ما تقوله بشرتك عن صحتك
لا شك في أن البشرة تعكس الحالة الصحية. فحين تكشف عن احمرار، أو بثور، أو جفاف غير اعتيادي، أو حكاك، يمكن أن يكون ذلك دليلاً على خلل في جسمنا.
فالبشرة ليست مجرد غطاء يغلف الجسم، بل هي عضو فعال من أعضائه وهي لا تحمينا فقط من الاعتداءات الخارجية، وإنما تؤدي أيضاً دوراً أساسياً في تنظيم حرارة الجسم وفي التركيب الهرموني. البشرة حساسة للمس والألم والتوتر.
ولعل الأكزيما هي المرض الأكثر شيوعاً بين أمراض البشرة، لكن مشكلات البشرة تكون أحياناً دليلاً على مشكلات أخرى، نادرة أو شائعة، لا تخطر كثيراً في البال.
البشرة الجافة
نعاني جميعاً من جفاف البشرة بين الحين والآخر، وثمة أسباب عدة وراء ذلك: الشيخوخة الفيزيولوجية للبشرة، الاعتداءات الخارجية (مثل الهواء الجاف، والرياح، والشمس...)، والهبوط الهرموني (سن اليأس)، وتناول الأدوية (المحاربة للكولسترول، أو القصور الكلوي، أو قصور الغدة الدرقية...). لكن في العديد من الحالات، يكون جفاف البشرة نتيجة نقص غذائي: نقص في البروتينات، أو الأحماض الدهنية الأساسية، أو المعادن (زنك، مغنزيوم والفيتامينات B).
العلاج يبدأ إذاً في طبق الطعام، عبر تناول غذاء صحي ومتوازن، ويترافق طبعاً مع استعمال منتظم للكريم المرطب، مباشرة بعد الاستحمام فيما لا تزال البشرة رطبة، لاحتباس الرطوبة في الداخل.
البشرة الموجبة للحك
عندما توجب بشرتنا الحك، نلقي اللوم على الحشرات (مثل البعوض) أو الطفيليات (مثل الجَرَب). إلا أن هذا الحكاك قد يعزى أيضاً إلى العديد من الأمراض الجلدية (مثل الأكزيما، وداء الصداف، والالتهاب الجلدي الموضعي، والشرى (الطفح الجلدي)، والتسمم الجلدي...) أو إلى حساسية تجاه دواء معين (مثل الأسبيرين أو المضادات الحيوية....). إلا أن المساحات الموجبة للحك، والمعروفة باسم الحكّة الشديدة (Prurit) في اللغة الطبية، قد تكون دليلاً على أمراض أخرى.
بالفعل، تشيع البشرة الموجبة للحك عند الأشخاص المصابين بفيروس السيدا، أو المرضى الذين يعانون من قصور كلوي أو التهاب في الكبد. فإذا استمر الحكاك لفترة طويلة، وامتد على مساحات كبيرة من البشرة، ولم يترافق مع آفات ظاهرة في البشرة، لا بد من استشارة الطبيب وإجراء تحليل شامل للدم بحثاً عن الأسباب المخفية لذلك الحكاك.
البشرة الشاحبة
نكشف جميعاً عن بشرة شاحبة نوعاً ما بين الحين والآخر. ولا داعي للقلق عموماً إلا إذا استمر هذا الشحوب لفترة طويلة جداً وامتد على مساحات واسعة من البشرة.
فالشحوب قد يخفي فقراً في الدم، أي نقصاً في الكريات الحمراء، علماً أن هذه الكريات أساسية لنقل الأوكسيجين من الرئتين إلى كل الخلايا.
يترافق فقر الدم عموماً مع إحساس بالتعب وانقطاع للنفس عند بذل أدنى مجهود، ويمكن تشخيص هذه المشكلة بواسطة تحليل بسيط للدم. ينجم فقر الدم عموماً عن نقص في الحديد أو الفيتامينات B، ويمكن معالجته بسهولة.
لكن في بعض الأحيان، تنجم البشرة الشاحبة أيضاً عن أمراض أخطر، مثل أمراض الدم، أو السرطان، أو التهابات المناعة الذاتية (مثل داء كرون والتهاب المفاصل الرثياني) أو النزف. وهنا، تبرز الحاجة إلى استشارة الطبيب بأسرع ما يمكن.
البشرة الساخنة أو الباردة
البشرة الساخنة التي تكشف عن احمرار شامل يمكن أن تنجم عن ارتفاع في حرارة الجسم (وهذا دليل التهاب). لكن إذا ترافقت مع تعرّق ونوبات توهج، يحتمل أن يكون ذلك دليلاً على خلل في الغدة الدرقية، وتحديداً فرط نشاط الغدة الدرقية.
في المقابل، إذا كانت البشرة باردة وجافة، يحتمل أن تعاني الغدة الدرقية من القصور (أي أنها تعمل ببطء أكثر من المعتاد). والواقع أن مشكلات الغدة الدرقية شائعة كثيراً، ويكفي تحليل بسيط للدم لتشخيص المشكلة.
البشرة الزرقاء
حين تميل البشرة إلى اللون الأزرق، يعني ذلك أن الدم لا ينقل كمية كافية من الأوكسيجين. لا بد إذاً من استشارة الطبيب بأسرع ما يمكن، خصوصاً إذا امتد اللون الأزرق على كل الجسم.
في هذه الحالة، يكون السبب عموماً قصوراً في الجهاز التنفسي أو الدورة الدموية (ذبحة قلبية، نزف، وذمة في الرئة...). في المقابل، إذا اقتصر اللون الأزرق على أطراف الجسم (أي أصابع اليدين والقدمين والأذنين)، وحصل بشكل دوري وغير منتظم، يجب التفكير حينها في داء رينو (Raynaud). إنها مشكلة مزمنة في الدورة الدموية، شائعة جداً وحميدة مبدئياً.
البشرة المتقشرة
التقشر هو دليل على تلف الطبقات السطحية من البشرة. وبالإضافة إلى المشكلات الحميدة (مثل جفاف البشرة، والفطريات، والأكزيما، وداء الصداف، والعدة الوردية...)، أو الوخيمة (مثل أمراض المناعة الذاتية والسيدة وأمراض الأعصاب) والتعرض المفرط للحرارة (مثل الشمس أو الحمام الساخن...)، ينجم تقشر البشرة عموماً عن نقص مهم في الماء، خصوصاً بعد عمر الأربعين.
الحل الوحيد إذاً يكمن في ترطيب البشرة قدر الإمكان. اشربي 1.5 ليتر على الأقل من الماء كل يوم، وحافظي على مستوى جيد من الرطوبة في المكتب أو المنزل، واستعملي الكريم المرطب كل يوم، وتجنبي الحمامات بالمياه الساخنة جداً.
البشرة الصفراء
إذا كنت لا تستهلكين الجزر (أو الكاروتين) بإفراط، وإذا كان بياض عينيك أصفر اللون، ثمة احتمال كبير أنك تعانين من اليرقان، ومن الأفضل استشارة الطبيب بأسرع ما يمكن.
يعزى عارض الاصفرار إلى وجود مفرط لمادة الياقوتين الصفراء (Bilirubine) في الدم والأنسجة. يحصل الفرط في هذه المادة عند التهاب الكبد أو الحويصلة الصفراوية: انسداد مجاري الحويصلة (نتيجة الحصى...)، التهاب الكبد الفيروسي (A وB وC وD وE) أمراض في المناعة الذاتية...
البشرة المكسوة بصفائح حمراء
تعزى هذه الظاهرة عموماً إلى الحساسية. فالشرى (أو الطفح الجلدي) والتهاب الجلد الحاد (أو أكزيما الاحتكاك) هما من الأمراض الشائعة جداً، وإنما التي لا يتم تشخيصها كما يجب.
وفي كلا الحالتين، تكون الصفائح منتفخة نوعاً ما وموجبة للحك. لكن في حالة الطفح الجلدي العادي، تختفي هذه الصفائح وحدها خلال 24 ساعة من دون ترك أي أثر مكانها، فيما تميل إلى التوسع والانتشار والكشف عن انتفاخات صغيرة وقشور في أكزيما الاحتكاك.
تنجم هذه الحساسيات عن مواد عدة، مثل طعام، أو دواء أو لاتكس في حالة الطفح الجلدي مثلاً، أو عطر أو مجوهرات أو مستحضر تجميل أو نوع قماش في الأكزيما. يكون علاج الطفح الجلدي موضعياً و/أو شاملاً للأكزيما (باستعمال مضادات الالتهاب أو المعقمات)، لكنه شامل حتماً في الطفح الجلدي (أو الشرى).
البشرة البيضاء
إن ظهور بقع بيضاء صغيرة على البشرة هو في أغلب الأحيان دليل على مشكلة الوَضَح (Vitiligo). إنه مرض جلدي يصيب ملايين الأشخاص حول العالم ويتمثل في خسارة موضعية للخلايا المنتجة للميلانين، أي الملوّن الرئيسي للبشرة.
تنجم هذه المشكلة عن التعرض لأشعة الشمس المباشرة، أو الاحتكاك ببعض المواد الكيميائية، أو التعرض لصدمة عاطفية. واللافت أن هذه المشكلة لا تُظهر أعراضاً، بحيث لا توجب الصفائح الحك، ولا تسبب الألم أو الإحساس بالحرق، ولا تنتقل أبداً بالعدوى.
يمكن أن تبقى مشكلة الوضح (Vitiligo) ثابتة (أي أنها لا تنتشر) أو تمتد بسرعة نسبياً، أو حتى تتقلص من حيث المساحة. وفي كل الأحوال، يجب استشارة الطبيب.
فهذه المشكلة قد تكون مرتبطة بمشكلة أخرى (خلل في عمل الغدة الدرقية، قصور في الغدد الكظرية، نقص في الفيتامين B12، إلخ...)، وتسهل إعادة تلوين البشرة إذا لم يكن الوضح ممتداً على مساحة كبيرة من البشرة.
البشرة المليئة بالفطريات
يعزى داء الفطار إلى تكاثر الفطريات في البشرة. إنها مشكلة شائعة جداً، وتنجم عموماً عن سبب خارجي- مثل التحسس أو انحصار القدمين في الأحذية.
لكن إذا تكرر داء الفطار أكثر من أربع مرات في السنة، يعني أنه مرتبط بسبب داخلي. بالفعل، قد يكون داء الفطار عارضاً على خلل في الغدد الدرقية، أو انخفاض في فاعلية جهاز المناعة، أو داء السكري. فحين يضعف جهاز المناعة، يواجه الجسم صعوبة في مواجهة اجتياح الفطريات.
ننصحك باستشارة الطبيب بأسرع ما يمكن، خصوصاً أن العلاج بسيط نسبياً ويقوم على تناول أدوية مضادة للفطريات.
البشرة الحساسة بإفراط
تشعرين بوخز، أو شدّ، أو حرق في بشرتك... لم تعد بشرتك قادرة على تحمل أي شيء... وماذا لو كانت بشرتك حساسة بإفراط؟ لا علاقة لذلك أبداً بالحساسية (allergie)، وإنما يعني انخفاضاً في قدرة بشرتك على التحمل.
بالفعل، تصبح الطبقات العلوية للبشرة أكثر نفاذاً وتخسر وظيفتها كحاجز واقٍ. هكذا، تتفاعل البشرة بإفراط. يعزى ذلك التحسس المفرط إلى أسباب عدة، منها التلوث، والشمس، وتكييف الهواء، والتقلبات المفاجئة في درجات الحرارة، والتوتر، والتعب، والتبغ، وسوء التغذية، والعوامل الهرمونية... ورغم أن المرأة صاحبة البشرة الفاتحة والشفافة والرقيقة تكون عرضة أكثر من غيرها لهذه المشكلة، فإن كل أنواع البشرة قد تعاني من التحسس المفرط.
يكمن الحل في ترطيب البشرة دوماً وتجنب المستحضرات القاسية التي تعتدي على الغشاء المائي الدهني الواقي على سطح البشرة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024