تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

حوادث السير تحصد أعمار المعلّمات في المدارس السعودية النائيةهل يكفي قرار «تقليص أيام الدوام»؟

يأتي قرار وزير التربية والتعليم السعودي الأمير خالد الفيصل القاضي بتقليص دوام المعلمات اللاتي يباشرن مهماتهن في القرى والمناطق النائية إلى ثلاثة أيام، بعد أن تشربت الطرق بدماء معلّمات شابات كان همّهن الأول إيصال العلم إلى قرى لم يتسنّ لأهلها الالتحاف بغطاء المدن. فيما تستمر الدراسة خمسة أيام كالمعتاد، بالتناوب بين المعلمات ويتم إعداد الجدول المدرسي وتكييفه وفقاً لذلك لينحسر العبء التدريسي للمعلمة في ثلاثة أيام فقط مع تطبيق الخطة الدراسية المخفضة للمرحلة الابتدائية.

استبشرت المعلمات خيراً بقرار وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل، فبدأت 45 إدارة تعليمية في المناطق والمحافظات بتشكيل لجان خاصة لعقد ورش عمل لإيجاد قاعدة بيانات للمدارس التي سيشملها البرنامج قبل رفعها الى وكالة الشؤون المدرسية في وزارة التربية والتعليم لإدخالها في البرنامج الخاص لمدارس البنات في المناطق النائية والبعيدة. إضافة الى لجان أخرى دائمة لمتابعة وتقييم المدارس المطبّقة للنظام، على أن ترفع تقاريرها دورياً الى وكالة الوزارة للشؤون المدرسية لمراجعة المعايير والضوابط المنظمة لها وتطويرها.
وقال عدد من المعلمات إن القرار أعاد ملف النصاب الجزئي للمعلمات إلى الواجهة، فطالبن التربية بدراسة هذا الملف ليشمل جميع المعلمات الراغبات بالنصاب الجزئي بنصف الراتب، نظراً الى ظروف المرأة وللمساهمة أيضاً في توظيف عدد كبير من الجامعيات العاطلات من العمل.

وأوضحت المعلمة سمية الدخيل أن قرار تخفيض دوام المعلمات في المناطق النائية يعدّ نصراً للمرأة ولما تعانيه من مشقة أثناء تأديتها رسالتها، وخاصة اللاتي يقطعن آلاف الكيلومترات ذهاباً وإياباً. وأشارت إلى أن القرار جاء تفاعلاً مع عدد من الحوادث الدامية التي وقعت أخيراً وراح ضحيتها الكثير من المعلمات، مشيرة إلى أنه سيساهم بلا شك في الحد من المعاناة والحوادث المؤلمة من دون الإضرار بالمدارس النائية التي هي بحاجة إلى المعلمات.
وبينت مديرة إحدى المدارس في النعيرية، أن هذا القرار يعطي انطباعاً بالراحة النفسية لجميع من يعملن في الميدان، وأن له الكثير من الإيجابيات المتعددة التي تسمح للمرأة بأداء رسالتها بطمأنينة، مضيفة أن القرار يفسح مجالاً آخر للمعلمات الأخريات للمطالبة بمشروع النصاب الجزئي الذي يحدد دوام المعلمة بثلاثة أيام بنصف راتبها كي تتمكن من معايشة ظروفها الخاصة والقيام بمهماتها الوظيفية، ويتيح للخريجات العاطلات فرصاً وظيفية من طريق التوظيف والعمل الجزئي.

نورة الشمري، مديرة مدرسة ابتدائية في الدمام، قالت: «لا شك في أنَّه قرار إيجابي يخدم المعلمة والطالبة، ويشجع على السكن في القرى البعيدة لمدة ثلاثة أيام تقضي بعدها المعلمة مع أسرتها أربعة أيام، لأن التردد اليومي يُشكل خطراً على المعلمة، لذا جاء القرار ليحقق لها الاستقرار والراحة فتقوم بواجبها في المنزل والمدرسة على أكمل وجه.

وذكرت المشرفة التربوية ياسمين الأحمد أنها تعاني من تأخر المعلمات وكثرة الغياب بسبب ظروف الطقس أو لعدم توافر وسيلة مواصلات. ويعتبر هذا القرار من الحلول التي تُشكر عليها وزارة التربية والتعليم وعلى رأسها الوزير الأمير خالد الفيصل الذي وضع نصب عينيه معاناة المعلمات، فدعا إلى اتخاذ التدابير والقرارات للتخفيف منها».

فيما اعتبرت معلمات أن قرار تقليص أيام الدوام لا تأثير له والأفضل هو «إيجاد سكن خاص بالمعلمات على نفقة الوزارة». وقالت إحداهن: «هذا القرار موقت، ويخدم فئة من المعلمات، وهو ليس حلاً جذريّاً للمشكلة، ويجب اتخاذ قرارات فاعلة، كتوفير سكن للمعلمات، ووسيلة نقل مجهزة ومراقبة بالتقنية الحديثة، ويجب على الوزارة دراسة المشكلة من جميع جوانبها». وشاطرتها الرأي معلمة أخرى بالقول: «قرار وزير التربية والتعليم موقت، إلا أنَّه سيساعد في إنهاء مشكلة سفر المعلمات مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهن، لذا لا بد من التفكير بحل جذري»، مضيفة: «من وجهة نظري، يحتاج الحل الجذري الى مشاركة وزارات أخرى تقرر زيادة التوظيف وتخفيض نصاب الحصص واشتراط السكن في التوظيف المعمول به سابقاً».

وأكد المعلم حمد الحسن «أنَّ القرار لا يخدم المعلمة في المناطق النائية، إذا قارنّا ما بين إيجابياته وسلبياته»، مشيراً إلى أنَّ من سلبياته كثرة المعلمات داخل مدارس المدن، وضغط المناهج في ثلاثة أيام فقط، وهذا لن يخدم الطالبات، خصوصاً في المواد العلمية، وسيكون له تأثير سلبي في حركة النقل الخارجية للمعلمات».

وتوقعت تربويات أن يساهم القرار في تخفيض الجداول الدراسية للمعلمات بنسبة 40 في المئة، لا سيما أن الدوام سيكون لثلاثة أيام فقط، وزمن الحصة لن يتجاوز 40 دقيقة، وغيرها من الإجراءات المدرسية التي قد تصاحب القرار الذي يهدف إلى تخفيف معاناة المعلمات وعبء اليوم الدراسي في المدارس البعيدة والنائية بما لا يخلّ بالمنهج الدراسي، ويؤثر في مصلحة الطلاب.
وتقول التربوية مديحة عبدالرحمن «إن حوادث المعلمات ارتفعت بمعدلات لا يمكن التغاضي عنها، وأصبحت ظاهرة مجتمعية لا بد من التصدي لها، حيث أُريقت دماء المعلمات بسبب تحمّل عناء السفر اليومي والترحال»، مضيفة: «إن صدور قرار وزير التربية والتعليم سيمنح المعلمات في المناطق البعيدة والنائية راحة نفسية ستنعكس بشكل ايجابي على أدائهن»، ومشيرة إلى «أن الآلية التي أعلنها وزير التربية والتعليم في البرنامج ستقلل من نسب الحوادث في الطرق المؤدية الى المدارس في المناطق البعيدة والنائية. مع ذلك وبعد صدور القرار عن الوزير، وفي أول أيام الاختبارات تعرّضت أربع معلمات ورجل إلى حادث مروري أدى إلى وفاتهم جميعاً في منطقة تبوك بسبب بعد المسافة ما بين المدرسة ومنازل المعلمات».

واعتبرت أخرى «أن الحوادث التي تقضي على حياة المعلّمات في الطرقات أضحت قضية وطنية. وبعد معاناة ومكابدة في حياتهن الوظيفية، لا بد من التحرك وألا يكون ذلك على «استحياء»، لنصل الى حل جذري. فإحصاءات الحوادث وطرق الموت المتعددة في مناطق عدة من المملكة، تشير إلى حجم هذا الاستنزاف. واليوم تعود المأساة الى المعلمات اللاتي يخرجن من بيوتهن، لكن ليس على أمل العودة»، مستشهدة: «انتشرت على «تويتر» قبل أيام تغريدة مع صورة لإحدى المعلمات التي توفيت بعد قرار وزير التربية والتعليم وهي تستودع أبناءها وتقول استودعكم الله، لا اعلم تاريخ عودتي إليكم». فهل يعقل أن يصبح التعليم كابوساً ينغّص حياة المعلمات؟ لا أعتقد أن تقليص أيام الدوام يشكل حلاً ممكناً، فهو جاء لتسكيت الأهالي فقط وليس إحساساً بمأساتهم؟».

مسعفات نساء

طالبت تربويات وقانونيات في السعودية بتوفير طواقم إسعافية نسائية، بسبب تزايد حوادث المعلمات اللاتي يصبن إصابات بليغة تودي بهن الى الموت أحياناً، في طرق صحراوية، إذ يصعب وصول أهالي المعلمات ساعة وقوع الحادثة. وقالت المرشدة الطلابية نوف العبد العزيز إن «توفير طواقم إسعافية نسائية يحافظ على حرمة المرأة، لا سيما في ظل بشاعة الحوادث التي تقع، ولا تُنشر صور لهول المنظر».
وأكدن ضرورة أخذ حوادث المعلمات في الاعتبار من الناحية الشرعية، وعدم كشفهن على العاملين في مهمات الإنقاذ في الهلال الأحمر والدفاع المدني. وقالت إحدى التربويات: «كثرة الحوادث وتكرارها والمسلسل الدموي تتطلب توفير طواقم نسائية لإنقاذ المعلمات تفادياً للحرج. فالحوادث شبه يومية، والتربية والتعليم لم تضع حلولاً جذرية للحد منها، مثل إيجاد سكن للمعلمات اللاتي تبعد منازلهن عن عملهن، لا سيما من يتنقلن يومياً من الإحساء إلى الدمام والخبر والقطيف ومحافظات أخرى، وعدم توفير وسائل مواصلات سهلة وآمنة، والأولوية هي إعادة النظر في التعيينات بدلاً من سفك الدماء المتكرر على الطرقات».

الوزارة تشكل لجاناً

وكانت الوزارة شكّلت لجنة للوقوف على أسباب حوادث الطرق التي تتعرض لها المعلمات. وقالت في تعميم لإدارتها التعليمية: «إن هذه الخطوة تأتي رغبة منها في الحد من حوادث الطرق التي تتعرض لها المعلمات». وأضافت أن اللجنة المذكورة مكلفة درس أسباب الحوادث، واقتراح الحلول المناسبة لمعالجتها مع الجهات الحكومية ذات العلاقة. ووفقاً لـ «التعميم»، فإن مهمات اللجنة تنص على ضرورة تحديد الأماكن التي وقعت فيها حوادث للمعلمات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مع توضيح الأسباب إن أمكن، إضافة إلى حصر خطوط السير الطويلة التي تسلكها المعلمات، وتوضيح عددهن في المركبة، فضلاً عن خط سير المركبة وانتقالها من مدينة إلى أخرى ونوعية الطرق، سواء أكانت وعرة أم ترابية أم مسفلتة مع تدوين المسافة بالكيلومتر بين مقرَّي السكن والعمل. وكان المدير العام لمركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية في الخبر الدكتور حسن الأحمدي أكّد أن نسبة حوادث المعلمات بلغت 6.2 في المئة من مجموع الحوادث، 418 حادثة خلال الفترة 1419-1422هـ. وخلال شهر ونصف شهر توفيت 20 معلمة وأُصيبت 45 منهن إصابات مختلفة.
وذكر الأحمدي في المؤتمر الدولي الأول للنقل المدرسي أن معظم الحوادث تقع بسبب انفجار الإطارات والسرعة الزائدة وسوء الأحوال الجوية، مشيراً إلى أن 56 في المئة من مركبات نقل المعلمات والطالبات غير صالحة.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078