تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الإعلامية جيهان الحداوي سعودية غطّت «عاصفة الحزم» ميدانياً من قلب الحدث

بخوذتها وزيّها العسكري وميكرفونها وثقتها بنفسها، وبمؤازرة زملائها... وقفت على الحدود في المناطق المشتعلة، غير آبهة لقناصة أو تسلل عبر المنافذ، وفخورة بكل ما تقدمه لخدمة وطنها. دفعها إصرارها، وحبّها الوقوف الى جانب جيش بلدها للمشاركة في التغطية الإعلامية، ونقل أحداث حرب عاصفة الحزم... بين ترحيب كبير من أهالي مدينة جازان التي تسكنها اليوم، واهتمام حرس الحدود بالسماح لها بالوصول إلى مناطق أكثر خطراً، وفي خضم القصص الإنسانية والإصابات الخطرة والعائلات النازحة من هناك... رصدت السعودية جيهان الحداوي الصورة الواقعية ونقلتها الى كل المشاهدين والمواطنين، مؤكدة أنها «تجربة تستحق العناء والمخاطرة». «لها» تحدثت الى الإعلامية جيهان الحداوي، وبدورها أطلعتنا على أحداث يومها خلال فترة تغطيتها حرب «عاصفة الحزم»... فكان هذا اللقاء.


- من أين انطلقت فكرة وجودك على الحدود؟ أكانت مبادرة منكِ أم تكليفاً وظيفياً؟
عندما اشتعلت الأحداث، خطرت في بالي فكرة الذهاب الى الحدود، فاقترحت الأمر على إدارة القناة، ورحبوا بالمبادرة، بل سعوا جاهدين لترتيب وصولي إلى هناك بسلام. كما أن إصراري على أن يكون لي دور، جعلني وبفضل من الله السبّاقة في هذا العمل، رغبة في المشاركة، ولو بشيء بسيط، في عاصفة ردت إلى العرب إحساسهم بالفخر والعزّة. وبذلك كنت أول إعلامية سعودية تُغطي أحداث الحرب من قلب الحدث. وجودي على الحدود وسط حُماة الوطن في أحداث تاريخية كعاصفة الحزم عزّز لديّ وطنيتي وانتمائي واعتزازي بهذا الوطن الغالي.

- حدِّثينا عن تجربتك كامرأة في تغطية أحداث عاصفة الحزم؟
تغطية عمليات عاصفة الحزم العسكرية، تأتي من منفذ الطوال الحدودي مع اليمن. ولا أخفيكم أنني تحمّست في البداية للمسألة، لكنّ شعوراً بالقلق من المجهول بدأ ينتابني وأنا في الطائرة، سرعان ما تلاشى مع حُسن استقبال حرس الحدود والعاملين في إمارة منطقة جازان، بحيث سهّلوا وصولنا إلى المناطق المشتعلة المتقدمة. تجربتي كامرأة في متابعة هذه الأحداث العسكرية والحربية، تكاد تكون مختلفة. فالوجود في ساحات الحرب وسماع أصوات المدفعية الثقيلة وبشكل يومي، أمران أخافا الكثيرين من قبلي في أحداث مُشابهة، لكنني لا أعرف كيف استطعت الصمود كل هذا الوقت. فأنا لم أخش القصف الذي مصدره المدفعية السعودية، بل خفت تسلل الحوثيين في أي وقت، ناهيك عن القنص الذي راح ضحيته معظم الشهداء من الجنود السعوديين على الحدود.

- ما الرسالة التي توجهها جيهان من جنوب السعودية؟
في البداية، يجب توضيح أنني لا أبحث عن الشهرة، أو يُقال إنني السعودية الأولى في مجال الحرب. فقد جئت للتغطية الميدانية لأربعة أيام، وسرعان ما قررت المكوث مدة أطول. فالحدث جلل، والقصص الإنسانية هنا لا تنتهي، والمواطن من حقه أن يرى صوراً واقعية من الميدان وما يدور حوله، ليعيش نشوة الفخر بانتمائه الى هذا الوطن. ومن واجبنا كإعلاميين، أن ننقل الى العالم العربي والإسلامي جهود جنودنا البواسل الذين يعملون كخلية نحل في هذه الحرب... وهذا هو الهدف الأساسي من وجودي هنا.

- كيف بدأ يوم جيهان الحداوي في تلك المنطقة؟
يجب التنويه بأنني لم أسكن على الحدود، لأن العيش في تلك المناطق غير آمن، بل كنت أقطن في جازان، وهي تبعد مسافة 80 كيلومتراً عن الحدود بين السعودية واليمن. منذ اليوم الأول لوصولي، لم أعرف طعماً للنوم، وبقيت مستيقظة حتى ساعات الصباح الأولى. لكن بعد ذلك، بدأت الاعتياد، خاصة أنني بعيدة عن الحدود وأماكن تسلل الحوثيين. فبعد الاستيقاظ صباحاً، أبدأ يومي بالتجول في المناطق والقرى الحدودية، بحثاً عن قصص إنسانية، لإعداد التقارير لنشرة التاسعة في القناة، وبرنامج «MBC في أسبوع». ولا أستطيع أن أصف فرحة أهالي الجنوب وافتخارهم بنا، خصوصاً أنني لم أجد من يُهاجمني كامرأة في هذه المنطقة، بل كنت أستمع الى عبارات التشجيع والدعاء بالحفظ والثبات.
كنا نحاول التحدث الى المسؤولين، للسماح لنا بالدخول إلى مناطق معينة للتصوير، والبحث عن قصص إنسانية، ومن ثم أستعد للظهور على الشاشة في تمام التاسعة مساءً. وبعد الانتهاء من البث المباشر، أعود وفريق عملي الى الفندق لأخذ قسط من الراحة وتناول الطعام، نبدأ بعدها مَنتَجة التقارير المباشرة.
وبفضلٍ من الله، والجهود المبذولة من إمارة المنطقة وحرس الحدود، استطعنا الوصول الى أماكن لم يبلغها أحد قبلنا، وكنا حصرنا وجودنا في غرفة القيادة والسيطرة، وهي غير مرخص لأي شخص بالدخول إليها، وأذكر أن جنود الحراسة أبدوا استغرابهم لكيفية دخول امرأة الى هذا المبنى. ففي اليوم الأول لوصولي الى المنطقة، ذهبت برفقة زملاء العمل إلى معبر الطوال، وهو المنفذ الذي يُسيطر عليه الحوثيون، ويبعد مسافة 200 متر عن اليمن... ومع وجودي في منطقة معينة، كنت أشعر بالحماسة والرغبة في اكتشاف مناطق أبعد وأكثر خطراً.

- ماذا عن أول تقرير لك؟ وكيف وجدت إعداد التقارير المباشرة، هل هو صعب؟
أول  تقرير كان عن عائلة أميركية هاربة من اليمن، وكنا نقف عند معبر الطوال، فتناول التقرير مغامراتهم والصعوبات التي واجهتهم، وكيف تمكنوا من الهرب من الحوثيين... بالإضافة الى تهجير وتشريد بعض العائلات اليمنية، منذ بداية الحرب. إعداد التقارير المباشرة ليس صعباً، بل سهل للغاية، ذلك أن معايشة الواقع ووصف الحالات الإنسانية مباشرة، أمور لا تحتاج الى تسجيل صوتي أو بحث عن مفردات معينة لإنقاذ النص... هو فقط وصف لما عايشته.

- كيف تصرفت خلال تغطية بعض الإصابات الخطرة؟
لن أخفي عليكم، الأمر ليس سهلاً أو بسيطاً. لكن العمل الميداني ودرجة التأهب والاستعداد النفسي، تدخلكِ في هذه الأجواء، فتهون المسألة، كالطبيبة التي تصادفها حالات إنسانية حرجة وإصابات، يحلّ محلّ حنان المرأة الشعور بالواجب الوطني في إيصال الرسالة، ونشر الصورة الواقعية لما يحدث في الحرب.

- كم عدد فريق العمل؟
هم ستة أشخاص، المراسل سامي جميل، والمصور عمر الزهراني، والمونتير، وهناك شخصان يساعدان في التصوير من الجنسية الفيليبينية، وأنا الفتاة الوحيدة ضمن فريق العمل.

- كيف تقبّلت عائلتك وجودك في مناطق الحرب؟
بكل صراحة، لم أقف على رأيهم قبل الذهاب، ولم يعلموا بذلك إلا عندما رأوني على شاشة التلفزيون، وأخبروني بأن والدتي منهارة، وقد تواصلت شقيقتي معي وأمرتني بضرورة العودة. أما شقيقتي الكبرى التي لم أكن أتوقع رد فعلها، فكنت سعيدة جداً عندما علمتُ أنها فخورة بما أقوم به، بعدما تلقت ردود الناس الايجابية ودعواتهم ليّ وأخبرتني بأنني مصدر فخر لهم وللعائلة أيضاً. وأؤكد أن كل بداية صعبة، لكن سرعان ما تنجلي أمام الناس الصورة الصحيحة القادرة على تغيير مواقفهم نحو ما تقومين به.

- هل هاجمك أحد أو انتقدك؟
بالطبع، تلقيت الكثير من الانتقادات، خصوصاً من أصحاب التفكير الرجعي الذين يرون أن مكان المرأة الأنسب هو منزلها. كما انتُقدت لظهور صورتي من دون حجاب على شاشة التلفزيون، فأنا  لا أمثّلهم لأنني غير محتشمة... وما إلى ذلك.
مع أنني غير متبرّجة وأذهب بحجابي الى الحدود وألتزم به، وأمثّل السعوديات بشكل يليق باسمي وعملي ووطني، لم يكن النقد منصبّاً على الفكرة نفسها، بمقدار ما كان على مسألة الحجاب، ووجود المرأة في أماكن مخصصة للرجال...

- هل مناطق النزاعات والحروب والحدود بين الدول، أماكن لم تعد حِكراً على الذكور؟
الموقف الذي عشته، أدعو كل امرأة أو فتاة سعودية أن تجرّبه. والمسألة ليست ذكورية أو نسائية، فالمرأة بطبيعتها عاطفية، ولن تشعر بعزّتها وكرامتها إلا إذا شاركت في مثل هذه الأمور المهمة. وعلينا أن نسعى الى إبدال المقاعد الخلفية بتلك الأمامية، بالنسبة الى دور المرأة السعودية في كل مجالات المجتمع.

- هل كنتِ تحلمين بأن تكوني مذيعة أو مراسلة يوماً ما؟
دخلت مجال الإعلام رغبةً منيّ في تغيير نظرة المجتمع الى ظهور المذيعات السعوديات. كنت وما زلت المدير التجاري لمجموعة MBC، ومن ثم أُصبحت مذيعة... ليطلب مني بعدها المدير الرئيسي علي جابر، وعلي الحديثي، تقديم نشرة الأخبار. وبكل صدق، كانت مسؤولية كبيرة أُلقيت على عاتقي. وبكل صراحة، لم يكن الأمر حُلماً، بل اهتماماً بإثبات أن المرأة السعودية قادرة على كل شيء. ولعل أكثر ما يغضبني، مجال لا تستطيع المرأة دخوله بسبب نظرة المجتمع، وماذا سيقولون عنها! وإن كان التغيير سيبدأ مني، فلمَ لا؟ حتى وإن كانت عائلتي ترفض فكرة دخولي هذا المجال، لكن برأيي من تسلك الطريق الصحيح، ستتمكن من إقناع الجميع لاحقاً بما تقوم به.

- ما الرسالة التي تبلغها جيهان للمرأة السعودية؟
على كل امرأة سعودية، خصوصاً من أرادت النجاح، أن تسعى نحو الخطوة الصحيحة، بصورة تقارب فعلاً مميزات بنات بلدها... ملتزمة بحجابها وحشمتها.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079