ماذا يفعل الفنانون السوريون في لبنان؟
استطاعت الدراما السورية خلال السنوات العشر الاخيرة أن تحتلّ مكانة متقدمة جداً في خريطة الدراما العربية عبر أعمال فنية متميزة صاغها بحرفية مخرجوها وممثلوها ومنتجوها، إلى أن أضحت المنافس الشرس للدراما المصرية في جدول عروض الفضائيات العربية في شهر رمضان المبارك. ولا يخفى على أحد أن عدداً من شركات الانتاج المصرية استعانت بقدرات معظم المخرجين السوريين الذي وضعوا بصمتهم على أعمال تاريخية لا يستهان بها، ومنهم حاتم علي وهيثم حقي وآخرون. ولكن مع بدء الأزمة السياسية والأمنية في سورية قبل أكثر من سنتين، تقلّص عدد إنتاج المسلسلات السورية إلى النصف تقريباً، ومع اشتداد المعارك اضطرّ عدد كبير من الممثلين والمخرجين لمغادرة بلادهم إلى دبي ومصر ولبنان بعدما أصيبوا بإحباط نتيجة ما يحصل، لكن الاصرار والعزيمة لدى الفنانين السوريين شكّلا هذا العام مفاجأة كبيرة للمراقبين اذ تبيّن أن المنتجين السوريين أقدموا على إنتاج 29 عملا دراميا صوّرت بين لبنان وسورية واحتلّت معظم شاشات الفضائيات العربية. فضلا عن مشاركة مجموعة من النجوم السوريين في أعمال مصرية بأدوار بطولة مثل مكسيم خليل الذي يشارك في مسلسل «الشك» الى جانب رغدة وحسين فهمي، وتيم حسن الذي يلعب بطولة مسلسل «الصقر شاهين» إلى جانب رانية فريد شوقي وشيري عادل.
وبما أن لبنان هو البلد الأقرب جغرافياً الى سورية، كان من المتوقع ان يجد المنتجون السوريون في ربوعه متنفساً لتصوير أكثر من عمل، خصوصاً أن عدداً من الممثلين اختاروا أن يقيموا في لبنان بشكل موقت بحثا عن الأمان والراحة بعيدا عن الاحداث التي تفاقمت في بلادهم.
ومن أبرز الأعمال التي صُوّرت في لبنان «الولادة من الخاصرة –منبر الموتى» الجزء الثالث و«صبايا5» و«حدود شقيقة» و»سنعود بعد قليل».
ومن منطلق آخر، كان لهذه الأعمال التي صُوّرت في لبنان منحى إيجابي إذ كان لعدد كبير من الممثلين اللبنانيين فرصة المشاركة في مسلسلات تعرض على عدد كبير من الفضائيات خلال شهر رمضان.
فمسلسل «ولادة من الخاصرة 3» يقوم ببطولته عابد فهد وباسم ياخور ومنى واصف وشكران مرتجى وأيمن رضا وقصي الخولي ونادين الراسي وكارمن لبس ومن إخراج سيف السبيعي. ومسلسل «صبايا 5» من بطولة جيني إسبر وهبة نور ونادين نجيم وليليا الاطرش ومريم حسين ومحمد خير الجراح وجو طراد واخراج محمد دويمة. و«سنعود بعد قليل» بطولة دريد لحام وقصي الخولي وسلافة معمار ونادين الراسي وعابد فهد وباسل خياط. و«حدود شقيقة» من بطولة باسم ياخور وأحمد الأحمد ولورا ابو أسعد وأندريه سكاف ومرح جبر وتيسير ادريس واخراج أسامة الحمد. وهذه الأعمال استغرق تصويرها أكثر من شهرين، مما تطلّب من هؤلاء الممثلين الإقامة في لبنان مدة التصوير، كما أن البعض منهم استأجر بيتاً وقرر انتظار هدوء الأوضاع الامنية في سورية، خصوصاً أن عدداً منهم تعرّض لمضايقات واحتجاز على خلفية آرائهم السياسية ما استدعى هروبهم الى لبنان عن طريق الأصدقاء والابتعاد عن الإعلام.
حاولت «لها» التواصل مع هؤلاء النجوم للاطلاع على طبيعة حياتهم العملية والانسانية بعيداً عن وطنهم، الا أن معظمهم لم يتجاوب ووصل به الأمر إلى تحذير المقربين منهم من عدم إعطاء عناوينهم او أرقام هواتفهم بسبب هواجس معينة يخافون التطرق إليها في الاعلام. وكان لافتاً أن عدداً منهم أنهى تصوير أعماله وغادر لبنان متوجها الى سورية أو إلى مكان إقامته المؤقت في دبي، مثل عابد فاهد وباسم ياخور. وبعد محاولات حثيثة تمكنا من محاورة عدد من الفنانين الذين قرروا توزيع إقامتهم بين لبنان ودمشق لأسباب مهنية وليس هربا أو خوفا من الواقع السوري الحالي، وهم المخرج سيف السبيعي والممثلات ليليا الاطرش وتولين البكري و هبة نور والمطرب الكبير صباح فخري وابنه المطرب أنس فخري، فماذا قالوا؟
هبة نور: الإقامة في الفنادق أتعبتني فاستأجرت منزلاً في بيروت
الممثلة هبة نور التي تشارك هذا العام في أربعة مسلسلات هي «الولادة من الخاصرة 3» و«زمن البرغوت» و«قمر الشام» و«صبايا 5»، بدورها استأجرت منزلا في بيروت قبل ثلاثة أشهر لأنها تعبت من الإقامة في الفنادق. وتقول: «أنا معتادة على زيارة لبنان بشكل دائم وقبل اندلاع الاحداث في سورية، وكل بيوت اصدقائي مفتوحة لي. لكني وجدت الراحة في منزلي الخاص، وها أنا أمضي شهر رمضان في دمشق مع أهلي بعدما انتهيت من تصوير أعمالي وتحديدا «الولادة من الخاصرة3» و»صبايا 5» في لبنان».
وعن زملائها وأصدقائها في الوسط الفني الموجودين في لبنان قالت: «التقيت عدداً منهم أثناء التصوير، لكن أصدقائي الدائمين هم سوريون مقيمون في لبنان ليسوا من الوسط الفني، وفي وقت الفراغ نلتقي في المقاهي وندخن النرجيلة، وفي المساء أعود الى المنزل لأشاهد التلفزيون إذ اعتبر نفسي إنسانة بيتوتية».
وعن الأوضاع في دمشق حالياً، أكدت هبة نور أن الأمور في العاصمة باتت أحسن لكن غلاء المعيشة يكسر ظهور الناس الفقراء. أما عن النازحين السوريين في لبنان فأكدت أن هذه المسائل لا يمكن التحدث عنها في الاعلام، «علماً أنني فضلت مساعدة النازحين الذين لجأوا الى دمشق من مناطق سورية أخرى تعرّضت للدمار والقصف، وأعتقد أن السوريين المقتدرين مادياً وقفوا بجانب هؤلاء».
وعن الهجوم الذي يتعرّض له الفنانون الذين غادروا سورية في خضم الأزمة قالت: «للأسف أن بعض الناس يحبون المزايدات في الوطنية. أنا أحب بلدي ولن أتخلّى عنه مهما حصل، لكن بحكم عملي أسافر لكني لم أهاجر وكل أملاكي في سورية ما زالت موجودة باسمي».
أنس فخري: والدي صباح فخري لا يعتبر نفسه نازحاً فنحن نوزع إقامتنا بين بلدان عدة
يقيم المطرب الكبير صباح فخري وزوجته وولده المطرب أنس فخري في لبنان منذ أشهر عدة. وفي اتصال مع «لها» أكد أنس فخري أن والده يزور لبنان منذ سنوات طويلة وكان له منزل دائم فيه قبل اندلاع الأحداث في سورية بفترة طويلة، خاصة أن إقامتهم تتوزع بين ميونيخ وبيروت وباريس ودمشق وحلب. أما أخوته الثلاثة الآخرون فهم متزوجون ومنهم من لا يزال مستقرا في حلب.
وأكّد أنه لا يعتبر نفسه نازحاً وأن للعائلة أصدقاء كثراً في لبنان، «ونحن نعيش حياتنا بشكل طبيعي ونعتبر أن الشعبين السوري واللبناني واحد. أصدقاؤنا الفنانون السوريون يزوروننا دائماً، ومنهم عباس النوري وجهاد سعد وأيمن رضا وزهير قنوع».
أما بالنسبة إلى العمل في مجال الفن فقال أنس فخري إن هذا المجال يعرف كساداً «ووالدي صباح فخري لديه حفلة واحدة فقط في وسط بيروت في 13 آب/أغسطس ضمن مهرجن أعياد بيروت. ما عدا ذلك نحن نشاهد بأمّ العين ان عدداً كبيراً من نجوم الغناء باتوا أعضاء في لجان تحكيم البرامج التلفزيونية لعدم توافر الحفلات».
سيف السبيعي: لم اغادر سورية خوفاً بل بعقد عمل في بيروت
المخرج سيف السبيعي الذي يعيش في لبنان منذ سنة ونيف ونفذ فيه عملين لبنانيين هما «ديو الغرام» و«مراهقون» ثم التزم بتنفيذ الجزء الثالث من «الولادة من الخاصرة 3» بعد اعتذار المخرجة رشا شربتجي، قال لـ «لها»: «لم آت الى لبنان هرباً أو خوفاً مما يجري في سورية بل حضرت بناء على عقود عمل وقعتها مع شركات انتاج لبنانية. وعندما تسنح لي الظروف أزور دمشق، لكني حاليا موجود في دبي من أجل توليف بقية حلقات «الولادة من الخاصرة3»».
يضيف: «لم أخرج من بلدي لأني لم أحصل على فرصة عمل، والحمد الله أن الدراما السورية قدّمت أعمالا جميلة هذا العام، ومنها من ارتأى صناعها كتابة سيناريوهات تدور أحداثها بين لبنان وسورية مثل «سنعود بعد قليل». وكنت ألتقي جميع زملائي الموجودين في لبنان أثناء التصوير». وعن مساعدته للنازحين قال: «لن أتحدث بهذا الموضوع، لكن للاسف أن بلدي فتح أبوابه لكل النازحين سواء من العراق او لبنان لكن شعبي لم يلق المعاملة نفسها التي قدّمها للشعوب الأخرى أثناء الحرب والمحن».
تولين البكري: إقامتي في بيروت متعلّقة بعمل جديد لن أفصح عنه الآن
الممثلة تولين البكري التي تشارك في أعمال عدة هذا العام ومنها «أيام شامية» الذي صور في طرطوس و«خماسيات صرخة روح» مع الممثل عباس النوري، تقول عن البيت الذي استاجرته في لبنان منذ أسابيع بهدف الإقامة الدائمة: «لم أترك الشام إلا من فترة قريبة، وقررت المكوث في بيروت لأنني ارتبطت بعمل بعيد عن التمثيل سيستغرق ستة أشهر لن افصح عن تفاصيله في الوقت الحالي، وهذا كله لأني أبحث عن مجال جديد بعد عشرين عاما من العمل في التمثيل. كما أرغب في خوض تصوير الإعلانات التجارية. وعلى الإنسان ان يتبع رزقه. ومغادرتي سورية لا تعني الهرب مما يجري من أحداث تؤلمنا جميعاً».
ليليا الاطرش: لا أشعر بالغربة فالناس في لبنان يحبّون الضيف
الممثلة ليليا الاطرش التي فضلت هذا العام أن تشارك في عمل درامي واحد هو «صبايا 5» الذي صوّر كاملا في لبنان قالت: «لم أهرب أو أهاجر من بلدي، فأنا عادة كنت أقصد بيروت بشكل مستمر ولي فيها عدد كبير من الأصدقاء، وكنت أقيم في بيوتهم، لكن منذ 8 اشهر قررت أن استأجر منزلا وذلك عندما بدأنا تصوير مسلسل «صبايا» من أجل أن يكون لي مكان إقامة ثابت لأن الإقامات في الفنادق أتعبتني. وتضيف: «أهلي يزورونني باستمرار وانا أزورهم في دمشق حيث منزل العائلة».
وعما إذا كانت تشعر بالغربة قالت: «أبدا لا أشعر بالغربة، والمسافة بين الشام وبيروت لا تتجاوز الساعتين في السيارة. والشعب اللبناني يحب الضيف، وأنا هنا أعيش حياتي العادية». وعن التواصل مع زملائها الفنانين السوريين المقيمين في لبنان تقول: «لا تربطني علاقات وطيدة مع زملائي لكن من التقيتهم مثل عبد المنعم العمايري وزوجته أمل عرفة وأيمن رضا جمعتني بهم جلسات ودية». وعن عدم مشاركتها في أعمال درامية أخرى، تقول: «الدراما السورية لم تتأثر بالأحداث الجارية في البلد، بل هذه الدراما رائدة ومن واجبنا الوقوف بجانبها ودعمها. وعدم وجودي في أعمال عدة مرده الكسل، لذا اكتفيت بالعمل الذي صور في بيروت».
وأخيرا عن مساعدتها للنازحين السوريين أكدت الأطرش أنها لا تحب التحدّث عن هذا الأمر لأنه يخصّها وحدها «ورب العالمين سبحانه وتعالى مطلع عليه. وأتمنى أن أعود إلى وطني في أقرب فرصة لأنني أشبه الطفل الذي يعشق طعام والدته مهما تذوق من أكلات أخرى، وسورية هي أمي».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024