توليدو Toledo الأندلسية: تاريخ العرب وأمجادهم لا يزالان هنا...
بدأ الربيع يتسلل ليشغل الطبيعة بمهرجان ألوانه، فتوزّع أدوار فصل الولادة على كائناتها بالتساوي، ليكون لكل عنصر فيها دور البطولة، تُخرج كل ما في كواليسها على مسرح الفصول.
إنه الربيع الذي غنّاه فريد الأطرش «آدي الربيع عاد من تاني والبدر هلّت أنواره» بالفعل كل الذكريات والمشاهد الجميلة تكاد تكون لصيقة بهذا الفصل، ولا إراديًا نعمل بنصيحة الراحلة سعاد حسني «الدنيا ربيع والجو بديع أفلّي على كل المواضيع»، نقفل على كل المواضيع التي توتّرنا وننطلق نحو الطبيعة ونعانق الربيع بكل ما أوتينا من فرح.
إذًا، ماذا تنتظرين لتحزمي حقيبة سفرك، وتكتشفي ربيع العرب في طليطلة أو كما تعرف بـ Toledo المدينة الإسبانية التي تحضن بين أسوارها تاريخ أندلس العرب لتكون منصّتك، وتحتفلي بفصل الولادة، علّ ربيع العرب الأندلسي يعود!
توليدو المستريحة في قلب إسبانيا وعلى ضفاف نهر تيخو Tejo لقبها مدينة الثقافات الثلاث، لأن العرب والمسيحيين واليهود، يعيشون هنا معًا بكل تسامح وسلام منذ قرون. بين أسوار توليدو يعيش الإرث الثقافي والإبداعي في مساجد وقصور وكنائس تعكس حوار الحضارات في هذه المدينة.
بوّابات توليدو ومزيج فن العمارة الإسلامية والقوطية
يتشكّل وسط توليدو التاريخي من متاهة شوارع تتسرب بين أسوار المدينة التي تخترقها بوّابات تُفتح برحابة أمام كل من يزورها. تشكل بوابة بيزاغرا Bisagra المدخل الرئيس للمدينة، وقد شُيّدت على الطراز الأندلسي الإسلامي، بيد أنها شهدت تعديلات في عهد الإمبراطور كارلوس الخامس، ما يفسّر وجود مجسّمين ودرع الإمبراطور عند أعلاها وتتضمّن فناء مركزيًا.
فيما بوابة ألفونسو الخامس أو فييخا دي بيزاغارا Vieja de Bisagra شُيّدت عام 838 وهي واحدة من أكثر البوابات التي تعكس الشغف بالفن الإسلامي في المدينة
. أما بوابة سول Sol، فقد شُيدت في القرن الثالث عشر على النمط المدجّن (نمط من الفن المعماري ساد بين القرنين الثاني عشر والسابع عشر، وهو يجمع بين الفن الإسلامي الأندلسي والقوطي) وتحتوي على بقايا ناموس صخري.
عبر هذه البوابات، يمكنك الولوج إلى أماكن فريدة من نوعها، مثل ساحة زوكودوفرZocodover المركزية التي كانت سوقًا مهمًا، وملتقى للمهرجانات والأحداث الاجتماعية في العصر الإسلامي العربي. وراهنًا تحيط بهذه الساحة مبانٍ بشرفات جميلة وتعد أكثر الأماكن ازدحامًا في توليدو.
معالم أقل ما يقال عنها إنها تحف فنية تحاكي كل الأزمنة
تعتبر توليدو مدينة رائعة للتجوال على القدمين، وما عليك سوى السير بين متاهة من الأزقة الضيّقة والشوارع الحلزونية، حيث يدهشك كل تفصيل، وكل ركن فيها بالهندسة المعمارية الفريدة التي تحضن بوتيكات صغيرة على طول مسارات رومانية مرّ عليها الزمن، ولم يجرؤ على إتلافها. فتبدو لك توليدو مدينة متشبثة بما حفظته من حضارات لم تأبه لتقلب أمزجة العصور وتبدّل صفحات التاريخ. هنا المعابد والمساجد والكنائس تتزاحم على إبهارك بأنماط هندستها المعمارية الفريدة المتمازجة بهدوء لم يعكّر صفوه الزمن. يستوقفك مسجد كريستو دو لا لوتز Mosque of Cristo de la Luz الذي يعود تاريخه إلى عام 999 وهو نسخة من مسجد قرطبة. إنه معلم غير عادي، يضم فناء مربعًا مغلفًا بقناطر معقودة، وقد أضيف إلى هذه الباحة حرم على النمط الرومانسكي- المدجّن في القرن الثاني عشر.
وتشهد كنيستا سان سيباستيان SanSebastian وسانت أولاليا Santa Eulalia على التسامح الديني الذي تميز به المسلمون في الأندلس. فقد كان الميزوآراب Mezoarab (صفة كانت تطلق على المسيحيين الذين كانوا يعيشون ضمن القانون الإسلامي) يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرّية. تعكس الكنيستان نمط الفن المدجّن الغني بالتصاميم العربية. كل تفاصيل توليدو تذكّرك بأمجاد العرب، أقواس حدوة الحصان، النوافذ ذات القويسات Lobed windows (نوافذ اشتهر بها فن العمارة الإسلامية، وهي نوافذ ذات قويسات رسمت على زجاجها منمنمات بألوان مختلفة أو كانت ألواحها من الخشب المزخرف على شكل المنمنمات، وتشتهر القاهرة ودمشق بهذه الشبابيك في معالمها التي تعود إلى العهد الفاطمي)، وغيرها من عناصر الفن المعماري المتناثر في أرجاء توليدو. ويعتبر سانتياغو دل آرابالSantiago de Arrabal أحد أفضل النماذج التي تعكس نمط هذه المدينة.
بعد التجوال، سيري نحو جسر مارتين الذي بني في القرن الثالث عشر. عند المغيب، من المؤكد أنك ستشعرين برهبة الأرجواني وهو يعانق خضرة الطبيعة التي ترتوي من نهر تيخو، وكأن مياهه تسترق من أحاديث التاريخ الذي يستريح عند برجي الدفاع ودير سان خوان دي لوس رييس San Juan de los Reyes أسرار الأندلس.
فهذا المعلم يعكس جمال الفن القوطي بالزخرفات والمنحوتات الرائعة، فكان تحفة خوان غواس المعمارية، الذي نفّذها بتكليف من الملوك الكاثوليكيين.
أمّا العلامة الفارقة لفن عصر النهضة في توليدو، فهو مستشفى تافيرا Tavera الذي تحوّل إلى متحف يضم أعمال الرسام إل غريكو الذي كرّمته المدينة العام الفائت بمعرض ضم كل لوحاته بين شهري آذار/مارس وحزيران/ يونيو لمناسبة مرور 400 عام على رحيله.
أينما جلت في توليدو، تجدين للعرب آثارًا تحدّثك عن مجدهم، عن تسامحهم وانفتاحهم على الحضارات، عن فنهم الأصيل والمدجّن تلمسينه في مدينة تعرف كيف تذكّرنا نحن العرب بالأمجاد التائهة بين سطور التاريخ، وعرفت هي كيف تتلقى من تاريخها دروسًا لمستقبل تبقيه في حركة تصاعدية.
Toledo Q&A
- كيف تصلين إلى توليدو؟
يستغرقك الأمر 35 دقيقة انطلاقًا من مدريد عبر القطار، و50 دقيقة بالحافلة. التجوال على القدمين أفضل طريقة لاكتشاف المدينة العتيقة.
- أين يمكنك المبيت؟
هناك الكثير من الفنادق التي تدمج روح التاريخ والعصر في آن، وأنصحك بالنزول في فندق يقع عند هضبة الإمبراطور المشرفة على نهر تاخو.
- ماذا تأكلين؟
عليك تجربة حلوى مارصبان توليدوMazapan of toled وهو عبارة عن حلوى نُحت عليها اللوز المعقّد بالسكر، وجبنة مانشيغو، وبيستو مانشيغو، وهي شوربة خضار تقدّم مع الخبز والبيض المقلي.
- ماذا تتسوّقين في توليدو؟
تشتهر توليدو بصناعة السيوف المعدنية من الحديد، وهي صناعتها التقليدية التي توارثتها منذ 2000 سنة. وقد تغريك السيوف المعدنية المزخرفة ومتاجر المجوهرات، كما أنك لن تقاومي الحوانيت التي تعرض الأشغال اليدوية من السيراميك والأنتيك بتصاميم عربية ورومانية، وإذا وجدت ثمنها مرتفعًا، ففي إمكانك الحصول على مثيلاتها المصنوعة آليًا. ولا تخشي أن تنكسر، ذلك أن أصحاب المتاجر يغلّفونها في شكل يحميها من التكسر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024