العالمة الإماراتية حبيبة الصفار: المرأة الخليجية قوية... وطريق العلوم ليس مفروشاً بالورود
لا تقرّ العالمة الإماراتية في مجال الأمراض الجينية د. حبيبة الصفار التي تم تكريمها أخيراً بالكثير من الجوائز الكبرى، بأن المجتمعات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، لا تزال معيقة لإبداع المرأة في شتى المجالات، بل إنها تصف المرأة الخليجية بـ «القوية»، والقادرة على تحقيق مزيد من الانجازات المؤثرة ليس في محيطها الاجتماعي فقط، بل عالمياً أيضاً، على الرغم من تأكيدها أن «طريق البحث العلمي ليس مفروشاً بالورود». الصفار التي تشغل حالياً منصب الأستاذة المساعدة في الهندسة الطبية الحيوية في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والبحوث في أبوظبي، أحلامها في العام 2015 مختلفة، بعدما تم تكريمها ضمن جائزة «الأوائل» الـ43 من جانب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، حيث يتمحور طموحها حول إنشاء مركز يتضمن قاعدة بيانات شاملة للأمراض الجينية الأكثر انتشاراً في بلدها.
السفر وهوايات أخرى
«لها» التقت الصفار التي واظبت على الدراسة في الخارج لـ13 عاماً متصلة، توّجتها بحصولها على شهادة دكتوراه في العلوم الطبية والجنائية من أستراليا، ودرجة ماجستير في الهندسة الطبية الحيوية من بريطانيا، وبكالوريوس في الكيمياء الحيوية من الولايات المتحدة الاميركية في حوار تطرق إلى الكثير من القضايا الأخرى، على النحو الآتي:
- حدّثينا أولاً عن الجانب الآخر في حياة الدكتورة حبيبة، بعيداً من الأبحاث وعيّناتها، وخلاف ذلك؟
السفر هو هوايتي الأولى، وهي هواية ربما تكون مرتبطة بشكل كبير بالميل إلى التأمل في ما وراء الحقائق التاريخية، لذلك أحب أيضاً قراءة الكتب التاريخية. لكن أدبياً أميل إلى الاستمتاع بالأعمال الروائية، ويكاد لا يمر أسبوع إلا وتكون لدي زيارة إلى إحدى دور السينما، بحثاً عن فيلم درامي يستحق المشاهدة.
في المقابل، لا أجد المتعة ذاتها مع الموسيقى، وإذا لم أفلح في العثور على فيلم مناسب، فإن مشاهدة التلفزيون بالنسبة إلي تعني الإبحار في قنوات «ديسكفري»، وعوالم الأفلام الوثائقية.
أول المشوار
- نبدأ إذاً من أول المشوار. كيف كان انجذابك الى مجال البحث العلمي، وفي أي مرحلة أيقنت أن اتجاهاتك الدراسية يجب أن تكون علمية بحتة؟
منذ صغري كنت أنحاز الى دراسة المواد العلمية وأستمتع بها، وفي مرحلة مبكرة جداً، ربما تعود الى الدراسة الإعدادية، أيقنت أن العلوم هي مجال دراستي المستقبلية، وهو قرار تأكد بعد ذلك في مرحلة الدراسة الثانوية، قبل أن أقرر دراسة البكالوريوس في مجال الكيمياء الحيوية في الولايات المتحدة الأميركية.
- كان من الممكن مثل الكثيرين أن تعودي للالتحاق بوظيفة ما، فما كان الدافع لاستمرار الدراسة واستكمال درجتَي الماجستير والدكتوراه في أستراليا وبريطانيا؟
هو طريق الخطوة خطوة إن شئنا تسميته، فكل مرحلة كانت تسلّمني إلى تاليتها، ودائماً كان هناك شغف للإجابة عن تساؤلات علمية يمكن أن يؤدي الوصول اليها إلى تقديم خدمات جليلة للمجتمع عموماً، وبلدي بصفة خاصة. وحتى المجال الوظيفي بالنسبة إلي، كان بمثابة محطة لاستكمال هذا الشغف، حيث عملت في المختبر الجنائي التابع للقيادة العامة لشرطة دبي بصفة خبيرة أدلّة جنائية، كما حصلت على منحة صيفية من مستشفى ماساتشوستس العام الماضي، خوّلتني دراسة الدور الأساسي لتنظيم الاستجابة المناعية لكلّ من مستضدات الذات ومسببات الأمراض الخارجية في نجاة المصاب. وفي صيف 2014 أنهيت الدورة التدريبية Global Clinical Scholars Research Training program في جامعة هارفرد الطبية التي استغرقت سنة كاملة.
دعم أسري
- كيف كان قرار الأسرة، حينما أبديت رغبتك في الدراسة في الخارج للمرة الأولى، بعد تخرجك من المرحلة الثانوية، وقبل خوضك 13 عاماً دراسياً في الخارج؟
الأسرة هي التي أصرت بالأساس على أن ألتحق بالمجال الذي اخترته في الخارج، وكانت دوماً أكبر محفز لي نحو التفوق، مرحلة تلو الأخرى، وحتى أثناء قضائي الإجازات في الإمارات، كان الجميع يحرص على ألا يكون الهاجس المسيطر، هو أنهم في استقبال ابنتهم الطالبة المبتعثة في الخارج، بل كانوا يحرصون في البدايات على تكرار زيارتهم لي لكسر إحساسي بالغربة.
- هل ترين أن هناك دعماً مجتمعياً حقيقياً لتعلم الفتاة الإماراتية والخليجية في الخارج؟
أعتقد أن الأمور الآن أفضل بكثير من الوقت الذي بدأت فيه مشواري، والكثير من الأسر باتت لا ترى إشكالية حقيقية في التحاق الفتاة بالدراسة في الخارج، ما دامت تمتلك الأفق والرغبة والطموح لذلك.
أوائل الإمارات
- وكيف استقبلت قرار حصولك على ميدالية أوائل الإمارات، ضمن 43 شخصية وطنية، في مقدمها الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم والشيخة فاطمة بنت مبارك آل نهيان؟
حصلت على هذه الميدالية باعتباري أول إماراتية تنشئ خريطة جينية للوقاية والكشف المبكر عن مرض السكري، وهو تقدير عال وشرف كبير لي يضعني أمام تحدٍ جديد، ومسؤولية. لذلك، فإن الطريق صار أصعب في المرحلة المقبلة، إذ سأسعى بكل جهد دؤوب لأن أكون عند قدر توقع قيادتنا الرشيدة التي شرفتنا بهذا التكريم، من جانب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
طموح
- بعد هذا الإنجاز الذي اختتمت به عام 2014، ما هو طموحك في 2015؟
أطمح إلى تأسيس مركز أبحاث يشكل قاعدة معلوماتية وعلمية واسعة تتعلق بأبرز الأمراض الجينية المنتشرة في الإمارات، وهذا الطموح إذا تحقق سيكون له مردود علمي هائل، حيث إن معظم الجامعات الموجودة تعمل بحثياً بشكل منفرد، ولا يتم تبادل الخبرات والنتائج بشكل يساهم في الاستفادة مما حققته كل جامعة على حدة، حيث سيقدم هذا المركز فائدة جليلة للباحثين الذين لن يكونوا في كل مرة مضطرين لبدء أبحاثهم من نقطة الصفر.
معوقات
- وما هي أبرز معوقات العمل البحثي في مجال الجينات والأمراض الوراثية؟
العنوان الأكبر لمعوقات البحث في هذا المجال هو غياب الدعم المادي، بالإضافة إلى مشكلات أخرى لا تجعل طريق البحث العلمي مفروشاً بالورود. فبسبب زواج الأقارب وبعض العوامل الأخرى، تعاني مجتمعاتنا للأسف الكثير من الأمراض الوراثية، وهذا يتطلب المزيد من جهود البحث التي يعوقها هذا العامل، فلا توجد جهة واحدة على استعداد حقيقي لدعم أبحاث قد تطول لخمس سنوات أو ست، على عينات كبيرة، وهي أبحاث تبقى بحاجة إلى ملايين الدراهم. ويكفي أن أشير إلى أن عينة البحث الواحدة كانت كلفتها بالنسبة إليّ نحو 12 ألف درهم، علماً أن البحث يبقى بحاجة إلى أعداد كبيرة تحددها طبيعة البحث العلمي وأسلوبه.
وتبقى المعايير الإجرائية المرتبطة بشكليات روتينية يجد الباحث نفسه مضطراً اليها، من أهم المعوقات ايضاً، فلا نجد في الغالب اشكالية في عملية جمع العينات البحثية ذاتها، بقدر ما نجد إشكاليات أخرى في مجال التصنيف، واللجان العلمية المرتبطة بالبحث واستخراج الموافقات وغيرها.
رسالة
- أخيراً، ما هي الرسالة المجتمعية التي تودين إيصالها الى المجتمعات الخليجية والعربية؟
هناك حالة متفشية من عدم الوعي بمسؤولية المرأة في إنجاب طفل يحمل تشوهات أو أمراضاً جينية، لدى قطاع كبير من الرجال. وفي كثير من الحالات نجد أن البعض يلقي بالمسؤولية على الأم، في حين أن السبب المباشر قد يكون ذيوع زواج الأقارب. وحتى في حال انجاب طفل مشوّه، بعيداً من سياق زواج الأقارب، فإن البعض يعتقد جهلاً أن المسؤولية قد تعود الى المرأة، ويسارع بالإقدام على زواج جديد، وقد تتكرر المشكلة نفسها، بسبب غياب التوعية العلمية المباشرة بطبيعة الأمراض الجينية التي قد تختلف باختلاف كل حالة، وهنا يبقى لزاماً القيام بحملات تثقيفية شاملة للتخلص من بعض الأفكار الخاطئة الشائعة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024