تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ابني يبادر للمساعدة من دون أن يُسأل

دانا عبجي

دانا عبجي

«يبادر كريم لمساعدة خاله في الدخول إلى موقع إلكتروني من دون أن يسأله هذا الأخير، ويعرف كيف يحل مشكلة عندما تواجه جدّته صعوبة في أمر ما فيبادر إلى حلها بالقول أنا أعرف، والمفارقة أنه بالفعل يجد الحل فيتلقّى عبارات المديح وقول ما شاء الله، وهو يبتسم».
كثر هم الأطفال الذين يبادرون لمساعدة الغير من دون أن يُسألوا، مبادراتهم لطيفة وتحل مشكلة. ولكن متى تصبح مزعجة بالنسبة إلى الآخر؟ ومن هو الطفل المبادر؟ لها التقت الإختصاصية في علم نفس الطفل دانا عبجي.

من هو الطفل المبادر؟
طفل فائق الذكاء ومنفتح على الآخرين بشكل لافت، وهو يرى قبل غيره ويلاحظ أمورًا لا يلاحظها غيره. وانفتاحه يشير إلى أنه يتمتع بصحة نفسية جيدة ولديه ثقة عالية بالنفس.
يتمتع بشخصية مسؤولة ولديه ميزة قائد الفريق، أو مساعد قائد الفريق. وفي المستقبل يكون راشدًا له دور كبير في بناء المجتمع.
إضافة إلى أنه يريد التشبّه بالأكبر منه، عن طريق التماهي. فبدل أن ينتظر من الراشد تعليمه، يبادر أحيانًا إلى تعليمه. وهذا بالنسبة إليه وسيلة ليصبح كبيرًا.

ألا يؤثر تماهيه بالأكبر منه، سلبًا في شخصيته لاحقًا؟
أبدًا، فمثلما تبادر الطفلة الصغيرة عندما تقول الأم «أريد أن افعل كذا ولكن ليس الآن»، تبادر الطفلة وتقول «أنا أقوم بالمهمة، ماذا تريدين أن أفعل!». من جهة تريد أن تصبح مثل أمها فتتماهى بها، ومن جهة أخرى تريد مساعدتها، وهذا مؤشر لأن هذه الطفلة تشعر بالراحة النفسية والثقة بالنفس.
هذه المبادرة ليست سلبية بل العكس لها توجهاتها الخاصة. وهذا يعني أن الطفل سيكون ناجحًا في النشاطات الإجتماعية والعمل ضمن فريق. فهذه الفئة من الأطفال يمكن الإتكال عليها.
مثلاً قائد الفرقة الكشفية قد يطلب منه أن يراقب زملاءه أثناء غيابه، فالمسؤول في المخيم مثلا يرتاح عندما يكون ضمن فريقه طفل بهذه الشخصية لأنه يمكنه الإتكال عليه في أمور كثيرة.

ولكن أحيانًا يبادر إلى المساعدة من دون يُسأل. ألا يسبب تصرّفه إزعاجًا للآخرين خصوصًا إذا كان الشخص الذي بادر لمساعدته يعرف؟
عمومًا الطفل المبادر يساعد إذا وجد الشخص الآخر مرتبكاً في حل مسألة ما. طبعاً، هناك خيط رفيع بين المبادرة الحسنة والمبادرة المزعجة.
فاحتلال مسافة الآخر قد يؤدي إلى نفور الآخرين، و قد يتحول الطفل المبادر إلى شخصية نرجسية إذا لم نعلمه وضع المسافة مع الآخر. فمن المعلوم أن التربية قائمة على إخراج الطفل من نرجسيته الفطرية ليتعلم الشعور بالآخرين واحترام رغباتهم.

متى على الأهل أن يضعوا له حدًا في التدخل أو المبادرة خصوصًا إذا ما بادر لمساعدة شخص غريب؟
ليس من الضروري أن يمنع الأهل مبادرة طفلهم في شكل دائم إلا إذا تصرف بشكل سيئ. بالعكس إذا كان لديهم ضيف وسارع الطفل لمساعدته على الأم أن تبادر بالقول «لدينا سكرتير ماهر اسمه كريم» أو «عنا شاب قبضاي يفهم في أشياء كثيرة». دور الأهل تعزيز هذه الروح عند الطفل.
لكن نحن في المجتمع الشرقي نخاف من الحسد، فنسمع رد فعل «تدخلك ليس ضروريًا، لا تقترب من شخص لم يطلب مساعدة». ولكن في رأيي لا داعيَ لهذا رد الفعل، إلا إذا تدخّل في مسائل ليست لسنّه.

ذكرت أن هناك خيطاً رفيعاً بين المبادرة المقبولة والمبادرة المزعجة. من السبب في المبادرة المزعجة؟
صحيح قد يسبّب الطفل المبادر إزعاجًا للراشدين والأقران أيضًا، إذا كان يتدخل في كل شاردة وواردة، والسبب قد يكون تفاخر الأهل المبالغ فيه بابنهم، مما يعزز الأنا لديه.
فمن المعلوم أن الطفل دائمًا يريد أن يكون محط أنظار الجميع سواء في العائلة أو خارجها ويعتبر أن كل الناس عليهم أن يمنحوه هذا الإهتمام. وقد يصل به حب الأنا إلى أنه يريد أن يكون ندًا للراشد، وبالتالي نجده يتدّخل في شؤونه وكأنه في السن نفسها.
لذا على الأهل أن يعرفوا كيف ومتى يمدحون مبادرة ابنهم. هناك نقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها وهي أن مبادرة الطفل بشكل عفوي مؤشر لأنه يمل، وأنصح الأهل بإيجاد نشاطات تبلور ذكاءه.
كما من صفات الطفل المبادر أن لديه فضولاً ويطرح  الكثير من الأسئلة، لذا على الأهل أن يجيبوا بشكل واضح وبسيط. المهم أن نعطيه معلومات ونشبع فضوله.

كيف يمكن الأهل قوننة مبادرة طفلهم؟
عندما يتدخل أثناء قيام والده بتعديل شاشة التلفزيون، أو خاله يحاول فتح بريده الإلكتروني، على الأم أن تتدخل وتسأله «هل عرضت مساعدتك على فلان قبل أن تتدخل لمساعدته؟ هل سألته ما إذا كان يحتاج فعلاً إلى مساعدة؟ ليس لطيفًا أن نحشر أنفسنا في ما لا يعنينا إذا لم يطلب منا المساعدة».
هكذا يتعلم المبادرة من دون إزعاج، والإستماع إلى رغبة الآخر، ويدرك ضرورة احترام المسافة بينه وبين الآخر، وفي الوقت نفسه يتعرف أكثر إلى ذاته ويصبح مدركًا لرغبته، فلا يتيح للآخر احتلال مسافته الخاصة ويعرف متى يقول لا ومتى يقول نعم.

 ألا تؤدي مبادرته الى مساعدة الآخرين إلى التعرف إلى أمور ليست موجّهة لسنه وبالتالي قد تسبب له قلقًا؟
صحيح، المجازفة أن هذا الطفل قد يطّلع على أمور ليست لسنه، ولكن في مسائل محدّدة. مثلا عندما يسمع أحدهم أنه يريد أن يدخل إلى أحد المواقع الإلكترونية ولا يعرف كيف! ويبادر هذا الطفل لمساعدته، وأثناء البحث قد يدخل إلى مواقع خطيرة لأنه استعمل جهاز كمبيوتر ليس له، وبالتالي لا يخضع لرقابة الأهل. فهذا الموقع الذي دخل إليه سهوًا قد يسبب له قلقًا وتوترًا.
خصوصًا أننا نعيش مع جيل رقمي، وهناك الكثير من المواقع التي تعرض صورًا مزعجة مثل صور مجازر الأطفال التي تتنافس مواقع التواصل الإجتماعي على عرضها، مما يسبب للطفل قلقًا وتوترًا لأن الصورة قاسية جدًا.
لذا على الأهل أن يكونوا جاهزين. مثلا قد يقول لوالده رأيت صورة طفل على الإنترنت مذبوحاً! هنا على الأب أن يشرح له  كي لا تكون الصورة الصامتة قاسية وتبقى في ذاكرته.

ألا يكون مزعجًا لأقرانه؟
أقرانه أو زملاؤه في الصف قد يغارون منه، أي من نتائج علاقته بالراشدين في المدرسة مثل الأستاذ أو الناظرة، فإذا كانت علاقته بالشخص المسؤول في المدرسة أو في المخيم الكشفي جيّدة قد يغارون، أما إذا لم تكن أي عندما يقول المدرّب هذا ليس شأنك... فأقرانه سيرتاحون لأنهم يجدونه شخصًا ذكيًا ولا أحد يكترث.

في المقابل، هناك أطفال لا يبادرون ولا يقومون بأي عمل إلا إذا طلب منهم وإذا نفذوه يكون على مضض. ما السبب؟
هناك عامل الطبع وعامل الإكتساب. فالطفل غير المبادر بطبعه إنطوائي بعض الشيء، ليس لديه انفتاح على الغير، وهو يهتم فقط برغباته وشؤونه. مثلا عندما يدرس يفكر في ماذا يريد بعد الإنتهاء من وظائفه ليس في ما يمكن أن تكون والدته تريد منه.
أما عامل الإكتساب فيكون سببه الأهل. فهذا الطفل يكون قد نال فائضاً من الدلال مبالغاً فيه، مثلا عند وجود خادمة في المنزل هي التي تقوم بكل شيء عنه فإذا أكل لا يرفع صحنه عن الطاولة بل يطلب من الخادمة وتصبح هذه قاعدة في المنزل مما يزيد اتكاليته، حتى عندما يكون ضمن فريق فمثلاً إذا ذهب إلى مخيم لن يكون هناك من يقوم عنه بالأعمال، وبالتالي قد تسبب اتكاليته نفورًا من أقرانه لذا على الأهل التنبه إلى هذه المسألة وتعويده على إنجاز الأمور التي في استطاعته القيام بها.

ولكن نسمع كثيرًا من الأمهات يقلن يئست من تكرار طلب المساعدة منه؟
هنا أسال عن الطريقة التي طلبت منه المساعدة، فبدل أن تنهره عليها أن تبادر بطلب المساعدة بعبارة جميلة كأن تقول له مثلا «حبيبي، تصرف جميل منك أن تضع لي الحقيبة في الغرفة». فهي عندما تطلب منه مرة أن يساعدها و لا يستجيب ولا تعود تسأله، فهذا يريحه لذا على الأم أن تصر عليه وبطريقة سلسة.


ابني لا يبادر ما الحل؟
الحل أن يكرر الأهل عليه ويستمروا وهذا يحتاج إلى صبر وطول بال. عن طريق المزاح يمكن أن يصل إلى مستوى من المسؤولية. الطفل غير المبادر لا يجوز أن نشعره بالذنب، بل عندما يقوم مبادرة نشجعه، إذا كان يغار من أخيه المبادر لا يجوز المقارنة لأن هذا يجعله أكثر إهمالاً.
كما يمكن أن تضع ملصقاً تدوّن عليه نقاطاً تشير إلى الأكثر تعاونًا في البيت خلال الأسبوع وعند نهايته تجمع النقاط ويتوّج الإبن الذي جمع نقاط، مما يثير الحماس ويحاول الكل التنافس على تقديم المساعدة، ولكن يجب أن تكون حذرة إذا كانت نقاط الإبن الإتكالي الأقل، عليها أن تمدحه وتقول له مثلاً إنه أصبح أميرًا واقترب من مرتبة الملوك.... وهكذا عن طريق اللعب يمكن تعزيز روح التعاون والمساعدة عند الطفل.  

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079