تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

25 في المئة من حالات «سكري الأطفال» في الشرق الأوسط من السعودية

بيّن تقرير صدر عن المركز الوطني للإعلام والتوعية الصحية في وزارة الصحة السعودية، أن نسبة الإصابة بمرض السكري تزداد مع التقدم في العمر، و بلغت هذه النسبة في السعودية 13.4 في المئة للفئات العمرية من 15 سنة فما فوق، و50.4 في المئة بين من بلغوا  65 سنة فأكثر، كما أن 45 في المئة من المصابين لا يعلمون بوجود السكري لديهم.
«لها» زارت المركز الدولي للعناية بالسكري في جدة (IDCC)، وهو أول مركز علاج يهدف إلى رفع الوعي بداء السكري، يوفر للمصابين الحل ببرامج سهلة الفهم والتطبيق، في مكانٍ واحد.
وأجرينا مقابلات مع أمهات الأطفال المصابين بالسكري، و تحدثنا إلى سيدة الأعمال السعودية وصاحبة فكرة هذا المركز ودّ الحارثي، آخذين بالرأي الطبي الذي أكد أن «المعدلات في ازدياد، إن لم تُتّخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة المرض».


الحارثي: قلة الوعي بمرض سكري للأطفال صدمتني

السيدة ودّ الحارثي لديها طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات، وهي في الصف الخامس الابتدائي، اكتشفت إصابتها بالسكري من النوع الأول في عمر ثلاث سنوات. تقول: «ابنتي كانت تشرب الماء وتستعمل دورة المياه كثيراً،  الأمر الذي جعلني أتحدث مع طبيب الأطفال الذي نصحني بإجراء تحليل بول لها.
وعندما تلقيت النتيجة لم أكن أعرف ما المكتوب في تلك الورقة، وماذا كانت تعني كلمة غلوكوز المحددة باللون الأصفر. اتصلت بطبيبها فأمرني بنقلها إلى المستشفى فوراً، وهناك تم إخباري بأن ابنتي مصابة بالنوع الأول من السكري، وتحتاج إلى حقن في أوقات معينة وما إلى ذلك».
تضيف: «التوعية في ذلك الوقت كانت ضعيفة جداً، ولم أكن أعرف عن هذا المرض للأطفال بشكل خاص. أما الصدمة الكبرى فكانت مسألة الحقن، وتواصلت مع الطبيبة بهذا الشأن، وماذا سأخبر ابنتي وهي تنظر إليّ وأنا أعطيها هذه الحقنة؟ فأخبرتني بعدم إخبار ابنتي بأي شيء.

عاد والدها من السفر، وقرر أن نسافر إلى الخارج لإجراء الفحوص والتأكد من النتيجة. وهناك تم التأكد من إصابتها بالسكري، لكن الطريقة تختلف تماماً من حيث المعاملة والتوعية، وهذا ما أحدث حقاً فرقاً واضحاً، خاصة عندما أحضروها وبجوارها الألعاب، وتم شرح الأمر بطريقة مبسطة جداً لتصل المعلومة إلى الطفلة.
وأتذكر أنهم أخبروها بأن من لا يرى يحتاج إلى وضع نظارة طبية، ومن يعاني كسراً في قدمه عليه أن يستعمل عكازاً، وأنتِ لديكِ مشكلة في عمل البنكرياس، لذلك عليكِ أن تستعملي الحقن».
كانت الطفلة في حاجة إلى الحقن ثلاث مرات في اليوم، وكان الأمر يشغل بال والدتها، خاصة وهي في المدرسة.
وفي المنزل كانت والدتها تراقبها كثيراً، وتتحسس نبضها وتنفسها، خوفاً من أن يأتيها هبوط في سكر الدم، وهي نائمة، «خاصة أنها كانت تبلغ ثلاث سنوات ولم تكن تستطيع إخبارنا بأنها تعاني هبوطاً أو ارتفاعاً في معدل السكر».
وبعد سنتين من إصابتها بداء السكري، وُضع  جهاز موصول بحقنة داخل جسدها، يسمى Insulin Pump (مضخة الأنسولين)، وهو عبارة عن منبه يُنذر بتعرُّض بسمة لهبوط أو ارتفاع في مستوى السكر في الدم.

تقول والدتها: «الآن حتى معلماتها في المدرسة بتن يعرفن بهذا الجهاز. ويتم تغييره كل ثلاثة أيام، وهو يحتوي على أنسولين، وعندما  ينخفض السكر في دمها يتوقف عمل مضخة الأنسولين، لكي لا يحدث معه هبوط كامل.
يرافق المضخة، جهاز حساس آخر يسمى (Sensor)، وعندما يحدث هبوط أو ارتفاع يقوم بعملية الإنذار من خلال جرس أو منبه».
قرأت الحارثي العديد من المنشورات والكتب المتعلقة بمرض سكري الأطفال، واستأذنت المدرسة، وجمعت صديقات ابنتها في الفصل، وقرأت لهن قصة عن طفل يعاني مرض السكري، وعن ذهابه إلى المدرسة، وكيفية حقن نفسه، والتدقيق في الجهاز الموصول بجسده، «فلمست منهن استجابة وإدراكاً لما أخبرتهن به
والمدرسة كانت متعاونة جداً معنا في هذا الأمر وحريصة على صحة ابنتي، وكانت  ممرضة المدرسة تكلمني وتستفسر عن وضعها، وهذا ما ساعدني كثيراً في الاطمئنان إليها».
درست الحارثي وعلّمت نفسها بنفسها عن هذا المرض، واستغرق مشروع إنشاء مركز للعناية بالسكري سنتين، و«قررت مع العائلة إيجاد مركز دولي للعناية بالسكري، بعدما شاهدت مدى عناية الغرب بالأطفال المصابين بالسكري.
ورأيت أننا في حاجة إلى إيجاد مركز يعامل الأطفال، وحتى كبار السن بهذا الأسلوب من التوعية والنُصح بأهمية العلاج والوقاية».


قزاز: ابني كان يسألني دائماً

لماذا أنا؟

قالت منال قزاز، وهي والدة أوس الآشي (11 سنة)، المُصاب بالسكري منذ سبع سنوات: «أصيب أوس بالسكري عندما كان في سن ثلاث سنوات، وكنت ألاحظ كثرة دخوله إلى الحمام، إضافة إلى فرط التبول اللاإرادي لديه، وضعف شهيته على الأكل، فأخذته إلى طبيب الأطفال، وما إن شرحت له وضعه حتى أخبرني الطبيب بأنه لا يريد إخافتي، لكن الأعراض التي يعانيها أوس، هي أعراض  الإصابة بالسكري.
وبالفعل لم أخرج من العيادة إلا عندما أظهرت نتيجة التحليل أن أوس مصاب بالنوع الأول من السكري».

شعرت قزاز بأن العالم انتهى والحياة توقفت: «للأسف لم تكن هناك توعية صحيحة بمسألة سكري الأطفال، لذلك شعرت بأن حياة ابني قد تكون انتهت بمجرد معرفتي بحقيقة إصابته.
حتى أنني لم أجلس معه، وأخبره بحقيقة مرضه، وحاجته إلى حقن الأنسولين، لكنه كان دائماً يردّد على مسامعي: «لماذا أنا؟». فأوس هو الأصغر بين إخوته الأربعة، وكنت أخبره دائماً بأن الله إن أحب عبداً ابتلاه، ويجب عليك أن تشكر الله دائماً على ما أنت فيه».

أوس بحاجة من ثلاث إلى أربع حقن للأنسولين، والمدرسة متعاونة ومتفهمة لوضعه: « في سنواته الأولى كانت في المدرسة طبيبة،أحدّد لها المواعيد والحقن الخاصة بابني، وكنت مطمئنة الى أن أموره على ما يرام.
وفي فترة انقطعت الطبيبة عن المدرسة، فكنت أذهب يومياً في فترة الفسحة المدرسية، لأعطيه الحقنة وأقوم بالمراقبة والتدقيق. عانيت كثيراً، لكن الحمد لله الأمور ما زالت تسير بشكل طبيعي. الآن أوس يعتمد على نفسه في القيام بحساب الحصص والكربوهيدرات، وحقنة الأنسولين في حقيبته المدرسية، فيأخذ العلاج بمفرده، خاصة أثناء وجوده في المدرسة».


طاشكندي: ابني بات يرفض الطعام لئلا يأخذ حقنة الأنسولين

لاحظت شروق طاشكندي أن طفلها قصي المصري (5 سنوات) يعاني أعراض كثرة التبول أثناء الليل، والتبول اللاإرادي، وشرب المياه بكميات كبيرة جداً، فقلقت. «
بدأت أشعر بأن هذه أعراض السكري. وللتأكد، ذهبت إلى المستشفى، وأجرينا التحليل، لتأتي قراءة الممرضة بشكل خاطئ، إذ أخبرتنا أن معدل السكر في الدم لديه طبيعي جداً، لكن لم أشعر بالارتياح واقترحت على الطبيب إجراء تحليل آخر.
أجري التحليل وعدنا إلى المنزل، ليعاود المستشفى الاتصال بنا في الليل، ويخبرنا بأن معدل السكر في دمه مرتفع جدا،ً أي ما يقارب الـ900، ويجب إعادته إلى المستشفى مخافة وقوعه في غيبوبة».

تضيف: «بدأت أتقبل الأمر، وأحرص على توعية ذاتي قبل توعيتهحتى أنني جلست معه، وشاهدنا فيلم  رسوم متحركة على اليوتيوب عن طفل السكري، وشرحت له أن البنكرياس لديه يعاني الكسل ولا ينتج الأنسولين، لذلك يجب أن تأخذ الحقن، فبدأ بالاقتناع، إلا أنه يخشى غرز الإبرة.
وفي كثير من الأحيان يخبرني بأنه ليس جائعاً لكي لا يأخذ الحقنة، وأحياناً تكون القراءة متدنية فأعطيه حصة غذائية بدل الحقنة، مع أن معدل السكر قد يكون 60 أو 50، لكنه لن يرتفع بقوة، خاصة في فترة اللعب. وبالإقناع أبدأ الحديث معه بأنه يجب ألا يرفض الأكل، وعليه أن يأخذ الحقنة».


المركز الدولي للعناية بالسكري (IDCC): نستخدم عبارة الطفل السكري لإلغاء  ثقافة المرض  لدى الأطفال

«هو أول مركز علاجي وتوعوي شامل لمرضى السكري، يوفر للمصابين بمرض السكري الحل الشامل عبر برامج سهلة التطبيق والفهم، في مكانٍ واحد.
وبإمكان أي شخص أن يتعلم كل ما يمكن عن حالته الصحية، ويتلقى أعلى مستويات التثقيف والتدريب والعلاج، وكل ما يمكّنه من السيطرة على مرضه وامتلاك حياته.

من التشخيص والمتابعة إلى الوقاية والعلاج». بهذه العبارة بدأت حديثها سيدة الأعمال السعودية، وصاحبة فكرة إنشاء المركز الدولي للعناية بالسكري ودّ الحارثي، وأضافت: «لدينا فريق متخصص يقدم الخدمة الطبية الشاملة والمناسبة لاحتياجات أي مصاب بالسكري، سواء طفل أو كبير في السن.
ويهدف مركزنا إلى التشخيص والمتابعة من خلال الفحوصات المخبرية والمتابعة المتواصلة عبر البرامج التثقيفية والغذائية. ولنجعل منهم خبراء في التغذية السليمة، أسسنا في المركز مطبخاً، وهو مكان يمنح دورات تغذية للسكريين والمسؤولين عن رعايتهم. فمن خلال مطبخنا، يمكنهم تعلم آلية الطبخ الصحي وكيفية الانتقاء الواعي والصحيح لطعام لذيذ، وإعداده بطريقة سليمة، بحيث يناسب مرضى السكري
وفي المركز مكان للعب الأطفال، كما نوفر محاضرات توعية للكبار عن حاجتهم إلى الرياضة البدنية، إضافة إلى احتواء المركز على قسم رياضي بأجهزة متكاملة، بحيث نصمم لكل مصاب بالسكري تمارين رياضية خاصة تناسب حالة التشخيص».

ولفتت إلى أن «لا بد إدراك أن لطفل السكري الكثير من الحقوق في المدرسة، فإن تعرض لهبوط في السكري يمكنه طلب عصير أو حلوى، وإن تعرض لارتفاع، يجب أن يذهب فوراً إلى دورة المياه.
وأكثر الحالات التي تأتينا إلى المركز، يكون وراءها منع المعلم أو المعلمة التلميذ من الذهاب إلى دورة المياه، أو تناول قطعة حلوى. والأمر الآخر هو أننا لا نرغب في استخدام عبارة مصاب بالسكري، ونقول بدلاً منها الطفل السكري، لنزيح ثقافة المرض».

وعن حاجة المجتمع السعودي إلى التوعية، رأت الحارثي أن الأمر «يتطلب من الجميع التعاون، خاصة عندما نحتفل باليوم العالمي للسكري في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، من كل عام، ونشارك فيه بالتوعية خاصة للأطفال... عند زيارتنا لأحد المجمعات التجارية في جدة، استقبلنا 180 شخصاً وأجرينا فحوصاً مجانية لهم، ليتبين لنا لاحقاً أن هناك 10 أشخاص مصابين بالسكري، وهم غير مدركين ذلك، بسبب غياب التوعية بأعراض السكري.
وهذا من الأمثلة التي توضح أن التوعية بهذا المرض، ما زالت ضعيفة. ونحن نقوم كل يوم أحد من كل أسبوع بزيارة المدارس، وتوعية الطلاب والمدرسين والمدرسات بمرض السكري، لأن الطفل سفير لعائلته، وعندما يعود إلى منزله يخبرهم بما سمع».

 

د. عبد الله : الوراثة مجرّد عامل وليست السبب الرئيس لفشل البنكرياس في إنتاج الأنسولين
عرّفت استشارية الأطفال والغدد الصماء والسكري الدكتورة غادة حسن عبد الله سكري الأطفال بقولها: «السكري أنواع عدة، والأكثر انتشاراً بينهما النوعان الأول والثاني.
والأخير يصيب عادة الجسم المقاوم للأنسولين، أي أن هناك إفرازاً للأنسولين من البنكرياس، لكن الجسم يقاوم عمل الأنسولين وبالتالي لا يستفيد من السكر، لذلك يرتفع السكر معدل في الدم. وهذا عادة له علاقة بالسمنة، وبارتفاع ضغط الدم، وبمستويات الكولسترول والدهون في الجسم. والنوع الثاني يختلف تماماً عن النوع الأول، وهو فشل البنكرياس في إفراز الأنسولين، وبالتالي يفتقر الجسم الى الأنسولين، ولا بد من توفير الأنسولين له، والطريقة الوحيدة إلى الآن هي عن طريق الحقن.
ويسأل الكثيرون عن كيفية تجنب الإصابة بمرض السكري، أو ما هي العوامل التي تؤدي إليه، وكل الأسئلة تنطبق على النوع الثاني.
فإن تحدثنا عن الأكل السليم، ونظام الحياة الصحي، والرياضة، نستطيع أن نمنع ما نسبته 80 إلى 90 في المئة من حالات النوع الثاني. لكن النوع الأول إلى الآن لم يُعرف سببه، علماً أن الوراثة مجرد عامل، وليست المسبب الرئيسي لفشل البنكرياس في إنتاج الأنسولين. والحقيقة الأخرى، أن لا طريقة واضحة لمنع الإصابة بالسكري، من النوع الأول».
وأشارت إلى أن عدد حالات السكري في السعودية هو ثلاثة ملايين  و600 ألف، وتحتل السعودية في ذلك المركز السابع بنسبة الإصابة قياساً بعدد السكان. وربع حالات السكري للأطفال في الشرق الأوسط مصدرها من السعودية.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078