«الموت تدخيناً» على الشاشة الصغيرة
لشركات صناعة السجائر والتبغ العملاقة، مرونة عالية في تعويض خساراتها لمواقع إنتاجها القديمة، واستبدالها بأخرى بديلة حال تعرّضها للخسارة، أو المنع الناتج من قررات الحدّ من التدخين التي تتخذها مثلاً الدول الغربية. ولمعرفة الأساليب التي تتخذها، والطريقة التي تتكيف بها مع تلك القررات، يلاحق البرنامج التلفزيوني السويدي «مراسلون» حركة بحث الشركات عن أسواق بديلة عن أسواقها الأوروبية في قارتي آسيا وأفريقيا، ويكشف ألاعيبها في تجاوز قرارات الحكومات في تلك الدول، والعمل على تشجيع الصغار قبل الكبار على التدخين، وابتكار طرق جديدة، كما هي الحال مع السجائر الإلكترونية التي بدأت تجد لنفسها أسواقاً عالمية كبيرة بحجة التخفيف أو ترك عادة التدخين. وهذا ما سيظهر بطلانه في الحلقة المعنونة «الموت تدخيناً»، والتي بدأت من حقول زراعة التبغ في بلغاريا.
مع أن السلطات البلغارية منعت التدخين في الأماكن العامة، فقد ظلّت نسبة المدخنين بين مواطنيها عالية، كما أن مردود زراعة التبغ فيها يشكّل جزءاً مهماً من دخلها القومي، وعدد كبير من المزارعين لا يقبلون بأي غلة بديلة عنه. لهذا، فإن إجراءات المنع المحتملة، بسبب انضمام بلغاريا الى الوحدة الأوروبية التي قررت قبل سنوات منع زراعة التبغ في دولها، تثير مخاوفهم. وفي المقابلة التي أجراها البرنامج مع عدد من أصحاب حقول التبغ الصغيرة في جبل رودوبي، ظهر أن الدولة لا تقدّم بديلاً أو تعويضاً لهم عما يهدّد عيشهم في حال تركهم زراعتها، بخاصة وأن أصحاب المزارع الكبيرة قد نقلوا تجارتهم الى خارج البلاد، ولم يبق إلا صغار الفلاحين الذين يعملون في شكل غير شرعي ويسدون جزءاً من حاجة السوق المحلية. وبالتالي، ظلّت قرارات الحكومة حبراً على ورق، لأن المواطن البلغاري عملياً لم يخفّف من كمية تدخينه، بل بالعكس ازدادت. ووفق المقابلات التي قام بها المراسلون في إحدى المستشفيات الكبيرة في صوفيا، ظهر أن نسبة الإصابة بمرض سرطان الرئة وغيره مما له علاقة مباشرة بالتدخين، تعدّ الأكبر في العالم وكذا نسبة الموت منه. ويحيل الأطباء السبب الى تحايل كبريات الشركات والمزارع على القرارات، وبحثها عن أمكنة جديدة تزرع وتصنع السجائر فيها وتعيد توزيعها في البلاد، بمباركة ودفاع رؤساء نقابات العمال عنهم، فيما صغار المزارعين يستمرون بدورهم في زراعة التبغ، في ظروف شبه سرية تمنعهم من مراجعة المستشفيات في حال ظهور أعراض أمراض لها علاقة بالمزروع. ولهذا السبب، فإن نسبة المرضى بينهم عالية، ونسبة إسقاط الجنين قبل ولادته عند الحوامل في تلك المناطق هي الأكبر بين نساء أوروبا.
في منطقة كامبونغ شمال جاكرتا، تباع علبة السجائر بأخفض سعر لها في العالم، وعدد الأطفال المدخنين في البلاد هو الأعلى في العالم نسبة الى عدد السكان، ويشكّل التدخين تقليداً لا يمكن للرجال تصوّر حياتهم من دونه. يقابل البرنامج أطفالاً يدخنون بشراهة في شوارع المدينة، وحين يسألهم المراسل عما إذا كانوا يعرفون مخاطر ما يفعلون، تأتي إجابة غالبيتهم بالنفي. يكشف البرنامج أن شركات الإنتاج العملاقة، قد نقلت أخيراً جزءاً كبيراً من صناعتها الى دول شرق آسيا، كما تعمل الآلة الإعلامية من دون توقّف لتشجيع الأطفال والكبار على التدخين، وتؤدي وسائل الإعلام الرسمية دوراً كبيراً فيها، الى درجة أن كثراً من المروّجين لبيعها شكّكوا في وجود علاقة بين سرطان الرئة والتدخين، في حين بينت الزيارات الميدانية الى مستشفيات العاصمة هذة، الصلة التي تذهب سنوياً آلاف الأرواح بسببها، وأن أصحاب المحلات التجارية، وعلى رغم وجود قوانين تمنع بيعهم السجائر للأطفال، يستمرون في شكل عادي ببيعها. كما كشف البرنامج حين صوّر سراً عشرات الأطفال وهم يشترون السجائر كما يشترون الحلوى.
ينتقل «الموت تدخيناً» الى الصين ليعرف حجم انتشار «السيجارة الإلكترونية»، باعتبارها اختراعاً صينياً حديثاً بدأ في الانتشار فيها، ثم انتقل الى بقية العالم. قبل دخوله مصانعها المنتشرة في مدن صينية كبيرة، يقدّم إحصائيات تؤكد أن واحداً من بين كل ثلاثة بالغين، يدخّن، وإذا عرفنا عدد سكان الصين الذي يتجاوز بليون مواطن، سنعرف الحجم المخيف لعدد المدخنين، ما يشجع على نمو تجارة جديدة تدعي أنها تساهم في التقليل من الإقبال على التدخين، وتساعد الناس على تركه. لكنّ الأسئلة التي وُجهت الى الأطباء والعاملين في المختبرات المختصة، لم تؤكد ذلك، لأن السجائر الإلكترونية فيها نسبة من التبغ السائل، وبالتالي تحتوي على مادة النيكوتين، وأن غالبية من جرّبوها تركوها بعد مدة وعادوا الى السجائر العادية، ما يعني أن الشركات المصنعة هي الرابح الأكبر. أما الخاسر، فهو المستهلك الذي يهدر جزءاً من مدخوله على شراء السجائر ويعرّض، في الوقت ذاته، حياته للخطر.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024