تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

الدكتور شوقي عبد الكريم مفتي مصر الجديد

يعدّ الدكتور شوقي عبد الكريم علام، مفتي مصر الجديد، من العلماء الذين شقّوا طريقهم وسط الصعاب ووصل إلى أعلى منصب للإفتاء في مصر، من خلال الانتخاب لأول مرة، حيث أهلته مؤلفاته بما تحويه من فكر مستنير لأن تختاره هيئة كبار العلماء من خلال فكره قبل أن يتعرفوا عليه شخصياً، ولهذا حملنا إليه الأسئلة الرمضانية التي تشغل أذهان كل أفراد الأسرة، وخاصة النساء، لنبحث عنده عن فتاوى حاسمة لكل ما يمكن أن يثير التساؤل والحيرة في أذهان الصائمين. يأتي رمضان هذا العام في أشد شهور السنة حرارة وهذا ما يجعل كثيراً من الصائمين والصائمات يلجأون إلى التبرّد بالماء أثناء الصوم، فهل هذا السلوك يبطل الصوم؟ خلق الله العباد وهو أرحم بهم من أنفسهم، ولا يريد لهم المشقّة المهلكة، لأن العبادات في الإسلام ليست تعذيباً كما قد يفهم البعض، بل إن من يتأملها سيجد أن كلها فوائد للروح والجسد على حد سواء، وبالتالي فإن جمهور الفقهاء يرون أن تبرُّد الصائم بالماء بأن يغتسل أو يصب على بدنه الماء اتقاء للحر أو العطش جائز شرعًا ولا يفسد الصوم.


نصائح

ما هي نصائحكم للنساء والرجال حتى ينالوا ثواب الصوم العظيم؟
على الصائمين رجالاً ونساءً أن يعلموا أن التقوى هي عنوان الصيام المقبول، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» آية 183 سورة البقرة. بالتالي فإن كل ما يضعف التقوى، يجب على الصائمين تجنبه وألا يُعرّضوا صيامهم لما يفسده ويُضيع ثوابه، وأنصحهم بأن يمسكوا أعضاءهم وجوارحهم عن كل ما يغضب الله تعالى ويضيع الصوم، كالغيبة والنميمة والقيل والقال والنظر إلى ما حرمه الله تعالى والخصام والشقاق، وقطع صلة الرحم والكذب وتعطيل مصالح الناس والسرقة، وغير ذلك من الأمور التي من شأنها ضياع ثواب الصوم، حتى لا يكونوا ممن قال فيهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ».

تشير الإحصائيات إلى أن استهلاك الأسر المسلمة في رمضان ثلاثة أو أربعة أضعاف استهلاكهم في الأيام العادية، وكذلك فإن ما يلقونه في القمامة من الأطعمة الزائدة أضعاف ما يلقونه في الأيام العادية، فما هو تفسيركم لهذه المعادلة المقلوبة؟
مخالفة تعاليم الدين، سواء عن جهل أو عمد، سبب كل الكوارث التي تعيشها الأمة، وصدق فينا قول ربنا: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى» الآيات 124-126سورة طه. فمن المؤسف أن لدينا كل صور الإسراف والتبذير، وخاصة في الأكل والشرب، في حين يموت إخواننا جوعاً أو لعدم وجود علاج، في حين نجد أن بعض الدول الإسلامية تبلغ نسبة فضلات الأطعمة الملقاة في القمامة فيها 45 في المئة مما تنتجه أو تستورده من الطعام، ويزداد ذلك في رمضان عكس المقصود أو الحكمة من الصيام، وبدلاً من أن نخرج منه أصحاء، فإذا بنا نخرج بالتخمة والأمراض والديون نتيجة الإسراف والتبذير الذي نهانا الله عنه، فقال: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً» الآيتان 26-27 سورة الإسراء. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة».

قد يقول قائل إن العبادات في الإسلام فيها تضييق على الناس حتى في الأكل والشرب فما ردكم؟
الوسطية صفة أساسية مميزة للإسلام، فهو يأمر بالاعتدال في كل أمور الحياة، فقد أمر الله تعالى أن يكتسب العباد أموالهم من حلال طيب، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً» آية 168 سورة البقرة. كما نهى عن إضاعة المال وإعطائه للسفهاء، فقال: «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً» آية 5 سورة النساء. وتتضح الوسطية في الإنفاق في قوله تعالى: «وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً» آية 29 سورة الإسراء.

لا يرى كثيرون أن «الكرم الحاتمي» في عزومات رمضان نوع من الإسراف بل إنه واجب شرعاً إكراماً للضيف فهل هذا الفهم يتوافق مع الشرع؟
الكرم فضيلة امتدح الإسلام من يتصف به، كما أن إكرام الضيف أمر به الإسلام في قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه». لكن بين الكرم والإسراف شعرة، وإذا رجعنا إلى اللغة لوجدنا الإسراف هو «مجاوزة الحد في النفقة»، وقال عنه حَبْر الأمة عبد الله بن عباس: «من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف».

بعض الأسر الفقيرة تخرج من الشهر الفضيل مديونة لشهور عديدة بعده لحرصها على استضافة الأقارب والأصدقاء وتقديم أشهى الأطعمة وبسخاء حتى لا يقال عنهم بخلاء فما رأيكم في هذا السلوك الاجتماعي؟
 الإسراف قد يكون من الغني والفقير إذا تجاوزا حد الاعتدال في النفقة، فيقعا فيما نهى الله عباده عنه من الوقوع في الإسراف فقال تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» آية 31 سورة الأعراف. من يتأمل نصوص الشرع سيجد الله تعالى قال ممتدحاً أهل الوسطية في النفقة، الذين لا يبخلون ولا يسرفون: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً» آية 67 سورة الفرقان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة». ويعجبني كثيراً قول الإمام سفيان الثوري: «ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلاً», لهذا فإن الإسراف من مساوئ الأخلاق التي تضر صاحبها والمجتمع، وبالتالي فإن المسرف في العزومات مخالف لتعاليم الشرع وحكمة الصيام.


تخمة وخمول

من المفترض أن الصيام راحة للجسم من آثار التخمة ليكون نشطاً في العبادة خلال شهر رمضان الذي يتضاعف فيه الأجر والثواب، فلماذا قلبنا هذه الحكمة إلى التخمة والتكاسل عن العبادة؟
الجهل بتعاليم الدين أساس كل المشكلات التي نعاني منها في غذاء الروح والجسد، رغم أن الإسلام حرص على الاعتدال والتوازن، فنهى عن الرهبنة ونسيان متطلبات الجسد، ونهى المسلم أن يكون همه الأول جسده وينسى العبادات أو يتثاقل عنها، لأن الأكل بشراهة يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن والكسل والتراخي عن أداء العبادات، لهذا حذرنا من ذلك طوال العام وليس في رمضان فقط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِه». وقال الفاروق عمر بن الخطاب عن الآثار المدمرة لانشغال الإنسان باحتياجات بطنه فقط: «إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السرف».

قد يقول قائل إن هذا نوع من التضييق على الناس في شهر رمضان ولم يفعل الصحابة أو التابعين ذلك فماذا تقولون لهم؟
أقول لهم: «اقرؤوا تاريخ وسير الصحابة والتابعين ستجدون قمة الزهد والاعتدال، بل إنهم كانوا لا يفضلون أبدا الشبع حتى يكونوا أقوياء صحياً على العمل الدنيوي والعبادة الدينية»، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: «إن أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد قضاء نبيها صلى الله عليه وسلم، الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فتصعبت قلوبهم، وجمحت شهواتهم». وقال الإمام الشافعي عن نفسه: «ما شبعتُ منذ ستَ عشرة سنة إلا شبعة أطرحتها، لأن الشبع يُثقِلُ البدن ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة». ومن يسأل الأطباء عن ذلك سيجد التقليل من الطعام أفضل للصحة من الشبع والتخمة، التي تضر بها ولا تفيدها كما يظن كثيرون.

ماذا تقول للأمهات اللاتي يحرصن على تخمة أبنائهن وبناتهن في شهر رمضان بحجة أنهم صغار لا يستطيعون الصوم إلا بكثرة الأكل من المغرب حتى الفجر؟
هذا خطأ فادح لا يضرهم في صحتهم حالياً فقط، بل إنه يورث فيهم الإسراف منذ نشأتهم الأولى، لأن الفرد قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي، وبالتالي فإن ذنب هؤلاء يكون في رقبة الأمهات والآباء الذين لم يعلموهم أحكام الشرع وغرسوا فيهم الإسراف، وصدق الشاعر إذ يقول:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا   على ما كان عوَّده أبوه


الأصدقاء

قد يقول الآباء والأمهات لعلماء الإسلام: هل نحرم أبناءنا وبناتنا من ملذات المأكل والمشرب في البيت وخارجه في رمضان بينما أصدقاؤهم يتناولون أمامهم كل شيء فما ردكم؟
المطلوب منا أن نعدل سلوكياتنا وأخلاقنا وفق تعاليم الدين، وليس مطلوباً من العلماء أن يقدموا «دين تفصيل» لرغبات وأهواء الناس، وبالتالي على الآباء والأمهات أن يبعدوا أبناءهم وبناتهم عن صحبة المسرفين ومخالطتهم، لأن الإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، لهذا قال صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل». ومن المعروف في سلوكيات البنات والشباب في هذه السن حب الظهور والتباهي  والتعالي، ولا يهمهم أنهم أضاعوا أموالهم وارتكبوا ما حرم الله. وأعجبتني مقولة للإمام أبي الحسن الماوردي: «من التبذير أن ينفق ماله فيما لا يجدي عليه نفعاً في دنياه ولا يكسبه أجراً في أخراه، بل يكسبه في دنياه ذماً ويحمل إلى آخرته إثماً، كإنفاقه في المحرمات وشرب الخمر وإتيان الفواحش وإعطائه السفهاء».

صلة الرحم أمر مستحب طوال العام فكيف يمكن أن يكون رمضان بداية لإنهاء قطيعة الرحم؟
لاشك أن قطيعة الرحم من المصائب الكبري المنتشرة في مجتمعاتنا الإسلامية، للجهل بأنه لا يدخل الجنة قاطع رحم، ونسي قاطعو الرحم قول ربهم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» آية 1 سورة النساء. ويجب أن نلحظ الارتباط بين الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم في قوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» الآيتان 22-23 سورة محمد.

لكن بعض قاطعي الرحم يبررون ذلك بأن أقاربهم كالعقارب لا ينالهم منهم سوى الأذى بكل صوره لهذا فإن قطيعتهم نعمة اتقاء شرهم فماذا تقولون لمن يقولون ذلك حتى في رمضان شهر الصفاء والتصافي؟
بداية أؤكد أن مقولة «الأقارب عقارب» مرفوضة شرعاً، وأقول لمن يتعرض للإيذاء من أقاربه أن يصبر عليهم ويطيع الله فيهم، حتى وإن عصوا الله فيه، وهذه قصة مماثلة حدثت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو هريرة أن رجلاً قال: «يا رَسُول اللَّهِ إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ». فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنما تسقهم الملّ (الرماد الحار)، ولا يزال معك من اللَّه ظهير عليهم ما دمت على ذلك». ومن يتأمل هذا التوجيه النبوي سيجد أنه يطفئ نار قطيعة الأرحام والمشاحنة بينهم، وقد وضع الله العلاج لمثل هذه الحالة فقال تعالى: «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» الآيات 34-36 سورة فصلت.

إذا افترضنا أنه تم إخراج الزكاة أو الصدقات في رمضان لذي الرحم الكاشح أو القاطع للرحم فهل هذا ثوابه يختلف عن إخراج الزكاة والصدقة لغيرهم؟
بالتأكيد يكفي من يفعل ذلك أنه يكون من المبشرين بأنه من أفضل الناس، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: أتقاهم لله، وأوصلهم للرحم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر». وقال أيضاً «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة». وقال كذلك: «أفضل الفضائل أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتصفح عمن ظلمك».

قد يقول قائل هذا في الآخرة فهل هناك ثواب للحريص على صلة الرحم في كل الأوقات وخاصة في رمضان؟
لا يتوقف الخير لمن يحرص على صلة رحمه على الآخرة فقط، كما قد يظن البعض، وإنما يصل إلى الدنيا ويرى الناس بأعينهم الخير العميم على من يحرص على صلة رحمه، حتى مع من يقاطعونه، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه». على من يفعل ذلك أن يخلص النية في عمله له المطلع على النوايا فقد قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله اللَّه، ومن قطعني قطعه الله». يجب أن نعلم أن الواصل الحقيقي لرحمه ليس من يعامل أقاربه بما يعاملونه به، أو يكون رد فعل عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها».

قد تتعرض المرأة من كثرة العمل مع السهر بالليل إلى حالة من الإعياء الشديد الذي قد يصل إلى القيء فهل يفسد صيامها؟
الحكم يتوقف على الملابسات التي تم فيها القيء، فمثلاً إذا غلب القيء الصائمة من غير تسبب منها فصيامها صحيح ولا قضاء عليها، أما من تعمدت القيء وهي مختارة فإن صومها يفسد وعليها أن تقضي يومًا مكانه، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ».


حقن التغذية

بعض الناس يرهقهم الصوم لهذا يلجأون إلى استعمال الحقن المغذية للتقوية على أداء الصوم فهل هذه الحقن مبطلة للصوم؟
الحقن التي يتم استعمالها عن طريق الوريد أو العضل لا تبطل الصوم، لأن شرط نقض الصوم أن يصل الداخل إلى الجوف من منفذ طبيعي مفتوح ظاهرًا حسًا، ومن المعروف أن المادة التي يحقن بها الإنسان عن طريق العضل أو الوريد لا تصل إلى الجوف أصلًا، ولا تدخل من منفذ طبيعي مفتوح ظاهرًا حسًا، وبالتالي فإن وصولها إلى الجسم عن طريق المسام لا ينقض الصوم، وأرى أنه يجب ألا يتم استعمال تلك الحقن إلا للضرورة، كعدم القدرة على مواصلة الصوم بدون مرض، لأنه إذا كان الإنسان مريضاً فله أن يفطر ويقضي الأيام التي أفطرها، لأن هذا من تيسير الإسلام لقوله تعالى: «أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» آية 184 سورة البقرة.

هناك أسئلة موسمية تتكرر لكثرة الجدل سنوياً حولها حيث تقوم بعض النساء في مثل تلك الأيام السابقة على رمضان بتناول أدوية تؤخر الحيض لتصوم الشهر كاملًا وهدفها نبيل فما حكم الشرع؟
الغاية نبيلة، لكن لابد أن تكون الوسيلة آمنة وغير ضارة، وبالتالي لا يجوز التعميم بأن هذا مباح أو غير مباح، وإنما يتوقف ذلك على كل حالة على حدة، فمثلاً المرأة السليمة صحياً غير المريضة التي تضرها مثل تلك الأدوية، لهذا فإن الأطباء هم الذين يقررون مدى الضرر من عدمه إذا تناولت المرأة الصائمة تلك الأدوية، باعتبارهم أهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم حين قال: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» آية 43 سورة النحل. وبالتالي يجوز لها ذلك ما لم يثبت ضرره طبيًا، وإن كنت أرى أنه من الأَوْلى والأفضل تركه، لأن وقوف المرأة المسلمة مع مراد الله تعالى وخضوعها لما قدَّره الله عليها من الحيض ووجوب الإفطار أثناءه وقضاءها لما أفطرته بعد ذلك أثْوَب لها وأعظم أجرًا.

بعض المدخنين أخذوا بالفتوى التي تقول إن التدخين لا يفطر لأنه مجرد هواء فماذا تقول لهؤلاء؟
من المتفق عليه أنه يجب أخذ الفتوى من المتخصص، وليس من أي فرد، لأن الدين أغلى ما يتمسك به ويحرص عليه المسلم، وقائل هذه الفتوى غير متخصص، لهذا فإن الذنب ليس عليه فقط بل على من يأخذون الفتوى من غير أهلها، ومن المعلوم أن التدخين مع كونه عادة سيئة محرمة تضر بصحة الإنسان، فهو أيضًا مُفْسِدٌ للصوم موجب للقضاء، لأن الدخان الناتج عن حرق التبغ يتكاثف داخل الأنف وينزل إلى الصدر فيكون جِرْمًا دخل جوفًا.


ختم القرآن

يحرص كثير من الأزواج والزوجات على ختم القرآن أكثر من مرة. فهل ثواب ختمه في رمضان يختلف عن غيره من الشهور؟
شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، حيث قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» آية 185 سورة البقرة. ولاشك أن المسارعة إلى الطاعات والخيرات مطلوبة طوال العام، وخاصة في رمضان أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصفه عبد الله بن عباس فقال: «كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»

هناك فرق في الثواب بين قراءة القرآن ليلاً أو نهاراً في رمضان؟
قراءة القرآن مطلوبة في كل الأوقات كلما استطاع الإنسان ذلك في رمضان وغير رمضان، مع أفضلية شهر رمضان على غيره من الشهور، وننصح بالإكثار من تلاوته ليلاً ونهارًا، رغم وجود بعض الآراء على أفضلية القراءة ليلاً، لقوله تعالى: «إن نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً» آية 6 سورة المزمل. وجاء في الحديث القدسي»... وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ، تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077