تحديد جنس الجنين بين الوصفات الشعبية والحقائق العلمية
لطالما كانت قضية إنجاب الذكور هاجساً يراود الكثير من السيدات، وخاصة اللواتي لم يحالفهن الحظ ولم تشأ لهن الأقدار بإنجاب أطفال ذكور، وتدفعهن الرغبة أو ما يسميه البعض «عقدة النقص» للبحث عن الطرق والوسائل التي قد تساعدهن في إنجاب الذكر. طرق لم تخضع لدراسات ولم يثبت علمياً نجاحها أو فشلها، تُتداول بشكل كبير في أوساط سيدات علّلن جدوى طرقهن بسيدة نجحت معها تلك التجربة بالمصادفة وحالفها الحظ بإنجاب «حامل اسم العائلة»... طرق قديمة وجداول ومواعيد خاصة للعلاقة الزوجية مع حميات غذائية وأحياناً خلطات وأعشاب، جربتها سيدات يائسات، بينهن من نالت مرادها وأخريات أصبن بالإحباط. وبين «المقدّر» والمكتوب نروي تجارب سيدات مع الطرق التقليدية وتلك الحديثة لتحديد جنس المولود في السطور المقبلة، إضافة إلى آراء أطباء واختصاصيين في هذا المجال.
أعشاب وحمية غذائية لإنجاب أخ لبناتها
أم ريماس ( 38 عاماً)، جربت في حملها الأخير أكثر من طريقة شعبية متداولة، رغبةً منها في إنجاب أخ لبناتها الأربع، حيث قامت بالتخطيط للحمل مع محاولة اتباع بعض الطرق التقليدية في ما يخص موعد الجُماع، إضافة الى تناولها عشبة (شرابة الراعي) قبل ثلاثة أشهر من حملها متّبعة الطريقة التي وصفها لها العطار، مع استخدام غسول (بيكربونات الصوديوم) قبل موعد الجُماع. هذا عدا تجنبها بعض أنواع الأطعمة مثل الألبان وغيرها... كل تلك الترتيبات قامت بها معاً مستبعدة الطرق الطبية المكلفة مادياً، وبعد التوكل على الله كانت تنتظر بفارغ الصبر بداية شهرها الرابع لتستطيع معرفة جنس الجنين الذي تحمله. وبعد حماسة وتأهب أصيبت أم ريماس بإحباط شديد لمعرفتها أنها تحمل بابنتها الخامسة، وعدم جدوى كل الطرق التي اتّبعتها.
أتمنى مولوداً سليماً
«الإنسان طمّاع»، هذا ما بدأت به السيدة أمنة محمد (41 عاماً) حديثها، حيث كان دافعها وهي في سن كبيرة الى الزواج برجل متزوج سابقاً هو الرغبة بالإنجاب، كون المرأة لا تكتمل أنوثتها في الحياة إلا بالأمومة. بقيت لسنوات تحاول إنجاب طفل، معتمدة كل الطرق والوسائل، حتى أنها قصدت أطباء خارج المملكة، قبل بلوغها سن الأربعين. لكن وبعد محاولات عدة من التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب لم يكتب لها الله الإنجاب. ولعل أكثر ما يغيظها هو اشتراطات الناس ومحاولاتهم البحث عن طرق لاختيار جنس المولود... فمن وجهة نظرها، سواء كانت ذرية الإنسان صبياً أو بنتاً هي نعمة من الله، المهم سلامتهما من العلل والتشوهات.
التضرع الى الله رزقها مولوداً ذكراً
وتعتقد أم عبد الله (34 عاماً)، أن إنجاب الصبي أو البنت هو أمر بيد الله عز وجل، وأن التضرع الى الله بالدعاء وطلب الذرية الصالحة هو الأجدى والأنفع من كل الطرق، حيث تبرهن أم عبدالله على كلامها بتجربة إحدى جاراتها التي أنجبت صبياً بعد ست بنات، حيث كانت تعاني الأمرّين من زوجها وأهل زوجها وإلحاحهم الدائم عليها بإنجاب ذكر يحمل اسم العائلة، إضافة الى توعد زوجها بالزواج من أخرى لإنجاب الولد. وعلى الرغم من صعوبة حملها، أوكلّت هذه المرأة أمرها إلى الله وتضرعت إليه بذِكر بعض الأدعية النبوية المأثورة، ولم تستطع تمالك نفسها من الفرح حين أخبرتها طبيبتها أنها ستنجب ولداً بعد كل هذا العناء.
توأم من الذكور
تمنت الولد فرزقها الله بإثنين، كانت تلك قصة السيدة أم فارس ( 33 عاماً)، والتي كانت تعاني لسنوات من عدم القدرة على الإنجاب، ولكن الله عوّضها بعد طول عناء، بعدما لجأت الى طبيب خارج المملكة للخضوع الى عملية أطفال الأنابيب، والتي اختارت من خلالها جنس جنينها ليكون ذكراً، وما إن تم الحمل حتى اكتشفت أنها تحمل في أحشائها توأماً من الذكور. صدمة منحتها الأمل، وجعلتها تعي أن لهذه التقنيات أثراً فعالاً في تحقيق أحلام السيدات.
تحديد النسل هو الهدف من اتباع هذه الطرق
أم معتصم (45 عاماً)، أم لأربعة أبناء ذكور لم تقتنع أبداً بجدوى هذه الطرق التي يتم تداولها، وتقول: «اعتاد الجيل القديم على إنجاب عدد كبير من الأطفال وقد يتجاوز العشرة، لأنهم كانوا يعتقدون بأن الكثرة سند وقوة، إضافة إلى بحثهم عن التنويع. فبعد إنجاب أربع بنات أو خمس، ينشأ لديهم الإصرار وبقوة لإنجاب الصبيان والمحاولات المتكررة من دون كلل ولا ملل. كما كانت تعد مسألة الإنجاب لديهم مسألة تنافس وغيره بين السيدات، وهذا ما لا نشهده في الوقت الراهن، حيث يحاول الكثيرون عدم تجاوز الرقم أربعة أو خمسة، وذلك تبعاً لصعوبات الحياة والتكاليف المادية وعمل معظم الأمهات خارج المنزل. ولذلك انتشر أخيراً الكثير من الطرق التي يظن البعض أنها فعالّة في تحديد جنس المولود المرغوب فيه، وأعتقد أولاً وأخيراً أن كل ذلك يتم بمشيئة الله».
المجتمع لا يزال متمسكاً «بعقدة الذكورة»
أما أم جنى (51 عاماً) أم لخمس بنات، فقد كانت تعتقد أن المجتمع قد تحرّر من مسألة ضرورة إنجاب الذكر، كونها تجد أن البنات في هذا الزمن هن أكثر قدرة على تحمل الصعاب والمسؤولية الأسرية والمهنية على حد سواء، حيث تجد أم جنى أن بر الأبناء لا يتعلق بجنس معين أو هو حكر على الذكور دون الإناث. وعلى الرغم من قناعتها التامة بما كتبه الله لها، فإن أكثر ما يحزنها هو رد فعل الناس حيالها، وتحديداً عند إنجابها أبنتها الأخيرة والتي كانت آخر محاولاتها لإنجاب الذكر. وحينها لم يخطر في بالها أبداً تجربة الوسائل الشعبية أو الطبية لتحديد جنس المولود، لاعتقادها التام بأن الله هو المدبر لكل الأمور. ورغم من أن زوجها كان مقتنعاً بذلك أيضاً ويظهر عدم اهتمامه بإنجاب الذكور، فإنها فوجئت منذ عامين بزواجه بأخرى وإنجابه ذكراً، معللاً زواجه بكونها أم البنات وغير قادرة على الإنجاب لكبر سنها.
تفضيل الذكور لاستمرارية النسب
وعن سبب تفضيل الناس إنجاب الذكور، تعتقد الدكتورة فوزية أشماخ مديرة مركز استشارة التطوير الذاتي في جدة والاستشارية النفسية والاجتماعية في جامعة دار الحكمة، أن هؤلاء السيدات اللواتي يلجأن الى مثل هذه التقنيات لإنجاب الذكر غالباً، هن مقيدات بمفاهيم الثقافة السائدة في المجتمع لاعتقادهن بأن الذكر لديه فرصة أكبر للنجاح في الحياة، إضافة إلى كونه مصدر رزق ويعيل العائلة. فنجد السيدة التي تحمل جنيناً ذكراً تتملكها مشاعر الرضا والقوة لكونها تحمل في أحشائها جنساً مختلفاً عنها، ويمنح العائلة استمرارية النسب. وتؤكد أشماخ أن السيدات يستطعن تغيير هذه النظرة من خلال الخروج الى العمل وتحقيق طموحاتهن على الصعيد المهني والاقتصادي والاجتماعي وإثبات قدرة الأنثى على النجاح. فهذا بلا شك كفيل بتغيير الصورة النمطية المسيطرة على المجتمع من حيث تفضيل إنجاب الذكور.
التشخيص الجيني هو الأكثر دقه في تحديد جنس الجنين
وفي تفسير علمي، يؤكد الدكتور فهد السلمان استشاري النساء والولادة وعلاج العقم وأطفال الأنابيب في مركز للإنجاب في مدينة الرياض، أن جنس الجنين يعتمد على تركيبة الصبغيات «الكروموسومات» التي يرثها من والديه. وهناك محاولات عدة للتأثير في هذه العملية وتغيير مسلكها الطبيعي، من خلال بعض الطرق الطبيعية المتبعة في الحميات الغذائية، وموعد الجُماع وطريقته، إضافة إلى استخدام بعض الأعشاب، وكل ذلك بسبب بعض التفسيرات والمعتقدات التي ترجّح وجود علاقة ما بين تلك الطرق وتحديد جنس المولود... وفي الحقيقة لم تثبت فعاليتها بشكل علمي بعد، مؤكداً أن التشخيص الجيني السابق للانغراس، هو الطريقة الأكثر دقة لتحديد جنس المولود، إلا أن نسبة نجاح هذا الإجراء ليست عالية جداً. ويعتقد الدكتور السلمان أن وعي العامة بما يخص هذه الطرق أصبح متقدماً، إضافة إلى أن هذا المجال فُتح في المملكة بحيث أصبح متوافراً في كثير من المستشفيات والعيادات الخاصة ومراكز الخصوبة والإنجاب.
الطرق الطبيعية والطرق الطبية الحديثة لتحديد جنس الجنين
ويضيف الدكتور مازن عابد بشارة استشاري أمراض النساء والولادة والعقم و«أطفال الأنابيب وجراحة المناظير» في العيادات الأولى في جدة، أن هناك إقبالاً واسعاً من كل الشرائح والمستويات على تقنيات تحديد جنس المولود محلياً. والجدير ذكره أن الكثير منهم يعتقد بأن الطبيب المختص، وخصوصاً إذا كان ماهراً في عمله، قادر على أن يمنح الزوجين مولوداً ذكراً أو أنثى بشكل فوري. وهذا يجلب الكثير من الإحباط والمشاكل، لكون هذه المسألة المعقدة ورغم تقدم العلم هي بيد الله عز وجل. وعلى مدى سنوات عمل الدكتور بشارة خارج المملكة، لم يلحظ إقبالاً كبيراً على تقنيات تحديد جنس الجنين كالذي نلحظه محلياً. ويلخص الطرق التي تساعد على ترجيح جنس المولود بالآتي:
1 الطرق الطبيعية المتداولة، والتي تعتمد أولاً على نوع الغذاء واتباع حمية غذائية قبل حدوث الحمل من خلال الإكثار من تناول أطعمة معينة وتجنب أخرى. فالأطعمة الغنية بالبوتاسيوم والصوديوم مثل اللحوم والموالح تساعد على زيادة احتمال انجاب ذكر، بينما الأطعمة الغنية بالكالسيوم والمغنزيوم مثل الأسماك والألبان تزيد احتمال إنجاب أنثى. ومن الطرق الطبيعية المتداولة، المغاطس المهبلية أو الغسول بمادة بيكربونات الصوديوم قبل العلاقة الزوجية، والتي تساعد على تحويل بيئة المهبل من حمضية إلى قلوية لزيادة احتمال إنجاب الذكور. وهناك بعض الاحتمالات التي ترجح تأثير موعد العلاقة الزوجية في جنس الجنين، فممارستها في يوم الإباضة نفسه تزيد من احتمال إنجاب الذكر، والعكس إذا تم ذلك قبل الاباضة أو بعدها. والجدير ذكره أن كل هذه الطرق ليست موثّقة علمياً ولم تُجر بحوث عليها لإثبات نجاحها أو فشلها، وهي بشكل عام قد تزيد من احتمال إنجاب الجنس المرغوب فيه بنسبة تراوح بين خمسة و 10 في المئة لا أكثر.
2 الطرق الطبية أو المخبرية،
والتي تتم بطريقتين:
● الأولى منها تجرى من طريق التلقيح الاصطناعي وترجيح نوع الجنين، حيث يتم في هذه التقنية أخذ عينة من سائل الزوج المنوي وترجيح جنس الجنين بطريقة الطرد المركزي في المختبر، وتصل نسبة نجاح هذه الطريقة إلى 70 في المئة.
● أما الطريقة الثانية والتي تعتبر الأكثر كلفة وتعقيداً فهي طريقة الحقن المجهري أو أطفال الأنابيب، حيث تتم هذه العملية في البداية بإعطاء حقن منشطة للزوجة مسبقاً، ومن ثم الخضوع لعمليه سحب بويضات وتلقيحها بمني الزوج، وبعد التلقيح تتم إعادتها مرة أخرى الى رحم الزوجة، وهذا الإجراء يضمن بنسبة 99.9 في المئة الحصول على الجنس المرغوب فيه، إضافة إلى أن هذه الطريقة تتيح التأكد من خلو الجنين من أي أمراض وراثية أو علل جينية.
ويوضح د. مازن بشارة أن عيوب هذه الطريقة تكمن في كلفتها العالية جداً، إضافة إلى أنها تعد مجازفة في ما يتعلق باستجابة الزوجة للمنشطات وعدم نجاح العملية. وهناك عيب مهم جداً ألا وهو عدم حدوث الحمل مطلقاً، حيث إن نسبة حدوث الحمل بعد إجراء الحقن المجهري تراوح بين 40 و60 في المئة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024