'ليْل' لجورج يرق
الكتاب: «ليْل»
الكاتب: جورج يرق
الحرب الأهلية التي كانت- ومازالت- موضوعة أثيرة تدور حولها الروايات اللبنانية، تحضر مجدداً في رواية جورج يرق الأولى، علماً أنّها لا تُصنّف كرواية أولى لما فيها من نضج في الأسلوبين السردي واللغوي.
الحرب هنا لا يرويها بطل له موقف نقدي منها. وإنما محارب مسيحي خاض معارك ضارية في صفوف حزب «القوّات» اللبنانية».
فهو بطل حزبي قديم يُدعى مروان حبيب. وإنّها لفكرة مدهشة أن يختار كاتب لبناني لروايته بطلاً حزبياً كان له هيئة المحاربين وأفعالهم. وبذلك يكون جورج يرق قدّم مقاربة جديدة لمفهوم الحرب الأهلية.
عاش الراوي/ البطل مروان أحد عشر عاماً في غرفة صغيرة في الدير متوارياً عن الأنظار خوفاً من أن يعثر عليه أعداؤه. ولم يخرج منه إلاّ بعد أحد عشر عاماً.
وخلال تلك الفترة كانت القراءة وحدها وسيلته للتحايل بها على الوقت. فخرج مروان من زنزانته «القسرية» في الدير مُجازاً في التاريخ وقارئاً متنوراً اطلّع على أمهّات الأدب العربي والعالمي.
مشاهد الحرب القاسية والمؤلمة لم تُغادر ذهنه، لكنّه كان يحاول السيطرة عليها عبر الهروب منها نحو عوالم أخرى مختلفة، والأصحّ متناقضة.
فمن القراءة في الدير إلى النوادي الليلية والفايسبوك، بحثاً عن حرية حُرم طعمها وعن نساء «مُمكنات» وأخرى «افتراضيات» اشتاقهنّ طوالت تلك السنوات.
لم يستطع مروان، رغم حاجته إلى المال، أن يلتزم بعمل يتطلب منه دواماً كاملاً: «الحبس الطوعي في الدير زيّن لي الحرية فغدوت غير قادر على التقيّد بدوام عمل.
كذلك ألهب جوعي إلى النساء...» (ص 47). ومع أنه شارف على الخامسة والأربعين من عمره، لكنّ احتمال الزواج غير وارد في قاموسه إلاّ في حال ربح «في اليانصيب أو في اللوتو».
الفايسبوك كان يسدّ جزءاً من الفراغ الذي يعيشه. فيه يكون على حريته ويسمح لأفكاره «وفانتسماته»أن تجمح من غير أيّ إحساس بالخوف أو الخجل، لكونه متخفياً وراء إسم مستعار هو «موريس حنّا». يتواصل مروان متلطيّاً خلف إسم موريس، بامرأة تفتنه بجرأتها وثقافتها.
إنها كاترين التي تضع صورة نصفية على «بروفايلها» مع نظارات شمسية تزيد طلّتها غموضاً ساحراً. تتطور علاقتهما إلى أن يُقرّر أخيراً مُصارحتها بهويته واسمه الحقيقيين. وهي بدورها تُصارحه بأنها امرأة عمياء.
لكنّ تعلّقه برسائلها الإفتراضية الجريئة تجعله متحمساً لاستكمال علاقته معها. شيئاً فشيئاً، تغدو كاترين هي المحطة الأهمّ في حياته.
تُخلّصه من «الفواييه» (السكن الجماعي الذي يكرهه)، ومن العمل في المرفأ. بل إنّها تمنحه حبها وحنانها وغرفة صغيرة إلى جانب شقتها الفخمة، مقابل عمل خفيف: أن يقرأ لها الروايات. «من مثلك يا مروان؟ انقضّ الحظّ عليك بعد عداوة وجفاء» (ص176).
هكذا، تُصبح المرأة الإفتراضية كاترين هي واقع الرجل الغريب وحاضره، بل مستقبله الذي لم يُفكّر فيه يوماً. وبعد أن تُقرّر كاترين السفر إلى أميركا لإجراء جراحة قد تُنقذها من الليل الذي يُغلّف حياتها، يأخذ مروان حبيب قراراً آخر قد يُغيّر أيضاً حياته.
أن يصير كاتباً جاعلاً من كاترين بطلة روايته الأولى. «معاناة كلّ من مدام بوفاري وآنا كارنينا ليست أقسى من معاناتها».
أمّا «ليل» فهو العنوان الذي يختاره لروايته، بعد أن يختار التلطّي مرّة أخرى خلف إسم مستعار، هو جورج يرق. وفي نهاية الرواية تبرز لعبة الراوي/ الروائي التي اشتغل عليها يرق في عمله الإبداعي الأوّل.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024