تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

العدالة تقتصّ من «مغتصب القاصرات»

أسدلت جهات الاختصاص في السعودية الاثنين 26 كانون الثاني/يناير الماضي، الستار على إحدى أخطر قضايا التحرش والاعتداء الجنسي على فتيات سعوديات ومقيمات لم يتجاوزن العاشرة من العمر. انتهت القضية التي شغلت الرأي العام لسنوات عدة وأثارت جدلاً كبيراً وأصابت الكثير من الأسر بالخوف والقلق بعد خطف 13 قاصراً واغتصابهن... فمن عرف بـ «مغتصب القاصرات» أو «المرعب»، كما عرّفه الإعلام في بداية القضية، انقاد إلى ساحة القصاص بعدما حُكم عليه بالقتل «تعزيراً» حيث ضرب عنقه بالسيف وحُمل في سيارة نقل الموتى ودُفن في إحدى المقابر بعد الانتهاء من الإجراءات الرسمية الخاصة بذلك. في هذا التقرير تستعرض «لها» القصة الكاملة كما جاءت في محاضر الشرطة وصك الحكم الشرعي.

بداية القضية

بدأت الحكاية بتقدم عدد من المواطنين والمقيمين ببلاغات تفيد باختفاء بناتهم «القاصرات» وخطفهن من الأسواق وقاعات الأفراح ومن جوار منازلهن، حتى أن إحداهن تقدم والدها ببلاغ يفيد باختفاء ابنته من داخل مستشفى حكومي كانت تزوره لتلقي العلاج. وكان ما عرف بـ «المغتصب» أو «المرعب» الذي يعتدي على الصغيرات، وعندما ينتهي منهن يعيدهن إلى الشارع أو الى أي مكان عام.
وبدأت الجهات الأمنية ممثلةً بشرطة محافظة جدة فتح ملف القضية، وكان أول خيوطها العثور على فتيات قاصرات في أماكن مختلفة وفي حال يرثى لها. وبالعودة الى البلاغات المقدمة والمتباينة في الوقت والتاريخ، تبين أن جميع بلاغات القاصرات تتفق من حيث أسلوب «الجرم». إذ ظهر لرجال الشرطة أن جميع البلاغات التي وصلت إلى غرفة العمليات وأقسام الشرطة كانت في جنوب مدينة جدة ممثلة بمركز شرطة «الجنوبية، والجامعة، والنزلتين، والكندرة والبلد»، ما يدل إلى أن المتهم بالاعتداء على القاصرات كان من سكان أحياء جنوب جدة.
ورصدت الجهات الأمنية وقتها أن غالبية الأيام التي يمارس فيها المتهم نشاطه الإجرامي، هي أيام الإجازة الأسبوعية، الأربعاء والخميس والجمعة، ما أعطى مؤشرات أولية لرجال الأمن بأنه يعمل.

أعمار الضحايا

وكان المتهم يركز على الفتيات الصغيرات اللواتي تتفاوت أعمارهن بين السادسة والثانية عشرة. ووفق ملف القضية والبلاغات المقدمة إلى الشرطة، فقد تنوعت جنسيات الصغيرات منهن بين سعوديات ويمنيات وبنغلاديشيات وهنديات، مما يشير إلى ان المعتدي كان يترصد صغيرات السن لسهولة التغرير بهن ومن ثم استدراجهن الى سيارته من دون مراعاة براءتهن وجهلهن بما يخطط له ولثقته بعدم قدرتهن على المقاومة أو الاستنجاد أو تخليص أنفسهن من قبضته.

طرق استدراج الضحايا

وكان المتهم يستدرج ضحاياه من القاصرات بأكثر من طريقة خبيثة، حيث يوهم من يجدهن داخل الأسواق أو بالقرب منها في غفلة من ذويهن بأنه المسؤول أو صاحب السوق وأنهن حصلن على جوائز وألعاب ومن ثم يستدرجهن الى سيارته التي ركنها بعيداً بحجة تسليمهن تلك الجوائز والألعاب. كما يوهم من يجدهن بالقرب من الاستراحات وقاعات الأفراح بأن لديه ذهباً يرغب في إيصاله الى أم العروس. وفي كل مرة كان يستخدم حيلة جديدة يقنع بها الصغيرات بالمشي معه... الى درجة وصل به الأمر أن استدرج إحدى ضحاياه من داخل مستشفى حكومي بعد إيهامها بأنه مسؤول المستشفى وأن عليها أن تلحق به لتتسلّم علاجها من المستودع، واقتادها إلى موقف سيارته ولم يرحمها رغم مرضها وحاجتها الى العلاج.

توقيف مشتبه به وإطلاق سراحه

وبعد ازدياد عدد الضحايا والبلاغات المقدمة، دبّ الرعب في قلوب الناس وأصبحت قصة «مغتصب القاصرات» متداولة في الوسط الاجتماعي بين مصدّق ومكذّب لهول الكارثة وتكرار الحادث مع فتيات كثيرات. وكثفت الجهات الأمنية البحث خلال التحقيقات الأولية في ملف القضية وأوقفت مشتبهاً به على ذمة التحقيق في التهم الموجهة اليه، حيث تم القبض عليه في إحدى القرى المجاورة لمنطقة مكة المكرمة، وأُوقف على ذمة التحقيق ستة أشهر.
إلا أن سرعة القبض على المتهم الحقيقي في القضية كانت طوق النجاة للمشتبه به في القضية والذي أطلق سراحه في ما بعد، حيث أثبتت عملية اختطاف أخرى  أن المشتبه به الموقوف منذ أشهر عدة، لم يكن هو الفاعل الحقيقي والجاني المطلوب القبض عليه، كون الجريمة الأخيرة التي تم تسجيلها وقعت خلال فترة سجنه، وكانت تتطابق في الأسلوب الإجرامي مع سابقاتها، وأن الضحية التي تعرضت للاختطاف قدمت المعلومات ذاتها التي سبق أن سجلها المحققون في أقسام شرطة جدة أثناء تحقيقاتهم في القضايا السابقة.

أوصاف وأدلّة دانت المتهم

ثلاث سنوات مرت توالت فيها قضايا المتهم منذ عام 1429هـ إلى 30/6/1432هـ، وبتتبع رجال الامن له وتحرّيهم عنه وجمع أكبر قدر من المعلومات، وجدوا ان جميع القضايا حدثت بأسلوب إجرامي واحد، مما يؤكد ان مرتكب تلك القضايا هو شخص واحد. وبالرجوع إلى ما ذكرته «القاصرات» المجني عليهن، وجد تطابق في أقوالهن في ما يتعلّق بإيراد أوصاف المتهم الشخصية من حيث الطول واللون والملابس، إضافة إلى أن غالبية الضحايا أكدن أن أنفه وشفته السفلية كبيران، كما تم وصف منزل المتهم من الخارج والداخل وما يحتويه من أثاث ومقتنيات تتطابق مع ما وجد في الواقع، كـ «الشيشة»، وجهاز كومبيوتر كان يستخدمه لعرض مقاطع وصور إباحيه.

عملية القبض على المتهم

قامت الجهات الامنية بتتبع المكالمات الصادرة والواردة الى هاتف المتهم المحمول في توقيت وتاريخ بعض الوقائع من خلال الأبراج المستخدمة في تغطية تلك المكالمات، إذ تبين أنها كانت تصدر، أو ترد بالمواقع نفسها التي اختفت فيها القاصرات. وبدأ رجال الأمن البحث والتحري في أحد أحياء جنوب جدة بعد إفادة إحدى الضحايا وتم التوصل الى مبنى المتهم، حيث كان يسكن شقة في عمارة والده. ولدى مشاهدة المتهم بجوار المنزل المذكور، تبين أن جميع الاوصاف التي أدلى بها الضحايا متطابقة، وقُبض على المتهم في موقعه.

أساليب المتهم والتهم الموجهة إليه

كما ظهر في ملف القضية، كان المتهم يضع القاصرات في أسفل مقعد السيارة قبل أن يقتادهن إلى منزله ليتحرش بهن ويغتصبهن. ووجّه المدّعي العام اتهامه  الى «مغتصب القاصرات»، بخطف عدد من الفتيات القاصرات، وترويعهن والاعتداء عليهن بالضرب قبل ممارساته الجنسية، وإدخالهن إلى منزله بالإكراه، وفعل الفاحشة بهن بالقوة، وإرغامهن على مشاهدة لقطات وصور إباحية على حاسوبه الشخصي، ومن ثم إخراجهن من منزله وإلقائهن في الشوارع العامة، وغيرها من التهم التي وجهت إليه مقرونة بأدلة حُفظت من موقع الجريمة.
وكان المدعي العام طالب المحكمة بإيقاع أقصى العقوبات  بالضالع في الجريمة، تضمنت المطالبة بحد «القتل»، بالنظر إلى بشاعة الجريمة التي ارتكبها في حق الفتيات، خصوصاً بعد أن توافرت الأدلة والقرائن ضده، وشملت تطابق الأنماط الوراثية للعيّنات التي تم رفعها من ملابس إحدى القاصرات المجني عليهن مع الأنماط الوراثية للعيّنة القياسية المسحوبة من المتهم، وكذلك تطابق العينات الحيوية المرفوعة من شقة المتهم مع العينة القياسية لإحدى ضحاياه، إضافة إلى التقارير الطبية الخاصة بنتائج فحص المجني عليهن، وشهاداتهن، ونتائج مواجهتهن بالمتهم، ولقطات الفيديو الموثّقة من نظام المراقبة التلفزيونية في بعض المواقع التي جرت فيها عمليات الخطف، واعترافات المتهم بشرب المسكر وحيازته مشاهد إباحية على الحاسوب الآلي الخاص به.

تسع حالات مشابهة لم تنقذ المتهم من القتل 

أثناء نظر القضية، طلبت المحكمة العامة من الجهات الأمنية تقريراً عما إذا كانت سُجلت قضايا مشابهة لتلك القضايا المسجلة في ملف القضية، وردّت شرطة جدة بخطاب (حصلت «لها» على نسخة منه) بأنها سجلت تسع حالات اختطاف لفتيات بين 7و12 عاماً. وأوضحت أن هذه الحالات مشابهة للدعوى المنظورة والمتعلقة بـ «مغتصب القاصرات»، الذي صدرت في حقه أحكام بالقتل «تعزيراً» من المحكمة العامة في جدة.

الضحايا يتحدثن

كشفت والدة إحدى الضحايا، الطفلة مها (6 أعوام)، أثناء روايتها للقصة أن ابنتها كانت تلعب مع أقربائها ثم حضر أبناء أقاربهم وأبلغوها أن رجلاً طلب منهم إحضار أكياس من الطابق الثاني، وعندما صعدوا الى الطابق الثاني لم يجدوا الأكياس، فعادوا إلى الشارع لم يجدوا مها، ووصفوا السيارة الخاصة بالرجل بأنها كبيرة بيضاء اللون.
فيما أكد أحد الشهود أنه بينما كان يذهب بعد منتصف الليل لإحضار زوجته من منزل أهلها، وكان ينتظر في فناء المنزل شاهد طفلة تدخل العمارة ثم تخرج بسرعة. ولدى خروج زوجته، شاهدت الطفلة تقف على الرصيف حافية القدمين، وسألتها عن اسمها وسبب وجودها في تلك الساعة المتأخرة من الليل في الشارع، فأجابت الطفلة بأن اسمها مها وتسكن في جدة وأن شخصاً يملك سيارة كبيرة بيضاء أخبرهم بأن اسمه احمد وأنه صديق لوالدها هو من اصطحبها من أمام منزلها وتركها في ذلك المكان.
وفي التفاصيل، قالت مها إنها كانت مع ابن عمها أمام منزلهم في حي الثغر، وحضر شخص يقود سيارة «جيمس» بيضاء اللون وطلب من ابنيّ عمها الذهاب لإحضار بضائع من الطابق الثاني، وطلب منها أن تركب السيارة لتحضر كيساً من المقعد الخلفي، فركبت السيارة ولم تجد شيئاً، ثم طلب منها أن تغلق الباب فرفضت، وأصر عليها مرة أخرى من أجل المكيف، فأغلقت الباب، وتحرك بها، فسألته إلى أين تذهب؟ وأخبرها بأنه سيذهب بها لإحضار بضاعة من مكان آخر، واصطحبها إلى عمارة وأدخلها الى غرفة رأت فيها حاسوباً آلياً ومكتباً وشيشة ثم سمعته يتحدث بالهاتف، وسألته مع من تتحدث؟ فأخبرها بأنه والدها، فطلبت منه أن يحدّثها مع والدها، فرفض بحجة أن والدها مشغول. وأخذ يشاهد التلفزيون، وكانت تُعرض فيه «أفلام خلاعية» ثم عادت وسألته مرة أخرى عن والدها، فصفعها على وجهها وصمتت، ثم سألته عن الوقت؟ فأجاب بأنها الساعة الثانية عشرة ليلاً، ثم ذهب بها في السيارة إلى إحدى العمارات، وطلب منها أن تصعد إلى الطابق الثاني لتنادي زوجته، فصعدت أربع درجات ثم عادت ولم تجده.
وأضافت أن سيارته جيمس بيضاء اللون، مقاعدها رصاصية، وهو شخص نحيف البنية، له شارب خفيف ويضع عمامة بيضاء.
وقد طُلب من والد الطفلة الحضور إلى مركز الشرطة لاستكمال إجراءات الكشف الطبي، إلا أنه رفض، مؤكداً أنها سليمة وليس هناك ما يدعو إلى ذلك.
كما أثبتت إدارة الأدلة الجنائية في تقريرها عدم وجود آثار منوية في العيّنات المُرسلة من الطفلة.
واستمعت الجهات الأمنية إلى الضحية الثانية وهي الطفلة (ريما)، التي أكدت أنها بينما كانت مع والدها في سوق «هايبر بنده» في حي الجامعة، قام شخص أسود البشرة يرتدي بنطلوناً رمادياً بوضع يده على فمها وأخذها عنوة إلى سيارة بيضاء اللون كانت مركونة في المواقف، وهددها بسكين ذي لون ذهبي واصطحبها إلى منزل فوق السطح وخلع ملابسها ومن ثم ملابسه واغتصبها بعدما قام بتشغيل تلفزيون أسود كبير ودخّن الشيشة... ثم أعادها بسيارته وأنزلها في جوار قاعة أفراح، وطلب منها الدخول لتنادي والدتها... دخلت القاعة وبحثت عن والدتها فلم تجدها، وخرجت لتجد رجلاً يسألها عن المكان الذي أتت منه، فأخذت تبكي حتى حضرت الشرطة.

شقيق المتهم يتحدث 

في وقت سابق، أكد شقيق المتهم (ع. ز) أن شقيقه «كبش فداء» وضحية لإجراءات خاطئة، وطالب  بإعادة التحقيق في ملف القضية وبدء محاكمة جديدة. وأضاف أن قاضي المحكمة العامة في جدة رفض الكثير من طلباتهم أثناء محاكمة شقيقه، مشيراً إلى أنهم تقدموا بشهود في القضية رفضهم القاضي، إضافة إلى إخراج محامي شقيقه من قاعة المحكمة ثلاث مرات.
وكان (ع. ز) يستغرب تلك الإجراءات التي اتخذها القاضي أثناء محاكمة شقيقه، ويقول: «أتحمّل المسؤولية تجاه أقوالي في حال عدم صحتها»، مشدداً على أن شقيقه بريء مما وجّه اليه من تهم باطلة نتيجة إجراءات في عملية القبض والتحقيق من الجهات الأمنية.

المتهم يكشف عن نفسه عبر مقطع «مرئي»

ظهر المتهم باختطاف القاصرات واغتصابهن في محافظة جدة للمرة الأولى عبر مقطع على «يوتيوب» يناشد فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله) التدخل لنصرته وإنصافه، بعد أيام مما تردد عن مصادقة المحكمة العليا في الرياض على تنفيذ حكم القتل «تعزيراً»، الصادر من المحكمة العامة في جدة بحقه، مؤكداً براءته من الاتهامات المنسوبة إليه، وأنه تعرض للظلم وأن جميع الاتهامات الموجَّهة اليه ملفقة.
وقال في تسجيله: «يا خادم الحرمين أبرأ إلى الله من هذا الإفك الذي أُلصق بي جزافاً وظلماً وعدواناً، وأعلن براءتي وأصرخ بها أمام الله ثم أمامكم وأمام قبيلتي وعائلتي وأمام الناس جميعاً، والله ثم والله ثم والله لا ديني ولا عمري ولا علمي ولا عملي ولا خلقي ولا تربيتي ولا أبوّتي تسمح لي حتى بالتفكير في مثل هذه الرذيلة التي لا تصدر إلا من السفيه ومختل العقل».
وبيّن أن التهم التي وجّهت إليه هي افتراء وبغير وجه حق، إذ كانت قضيته «كيدية» ثم اتخذت منحى آخر.
وأشار إلى أنه من مواليد عام 1390هـ، وهو أحد خريجي جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، ويعمل مدرّساً للغة العربية منذ عام 1415هـ، مبيناً أنه حصل على شهادات شكر وتقدير عدة من الإدارة العامة للتربية والتعليم في جدة والمدارس التي عمل بها، مضيفاً: «حياتي الاجتماعية - ولله الحمد - كانت ممتازة، ولم يسبق لي أي توقيف في أي قضية جنائية، ولا حتى قطع إشارة مرور».

رأي قضاة المحكمة

أكدت المحكمة أنه بتتبع ملفات هذه القضية ومحاضرها من بدايتها إلى نهايتها سنجد أن عدد من شارك في إجراءاتها يبلغ العشرات ويستحيل أن يجتمع هذا العدد ممن يعملون في جهات حكومية مختلفة ومتعددة ومنفصلة على إلصاق التهمة بالمدعى عليه لمجرد أنه لم يبع سيارة لوالد إحدى الضحايا كما ذكر. ثم إن الأصل في هؤلاء الأشخاص هو العدالة والأمانة، ولا يتصوّر العقل أن يقوم إنسان بتدبير مكيدة وإلصاق تهمة هذه الجريمة التي استمرت على مدى ثلاثة أعوام برجل لمجرد أنه رفض بيع سيارته بالتقسيط، كما  يستحيل أن تكون جميع بلاغات اختطاف الفتيات كاذبة، وقد اختلفت أوقاتها وتواريخها وأماكنها ومراكز الشرطة التي تلقت بلاغاتها مع اختلاف جنسيات الفتيات ولغاتهن وأجناسهن.
وتحدث القضاة في المحكمة عن أحد التقارير الطبية الذي يفيد بفعل الفاحشة ووجود آثار منوية على الطفلة مها، إذ أكدت المحكمة أنه ربما كان ذلك الاعتداء خارجياً، نظراً الى عدم وجاهة طلب المتهم سماع شهادة الشهود الذين يذكر أنهم يشهدون على وجود علاقة بينه وبين والد الطفلة (مها)، وإذا صح ذلك فليس له أي تأثير في القضية، لا سيما أن المتهم أقر بعدم وجود أي عداوة بينه وبين والد الطفلة.
وأضاف القضاة: «ومما يستوجب تشديد العقوبة على المتهم هو كبر سنه وكونه مؤتمناً على أبناء المسلمين في عمله التربوي ولكونه أيضاً متزوجاً وصغر أعمار الفتيات المجني عليهن وتكرار فعلته مرات عدة، مما يدل إلى تأصل الإجرام في نفسه، ونظراً الى انتشار ظاهرة استدراج الفتيات وخطفهن في المجتمع مما يستوجب معاقبة المتهم معاقبة بليغة تردع غيره ممن تسول له نفسه الإقدام على ذلك، ولأن في بعض دفوع المتهم نوع شبهة، والحدود على وجه الخصوص تدار بالشبهات».
وتابعوا: «بعد الاطلاع على كامل أوراق المعاملة والمذكرات التي قدمها الطرفان وما سبق ضبطه وبعد التأكد من أهلية المتهم، وأنه عاقل بالغ، وبناء على ما تقدم، فقد قضينا بصرف النظر عن طلب المدعي العام إقامة حد الحرابة وحد المسكر على المتهم، وحكمنا بقتله «تعزيراً» وذلك بضرب عنقه بالسيف حتى الموت».

بيان وزارة الداخلية حول تنفيذ حكم القتل بالمتهم

أصدرت وزارة الداخلية بياناً بشأن تنفيذ حكم القتل «تعزيراً» في أحد الجناة في محافظة جدة لقيامه باستدراج فتيات قاصرات وخطفهن والاعتداء عليهن، جاء فيه: «أقدم (م.س) على استدراج عدة فتيات قاصرات وخطفهن وترويعهن وذويهن والاعتداء عليهن بالضرب وإدخالهن منزله بالإكراه وفعل الفاحشة بهن بالقوة واحتجازهن وإرغام بعضهن على شرب المسكر ومشاهدة مقاطع وصور إباحية ومن ثم إلقائهن في الشوارع العامة».
وأضاف البيان: «تمكنت سلطات الأمن من القبض عليه وأسفر التحقيق معه عن توجيه الإتهام إليه بارتكاب جريمته وبإحالته إلى المحكمة العامة وصدر بحقه صك شرعي يقضي بثبوت ما نسب إليه شرعاً والحكم بقتله تعزيراً وصدّق الحكم من محكمة الاستئناف ومن المحكمة العليا، وصدر أمر ملكي يقضي بإنفاذ ما تقرر شرعاً وصدّق من مرجعه بحق المذكور».
وتابع: «تم تنفيذ حكم القتل بالجاني الإثنين الموافق فيه 6 / 4 / 1436هـ في منطقة مكة المكرمة، ووزارة الداخلية إذ تعلن عن ذلك لتؤكد حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على استتباب الأمن والقبض على المجرمين الذين يحاولون العبث بأمن هذا البلد واستقراره أو يعتدون على الآمنين بسفك دمائهم أو هتك أعراضهم أو سلب أموالهم وتنفيذ أحكام الله فيهم دون هوادة وتحذر في الوقت نفسه كل من تسوّل له نفسه الإقدام على مثل ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره» .
وبذلك أنهت الجهات المختصة في محافظة جدة آخر فصول ملف قضية «مغتصب القاصرات»، إذ نفذت حكم القتل «تعزيراً» بالمتهم داخل سجن بريمان في محافظة جدة في حضور جهات الاختصاص ممثلةً بلجنة تنفيذ الأحكام الشرعية، والسيّاف الذي أسندت اليه مهمة التنفيذ.

وأنهت الجهات المختصة إحدى قضايا الرأي العام والتي أثارت جدلاً كبيراً في منطقة مكة المكرمة، بعد أعوام عدة من التحقيقات التي أُجريت في ملف القضية، بدءاً بشرطة محافظة جدة، مروراً بهيئة التحقيق والادعاء العام، والمحكمة العامة في جدة، ومحكمة الاستئناف في منطقة مكة، وانتهاء بساحة القصاص.
واقتيد المتهم من داخل السجن إلى المكان المحدد لتنفيذ الحكم الشرعي به بعدما ودّع زملاءه في السجن الذي مكث فيه أعواماً، حيث نطق بالشهادة واستمر ثواني عدة في الاستغفار قبل أن يُخرج السيّاف سيفه. 
وجاء تنفيذ الحكم الشرعي بعد أشهر من مصادقة المحكمة العليا على حكم المحكمة العامة في محافظة جدة، ومحكمة الاستئناف في منطقة مكة المكرمة، والذي أصدرته لجنة قضائية متضمناً «قتل» المتهم «تعزيراً»، إذ تم تعديل الملاحظات التي قدمتها محكمة الاستئناف في وقت سابق على الحكم الصادر من اللجنة القضائية المكونة من عبدالله المزروع «رئيساً»، وكل من محمد عنيزان، وعبدالعزيز السحيمان.
ورفض المتهم خلال جلسات المحاكمة جميع الأدلة والقرائن والتهم التي وجهت إليه «جملة وتفصيلاً»، واعتبرها «أدلة ملفقة، وقرائن لا ترتقي إلى مستوى الإدانة»، مشيراً إلى أن بعض الأدلة تضمن «إفادة من فتاة اعتدى عليها شخص أسمر البشرة، يميل إلى اللون الأسود». وهو دليل اعتبر أنه يبرّئ ساحته، ولا يدينه. وجاءت محاكمة المتهم باغتصاب القاصرات، بعد سلسلة طويلة من التحقيقات التي تواصلت خلال الأعوام الماضية، إذ أغلقت جهات التحقيق، ممثلة بهيئة التحقيق والادعاء العام في جدة، ملف قضية «مغتصب القاصرات»، الذي شغل الرأي العام السعودي كثيراً، مطالبةً بتنفيذ عقوبة القتل في حقه.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079