في مهنة المتاعب: صحافيات يتعرّضن للتحرّش والإغراءات المادية
تُعد مهنة الصحافة، مهنة المتاعب، إذ لا تقتصر الضغوط على الواجب المهني بل تمتد إلى مجاراة مزاجية الناس والسياسيين والمشاهير في إبداء مواقفهم وتنميقها لتخرج إلى العلن بأسلوب مهذب، وحدود المهنة تتوقف عند هذا الحد. لكن ما يغيب عن أنظار العامة المواقف اللاأخلاقية التي تتعرض لها الصحافية من تحرش وكلام نابٍ وإغراءات، فمنهن من تقع فريسة هذا الموقف ومنهن من تقاوم كي لا تفقد كرامتها وصدقيتها مع نفسها قبل مثولها أمام محكمة الجمهور. في هذا التحقيق نسلّط الضوء على بعض المواقف التي تعرضت لها الصحافيات، إلا أن كثيرات لم يفصحن عن تجاربهن خوفاً من فضيحة هنا أو إنتقام من هناك، أو أنهن لم يضخمن الموضوع في سبيل «سكوب» إعلامي ومكاسب مادية. وفي التحقيق أيضاً نطلّع على رأي نقابة المرئي والمسموع والتي عزت بعض أسباب التحرش إلى الصحافية نفسها!
(ف.م) 24 سنة، مراسلة إذاعية تعمل في مهنة الصحافة منذ أربع سنوات. وأخبرتنا أنها خلال وجودها في السراي الحكومي، حيث كانت تقوم بتغطية الحدث حينذاك، وصل أحد الوزراء وعندما نظر إليها سألها مستغرباً بأسلوب إعجاب، «ترتدين الفستان! منذ متى ترتدين الفساتين»، وذلك على مرأى ومسمع من زميلاتها اللواتي تنبهن لكلام الوزير. قالت: «أنا معتادة على ارتداء الفساتين»، واستغربت تعليقه، وأدرات ظهرها وتركته وانضمَّت إلى زميلاتها. وأضافت: «أعتقد أنها المرة الوحيدة التي تعرضت فيها لموقف كهذا، وذلك لأنني لا أفسح في المجال لأي شخص للتمادي معي في كلامه وتصرفاته، وربما هو السبب الذي لم يجعلني عرضةً لهذه المواقف كأخريات».
(س.و) 27 سنة، مراسلة إذاعية تعمل في مجال الإعلام منذ 4 سنوات. تلفت إلى أنها وخلال تغطيتها مؤتمراً صحافياً في منزل أحد السياسيين في فترة الأعياد، وبعد الإنتهاء من الحدث وُزعت عليهم مغلفات، فاعتقدت في البداية أن المغلف عبارة عن بطاقة معايدة ولم تكترث لأن تفتحه. وتقول: «استوضحت مني صديقتي إن كنت فتحت المغلف، وعندما فتحته تفاجأت بمبلغٍ مادي. سارعت حينها وأخبرت مديرتي في العمل، فقالت لي إنني لست الأولى، وهذا المبلغ بمثابة شكر لنا كصحافيين، وأخبرتني أن بإمكاني قبوله أو رفضه». وتضيف الصحافية: «اعتبرت هذا المبلغ نوعاً من الإغراء المادي، علماً أنه لم يُطلب مني شيء في المقابل. كما أنه لم يكن للحدث صدى سلبي لكي نقوم بتجميل وتنميق ما شاهدناه، بل على العكس كان إيجابياً».
(ف.ح) مراسلة إذاعية، تعمل في مجال الإعلام منذ أكثر من 15 سنة. تشير إلى أنها كانت قد ذهبت إلى أحد الفنادق لتجري مقابلة مع أحد الوزراء السابقين المعروفين بالسمعة الطيبة، وحين كانت تجري المقابلة سألها الوزير إن كانت متزوجة، فردت عليه بالنفي. فقال لها: «هل الرجال فقدوا بصرهم؟ إنَّ لجسدك عليك حق». عندها شعرت بالخوف، وسيطر عليها السكوت فحاولت الإسراع والإنتهاء من المقابلة إذ كان السائق في انتظارها. واعتبرت (ف) أن من الخطأ أن تقصد صحافية مكاناً لإجراء مقابلة بمفردها. هذا من ناحية الشخصيات السياسية، أما على الصعيد الفني، فتلفت (ف.ح) إلى أنها منذ سنتين وكان اليوم الأول من السنة، زار خلالها أحد الممثلين المصريين الشباب لبنان، وذلك بعد انتهاء عرض مسلسله الرمضاني الذي شارك فيه مع الممثلة المصرية يسرا. فوجدتها فرصة لإجراء مقابلة معه وأخذت موعداً للقائه، وتشير إلى أنها تعلمت من المرة الأولى حيث تعرضت لتحرش لفظي من أحد الوزراء، فاصطحبت معها صديقتها لملاقاة الممثل المعروف في الفندق. وتقول: «اتصلت به وأخبرته أنني وصلت فطلب مني أن أصعد إلى غرفته، وبالفعل صعدت مع صديقتي، فقرعت الباب وعندما فتح لنا الباب كان مرتدياً رداء الحمام الأبيض وجسده مبلل بالماء، فصُدم بأن صديقتي ترافقني، فقال لنا: «ثوان لأرتدي ملابسي وأعود»، وعندما طلبت منه الصور طلب مني أن أدخل معه إلى غرفة نومه، فرفضت وطلبت منه أن يأتي بهم إلي».
(م.أ) مراسلة في أحد التلفزيونات المحلية، تقول: «خلال احتفال تكليف رئيس الحكومة اللبنانية الحالي، تعرضت للتحرش من أحد النواب الحاضرين، وكان أسلوبه بذيئاً وغير مهذب، إذ طلبت منه أن ينتظرني لأنادي المصور ليحضر الكاميرا لكي أجري معه مقابلة، ففاجأني بردٍ نابٍ ذي إيحاءات إباحية.. وتضيف: «رددت عليه بأسلوب جاف متظاهرةً بعدم فهمي أسلوبه اللاخلاقي». وتتحدث الصحافية نفسها عن نائب آخر فتقول إن أحد النواب أعرب لي عن إعجابه بطريقة غير مباشرة، ولا أعتبر أسلوبه تحرشاً ربما لأنه كان مهذباً، إذ كان ينظر إلى الكاميرا ويسأل: «هل أبدو بمظهر جيد؟ فرد عليه المصور حينذاك بالقول: «مظهرك جيد جداً». أما السياسي فاعترض، قائلاً: «لا أسألك أنت بل أسأل الجمال ومن يفهم الجمال»، موجهاً الكلام إلي».
امتنعت إحدى الصحافيات التي أعرفها عن التحدث عن تجربتها، إلا أنها وخلال حديث سابق معها، أخبرتني ما حصل مع وزير ذائع الصيت ومعروف بالنزاهة ومكافحة الفساد، إذ حاول أكثر من مرة استمالتها ودعوتها إلى مكتبه في الوزارة في وقت متأخر لإعطائها مقابلة، إلا أن الصحافية رفضت دعوته في كل مرة، عازيةً الأسباب لظروف العمل أو تأخر الوقت، مقترحةً عليه إجراء المقابلة عبر الهاتف.
رأي نقابة المرئي والمسموع: رندلى جبور: بعض الصحافيات موضوع قابل للتحرّش!!
تقول نائب رئيس نقابة العاملين في المرئي والمسموع رندلى جبور: «نقرأ العديد من المقالات عن تحرش السياسيين بالصحافيات لكننا كنقابة لم نواجه أي شكوى من هذا القبيل، ولكن قبل الدخول في هذا الموضوع يجب أن نركز على نقطتين أساسيتين. أولاً: ان بعض الصحافيات هن اللواتي يُعرّضن أنفسهن للتحرش، أي أنهن موضوع قابل، وذلك من خلال ملابسهن أو الزمان والمكان غير المناسبين اللذين يحاولان إجراء المقابلة فيهما. وبالتالي أعتقد أن من المفترض على الصحافية أن تحترم نفسها وجسدها لكي لا تتعرض لهذا النوع من الإحراج. ثانياً: على الصحافية التي تعرضت للتحرّش أن تمتلك الجرأة وتتوجه إلى الجسم النقابي الذي يحميها. والنقابة بدورها ستقدم المساعدة من خلال رفع دعوى قضائية ضد المُتحرِش ومتابعة هذا الموضوع في القضاء. ورداً على سؤال عن سبب امتناع بعض الصحافيات عن اللجوء إلى النقابة وعدم البوح عن تعرضهن للتحرش، تقول رندلى: «الصحافية شخصية عامة وتحت الضوء، ولكي لا يُذاع صيتها ويتم التداول باسمها لا تُقدم على هذه الخطوة، كما أن أصابع الإتهام ستصوب نحو الصحافية أكثر منها نحو المتحرش وبالتالي ستعتبر الأمر مخجلاً». وفي ما يختص بنفوذ السياسي وعدم امتثاله للقضاء أو ربما احتواء الموضوع، تؤكد رندلى أنه ستتم «لفلفة» القضية من قبل السياسي عندما تصل إلى القضاء، وهدفنا هو إيصال اسمه إلى القضاء، وربما هذه الفضيحة تمنعه من القيام بعمل مماثل مرة أخرى، ويشّكل القضاء رادعاً لتصرفاته. وتفيد أنه لا توجد نصوص قانونية أو بنود في النظام الداخلي للنقابة تتناول التحرش بالصحافيات. وتضيف: «ربما بإمكاننا أن نتفادى هذا الموضوع وننبه طلاب الإعلام من خلال حملات توعية نقوم بها كنقابة في كليات الإعلام، إلى جانب دورات توعية تسلط الضوء على هذه الآفة، وتوضح لطلاب الإعلام حقيقة الواقع الذي نعيشه».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024