متى يكون عقاب الطفل عادلاً؟
تشكو أم علي طفلها (5 سنوات) أنه لا يفعل سوى ما يريده ويرغب فيه. أما أم سامي فتقول كلما تنهر طفلها يزيد حماقاته. فهل العقاب هو الحل؟
يرى الإختصاصيون أنّ من طبيعة الطفل الميل إلى تخطّي الحدود المفروضة عليه، إذ يشكل عدم الخضوع للقوانين المنزلية بالنسبة إليه فرصة لاكتشاف العالم المحيط به وعلاقته بأهله، فهو يدفعهم إلى أقصى حدود من أجل أن يرى إلى أي حدٍ هم متمسكون بقوانينهم.
وفي المقابل، يبدو بعض الأهل غير قادرين على السيطرة على الطفل ويجدون أنفسهم في شجار متواصل معه إلى أن تكون النتيجة في مصلحة الطفل والحجة أنهم يئسوا.
لماذا بعض الأطفال متمردون أكثر من غيرهم؟
كل شيء يبدأ في سن الثانية إنها مسألة شخصية، وفي الوقت نفسه مسألة صلابة الأسس التي تقوم عليها سلطة الأهل التي تبنى في مرحلة مبكرة جدًا. فبين الشهر السادس والسنة ونصف السنة، يتواصل الطفل مع كل ما يوجد حوله، فهو يبدأ الكلام والتنقل وحده، وهذه مرحلة إكتشاف أساسية لنموه وتحديد معالم شخصيته.
تلاحقه نظرات والديه عندما يتصرف بطريقة تشكل خطرًا عليه، ويُضرب على يديه إذا ما لمس شيئًا ممنوعًا، وتسوء الأمور عندما لا يطيع. إشارات تفهم الطفل أن لكل الأشياء حدوداً وأن أهله بتصرفاتهم وأوامرهم هم الضامنون له.
ولا يعرف كثر من الأهل المعاصرين كيف يعاقبون أطفالهم. لماذا؟ لأن وقع كلمة عقاب يبدو سيئًا ويعيدهم عقوداً إلى الوراء عندما كان الضرب والصفع من الأساليب التربوية الصارمة التي لم تكن تعترف بأي حقوق للطفل، بل واجبه الطاعة العمياء.
وعلى مدى أجيال درس الإختصاصيون أثر اهتمام الأهل وعنايتهم في التطور النفسي والعاطفي للطفل، ووجدوا أنّ العقاب الجسدي والطاعة العمياء لا ينشئان إنسانًا متوازنًا، بل الحوار والتفاهم مع الطفل وجعله يدرك حقوقه وواجباته هي الأساس في التربية.
وفي المقابل، يريد الأهل المعاصرون أن يجدوا توازنًا بين فائدة الحوار في التربية ووضع حدود من دون أن يصبح الطفل طاغية في المنزل. وقد كان العالم النفسي سيغموند فرويد أول من أصرّ على فائدة العقاب الذي يجعل الطفل مدركًا للخطأ الذي ارتكبه.
فإذا لم يكن الأهل هم الذين يستعملون العقاب، فإن هناك مجازفة أن يتصرف الطفل بعنف من دون رادع.
إعادة تأكيد القانون. هل أنا أم صالحة؟
تطرح الأم على نفسها هذا السؤال بعدما تعاقب طفلها، وهذا دليل على شعورها بالذنب ممّا يفقدها أحيانًا الثقة بنفسها، فضلاً عن أن العقاب يولّد توترًا للطفل يترجمه تصرفًا عدوانيًا، يصعب على الأهل تحمّله لأنهم يعتبرونه برهانًا على عدم محبة الطفل لهم.
وبحسب اختصاصيي علم نفس الطفل هذا الشعور بالضيق والإنزعاج هو أيضًا خاص بالأهل المعاصرين، إنهم أبناء الجيل اللاحق الذين اكتفوا بأن يكونوا موضع احترام، وهذه الحالة لم تعد موجودة في العائلة المعاصرة فعلاقة الطفل بأهله تدور حول الإنجذاب والحب.
لقد تغيّر مفهوم العلاقة التربوية وأصبحت تقوم على نظام من القوانين التي تقضي بالسماح للطفل بفهم الإختلاف بين ما هو سلطة وما هو ممنوع، واستطرادًا بين الخير والشر. إذًا القاعدة ليست مفيدة إلا إذا تناسبت مع العقاب في حال مخالفتها.
ولكن إذا كان العقاب وسيلة يهدف الأهل من خلالها إلى تنفيذ القانون المنزلي الذي وضعوه فهذا يعني أنه وضع مسبقًا ليكون ملزمًا. لذا فإن على الأهل أن يكونوا حازمين من دون غموض، فعوض عن القول مثلا للطفل «أتمنى عليك النوم مبكرًا» من الأفضل القول «أطلب منك أن تنام الآن»، على أن تكون اللهجة والنظرات والإيماءات حازمة.
فالتساهل في تنفيذ القانون يُفقده مصداقيته، وبالتالي لن يعرف الطفل ماذا يفعل وما إذا كان طلب الأهل تمنيًا أم أمرًا، فهو لا يخضع للغموض ويشعر بأنه مظلوم في عقابه.
عقاب موازٍ لتحمل مسؤولية الخطأ
التربية تعني تسلّم زمام المسؤولية، والعقاب الأفضل هو الذي ينتج عنه دائمًا تحمّل مسؤولية الخطأ الذي اقترفه الطفل، من خلال توقعه نتيجة عدم التزامه بالقانون المنزلي مثلاً. كأن تعاقب الأم طفلها بترتيب غرفته إذا كان السبب في الفوضى التي تعمّها.
إذ يتعلق الأمر بتشجيع الطفل على الطاعة المسؤولة وإذا لم يطع لا تفاوض معه، بل التمسك بما تم الإتفاق عليه. فزيادة التهديدات من دون تنفيذها تزيد وتيرة اعتراضاته وعدم الإلتزام بالقانون المنزلي. لذا على الأهل أن يكونوا واثقين بأنهم سوف ينفذون العقاب.
وكلّما زادت حماقات الطفل واعتراضاته زاد توتر الأهل، وفي اللحظة التي ينفد فيها صبرهم يستعملون العقاب الجسدي، مما يزيد الأمر سوءًا والطفل عنادًا.
لذا الوسلية الفضلى لتجنب رد فعل قاس هي إرسال الطفل إلى غرفته، فهذا يترك له الوقت الكافي كي يفكر في فعله وتصرفه، فيما يتحقّق الأهل مما إذا كان خيار العقاب ضروريًا أم لا. ونقاش الأهل مع الطفل يكون نافعًا كي يعيد الثقة بنفسه والتصرف من دون مبالغة، والعقاب الذي يهدف إلى تصحيح الخطأ المتكرّر هو الأكثر نفعًا لأنه يجعل الطفل في مواجهة مسؤولياته، كإصلاح شيء كسره وإعادة ترتيب ألعابه أو تنظيف ما وسخه.
وإذا لم ينفع هذا النوع من العقاب، من المهم اختيار عقاب ملائم للفعل الذي قام به الطفل، ويجب أن يتبع سلم الأخطاء التي يرتكبها الطفل وبطريقة غير مباشرة سلم القيم التي وضعها الأهل.
الحرمان الملاذ الأخير
لكل الأعمار الحرمان هو العقاب الأمثل شرط الا يكون عبثيًا. يجب منعه أو حرمانه من النشاطات التي لا جدوى منها مثل التلفزيون أو لعبة الكمبيوتر وليس النشاطات التي تعزز لديه الإنفتاح على الآخرين مثل الرياضة أو الفن.
لماذا؟ لأن الهدف من العقاب هو إراحة الطفل من شعوره بالذنب فهو يدرك في قرارة نفسه أنه ارتكب خطأ ويريد التخلص من شعوره بالذنب، وعندما يبذل مجهودًا فإنه يتخلص جسديًا من ثقل الشعور بهذا الذنب، إنه ينفق ليدفع الثمن، وهذا النوع من العقاب نافع خصوصًا للأطفال فوق الخامسة.
بالنسبة إلى الطفل الصغير فإنّ انتباه أهله وحضورهم هما اكتفاؤه الأساسي، ويكفي حرمانه لدقائق حتى يشعر بأنه معاقب بقسوة. والعقاب التقليدي هو كل ما يخترعه الأهل، والأهم أن يكون العقاب نادرًا وألا يكون سوى آخر الحلول، عندما يكون التذكير بالقانون المنزلي والشرح لا يجديان.
وإلا فإنّ فيه مجازفة الدخول في علاقة صراع دائم حيث يضطر الأهل إلى تصعيد العقاب كل مرة. وإذا كان العقاب الوسيلة الوحيدة لجعل الطفل مطيعًا فهذا مؤشر لأن السلطة لم تبنَ في المنزل. في هذه الحالة لا يجوز التردّد في استشارة اختصاصي، فالأهل لا يعرفون كيف يفرضون سلطتهم.
ستة أسباب لتجنب العقاب الجسدي
1لأنه صفعة موجهة إلى الطفل، وهذا مدان.
2لأنه مؤشر لضعف. فالأهل هنا يظهرون أنهم لا يعرفون السيطرة، مما يفقدهم قيمتهم المعنوية في نظر طفلهم الذي يستنتج أن استفزازته تفوق قوة سيطرة الراشد.
3لأنه يجعل العنف مسألة شائعة وطبيعية. فعندما يترك الراشد انطباعًا أنّ الضرب هو الوسيلة الوحيدة لإنهاء الصراع فإنه يجازف في أن يختار الطفل السلوك العنيف في تصرّفاته وحل مشكلاته.
4لأنه مذلّ. فالطفل يشعر بأنه غير محبوب، ويترجم بتصرفات سلبية تكلفه المزيد من العقاب الجسدي. إنها حلقة مفرغة كلما زاد العنف الجسدي زادت حماقات الطفل وأفعاله السلبية مما يمنع بناء تقويم ذاتي إيجابي عند الطفل.
5لأنه غير فعّال. إذا تراجع الطفل عن تصرفاته فالسبب يعود إلى أنه خائف وليس لأنه أدرك أن تصرفه خطأ. فهو لم يتعلم الدرس وأسباب الصراع لا تزال موجودة، وهو مستعد لأزمة جديدة.
6عندما ينتهي الشجار من المهم الشرح للطفل من دون تقديم الأعذار، «لم أرد الوصول إلى هذه المرحلة ولكنك تدفعني إلى ذروة الغضب». جملة تكفي لتأكيد سخافة الموقف، فهي تريح العلاقة بين الطفل وأهله، وتثبت للطفل أن التواصل الكلامي أكثر فعّالية من الضرب.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024