بالفيديو والصور- هذه تصاميم إيلي صعب ورسالة مؤثرة منه... ماذا قال؟
«أجدُني اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، مؤمناً بمدينتي بيروت، رافضاً ما آلت إليه أحوالها في السنوات الأخيرة، منتفضاً على دخولها نفق الظلمات والخوف من جديد، متمسكاً بصورتها وتألّقها أيام العزّ: بيروت المِعطاء، السخيّة، الحاضنة، المتعدّدة، المنفتحة على كلّ الحضارات، عاشقة الحياة الأنيقة والمترفة. وأراني مصرّاً على دور هذه المدينة السبّاق الذي كان لها في الستينات، وبعدها في التسعينات، متناسياً كلّ الآلام والأحزان التي مرّت بها، ومتمسّكاً بمشاركتي في تألّق أنوارها المشعّة على العالم أجمع.
أعود الى بيروت، ملهِمتي، بمزيج من الأمل والحبّ والإمتنان لمدينتي الأم، الحلم الذي يتوارى حيناً خلف ضباب الخوف، ثم يعود بزخم أكبر ليفرض حضوره القويّ الآسر، محتفلاً بالجمال والحبّ والحياة. من أجل هذه المدينة المتعدّدة الأهواء والألوان، ومن أجل كلّ لبناني لم تنل منه الظلمة، كانت هذه المجموعة.
أقلبُ اليوم صفحات من تاريخ لبنان: النجاحات الكبرى والإخفاقات المخيفة، سنوات الإزدهار والتألّق، والأوقات العصيبة المثيرة للقلق، ثم حقبة إعادة الإعمار المجيدة في التسعينات... وتحضُرني صور من ذاكرة المدينة عن الحفلات الإجتماعية الراقية، والإستعراضات العالمية والمهرجانات الفنّية، والمسارح الغنائية، ومعارض الرسم المعاصر ، والمشاهير من أنحاء العالم يقصدون بيروت لجاذبيتها القوية، وأسلوب حياتها الأنيق المترف.
وأستلهم إرادة أبناء هذه المدينة وشجاعتهم وعزيمتهم على جعل بيروت منارة ثقافية وعلمية واقتصادية، وقدرتهم على المثابرة والإستمرار بتفاؤل، والإيمان بالمستقبل. ولعبت اللبنانيات دوراً مهماً بنّاءاً في هذا المجال، مشاركات في صنع الجمال بثقافتهنّ وأناقتهنّ المميزة وإطلالاتهنّ المكتملة.
حلمي ألا تفقد بيروت يوماً هالتها الساطعة، ولا قدرتها على الإبهار والجاذبية، ولا إحساسها بالجمال وعشقها للإحتفال. فتبقى بيروت المدينة الذاكرة الجميلة التي سكنت أحلامي منذ الطفولة.
من تلك الحقبة، أحتفظ في ذاكرتي بطيف أمي بفستان حريري أسود مطبّع بالخزامى، أنيق محدّد عند الخصر، مع تنورة واسعة. مجموعتي هذه مستوحاة من خزامى الذاكرة، غنيّة بألوان أشجار الزيتون والسنديان التي زيّنت حدائق طفولتي. فيها بشائر الربيع المتفتّح في أزرق الأفق البارد، ورائحة التراب النديّ، والعشب الأخضر اللين الطري، والحقول المتشكّلة بالأصفر حيناً، والأبيض أحياناً. ويهبّ نسيم عليل في الموسلين والأورغنزا والكريب جورجيت الغنيّة بالتطريزات وتطبيعات الخزامى. قصّات مستوحاة من أناقة السبعينات بخصور عالية وأقمشة متدفّقة.
لكلّ من آمن بمدينتي وساهم في بنائها وعمرانها، وشارك في صنع أسلوب حياتها الحلو المميّز، كانت هذه المجموعة التحيّة لبيروت، الساكنة وجداني ومخيّلتي... آملاً ان تعيد مجموعتي هذه بعضاً من ألق المدينة التي نحبّ».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024