أبريل 2015.
الأبنودي هو حكاية وطن، قصائده ومواقفه أصبحت جزءاً أصيلاً من تاريخه. فهو على حد تعبير الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل – كما جاء في مقدمته لمربعات الأبنودي - شاعر عاش وسط الجماهير وهي تحاول بالثورة أن تصنع مستقبلاً. هو لا يغني لهذا المستقبل من بعيد، وإنما ينشد من وسط الجموع وبلغتها، وهي تتدافع بالزحف أحياناً، وبالتراجع أحياناً أخرى، خطوة بالأمل وخطوة بالألم، وهي أحياناً صيحة الفرح تُهلل، وفي أحيان أخرى جرح بالوجع المفتوح، والثائر- الشاعر في قلب المعمعان. هو الثائر يوماً، والشاعر في اليوم التالي. هو الفعل في الصبح، والضمير في المساء.
الخال – كما يحب أن نناديه - كان الضمير، ليس في المساء فقط بل في كل الأحوال. قصائده جاءت من قلب طفل عانى كأكثرية الشعب المصري، فيقول في كتابه «أيامي الحلوة»: «لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب، بل كنت يومياً أقرب الى الموت مني الى الحياة. ومع أنني كنت ألامس ذلك الموت في كل لحظة بسبب ضعفي الصحي الشديد، وضيق ذات يد الواقع من حولي عن ضخ أسباب النمو والمواصلة في بدني الهزيل، لكنني عشت حياة لم يعشها الأصحاء... استمتعت بطفولتي على عكس كل أبناء المدن الذين يقلّهم (الباص) صباحاً إلى المدرسة، ويحملهم في العودة إلى شقق أهاليهم، يرون الواقع من خلف زجاج الأتوبيسات ولا يتعاملون مع الحياة الحقيقية للبشر، كل صلتهم بالدنيا هذه النوادي أو شواطئ البحار صيفاً، ومن الصعب عليهم حين يكبرون أن يتذكروا تفاصيل ثرية لحياة ثرية. أما نحن، أبناء الطفولة الفقيرة العبقرية، فإننا مدينون لفقرها بهذا الثراء الكبير الذي تمتلئ به أرواحنا وذاكراتنا ودفاتر الماضي والحاضر، ليوحي كل ذلك إذا ما تذكرناه بما يشبه النية في كتابة السيرة الذاتية».
وخلال مسيرته الثرية بالعطاء، قدم أكثر من 26 ديواناً شعرياً، بدأها بديوان «الأرض والعيال» (1964)، و «الزحمة» (1966)، ثم توالت الدواوين: «عماليات»، «جوابات حراجي القط لفاطمة أحمد عبدالغفار»، «فصول»، «بعد التحية والسلام»، «وجوه على الشط»، «أحمد سماعين»، «صمت الجرس»، «المشروع الممنوع»، «سوق العصر»، و «مختارات الأبنودي»... هذا بالإضافة إلى العديد من الكتب التي ضمت الكثير من الكتابات النثرية. ويُعد الأبنودي واحداً من حفظة التراث الإنساني، بحيث قدم جهداً غير مسبوق في لملمة تراث السيرة الهلالية، وسافر إلى العديد من البلدان العربية لجمع سيرة بني هلال، وسجل أكثر من 1800 ساعة للرواة الشفاهيين، مثل شاعر الربابة، جابر أبو حسين، وقدمها عبر حلقات تلفزيونية وأشرطة كاسيت، وأصدر منها أكثر من عشرة أجزاء.
شارك الأبنودي بقصائده، التي غُنيت في العديد من الأفلام السينمائية، منها: «شيء من الخوف»، «أغنية الموت»، «الطوق والإسورة»، «البريء»، كما كتب حوار مسلسل «وادي الملوك» عن رواية «يوم غائم في البر الغربي» لمحمد المنسي قنديل.
رحل الأبنودي وترك وراءه أعمالاً ومواقف لا تُنسى، أصبحت جزءاً من تاريخ وطنه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024