تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

حيلة جديدة للرجل المزواج: زوجة في النهار فقط! هل تقبلينها على نفسك؟

حيلة جديدة للرجل المزواج: زوجة في النهار فقط! هل تقبلينها على نفسك؟


زوجة في النهار فقط، تلك هي الحيلة الجديدة التي يلجأ إليها بعض الرجال المزواجين، عندما يقررون الزواج بأخرى ويشترطون عليها أن تكون علاقتهم في النهار فقط، حتى لا تشعر الزوجة الأولى بغياب الزوج. فما هي قصة هذا الزواج النهاري؟ وهل يجوز شرعاً؟ وما فحوى القضية التي تشهدها محكمة الأسرة حالياً بخصوص هذا النوع من الزواج؟
 

تروي المحاسبة "ليلى" مشكلتها في الدعوى القضائية التي رفعتها أمام محكمة الأسرة قائلةً: "فاتني قطار الزواج لأنني لا أملك مقداراً كبيراً من الجمال، وهذا ما جعل راغبي الزواج يزهدون في الارتباط بي، حتى بلغت سن الثالثة والأربعين، وفقدت الأمل في الزواج وأقلمت نفسي على ذلك".

وأضافت: "فجأة ظهر في حياتي رجل في الخمسين من عمره متزوج ولديه ثلاثة أبناء وغير سعيد مع زوجته، وطلب مني الزواج بشرط أن يأتي إلى منزل الزوجية الخاص بنا نهاراً فقط، لأنه لا يستطيع أن يخبر زوجته الأولى ويخشى الفضيحة الاجتماعية، فهو من أسرة لا تقر الزواج بأكثر من واحدة، وبالفعل وافقت على هذا الشرط واستمرت حياتنا على هذا الوضع عاماً ونصف عام، إلى أن انكشف أمرنا وعرفت زوجته الأولى".

 وأنهت المحاسبة "ليلى" كلامها مؤكدةً: "طالبته بأن يعدل في القسمة بيني وبين زوجته الأولى ليلاً ونهاراً، لأن مبرر كوني "زوجة نهارية" لم يعد موجوداً، رفض بشدة مؤكداً أنه سينفذ ما اتفقنا عليه في العقد، حتى بعدما أصبح زواجنا علنياً ومعروفاً للجميع، إلا أنني متضررة من استمرار وضعي الحالي كزوجة نهارية، وأريد أن أشعر بأنني زوجة طبيعية يأتي إليها زوجها ليلاً، ولهذا رفعت الدعوى القضائية وكلي أمل بأن يتم الحكم لمصلحتي".
 

العدل والتعدد

في البداية، يشير الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، إلى أنه من حيث المبدأ يجب شرعاً أن يحرص الزوج على تحري العدل بين زوجاته وعدم الجور على إحداهن، بل إن قيامه بهذا العدل المادي دليل على تقوى الزوج وحسن عشرته لزوجته بما يرضي الله.

 وأوضح أن الشرع أمر الزوج بالعدل بين زوجاته، ليس في المبيت والنفقة فقط، بل عند السفر بشكل معتاد، عليه أن يصطحب معه واحدة في كل مرة من خلال التوافق أو القرعة، والدليل على ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ حيث قالت: "كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيّتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها".

وعن حق الزوجة النهارية في نقض ما سبق الاتفاق عليه، قال الدكتور عمر هاشم، إن القضية خلافية، حيث يرى بعض الفقهاء أنه يجب عليها الالتزام بما وافقت عليه من شروط، سواء قبل أن تعرف الزوجة الأولى أو بعد أن عرفت، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً"، في حين يرى فريق آخر أنه طالما انقضى السبب الذي من أجله اشترط جعلها "زوجة نهارية"، فيجب عليه شرعاً الرجوع إلى العلاقة الطبيعية والعدل الطبيعي بين الزوجتين، وعليه العدل بينهما في المبيت، وقد قال العلاّمة "ابن قدامة" في كتابه "المغني": "والليل عماد القسم بين الزوجات، ويدخل النهار في القسم تبعاً للّيل، وإن كان العدل في المبيت بالليل أهم منه في النهار والعدل في الليل أوكد منه في النهار".
 

الليل هو السكن

 تشير الداعية الإسلامية هدى الكاشف، إلى أن على الزوج أن يتقي الله ويرحم زوجته النهارية، ويعدل بين الزوجتين طالما تساوتا الآن في العلن، وبالتالي فإن مبرر دخوله في النهار فقط على زوجته النهارية لم يعد موجوداً، والأصل في القسمة بالمبيت هو الليل الذي جعله الله سكناً حقيقياً للأبدان، ولهذا وصفه الله تعالى بقوله: "وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا" (الآية 96) سورة "الأنعام".

 وطالبت الكاشف الزوج بأن يكون رحيماً بزوجته النهارية ويعدل بين الزوجتين ويلبي طلبهما حتى يرحمه الله، لقوله (صلّى الله عليه وسلّم): "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".

 وأشارت إلى أن العلاقة الزوجية يفضل شرعاً أن تكون قائمة على المعاملة بالفضل وليس بالعدل والشرط، حتى يكون هذا الزواج الشرعي آية من آيات الله، التي وصفها بقوله: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (آية 21) سورة "الروم".
 

تعاملوا بالرفق

أما مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فحضّت الزوج على التحلي بالرفق والتغاضي عن شرط جعل زوجة "نهارية" وأخرى "ليلية"، وأن يساوي بين الزوجتين اللتين سيسأله الله عن العدل في القسمة بينهما في المبيت.

 وأشارت إلى أن جمهور الفقهاء يرون أن الليل وليس النهار هو الفيصل في القسمة في المبيت، ولهذا وصف الله تعالى الليل بقوله: "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا" (آية 10) سورة "النبأ".

 واستشهدت الدكتورة سعاد، على أهمية العدل في القسمة بين الزوجتين ليلاً ونهاراً، والبعد عن تفضيل إحداهما على الأخرى، بما كان يفعله النبي مع زوجاته، وروته أم المؤمنين عائشة حيث قالت: "ما من يوم إلا وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يطوف علينا جميعاً، امرأة امرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس، حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها".

 ونصحت الدكتورة سعاد الزوج بأن يرفق بحال زوجته النهارية، لانقضاء السبب الذي من أجله تم اشتراط جعلها زوجة نهارية. وإذا استمر على عناده استناداً إلى الشرط، فأخشى أن يكون ممن قال فيهم رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): "إذا كانت عندَ الرجلِ امرأتان فلم يعدلْ بينهما، جاء يوم القيامة وشِقُّه ساقطٌ"
 

المعالجة برفق

 طالب الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، الزوجة النهارية بالصبر وألا تعاند الزوج الذي في حوزته مبرر شرعي لا نستطيع التغاضي عنه، وبالتالي فهو ليس آثماً شرعاً في إصراره على جعلها زوجة نهارية، كما اشترط في عقد الزواج، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".

 وأشار الدكتور عطية إلى ضرورة تحلي الزوجين بالرفق ببعضهما بعضاً، والبعد عن العناد لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): "من أُعطي حظه من الرفق، فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق، فقد حُرم حظه من الخير". ولا شك في أن العلاقة الزوجية هي أسمى علاقة إنسانية تستحق أن يعامل كل من الزوجين برفق طاعةً لله.

 وأضاف أن الزوجة النهارية لديها من الأسلحة الأنثوية ما تستطيع به على المدى الطويل، وبالرفق والدلع أن تجعل زوجها لا يتمسك بشرط كونها زوجة نهارية، وبالتالي تأخذ بيده إلى بر الأمان والسعادة، أما بالعناد والإصرار على تحويلها من زوجة نهارية إلى زوجة طبيعية، فقد يضطر إلى تطليقها، لأنه كما يقول المثل العامي المصري "العناد يولد الكفر".
 

العدل في المبيت

 تعاطفت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في الزقازيق- جامعة الأزهر، مع الزوجة النهارية قائلةً: "السكن الحقيقي في الحياة الزوجية يكون ليلاً وليس نهاراً. ولهذا قال الله تعالى: "وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ" (آية 73) سورة "القصص".

وطالبت الدكتورة فايزة زوج النهارية بالعدل بين الزوجات، بأن يعطي لكل زوجة حقها من النفقة والمسكن ونحو ذلك، وكذلك العدل في القسم بينهن في المبيت، ولا يشترط عليه أن يعدل بينهن في الجُماع، لكن لا يجوز له أن يترك التلذذ بواحدة لتتوافر لذته للأخرى. وأما القسم في المحبة، فهذا ليس في مقدور البشر، وقد كان النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: "اللهم هذا قسمي في ما أملك، فلا تلمني في ما تملك ولا أملك". وفي الوقت نفسه، يجب على الزوجة النهارية أن تطالب زوجها بالعدل، من طريق التلطف في النصح وتذكيره برفقٍ بالعدل الواجب عليه، من غير إغلاظ في القول أو عبوس في الوجه ولا انتقاص لحقه، محافظة على المودة والألفة بينهما، لأن طلاقة الوجه ولين الكلام من العشرة بالمعروف، وتفعل المعجزات ولو على المدى الطويل، وكما يقال: "ما لا يدرك كله لا يترك كله، وطول الصبر يبلغ الأماني".

 وأنهت الدكتورة فايزة كلامها قائلة: "عناد الزوج أو عدم رحمته بزوجته النهارية قد يكون مدخلاً للشيطان والمخالفات الأخلاقية، وقد تنشأ عنه مفاسد كالأمراض النفسية وخراب البيت وغير ذلك، ولهذا فإن من الأفضل العدل بين الزوجتين ليلاً ونهاراً، لئلا تُحرم إحداهما من حميمية الليل، حتى يكون ذلك ضمن الأمر الإلهي، حيث قال الله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (آية 19) سورة "النساء". وهذه الآيةُ الكريمة تشمل المعاشَرة القولية والفعلية ليلاً ونهاراً، وعليه أن يقتدي برسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، الذي قال: "خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي"، وقد أمرنا الله باتخاذ الرسول المثل الأعلى لنا، فقال الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (آية 21) سورة "الأحزاب".
 

الالتزام بالشروط

 على الجانب الآخر، يرى الدكتور صابر طه، العميد السابق لكلية الدعوة في جامعة الأزهر، أن زوج النهارية لم يظلمها طالما ينفذ ما اتفقا عليه، ولهذا فهو لم يخالف الشرع طالما يذهب إليها نهاراً كما جاء في العقد، وقد قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ....". (آية 1) سورة "المائدة".

 وأوضح: "رغم أن الوضع المثالي أن يعدل بينهما ليلاً ونهاراً، إلا أنه التزم بما تم التوافق عليه من دون إجبار منه. ولهذا قال الفاروق عمر بن الخطاب: "مقاطع الحقوق عند الشروط" وقد قال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فيما روي عن الله تبارك وتعالى، أنَّه قال: "يا عِبادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلم على نفسي وجعَلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تَظالَمُوا"، فالظلم هنا ليس من الزوج ولكن من الزوجة التي تريد أن تأخذ أكثر من حقها الذي اتفقت عليه، فهذا هو العدل بين الزوج وزوجته النهارية كما تم الاتفاق، ولهذا قال الله تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (آية 31) سورة "آل عمران".

 وأكد الدكتور صابر طه، أن ما يحدث من الزوجة النهارية ما هو إلا نوع من الغيرة والشحناء، ولا شك في أن الغيرة هي من طبع المرأة، والزوج ينفذ أوامر الشرع، حيث قال الله تعالى: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مسؤولاً" (آية 34) سورة "الإسراء".
 

نصف رجل

 عن التفسير الاجتماعي لهذه الظاهرة الجديدة، تؤكد الدكتور سامية الساعاتي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أنها نتاج تأخر سن الزواج وانتشار العنوسة بين الفتيات، مما يجعلها ترى نصف رجل أفضل من لا شيء، والمجتمع يساعدها على ذلك، فنجد المثل العامي المصري: "ظل رجل ولا ظل حائط".

 وأوضحت الدكتورة سامية أن الحل في تيسير الزواج، وإلا فإننا سنجد ألواناً أخرى من الزواج بحثاً عن الحلال، ولو بالقليل من الوقت الذي يقضيه الزوج مع زوجته، مثل زواج المسيار والمسفار والمصايف، وغيرها من الزيجات التي تكون فيها الزوجة غير مكتملة الزوجية من الناحية الاجتماعية والنفسية.
 

أزمة نفسية

عن التحليل النفسي للمرأة التي ترتضي أن تكون زوجة نهارية فقط، تؤكد الدكتورة إيمان شاهين، مديرة مركز الإرشاد النفسي في جامعة عين شمس، أن المرأة التي تعاني العنوسة تعيش في ظل أزمة نفسية حادة منذ بلوغها العشرين، حيث يظل يطاردها شبح العنوسة والخوف من أن يفوتها قطار الزواج. ولهذا فهي تقدم تنازلات حتى تخرج من هذه الأزمة النفسية والنظرة الاجتماعية القاتلة لها على أنها عانس.

وأشارت إلى أن الفتاة تقبل أن تكون زوجة نهارية فقط على أمل تعديل الحال بعد ذلك، فإن نجحت تكون قد كسبت وضعاً أفضل، وإن لم تنجح فهي لم تخسر شيئاً، لأنها أمام المجتمع زوجة كاملة، خاصةً أن الكثير من أفراد المجتمع لا يعلم أنها زوجة نهارية فقط، ولهذا تحاول أن تتأقلم وتجد لنفسها المبررات حتى ترضى بوضعها كزوجة نهارية.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080