في الشوارع «بوسترات» حب واعتذار وطلبات زواج فضيحة أم رومانسية؟
على طريقة الأفلام قد يعبّر البعض عن مشاعر الحب برسائل تكتب على لافتات إعلانية في شوارع القاهرة أو حتى في الجامعات، فهذا زوج يعتذر لزوجته عن غيابه، وذاك طالب يعرب عن رغبته في الزواج من زميلته بنشر صورة تجمعهما، وفي نهايتها سؤال «تتجوزيني؟»، الأمر الذي يعد غريباً وجديداً على المجتمع العربي، فهل هي رومانسية من الرجال أم أنها فضيحة؟ وهل السبب التأثر بالأفلام أم بالنمط الغربي؟ «لها» تحقق.
شهدت نهاية عام 2014 ومع اقتراب موعد امتحانات الفصل الدراسي الأول، مظاهر رومانسية لطلبة الجامعات، كل يعبّر عن حبه لزميلته على الملأ بين أقرانه، وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورة؛ قام فيها أحد طلاب كلية الحقوق بجامعة عين شمس بتعليق لافتة على أحد مباني الكلية مكتوب عليها «أسماء بحبك تتجوزيني؟».
ظهرت الحالة الثانية في كلية التجارة جامعة عين شمس، حيث علّق أحد الطلاب أكثر من لافتة على جدران الكلية، أحدها مكتوبة باللغة الانكليزية: Nouran i am sorry.. I love you.. marry me? وفي لافتة أخرى طبع صورتين تجمعهما وكتب عليها: Will you marry me?.
كما تداول النشطاء صوراً لطالب في الجامعة الألمانية في القاهرة يعبّر عن حبه لزميلته على طريقة الأفلام الأجنبية، حيث جلس الطالب على ركبته مقدماً خاتم الخطوبة لزميلته، بينما رفع أصدقاؤه لافتات مكتوب عليها Will you marry me?، كما لم يخل المشهد من الاستعانة بعازف غيتار حتى تكتمل الرومانسية.
لافتة إعلانية
قد يتقبل المجتمع بعض الشيء جنون حب الشباب فترة المراهقة. ولكن أن يقدّم زوج اعتذاراً لزوجته في لافتة إعلانية كبرى في الشارع على طريقة فيلم «السلم والثعبان» بطولة هاني سلامة، هذا ما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي في مصر وأثار الجدل بين النشطاء.
البداية كانت عندما نشر عمرو علي ضابط شرطة، صورة اللافتة الإعلانية الموجودة في أحد شوارع محافظة الدقهلية، والتي هنأ زوجته فيها بعيد ميلادها، معتذراً عن تقصيره في حياته الأسرية بسبب ضغوط عمله، وقال في اللافتة التي كتبها باللهجة العامية «حبيبتي نانسي.. أنا عارف إني مقصر معاكي بس غصب عني إنتي عارفة ظروف الشغل.. كل سنة وإنتي طيبة وعقبال مليون سنة.. زوجك عمرو»، الأمر الذي قابله عدد كبير من نشطاء التواصل الاجتماعي بالانتقاد والسخرية والرفض، على أساس أنه تشهير بأسرار بيته، بينما رأت بعض النساء تصرفه بعين الحب، متمنيات أن تصيب عدوى الرومانسية أزواجهن.
النقد والسخرية أشعلا غضب الزوج الرومانسي عمرو علي، مما دعاه للرد على منتقديه عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، مؤكداً أن أمام منتقديه، من منطلق غيرتهم، خيارين: إما الانتحار بإضرام النيران في أنفسهم أو كتابة لافتات أفضل لزوجاتهم، ثم وجّه حديثه لمن يقولون إنه كان من الأفضل أن يهدي زوجته بـ 2 كيلو كباب وكفتة، قائلاً: «ما المانع في ذلك إذا كنت متزوجاً من بقرة لا تهتم بالمشاعر».
وتابع عمرو الرد على واصفيه بانعدام الرجولة قائلاً: «لا ذنب لي إذا كنتم تفهمون الرجولة خطأ وترونها تنحصر في ضرب الزوجة وإهانتها، فأنا إنسان سوي، أفرّق بين عملي كضابط وبين كوني رب أسرة وزوجاً».
لمحات جميلة
من جانبه يرى الناقد الفني طارق الشناوي، أن السينما استطاعت التأثير على السلوكيات الجيدة لدى البعض، لدرجة أنها نقلت تلك المشاهد الرومانسية إلى أرض الواقع، لافتاً إلى أنه لم يكن من المتوقع عندما عرض فيلم «السلم والثعبان» عام 2001، أن تنتشر الطريقة التي صالح بها البطل «هاني سلامة» حبيبته «حلا شيحة» عن طريق لافتة إعلانية في الشارع، بين طلبة الجامعة ليطلبوا بها الزواج من محبوباتهم، أو أن تكون وسيلة اعتذار لبعض الأزواج كما هي حال عمر الذي اعتذر لزوجته في عيد ميلادها عن انشغاله.
ويتابع: «هذه لمحات جميلة، تنقل قدرة السينما على التأثير الإيجابي على الجمهور، بدلاً من اتهامها فقط بالتأثير السلبي في ما يخص الإدمان والعنف، وأنا شخصياً سعيد بتلك اللافتات الجميلة ومعناها أن هذا الجيل محتفظ بقدر كبير من الرومانسية، وأتمنى أن يفوق واقع رومانسيتهم ما قدمته السينما على شاشاتها. ويعترض الشناوي على أن تكون تلك اللافتات الرومانسية مدعاة للفضيحة أو التشهير، وإنما يراها دليلاً على أن المجتمع بدأ يطور نفسه، خصوصاً أنه يتقبل تلك الأفعال من الغرب، ويضيف: «ما المشكلة عندما يعبّر زوج عن امتنانه لزوجته بلافتة في الشارع، إنني أراها رومانسية لا تقل عن رومانسية كلمات جورج كلوني عن زوجته أمل علم الدين في حفل تسلم جائزة «غولدن غلوب»؛ لنفي ما تردد في شأن طلاقهما لغيرتها الشديدة وعدم تفهمها لطبيعة عمله.
فضيحة
ترى سها إبراهيم، 44 عاماً، ربة منزل، أن هذه ليست رومانسية على الإطلاق، بل فضيحة وتشهير بالزوجة، وفي حال طلبة الجامعة فهي تراها مراهقة وتصرفاتها غير مسؤولة، ولا تقبل أن يقوم خطيب ابنتها الكبرى بذلك التصرف تعبيراً عن حبه لابنتها، وتقول: «إذا تصرف خطيب ابنتي مثل تلك التصرفات أعتبره تافهاً وغير جدير بالثقة».
وتتابع: «يختلف تفكير النساء بحسب المرحلة العمرية، ففي فترة المراهقة قد تسعد الفتيات باللافتات المعبرة عن الرومانسية، لكن بعد الزواج وفي مرحلة الثلاثينات تسعد المرأة أكثر بالهدايا العملية، وفي الأربعينات مثل حالتي أرى أن أفضل تعبير عن رومانسية زوجي هو أن يفكر في راحتي؛ كأن يعزمني مثلاً إلى الغداء أو العشاء خارج المنزل حتى يرحمني من الوقوف في المطبخ، أو أن تكون هدية عيد ميلادي رحلة للأسرة بإقامة كاملة في أحد فنادق شرم الشيخ حتى أستريح من العمل المنزلي الشاق».
ما تريده النساء
أما مي أبو زيد، 33 عاماً، مرشدة سياحية، فترى أن هذه وسائل جديدة ومبتكرة للتعبير عن الرومانسية والحب، وأنها بعيدة تماماً عن الفضيحة أو التشهير.
وتقول: «البعض يعتبرها تشهيراً أو فضيحة، لأن الشعب العربي عامة والمصري بصفة خاصة نشأ على أن التعبير عن المشاعر ضعف لا يليق بالرجال، وأنه من شيم النساء فقط لأنهن مكسورات الجناح، وهذا السبب الرئيسي في ارتفاع معدل الطلاق، فالمرأة لا تجد من يحتويها وبالتالي تجف مشاعرها، وأنا شخصياً أحب أن أرتبط بشخص يجيد التعبير عن مشاعره، ولافتة رومانسية مثل هذه تغنيني عن خاتم «سوليتير»، فالقيمة في المفاجأة والمشاعر أهم من القيمة المادية للهدية».
قيمة الحب
توافقها الرأي إيمان إبراهيم، 30 عاماً، قائلةً: «أحب أن أرتبط بزوج يهتم بالمفاجآت والتعبير الرومانسي، ولا أجد أي فضيحة في لافتات التعبير عن الحب إذا وجدت في الشوارع، بل أعتبرها وسيلة لتعليم قيمة الحب، وهي إحدى القيم التي يفتقدها المجتمع حالياً». وتتابع: «نحن في حاجة إلى نماذج كثيرة من الرجال الذين يفكرون بهذه الطريقة في ظل طغيان مسؤوليات وضغوط الحياة وافتقاد الرومانسية وزيادة معدلات الطلاق، فأي تقدير بسيط من الرجل لجهود زوجته أو تحملها ظروفه يعتبر رومانسية وشجاعة».
مبالغة زائدة
ويرى عمر طوسون، 42 عاماً فنان تشكيلي، أن التعبير عن المشاعر بهذه الطريقة وسيلة مبالغ فيها، ويحمل قدراً كبيراً من التباهي والتمثيل أكثر مما يحمله من مشاعر صادقة.
ويضيف: «لو أن الزوج وفَّر آلاف الجنيهات التي أنفقها على اللافتة الإعلانية، واستمر يهدي زوجته الورد كل صباح، لكانت أكثر سعادة وامتناناً لتقديره اليومي لها، ولشعرت بالمزيد من الرومانسية كل صباح، فأنا أرى أن الورد أفضل تعبير عن الرومانسية، ولا مانع من التعبير عنها بدعوة إلى العشاء في مكان لطيف أو الذهاب إلى أي مكان تفضّله الزوجة».
رومانسية وفضيحة
تعتبر آسر ياسر، 45 عاماً ربة منزل، أن التعبير عن الحب بهذه الطريقة سلاح ذو حدين، فمن الممكن أن يعد رومانسية إذا كانت العلاقة بين الطرفين جادة وأن الشاب ينوي الارتباط بالفتاة، لكنها تعتبر فضيحة إذا حملت اللافتة صورتهما معاً وهو لا ينوي اتخاذ أي خطوات جدية لمقابلة أهلها والارتباط بها رسمياً.
وتتابع: «في ما يخص المتزوجين فهي وسيلة رومانسية جديدة للتعبير عن المشاعر قد تسعد بها الكثيرات، فقديماً كان المحب يصحب فرقة موسيقية أسفل منزل حبيبته، وبالتالي مع تطور العصر أصبح المنطاد واللافتة وسيلة جيدة للتعبير عن المشاعر والرغبة في الارتباط أيضاً».
وعما إذا كانت الزوجة تقبل أن يعبّر لها زوجها عن حبه في لافتة إعلانية في الشارع، تقول: «بالطبع أحب أن يفاجئني زوجي بمثل تلك اللافتات، لكن إذا كان سيسحب من موازنة المنزل أرفض وبشدة، فأنا أرى أن استمرار الرجل في تحمل مسؤوليات الحياة الزوجية أكبر دليل على حبه لزوجته وأسرته، كما أن دعوة إلى العشاء خارج المنزل تفرحني أكثر من اللافتة الرومانسية، لأنني شخصية عملية بطبعي».
اختلاف زوجين
سعاد محمد، إعلامية تونسية، ترى أن هذه وسيلة حديثة تجدد الحب بين الزوجين، حتى لا تصاب العلاقة الزوجية بالفتور والملل الذي يقضي عليها، مؤكدة أن الرومانسية لا تنتقص من رجولة الزوج على الإطلاق، بل تزيده حباً في قلب زوجته.
تفيد سعاد بأنها عاشقة للمفاجآت، لأنها تكسر الروتين الذي قد يصيب حياتها الزوجية، فهي مؤمنة بأن الوقاية خير من العلاج، وترحب لو أن زوجها الدكتور أيمن فاخر يفاجئها ذات يوم بمثل تلك اللافتات الرومانسية.
في المقابل يعتبر الدكتور أيمن فاخر تلك اللافتات فضيحة، ويقول: «أعتبرها فضيحة وتشهيراً بالزوجة أو الحبيبة، ففي المجتمع العربي عموماً والمصري خصوصاً لا قداسة للمشاعر، ولو كانت في دول أخرى لاختلف الأمر».
ويتابع: «من الممكن أن يعبّر الزوج عن مشاعره لزوجته عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أرفض أن تكون في الشارع.»
هوس «السوشيال ميديا»
الدكتور وائل أبو هندي أستاذ الطب النفسي، يعتبر هذه الطريقة من التعبير عن المشاعر فضيحة، ويوضح قائلاً: «بدأ الإنسان يتخلّى عن قدر كبير من خصوصيته مع الانتشار السريع للصورة وانتقالها السلس بين الأشخاص والشاشات، ففقدت أشياء كثيرة قدسيتها، منها العلاقة بين الرجل والمرأة». ويتابع: «هوس السوشيال ميديا أو مواقع التواصل الاجتماعي مع الثورة التكنولوجية التي نعيشها، انتقصت من علاقة الرجل والمرأة، فالتستر أو التخفي في الحب يزيد من قيمة المرأة، على عكس تداول صور اللافتات الرومانسية والتي تعتبر تشهيراً بالمرأة وإهداراً لقيمتها المصونة، وهذا ليس عارضاً في المجتمع الشرقي فقط، بل أصبح من ضمن عيوب السوشيال ميديا في العالم كله، حيث فرط الإنسان في قدسية علاقاته وأصبح ينشر تفاصيلها على الملأ ويشاركها مع آخرين».
تربية الرجال
أما الدكتورة زينب شاهين، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأميركية، فترى أن التعبير عن الحب يدخل في إطار الفروق الفردية، فهناك من يجيد التعبير وهناك من لا يجيد، وبالتالي لا يمكن انتقاد أي وسيلة للتعبير عن الحب طالما أن الطرف الآخر في العلاقة يتقبّلها.
وتتابع: «السبب في الضجة التي أحدثتها اللافتات الرومانسية أن الكثير من الأسر تربي أبناءها الذكور على أن من العيب أن يعبّر الرجل عن مشاعره، لكن الحقيقة أن الرجال أكثر رومانسية من النساء، وذلك بحسب الدراسات الحديثة». وتنهي حديثها قائلة: «لا يمكننا وصف شعور طيب من زوج تجاه زوجته بأنه فضيحة، فليحاكه من يشاء أو يتخل عنه من لا يملك الشجاعة من دون تجريح».
رأي الدين
من الجانب الديني تقول الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: «عتبي شديد على الشباب الذين يقلّدون الثقافة الغريبة، ويستحدثون وسائل في التعبير عن المشاعر خالية من الحكمة ومن المودة، فهل إذا أحب إنسان فتاة ويريدأن يتقدم إليها يشهر بها باللافتات الإعلانية؟ لماذا أصبحنا لا نبالي بالخصوصية؟».
وتتابع: «نشر العواطف بهذه الصورة يثير القيل والقال، والحب من الممكن أن يصاب بالمرض، لذا وجب حفظ سره في الأدبيات الإسلامية، فسبحان مقلب القلوب، التي من الممكن أن تصاب بنكسة تمرض حبهما أو تقتله، وأنا في الحقيقة لا أجد مبرراً منطقياً ولا عقائدياً ولا إنسانياً لهذا التشهير بالعاطفة».
الستر والكتمان
يؤكد الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن التعبير عن الحب أو الاعتذار بين الأزواج بتلك اللافتات الإعلانية على قارعة الطريق يعدّ فضيحة، لأن العلاقات الخاصة لا بد أن تكون في المجال الخاص.
ويوضح: «لا يشرّف المرأة اعتراف زوجها بالخطأ على الملاء، ولا يشرّف الرجل أن يعلم الحي بأكمله أنه على خلاف مع زوجته، فالمولى عزّ وجلَّ قال عند حدوث خلاف بين الزوجين: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» سورة النساء الآية 35، ولم يأمر الله أن يكون الحكم من الأصدقاء أو الجيران حفاظاً على سرية العلاقة بين الزوجين وعدم إعلان الخلاف على العلن».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024