تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

النجدة: خادمتي في إجازة

«يا إلهي ماذا أفعل؟ خادمتي في إجازة و لا أعرف كيف سأتدبر أمري خلال غيابها»... « سوف استغل فرصة غياب خادمتي لأعوّد أطفال على تحمل جزء من الأعباء المنزلية»...
عبارات نسمعها كثيرًا من ربّات بيوت يتذمرن من غياب الخادمة بسبب إجازتها السنوية، فهن اعتدن على وجودها في المنزل واهتمامها بأعبائه من الألف إلى الياء، إلى درجة أن بعضهن لا يعرفن تفاصيل صغيرة من المفترض أن تكون خاصة جدًا.
وفي
المقابل تشكو بعض الأمهات من كسل أبنائهن وعدم اكتراثهم لأمور هي في الأساس من عملهم... مثلاً الطفل اعتاد أن يأمر الخادمة بإحضار كوب ماء وكأنها ملزمة بتلبية طلبه البسيط، وإن كانت منشغلة عليها أن تلبي طلبه قبل أي شيء آخر...
ولكن بغياب الخادمة ماذا يفعل؟ يطلب من والدته أو أخيه أو أخته...؟ لماذا يتصرّف بعض الأبناء على هذا النحو مع الخادمة؟ هل هم كسالى أم أنهم اعتادوا على الكسل والإتكالية؟ وهل يمكن الأم فعلاً أن تستغل فرصة غياب الخادمة لتعويد أبنائها على تحمّل بعض الأعباء المنزلية خصوصًا تلك التي من المفترض أن تكون من مسؤولياتهم؟

«لها» حملت هذه الأسئلة وغيرها إلى الإختصاصية في علم نفس الطفل فرح تميم.
بداية تقول تميم: «على العائلة قبل اتخاذ قرار استقدام خادمة تحديد واجباتها وحقوقها مع إدراك أنها آتية من بلاد بعيدة تختلف في عاداتها وتقاليدها ولغتها، وكما هي غريبة بالنسبة إليهم فهم أيضًا غرباء عنها.
ومن الطبيعي في بداية عملها أن تصطدم بمجتمع يختلف كثيرًا عن مجتمعها. خصوصًا إذا كانت آتية من الأرياف أو حتى من المدينة، فهي في البداية قد لا تعرف استعمال أي شيء ولو كان بسيطاً، فضلاً عن أنها لا تفهم لغتهم، علمًا أنها بعد فترة نجدها تتقن بعض المفردات وتستطيع التعبير عما تريد.
لذا عليهم أن يتفهّموا مشاعرها في البداية وقدرتها على استيعاب ما يحدث حولها. من جهة أخرى، عليهم أن يحدّدوا وظيفتها في المنزل وعدد ساعات عملها ويوم إجازتها، فهي في النهاية موظّفة وليست عبدة.
وفي المقابل على الأبناء أن يدركوا كل هذه الأمور، وأن وجودها لا يعني أن يلقوا على عاتقها كل الأعمال المنزلية لا سيما تلك التي من واجبهم القيام بها، مثلا تحضير السندويتش أو توضيب ألعابهم أو ثيابهم».

لماذا يتصرّف بعض الأطفال والمراهقين مع الخادمة على أساس أن من واجبها أن تكون حاضرة لخدمتهم طوال الوقت حتى في أصغر الأمور التي من المفترض أن تكون ضمن مسؤولياتهم؟
هذا يعود إلى تصرفات الأم مع الخادمة. فإذا وجد الأبناء أن أمهم تطلب من الخادمة القيام بأمور عدة دفعة واحدة وتلومها إذا تأخرت في تنفيذها من الطبيعي أن يتصرفوا مثلها.
مثلاً تطلب من الخادمة إحضار كوب ماء أثناء قيامها بكي الملابس وتصرخ فيها إذا ما تأخرت... عندها سوف يتصرّفون مثل والدتهم. وهنا يعتادون على الإتكالية ويعترضون إذا ما تأخرت في تنفيذ طلبهم.
وهذا خطأ بالطبع، فاستقدام خادمة هدفه مساعدة ربة المنزل، لا إلزامها شؤون المنزل من الألف إلى الياء.
فضلاً أنه من المعيب أن يتحدّثوا إليها طوال الوقت بصفة الأمر، فكم مرة نسمع طفلاً صغيرًا أو مراهقًا يقول «اجلبي لي ماء»، من دون كلمة لو سمحت. بينما من الضروري أن يتعلم الحديث بلباقة مع الآخر بغض النظر عن مرتبته الإجتماعية.

في مقابل هذه الصورة نجد أبناء يصابون بالإكتئاب عند غياب الخادمة؟
هذا لأن الخادمة تحوّلت أيضًا إلى مربية و احتلت مكان الأم التي في الأصل استقالت من أمومتها. مثلاً هناك الكثيرات من يولين الخادمة مهمة إطعام الطفل وإلباسه وحتى تدريسه.
وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يصاب الطفل بالإكتئاب عند غيابها فهي كانت بمثابة الأم التي تحن عليه والصديقة التي تلعب معه. فهناك أم قالت لي إنها استقدمت خادمة تتقن الفرنسية لأنها ستدخل طفلها مدرسة فرنسية.
تخيّلي أن هذه الأم قررت أن تولي شأن تعليم طفلها لسيدة لا تعرف عنها شيئًا سوى أنها تعرف الفرنسية.
وهذا ليس تقليلاً من شأنها. فعندما ينيط الأهل تربية الطفل بها فإنهم يسلّمونه إلى سيّدة لا يعرفون شيئاً عن كفاءتها في التربية وقدراتها.
وفي بعض الأحيان قد يكتسب الطفل منها عادات غريبة تختلف عن مجتمعه. وعلى سبيل المثال، تجيء معظم الخادمات من بيئات اجتماعية واقتصادية فقيرة، فتكون المهارات التي يعلمنها للطفل غير متطورة، مما يسبب ضررًا في تطوّره الفكري ونموّه النفسي.

ولكن الأم العاملة مضطرة لتكليف الخادمة مهمة العناية بالأطفال أثناء غيابها عن المنزل!
العائلة في المجتمع الشرقي لا تزال عائلة متماسكة الروابط، ويمكن الأم العاملة أن تطلب من الجدة الاهتمام بطفلها.
فالجدة لديها الخبرة الكافية وهي شخص موثوق به وكما يقول المثل «ما أغلى من الولد إلا ولد الولد»، لذا فلا مانع أن يوكل إليها احتضان الطفل في فترة وجود الأم في العمل. فمن الضروري أن تكون الأم هي الأم الأولى والأخيرة في حياة طفلها.
ويتوجب عليها أن تمضي أطول وقت ممكن معه. حتى الأم العاملة، عليها أن تنشغل عند عودتها إلى المنزل بطفلها وأن تلعب معه وتتحدث إليه.
ورغم كل التعب والجهد، على الأم أن تتنبه إلى أن مزيج الحب والحنان واللعب والكلام هو ضرورة للطفل، وجزء أساسي من علاقة الأمومة التي تربطها بطفلها.

هناك أمّهات عاملات وبالفعل وجود الخادمة يخفف عنهن أعباء المنزل لذا نجدهن حائرات في غيابها، خصوصًا إذا كان الأبناء يعتمدون على الخادمة في كل شيء حتى في أصغر الأمور، فماذا تنصحين؟
الأم العاملة قد تشعر بالضغط الشديد، فهي سوف تجد نفسها مشتتة بين الوظيفة والعمل المنزلي والإهتمام بالأبناء.
وهناك بعض الأمّهات يتولين الأعباء المنزلية ويبقين الوضع على ما كان عليه في حضور الخادمة وأعني ما يخص الأبناء، أي ينجزن كل الأعمال من دون مساعدتهم وهذا خطأ.
لذا أنصح الأم قبل سفر الخادمة أن تُعلم أبناءها بما تتوقّعه منهم أثناء ذلك، و تضع معهم خطة أو برنامج عمل يشارك فيه الجميع.
وبذلك تحوّل غياب الخادمة إلى فرصة لتعليم الأبناء إنجاز أمورهم الخاصة والتي هي في الأساس من واجبهم القيام بها في حضور الخادمة أو في غيابها، كأن يرتبوا غرفهم عند الصباح ويضعوا ثيابهم في سلة الغسيل أو يرتّبوها في الخزانة، ويرتّبوا ألعابهم وغير ذلك .
وكذلك الزوج عليه مساعدتها في تدبير المنزل عند عودتهما من العمل، إذ لا ضير مثلا في مساعدتها في غسل الصحون أو كي الملابس.

قد تسأل أم إلى ماذا يمكن أن يؤدي اتّكال الأبناء على الخادمة في كل أمورهم؟
نحن هنا نتحدّث عن المبالغة في الإتكال على الخادمة. وهذه المبالغة تؤدي إلى شخصيّة إتكالية فوضوية إلى حد ما.
تخيّلي المشهد: تلميذ يأتي إلى البيت ويرمي حقيبته على الأرض لأن هناك خادمة ستضعها في مكانها، ويخلع ثيابه ويرميها في أرجاء غرفته، وينادي الخادمة كي تجلب له كوب ماء، وينثر كتبه في كل أرجاء المنزل... وبعد ذلك يوبّخها إذا لم يجد كتابه أو قميصه... في الوقت الذي يجب أن تكون كل هذه الأمور من مسؤوليته، وليس مسؤولية شخص آخر الذي قد لا يكون الخادمة بل أمه.
ما أود قوله أن تنشئة الطفل أو المراهق على تحمل مسؤولية أموره الخاصة، والتي قد تكون في نظر الأم غير ذات أهميّة، تساهم في تعليم الطفل أو المراهق النظام والترتيب اللذين يفيدانه في مدرسته وفي حياته بصورة عامة.
فمن الملاحظ أن كثرًا من التلامذة الذين ينسون كتبهم أو أشياءهم الخاصة في المدرسة، يكونون من الفئة التي اعتادت وجود شخص ما يقوم عنهم بكل شيء.

ولكن هل يكفي أن نعلّم الأبناء تحمّل مسؤولية أمورهم الشخصية خلال فترة غياب الخادمة، حتى يصبحوا مسؤولين؟
بالطبع لا، بل هذا يتطلب من الأم الإستمرار في هذا النظام بغض النظر عن وجود خادمة أو لا.
وقد تشعر الأم بالملل من ذلك بعد عودة خادمتها ولكن عليها أن تتحلّى بالصبر خصوصًا عندما يعترض أحد الأبناء «لمَ علي الإهتمام بهذه المسائل وفلانة رجعت؟».
هنا على الأم أن تقول لأن هذه في الأساس من مسؤولياتك وعليها الثبات في موقفها. ففي النهاية تحمل الطفل المسؤولية هو في مصلحته.
وأشير هنا إلى أن بعض العائلات تُحضر خادمة موقتة تحل مكان خادمتهم، في هذه الحالة على هذه العائلة أن تستخدمها نصف نهار، أي لإنجاز الأعمال المنزلية وبالتالي التخفيف من أعبائها على سيدة البيت، على أن يستمر جميع أفراد العائلة بالتزام برنامج الأعمال المنزلية الذي وضعوه. 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077