ابني وامتحاناته الخطّية وخربشاته
«هنّأت أم شادي ابنها على العلامات التي نالها في الامتحانات الخطيّة، لكنها فوجئت بكمّ الخربشة الموجود أمام الكلمات، وعندما سألته لماذا كل هذه الخربشة؟ أجابها أنّه أخطأ في كتابتها في البداية، ثم أعاد تصحيحها، و نظرًا إلى أن ليس لديه قلم يمحي الأخطاء، اضطر الى هذه «الخربشة».
فهل شادي متسرّع في إجاباته؟ وكيف يمكن تعويد التلميذ مثل شادي على تقديم ورقة امتحان واضحة؟ وماذا على الأم القيام به؟
عن هذه الأسئلة وغيرها أجابت الاختصاصية في علم نفس الطفل فرح تميم.
لماذا تكثر الخربشات في الامتحانات الخطّية عند بعض التلامذة؟
هناك بعض التلامذة، رغم ذكائهم وأدائهم الجيد جدًا، يقعون في أخطاء أثناء إنجازهم الامتحان الخطي، لأنهم متسرّعون في إجاباتهم. فهذا النوع من التلامذة يكون مستعدًا جيدًا لامتحانه، ولكنه يفقد تركيزه ساعة الامتحان، وخلال قراءة الأسئلة. لماذا؟ لأنه يدرك أنّ في إمكانه الإجابة عن كل الأسئلة، وهو قد استعد جيدًا للامتحان، وما عليه سوى إنجازه بسرعة من دون أن يشعر بالتعب، فيقع في أخطاء نتيجة تسرّعه، أي «الطيشنة» التي تجعله يكتب أجوبته بطريقة غير واضحة.
من هنا تبدو ورقة امتحانه إما مليئة بخطوط خافي الأخطاء correction- pen البيضاء، وإما بالخربشات الكثيرة. والسبب أنه تنبّه قبل تسليم الاختبار الخطّي إلى الهفوات التي ارتكبها، مثل أنّ عليه كتابة الكلمة على هذا النحو، أو أن الجواب الصحيح هكذا.
على ماذا يدلّ هذا التسرّع؟
يدلّ على أن كل شيء في حياة التلميذ العائلية يُنجَزُ بسرعة. مثلاً يأكل بسرعة، ينهي الفروض بسرعة... هذا الإيقاع السريع في الحياة يمكن أن يؤثر في أدائه المدرسي، وبالتالي ينعكس في تسرّعه.
أو أن التلميذ يعيش في فوضى، أي أنه ينجز في المنزل عدة أمور دفعة واحدة، خصوصًا في ما يتعلق بالدرس. مثلاً يبدأ بدرس القراءة ثم ينتقل إلى التمارين من دون أن يُكمل القراءة ويفهم الأفكار الرئيسة في النص، وبالتالي لا يعرف كيف ينظّم عمله والأفكار في رأسه. لذا كاختصاصيين نفسيين نطلب من الأهل دائمًا وضع قوانين وأنظمة واضحة يتبعها التلميذ، سواء في منهجية إنجاز فروضه المدرسية، أو في روتينه اليومي. فالفوضى تجعل الطفل فوضويًا ولا يركّز مهما كان ذكيًا. من هنا يأتي دور الأم في تعويده على النظام في كل شيء.
ولكن هناك تلامذة يعيشون ضمن قواعد وطقوس معيّنة في البيت، ومع ذلك نجدهم متسرعين في الإجابة؟
في هذه الحالة، يكون التلميذ غير مركّز في الدرس، كأن يفكّر أثناء الدرس في اللعب بعد قليل. مثلاً هناك تلامذة يأكلون الكلمات، لأنهم يفكرون في أمور أخرى. لذا على الأم تعويد طفلها على التركيز في كل عمل تطلب منه إنجازه.
هل التلميذ المتسرّع وحده من يخربش في امتحاناته الخطّية؟
بالطبع لا، هناك عدة فئات من التلامذة نذكر منها الآتي:
- التلميذ الذي يستوعب الدرس بسرعة، وهو ذكي، ولكن المشكلة أنّه خلال الامتحانات الخطيّة لا يهتمّ بتفاصيل الأسئلة، خصوصًا تلك التي تتضمّن فخاخًا Tricky questions. إذ من المؤكد أنّه تلميذ ذكي جدًا، وهو يثق بمعلوماته ويستند إلى فهمه الدرس، ولكن مشكلته أنّه لا يقرأ تفاصيل الامتحان، لأنه يظن أن لا طائل منها وهي مضيعة للوقت، في حين تكمن الإجابات الصحيحة في التفاصيل. ففي امتحانات التاريخ مثلاً، قد يحدث أن يلمح التلميذ كلمة، يظن أنها مفتاح الحل، فيسرع في الإجابة من دون أن يُكمل قراءة السؤال، ويعرف الفكرة الرئيسة المقصودة. وهذا دليل على غياب تنظيم الأفكار.
- هناك التلميذ الذي يهتم بأدق التفاصيل، ويغفل إشكالية السؤال الرئيسة، فتبدو إجاباته مرتبكة غير مفهومة، وخارجة عن فكرة السؤال الرئيسة، رغم أنه ذكي، وقد استوعب الدرس. فهذا التلميذ لا يعرف كيف يسلسل أفكاره وينظّمها، حتى إذا كتب، فقد يكتب صفحات من دون معنى، وهذا يؤثر لاحقًا في مستقبله الأكاديمي، ولا سيما الجامعي.
التلميذ الذي لا يثق بمعلوماته خلال الاختبار الخطّي، وغالبًا ما يكون من التلامذة الذين يصابون برهاب الامتحان، أو قلق الامتحان. فهم وإن كانوا مستعدين جيدًا، لكن خلال الامتحان يتبخّر كل شيء درسوه. في هذه الحالة تعالج مشكلة الخوف، التي هي في غالب الأحيان نتيجة عدم ثقة، لذا يكمن دور الأهل في إظهار نقاط قوته والعمل على تقوية نقاط ضعفه.
- هناك التلميذ الذي لم يستعد كفاية للاختبار الخطي، لذا يلاحظ الكثير من الخربشات في مسابقته لأنه غير واثق بالأجوبة، وغالبًا تأتي أجوبته النهائية خاطئة. على عكس التلميذ المتسرّع الذي يتنبه الى خطئه ويصحّحه.
ما هي الحلول الممكنة في ما يتعلّق بالامتحانات الخطيّة؟
- في المدرسة: للمعلمة دور رئيس في تعليم التلامذة الصغار منهجية إنجاز الامتحانات الخطية، وهذا يتطلب منها تخصيص ساعة واحدة في الأسبوع لتعليمهم. المهم في التعليم أن يعرف التلميذ كيفية تنظيم عمله، قبل أن يكتسب معلومة جديدة. ويشمل ذلك:
- ورقة المسابقة: قبل الإجابة، على التلميذ كتابة اسمه، والتاريخ. فهناك تلامذة ينسون كتابة اسمهم لكثرة تسرّعهم.
- قراءة كل أسئلة المسابقة ثم قراءة كل سؤال على حدة، ووضع إشارات تحت النقاط التي عليه الإجابة عنها، ثم يأخذ وقته لحل الامتحان.
- في البيت: على الأم التنسيق مع المعلّمة لمعرفة المنهج المتبع في الصف لإنجاز الامتحان. مثلاً إذا كانت لديه وظيفة تحليل نص، يقرأ النص، ومن ثم الأسئلة حوله، ثم يسطّر تحت كلمات مفاتيح الأسئلة. هذه الطريقة تجعله يعتاد على الانتباه إلى الأفكار الرئيسة المطلوب منه الإجابة عنها. مثلاً تمرين تحليل نص جاء على الشكل الآتي: استخرج الأفعال الواردة في النص؟ هنا تطلب منه والدته أن يسطّر كلمات (استخرج وأفعال وفي النص)، فبمجرّد أن يضع خطًا تحتها، يدرك تمامًا أن المطلوب منه استخراج الأفعال، وليس الصفات مثلاً. بعد ذلك ستلاحظ الأم نقاط ضعف ابنها. هل كل الجواب خطأ؟ هل هو متردّد في إجابته؟ هل فهم فعلاً الفارق بين الفعل والاسم والصفة؟ قد يعترض التلميذ لأن هذا يستغرق وقتًا. لذا على الأم أن تكون صبورة.
هل يجدر بالمعلمة أن تكون متساهلة في العلامة، وإن كانت الإجابة صحيحة بعد الخربشة؟
بالنسبة إلى التلميذ الصغير، لا بأس، فهو لا يزال صغيرًا، ولكن عليها أن تنبهه، وتوجّه اليه ملاحظة. لذا ننصح المعلمة تعليم تلامذة المرحلة الابتدائية منهجية الإجابة على الامتحانات، كيف نقرأها وكيف نبدأ بحلّها، من المؤكد أن كل التلامذة سوف ينفّذون ما تطلبه المعلمة.
إذ لا يجوز الانتظار إلى صفوف المرحلة المتوسطة، وخصوصًا في الشهادات الرسمية ليطلب من التلامذة الاعتناء بوضوح مسابقاتهم الخطية، لأنهم يخسرون درجاتهم بسبب الخربشة في الامتحان.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024