سيدات يحترفن من منازلهن الأشغال اليدوية وينتظرن انفراج أزمة تسويقها
من بين جدران المنازل، أبدعت سيدات سعوديات في الإنتاج اليدوي على اختلاف أشكاله وأنواعه ليحصدن وبجدارة لقب «أسر منتجة»، إلا أنهن لا يزلن يبحثن عن قنوات آمنة لتسويق منتجاتهن بشكل يحفظ كرامتهن، فهن أيضا سيدات أعمال وإن كانت بسيطة. «لها» التقت مجموعة من النساء المنتجات للتحدّث عن الصعوبات التي يواجهنها في حرفهن وما يحتجن إليه لإنجاح مشاريعهن المنزلية بعدما اعتمدن كلياً على البازارات النسائية السنوية التي قد لا تسمن ولا تغني من جوع...
«كفيفة» تتقن الحرف اليدوية وتعول أبناءها الخمسة قدّر لها أن تفقد بصرها بشكل مفاجئ أثناء حملها بابنها الأول، حين كانت في الـ24، ولكن ذلك الأمر لم يقف عائقاً أمامها كي تصبح واحدة من السيدات المنتجات.
خديجة كتبي البالغة (48 عاماً)، متزوجة ولديها الآن خمسة أبناء، بدأت شق طريقها المهني من منزلها قبل ما يقارب ست سنوات، وهي تنتج العباءات المطرزة وأغطية الصلاة النسائية والإكسسوارات والأطواق المستخدمة لتزيين الشعر، إلى جانب الصابون الذي تصنّعه بنفسها من الغليسرين وزيت اللوز وماء الورد والعطور الشرقية.
وتقول «خدّوج»، وهو اسمها التجاري الدارج بين زبائنها: « أستخدم في منتجاتي الخرز والكريستال والكلف أيضا المستخدمة في تزيين أغطية الصلاة النسائية، إضافة إلى أنني أنتج «تلبيسات» للمصاحف الشريفة والمصنوعة من القماش المطرز يدوياً، عدا عن المخللات وبعض المطيّبات المستخدمة في الطهو».
ولأنها فاقدة للبصر، فإنها باتت تحفظ طريقة عمل كل منتج نظرياً وحتى عملياً عن ظهر قلب، تساعدها جارتها التي ترشدها في بعض الأحيان إلى المكان الصحيح لشك الإبرة أو ربط الخيط، كما أنها تقرأ طرق تصنيع الصابون ومن ثم تبدأ «خدّوج» في إعداده وفق ما تسمعه من تعليمات.
وتضيف كتبي: «بعد أن فقدت بصري التحقت بإحدى الجمعيات الخيرية للمعاقين بصرياً في مدينة جدة والتي من خلالها حصلت على دورات عدة في الحاسب الآلي وتعلم لغة برايل للمكفوفين، الأمر الذي أتاح لي التعرف على فئات جديدة من المجتمع ومن خلالهم نجحت في صقل موهبتي لأصبح سيدة منتجة».
وتؤكد خديجة كتبي أنها مضطرة لوضع منتجاتها بشكل عشوائي في منزلها الذي يخلو من مكان مخصص لها بحكم صغر مساحته، مشددة على حاجتها وحاجة غيرها من الأسر المنتجة إلى أماكن مخصصة لعرض منتجاتهم والتسويق لها بشكل صحيح.
واستطردت في القول: «أحب أن أعمل في منزلي على تصنيع منتجاتي خلال الفترة الصباحية، خصوصا أن ذلك الوقت يتسم بالهدوء. وأعتمد في دخلي المادي على ما يردني أحيانا من طلبات خارجية، عدا عن المشاركة في بعض البازارات الخيرية التي قد تمنح المشاركات طاولات مجانية وبالتالي تزيد أرباحنا في ظل إعفائنا من دفع رسوم استئجار الطاولة».
أم نايف: أزيّن أطباق تقديم الضيافة بنماذج مستقاة من التراث
خصصت لنفسها نشاطاً يحمل اسم «الشعبيات» كونه يعتمد على إنتاج خامات يدخل فيها نسيج «السّدو» كعنصر أساسي يعكس التراث السعودي، وتستخدمه في تزيين أطباق تقديم الضيافة وغيرها من العلب المستخدمة في المطبخ أيضاً.
السيدة أم نايف التي تبلغ من العمر 53 عاماً، والحاصلة على درجة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة الملك عبد العزيز في جدة، لم تمارس مهنة التدريس بشهادتها الجامعية، وإنما تفرغت لزوجها وأبنائها إلى أن قررت تنمية موهبتها في الحرف اليدوية لتتمنى لو يعود بها الزمان إلى الوراء كي تتخصص في دراسة الفنون الجميلة.
تقول: «أحرص دائما على إنتاج نماذج تراثية للمرأة السعودية، أزين بها العلب المستخدمة لحفظ البهارات والبخور وصينيات التقديم وفناجين القهوة العربية، إلى جانب ملابس النساء والدمى الصغيرة، كلها أزينها بنسيج السّدو».
وطوال سنوات عمرها، كانت تنفذ تلك النماذج كهواية وتهديها لقريباتها ومن حولها، ولكنها قررت منذ العام الماضي أن تحترفها كحرفة تجني من ورائها مكاسب مادية مهما كان حجمها.
ومن واقع تجربتها الشخصية، ترى أم نايف أن المواصلات هي أكثر ما تحتاجه السيدة المنتجة كي تتمكن من المشاركة في البازارات والتسويق لمنتجاتها، إذ إن سيدات كثيرات ينفقن أحياناً ما يربحنه من بيع منتجاتهن لتسديد تكاليف المواصلات.
وأضافت: «لم أدرس حتى الآن مدى تغطية أرباحي الناتجة عن مشاركتي في البازارات النسائية لتكاليف رأس المال التي أنفقها في شراء الخامات، ولكنني أبذل وقتاً طويلاً في إنتاج منتجاتي، وغالباً ما أخصص الفترة المسائية للعمل عليها بعد انتهائي من واجباتي المنزلية».
رزان حكمي: متخصصة في ابتكار أنواع متعددة من الشوكولاتة
قبل نحو سنة، قررت رزان حكمي وصديقتها ناهد مهدي، إطلاق مشروع منزلي يعتمد على ابتكار أشكال متعددة ونكهات مختلفة من حلوى الشوكولاتة، كالتي تأخذ شكل باقات الورد محشوة بالكيك أو الشعيرية أو رقائق الذرة «كورن فليكس» أو غيرها.
تقول رزان حكمي: « أحب الأشغال اليدوية القائمة على الشوكولاتة، ودائما أحاول ابتكار تصاميم جديدة، من ضمنها أصداف الشوكولاتة المحشوة بالكيك. ولكنني أنفذ تلك التصاميم بحسب الطلبيات التي أستقبلها، ولا سيما أن إعدادها مسبقاً قد يعرضها للتلف إذا لم تعرف طريقها إلى البيع».
وباعتبار أن التقنية باتت تلعب دوراً مهماً وكبيراً في الانتشار، اختارت رزان وصديقتها ناهد تقنية الـ»واتس أب» كوسيلة أساسية في التسويق للمنتجات واستقبال الطلبات، فضلاً عن عرض صور مختلفة من التصاميم عبر مواقع التسويق الالكترونية أيضاً.
وهنا، تعلّق حكمي: «حتى وإن لم أشارك في البازارات فإنني أحرص على الوجود فيها لتوزيع بطاقات العمل الخاصة بي، وحين تردني طلبيّة معينة، أتسلّم من صاحبها نصف المبلغ لشراء الخامات وتنفيذها، وبقية المبلغ أتسلمه وقت تسليم الطلبية، وهو ما يشكل أرباحي التي أتقاسمها بالنصف بيني وبين شريكتي».
مستشارة اجتماعية: الأسواق الموجودة للأسر المنتجة لا تحفظ إنسانية البائعة
طالبت المستشارة الاجتماعية والرئيسة السابقة للقسم النسائي لفرع وزارة الشؤون الاجتماعية في جدة نورة آل الشيخ، باتخاذ خطوات جادة لإيجاد أسواق للأسر المنتجة في كل مدينة سعودية، لافتة إلى أن تلك الخطوة لا تزال مجرد حراك فردي من بعض الأسر المنتجة وعدد من أمانات المناطق.
وتعتبر آل الشيخ أن الأسواق الموجودة حالياً للأسر المنتجة لا تأخذ الصفة التي تحفظ إنسانية البائعة وكرامة السيدة المنتجة، «لأن تلك المرأة لم تترك بيتها وراحتها وتبقى في الأسواق لتبيع تلك المنتجات إلا من حاجة مادية، ما يحتم علينا كمجتمع ومسؤولين مساعدة الأسر المنتجة من أجل توفير الحياة الكريمة لهم».
وتقول آل الشيخ إن بعض الأسواق أنشئت في مدينة جدة بمجهود فردي، إلا أنها ليست كافية، فالمطلوب توفير مكان مخصص للأسر المنتجة بكل مجمع تجاري من قبل ملاّك تلك المجمعات، على أن تعطى مجاناً أو بأسعار رمزية حتى تتمكن العائلات المتسوقة من زيارة هذه الأماكن.
وتصنّف هذه الخطوة من ضمن المسؤولية الاجتماعية التي يجب على رجال الأعمال القيام بها، بحيث تكون تلك الأماكن مهيأة بشكل لائق ومحترم للأسر المنتجة ويجري تقديمها مجانا على الأقل خلال السنوات الثلاث الأولى لكل مشروع.
وترى آل الشيخ أن هناك لبساً بين مفهومي الأسر المنتجة والفقيرة، إذ أن الأولى تعني إما فرداً أو عدة أفراد من عائلة واحدة ينتجون نوعاً معينا من الإنتاج ويتخصصون في تصنيعه إما داخل المنزل أو خارجه، بينما تتمثل الثانية في كون الأسرة فقيرة ولا تعمل وتعيش على المعونات المقدمة لها.
وتضيف: «من هذا المنطلق علينا عدم التركيز فقط على تقديم المعونات المالية، وإنما لا بد من تحديد قدرات السائل وبيئته وبالتالي توجيهه إلى ما يناسبه من حرف مع توفير الأدوات له».
ورغم أن وزارة الشؤون الاجتماعية أعلنت قبل ثلاثة أعوام وجود توجه لتخصيص منافذ لبيع منتجات الأسر المنتجة في المطارات السعودية، فإن الرئيسة السابقة للفرع النسائي للوزارة في جدة أشارت إلى أن ذلك لم يخرج عن إطار المطالبات.
وشرحت: «معظم مطارات الدول الأخرى تحوي أماكن لبيع المنتجات اليدوية التي يشتريها السيّاح بأسعار قد تكون باهظة نوعاً ما لمجرد أنها تذكار من البلد الذي زاروه. ونحن بلاد الحرمين الشريفين يفد إلينا ملايين الحجاج والمعتمرين على مدار العام، أليس من الواجب أن يكون بين أيديهم تذكار يدوي من بلادنا؟».
وعن البازارات قالت: «مع أن هذه البازارات أساسها للأسر المنتجة، فقد أصبحت تشهد أيضاً مشاركة محلات ذات علامات تجارية معروفة بحكم ارتفاع أسعار تأجير الطاولات، وبالتالي فإن الجمعية الخيرية مضطرة لقبول مشاركات تلك المحلات لزيادة قيمة الدعم الذي تستفيد منه».
وتؤكد ضرورة تخصيص بازارات للأسر المنتجة فقط، مع منع مشاركة أي محل تجاري له مقر وعلامة تجارية معروفة، إلى جانب خفض رسوم تأجير الطاولات بهدف إتاحة المجال أمام المشاركين لزيادة أرباحهم التي يحققونها من بيع منتجاتهم في مثل تلك البازارات.
«الشؤون الاجتماعية» تنفّذ برنامجاً لدعم مشاريع الأسر المنتجة
عملت وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في وكالة الضمان الاجتماعي على تنفيذ برنامج دعم مشاريع الأسر المنتجة، فشرعت الوكالة من خلال إدارة المشاريع الإنتاجية في الوكالة ومكاتب الضمان الاجتماعي في دراسة وتنفيذ العديد من المشاريع الجماعية والفردية التي من شأنها تحسين المستوى الاقتصادي للأسر الفقيرة والمحتاجة للمساعدة، وإيجاد فرص عمل للأسرة القادرة على العمل والإنتاج.
ويهدف تنفيذ المشاريع الإنتاجية إلى تحويل الأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي من معولة إلى عائلة قادرة على العمل والإنتاج، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي لهذه الأسر من خلال تحسين المستوى الاقتصادي لكل أسرة.
وتتضمن آليات تنفيذ المشاريع الإنتاجية لتلك الأسر، تقديم الدعم والمساعدة المادية للمستفيدين من الضمان الاجتماعي الراغبين في العمل والإنتاج، وتأهيل من يمكن تأهيلهم وتنمية قدراتهم وطاقتهم.
كما تتمثل أنواع المشاريع التي يدعمها الضمان الاجتماعي في المشاريع الفردية كالعطور الشرقية والبخور والأكلات الشعبية والجلديات والإكسسوارات والشموع والخياطة المصنعية ومحلات بيع الخضر والفواكه والألعاب والهواتف النقالة والبقالات الصغيرة والمشاغل النسائية وخدمات الطالب.
ويدعم الضمان الاجتماعي أيضاً المشاريع الجماعية للأسر المنتجة والتي تتضمن مشروع صيد الأسماك والسواك والمطعم والمطبخ النسائي والمشالح الرجالية والمشاغل النسائية وتربية النحل وزراعة الموز والأكشاك لبيع منتجات ورد الكادي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024