السعودية ودّعت «ملك القلوب» عبد الله بن عبد العزيز
رحل الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين، في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 23كانون الثاني/ يناير 2015. وأظهرت مواقع التواصل الاجتماعي بوضوح حزن السعوديين على مليكهم حيث حرصت العديد من الشخصيات العامة بمختلف فئاتها السياسية والفنية والدينية، على توجيه رسائل عزاء إلى الشعب العربي بصفة عامة والشعب السعودي بصفة خاصة في وفاة رمز من رموز الأمة العربية. وقد توالت الوفود من رؤساء الدول والوزراء إلى الرياض لتقديم العزاء، إلا أن الحزن كان قد خيّم على كل بيت في المملكة من الكبار والصغار الذين لم تتوقف ألسنتهم بالدعاء للملك الراحل.
نوجز بصعوبة أهم الإنجازات التي تحققت في عهد «ملك القلوب».
الملك عبد الله وحوار الأديان
أخذ الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله منذ توليه سدة الحكم في العام 2005 على عاتقه مهمة حوار الأديان، والتقارب بين المجتمعات في ما يوحدها من رؤى وأفكار وأطروحات، وذلك لتحقيق التقارب والتعايش السلمي بين الدول، والقضاء على كل ما يثير النزاعات والصراعات بين الشعوب، ومكافحة التطرف باسم الدين، ونبذ العنف والإرهاب.
وعكس مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في النمسا رؤية الملك للأوضاع السياسية والدينية في العالم، وجسد فكره في ضرورة تجنب ما سمي حينذاك صراع الأديان والحضارات، واستبداله بنشر فكر التعاون والتسامح وقبول الآخر بين أتباع الديانات المختلفة في العالم.
يقول الأمين العام لمركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات الدكتور فيصل بن معمر: «إن الملك الراحل كان معنيا بقضية السلام على نحو كبير، وكان يرى أن الصراعات الحالية في منطقتنا والعالم ليست صراعات دينية، بل هناك أشخاص متطرفون يغذون هذه الصراعات لمآرب سياسية، ويريدون إشعال نار التطرف بصفة مستمرة». ولفت بن معمر إلى أن المركز اهتم بعدد من القضايا وفق رؤية الراحل، حيث ركز في البداية على مرحلة كسر الحواجز النفسية، ثم الدخول في مرحلة بناء الثقة، إلى تبني الآراء المعتدلة والعاقلة، مشيرا إلى أن «الأغلبية الصامتة في كل الأديان تسعى إلى الخير».
من جهته، اعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور أنور عشقي أن إنجازات الملك الراحل تقدر بـ100 عام، وذلك على المستويين الداخلي والخارجي، والتي لا يمكن إحصاؤها، وذلك من خلال توحيد الآراء في السعودية وجدانياً من خلال إطلاق الحوار الوطني، وعالمياً من خلال الحوار بين الأديان.
وزاد: «من أهم أعمال هذا القائد العظيم المصالحات التي قادها مع الفرقاء، مثل اجتماع مكة مع الفصائل الفلسطينية، وآخرها دعوة إلى التقارب بين القيادتين المصرية والقطرية. فهذه الأعمال كانت تهدف إلى زيادة اللحمة بين أبناء الأمة العربية انطلاقاً من نظرته الثاقبة، ومكافحة الإرهاب، وأخذ زمام المبادرة بافتتاح المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي كان يؤمن بأن خطر الإرهاب ليس خطراً آنياً ولكنه خطر مستقبلي يهدد العالم بأكمله».
«الابتعاث الخارجي»: 10 أعوام من «بناء العقول» ...
على مدار 10 أعوام أخذ الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، على عاتقه بناء العقول النيرة من الشبان السعوديين قبل بناء المكان، فالاستثمار في التعليم كان أهم الأولويات التي سعى إلى تحقيقها، من خلال الاهتمام بالتعليم العام والتعليم العالي، وظهر ذلك جلياً في برنامج الابتعاث الخارجي، والسعي إلى تأهيل الكوادر الوطنية الشابة في أرقى جامعات العالم، إذ تشير إحصاءات حديثة لوزارة التعليم العالي إلى أن إجمالي المبتعثين الدارسين حالياً في الخارج بلغ 149742 مبتعثاً، بينهم 69235 يدرسون في أميركا، بينما بلغ عدد الدارسين في الدول العربية 16364 مبتعثاً.
يقول أحد مدربي برامج الابتعاث الدكتور نزيه العثماني لـ«لها»: «إن هذا المشروع التنموي التعليمي الضخم الذي سعى الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله إلى إيجاده وتحقيقه، انعكست آثاره على مستويات كثيرة داخل المجتمع السعودي، تمثلت في دفع مسيرة التعليم، وارتفاع معيار الكفاءات العلمية، وتطور سوق العمل، وتعدد فرص الاستثمار التي يقودها جيل جديد بعقليات جمعت في جعبتها تجارب وخبرات الشعوب والحضارات الأخرى».
جدة – معاذ العمري
قرارات النهوض بالمرأة السعودية
«المرأة هي أختي وأمي وزوجتي وابنتي» (من أقوال الملك عبد الله)
شهد عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز العديد من الانجازات النوعية للمرأة في كافة المجالات، فهناك قفزات حققتها المرأة لا يمكن إنكارها. فعلى صعيد التعليم وصلت إلى مناصب قيادية كنائبة وزير التعليم، واستطاعت أن تكمل دراستها داخل المملكة من دون السفر إلى الخارج، وألا تكتفي بالثانوية العامة كما كان في الماضي، حيث سهل وجود الكليات الخاصة والجامعات الأهلية لكثير من الفتيات فرصة إكمال دراستهن داخل وطنهن.
ما كانت تبحث عنه المرأة السعودية طوال عقود خلت من الزمان وجدته في يوم 25 أيلول 2011 حيث كان يوماً مشهوداً في تاريخها. وهو اليوم الذي أصدر فيه الملك قراره التاريخي القاضي بالسماح لها بدخول مجلس الشورى كعضو أصيل إضافة إلى حقها في الترشح والانتخاب في المجالس البلدية. ففي عام 2005 تمَّ تعيين ست مستشارات غير متفرغات في مجلس الشورى، وفي عام 2006م صدر قرار بزيادة عدد المستشارات غير المتفرغات في مجلس الشورى من ست عضوات إلى 12 مستشارة من دون أحقيّة التصويت، حتى منحت حق التعيين في المجلس في 2011 لتشارك في العمل السياسي.
ولقد توسعت مشاركة المرأة في عهده رحمه الله في القطاعات الصحية والتعليمية والإعلامي، حيث عينت أول رئيسة تحرير لصحيفة يومية في عهده، وفتح باب الابتعاث لها وتنويع فرص العمل. كما صدرت تراخيص ممارسة مهنة المحاماة للمرأة السعودية.
التعليم
في عام 2008م تم وضع حجر الأساس لجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وتُعَدّ أول جامعة حكومية في المملكة العربية السعودية متكاملة للمرأة. وفي العام ذاته اعتمد نائب وزير التربية والتعليم تحويل ثلاث إدارات تعليمية بالوكالة إلى إدارات نسائية؛ فأصبح هناك مديرة عامة لكل من الإدارة العامة للاختبارات والإدارة العامة للتوعية الإسلامية والإدارة العامة لبرامج محو الأمية خلفاً للمديرين السابقين.
المجال الاقتصادي
في عام 2005م صدر قرار من قِبل وزارة العمل بشأن تراخيص تشغيل النساء في أقسام المنشآت الخاصة وتطبيق ضوابط تشغيلهن بأجر لدى الغير. وفي عام 2006م دخلت المرأة في انتخابات مجلس الغرفة التجارية الصناعية بغرفة الشرقية. وفي العام ذاته سجَّلت المرأة فوزاً في الانتخابات؛ حيث تم انتخاب المهندسة نادية بخرجي في أول مجلس لإدارة هيئة المهندسين السعوديين. وفي عام 2008م سمحت وزارة الصناعة والتجارة للمرأة السعودية بالسكن من دون محرم في فنادق المملكة، بشرط تقديم بطاقة هوية، وفي العام نفسه دخلت المرأة في انتخابات أعضاء مجلس الغرفة التجارية الصناعية بالرياض.
مناصب قيادية
ويأتي كل ذلك استكمالا لما شهدته المرأة السعودية من طفرة نوعية في تولّي المناصب الادارية بدءا بتعيين الأميرة الجوهرة بنت فهد بن عبد العزيز، مديرة لجامعة الرياض للبنات سابقاً، «جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن» حالياً لتكون أول سعودية تحصل على هذا المنصب وهذه المرتبة الوظيفية، ثم توالت بعدها مثل هذه المناصب للسعوديات.
نهضة نسائية
لا يمكن لنا أن نحصر القرارات التي أعلنها الملك الراحل في المجالات الحياتية كافة، منها ما كان متصلاً بشكل مباشر بتحسين واقع المرأة، ومنها ما كان ضمن منظومة المؤسسات الحكومية والأهلية، ما سينعكس على المرأة بشكل إيجابي.
وقد رصدت هيئة حقوق الإنسان ما اكتسبته المرأة من مراكز وتعيينات، جديدة غير مسبوقة، في مجالات عدة.
الدمام- رحمة ذياب
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024