تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

ديانا فارس: أكتب إلى أقصى حد من الجرأة وأحرص على ألا تكون مسيئة

كاتبة درامية من الطراز الرفيع، تحاول دائماً اختراق الأماكن الأكثر صعوبة في الكتابة، الأمر الذي جعل لنتاجها الإبداعي فرادته وتميزه، فهي أول من عمل على تأسيس سينما الأطفال من خلال كتابة فيلم رسوم متحركة طويل بعنوان «خيط الحياة» وتبعه فيلم آخر لينالا الكثير من الجوائز.
وفي ما بعد قدمت سيناريو الفيلم السينمائي الروائي الطويل «عرائس السكر»، إخراج سهير سرميني وعالجت من خلاله قضية طفلة تعاني «متلازمة داون» المنغولية. أما في التلفزيون فلها الكثير من الأعمال اللافتة... إنها ديانا فارس التي حملت في فكرها وقلبها قضية الدفاع عن المجتمع بشقّيه: الرجل والمرأة. معها كان هذا اللقاء.


- ما حدود الجرأة لديك أثناء الكتابة، وما المواضيع التي تستفزك للكتابة عنها؟
أكتب إلى أقصى حدٍ من الجرأة ولكن تخضع كتاباتي لعملية «القص»، وأحرص على ألا تكون الجرأة مسيئة، فهناك فرق كبير بين الجرأة والوقاحة، فالجرأة أن تدخل في تابوات مقفلة ويكون ما تقدمه محترماً ونظيفاً وتأخذ في الاعتبار أنك تزور منزل عائلة.
أما ما يستفزني فهو المواضيع الاستثنائية، وعلى سبيل المثال ترى كاتبة تتبنى قضايا المرأة فتكتب عن الطلاق والعنف ضد النساء. أنا لا أحبّذ هذا النمط من الكتابة وإنما اتجه نحو العنصر المُفاجئ في الموضوع فأفتش عما هو استثنائي من دون التخصص في موضوع المرأة، لذا أتحدّث عن المرأة والرجل ضمن المجتمع.

- هل تؤيدين الحديث عن عمل أنثوي يحمل قضية المرأة أم قضايا مجتمع بقطبيه الرجل والمرأة؟
مجرد القول إن المرأة مظلومة يعني أننا كرّسنا المشكلة مهما قدمنا من أفكار. وبرأيي تنبغي معالجة الموضوع من كل الزوايا، فقد أنطلق من خلال مشكلة صغيرة تعتري انثى للكلام على أربعة رجال لديهم مشكلات حولها، من دون أن أبقى محصورة في قضية امرأة معينة.
وعلى سبيل المثال تناولت في «امرأة في الظل» حكاية امرأة تُظلم بموضوع حضانة طفلها وكيف أتى زوجها وأخذ الطفل بعدما تعبت عليه، في وقت أظهرت كيف وقف إلى جانبها عدد من الرجال وآلية تعاملهم مع الزوج، لأن زوجها هو الحالة الاستثناء وليس الرجال كلهم. أما في فيلم «عرائس السكر» فعالجت قضية طفلة مصابة بـ«متلازمة داون» وكيف ينظر المجتمع إلى حالتها.
كما أبرزت دور الصيدلي الذي ساندها بشكل نبيل، فأظهرت الرجال في تعاملهم بأكمله الإيجابي مع الفتاة وأمها، وبالتالي تناولت من خلال الطفلة قضية مجتمع لا قضية انثوية بحتة.
ومع احترامي لكل النساء اللواتي تخصصن بالكتابة أو الاخراج الأنثوي فهن يستحققن كل تقدير، إلا أنني لست مع عبارة نسائي أو ذكوري وإنما مع تناول قضايا المجتمع بشقّيه: المرأة والرجل، وما يدور حول هذه التركيبة فأنطلق منهما لأنهما يشكلان نصفي المجتمع.
فعندما تقول إنك تحارب دفاعاً عن قضايا المرأة فلن تصل إلى نتيجة لأنك خسرت الطرف الثاني وبات يرفضك إن كرسته بصورة الوحش، لا بل هناك رجال لديهم مشكلات مع زوجاتهم، والأجدى أن تطرح مشكلة يتقبلها الرجل والمرأة ويتعاطفان معها.

- خلال السنوات الأخيرة بتنا نلاحظ أعمالاً تخرج عن السائد الذكوري. فهل لامست واقع المرأة ومشكلاتها بشكل حقيقي؟ وما السبب الحقيقي وراء إنجازها؟
بدأت الكتابة منذ تسعينات القرن الماضي ولاحظت أنها اختلفت لدى الكاتبات بين ما قبل التسعينات وما بعدها. لقد حدث ارهاص ثقافي وتبدل دولي عالمي، فازداد تعنيف المرأة في الغرب ورأوا أن لا بد من إحداث تعديلات على كثير من الأمور بما فيها القوانين لديهم.
ومن خلال حضوري ورشات حول مفهوم الجندر والعنف ضد النساء والصحة الانجابية عند النساء المهمشات وزيادة الوعي وتمكين المرأة، اكتشفت أن الغرب هو من يعاني جراء هذا الموضوع، فمجتمعنا مترابط إذ عندما يحدث مكروه للفتاة تساندها العائلة، ولكن في الغرب حين تبلغ الفتاة 16 سنة تنفصل عن العائلة، لذا ازدادت عندهم حالات الاغتصاب والجريمة والعنف الزوجي، ونجمت عن ذلك حركة عالمية تسعى إلى تغيير وتعديل العديد من القوانين بخصوص تمكين المرأة.
بدأت هذه الأمور تصل إلينا، وعدلت بعض القوانين وبات هناك ما له علاقة بتمكين المرأة الريفية، وراحت الدراما تتطور وفقاً لمتطلبات المجتمع. وكنت ضمن هذه المرحلة أشارك مع كاتبات أخريات في هذه الأمور، وبدأ هذا الحراك الثقافي التوعوي وانعكس على الدراما كجزء من التشبيك والتفعيل معها.

- هل أتت الأعمال المقدمة في السنوات العشر الأخيرة تجارية أم حقيقية غاصت في هموم المرأة ومشكلاتها؟
إن لم نر السيئ فلن نميز الجيد، ومما لا شك فيه أنه لم تنجح كل الأعمال في تقديم المرأة بصورة لائقة، فقد ظهرت أعمال لا تتناسب والذوق العام، وهناك أعمال تجارية يحب بعض الرجال رؤيتها ولكنهم قد يمنعون بناتهم من متابعتها. إلا أن هذه الأعمال فرزت نفسها بنفسها، فبات كل كاتب ومخرج ومنتج معروفاً ما هو نمطه وطبيعة ما يقدم من أعمال.
وللأسف بتنا نلاحظ أن الجودة قلّت في الدراما، مما دفعنا إلى الخوف من الكتابة، لأنه إن كتبت نصاً جاداً فلن يتم تسويقه، وإن كتبت أموراً خارج قناعتك فسيتم فرزك ويقترن اسمك بها، وأرى أنه ينبغي على الكاتب تقديم أعمال جيدة وإن كان مقلاً في إنتاجه تفادياً للدخول في هذا الخضم.


بين الابداع والاستكتاب

- اليوم هناك شركات ومخرجون يلجأون إلى استكتاب الكاتب لإنجاز أفكار معينة أو إقامة ورشات كتابة. فإلى أي مدى أنت معنية بهذا التوجه في الكتابة؟
هناك معاناة من مخرجين تجاه كتاب، كما أن هناك معاناة لدى كتاب من مخرجين، فبعد الجهد الكبير الذي تبذله في نصك يفاجئك المخرج بكيفية تقديمه على الشاشة، لذلك عندما يسألونني عن سبب تكراري التجربة مع مؤسسة السينما أو مع المخرجة سهير سرميني يكون جوابي لأنني شعرت بالراحة في التعامل معهما على الصعيد الثقافي والفكري، كما أن هناك ضماناً لحقك المعنوي والإعلامي. وعندما أتعامل مع مخرج أعرفه أرتاح نفسياً، لأن أي تغيير يحدث في النص يكون بالاتفاق لنصل إلى النتيجة المرجوّة.
أما في ما يتعلق بظاهرة الاستكتاب فهي تحوي السلبي والإيجابي، لكنها بالنتيجة اقتناع مخرج بكاتب و اقتناع كاتب بمخرج. أما بالنسبة إليّ فأتمنى ألا يكون هناك مثل هذه الظاهرة والتي ليست خطأً، وإنما هي ظاهرة استثنائية وموقتة، فعندما يكبر القطاع الخاص سنخرج منها، وأرى من الأجدى أن يكون هناك تجمع لنا نحن الكتاب ليأخذ كل منا حقه.

- كيف جاء تعاملك مع المخرج غسان جبري في خماسية «مازالت الحافلة تسير»؟ وإلى أي مدى جاءت النتائج مرضية لك ككاتبة؟
لم يمارس عليّ أي عنف فكري أثناء التحضير، ولكن حدثت اجتهادات من جانبه لم أكن أعرف بها ولم ترق لي ولدي بعض التحفظات عنها، وقلتها بشفافية وتقبل كلامي بصدر رحب، ولكن مما لا شك فيه أنه ذو خبرة كبيرة وإنسان منظم جداً.


سينما

- كيف تصفين تعاملك مع المخرجة سهير سرميني بعد فيلم تلفزيوني «لكل ليلاه» وآخر سينمائي «عرائس السكر»؟
أتمنى أن تكون لي تجربة في عمل أطول معها، فنحن لم نختلف فكرياً في العمل، وخلال عملها يظهر نضجها من تجربة إلى أخرى، ففيلم «لكل ليلاه» كان لطيفاً ولكن أتى «عرائس السكر» أكثر نضجاً خاصة أنه فيلم سينمائي استطاعت أن تقدم من خلاله ما هو أهم من التجربة التي سبقته.
كما أن التعامل معها مريح، فهي تناقشك عندما تريد أن تغير في النص مما يدل إلى احترامها العمل والآخر، وإيمانهم بأن لكل اختصاصه. وهي تملك عيناً جميلة فتفاجئك بما هو غير متوقع، وقد ارتحت إلى التعامل معها على الصعيدين الشخصي والمهني.

- ما سبب ابتعادك عن كتابة أفلام الرسوم المتحركة، بعد تجربتين ناجحتين: «خيط الحياة، و«طيور الياسمين»؟
لم أبتعد، وكنت أحضّر لفيلم رسوم متحركة منذ مدة ولكن هناك عوامل لعبت دورها في تأخره، منها الانتاج والأزمة التي تمر بها البلاد ومقاطعة سورية، فقد كانت هناك خطة لإنتاجات مشتركة بين مؤسسة السينما مع بعض الدول في ما يتعلق بأفلام الرسوم المتحركة، ولكن الأمر توقف خلال الأزمة.
أضف إلى ذلك أن الكتابة للأطفال ليست كالكتابة للكبار، فأنت مسؤول عن الأفكار التي تقدمها للطفل، ويجب أن يكون هناك وعي وأن تكون الفكرة مدروسة ويقدم العمل بمزاج عالٍ يشد الطفل لأنك تحفر في ذاكرة كائن صغير.
وقد بدأت كتابة نص لا يزال في البدايات، كما أعتبر الفيلم السينمائي «عرائس السكر» موجهاً أيضاً إلى العائلة بمن فيها الطفل لأن بطلته طفلة، واليوم التوجه أن تكون حتى أفلام الكرتون عائلية...

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078