حملة «مجنّدة مصرية» تثير جدلاً دينياً
ثار جدل فقهي بعد تدشين مجموعة من الفتيات المصريات حملة أطلقن عليها اسم «مجندة مصرية»، تطالب بالتجنيد الاختياري للفتيات حاملات الشهادات الجامعية، وإنشاء كليات عسكرية تقتصر عليهن لتدريبهن على القتال، وتأهيلهن لحالات الحرب والطوارئ، مثلما هو الحال في 48 دولة منها خمس دول عربية. «لها» سألت علماء الدين عن مطالبة الفتيات بالتجنيد، ومدى جواز ذلك من الناحية الدينية.
بدأت القضية عندما أعلنت جهاد الكومي، مؤسِّسة الحملة، توثيق الحملة في الشهر العقاري كرد فعل على تهرب بعض الشبان من التجنيد.
وقالت: «نحن نطالب بالتجنيد الاختياري للبنات في الجيش المصري، مثلما هو الحال في جيوش 48 دولة في العالم، من بينها خمس دول عربية هي: سورية وليبيا والعراق والإمارات واليمن. وقد لاقت الحملة قبولاً وتشجيعاً كبيراً من أهل الفن والرياضة والسياسة وقادة القوات المسلحة، بالإضافة إلى الكثير من الجمعيات النسائية، بعد أن تعرفوا إلى أهدافها ومبادئها. ويتم حالياً تجهيز مقرات للحملة في كل محافظات مصر».
وأوضحت الكومي أن الدين لم يمانع تجنيد النساء، «وقد سألنا مجموعة كبيرة من علماء الأزهر، فأكدوا أن لا مانع شرعاً إذا توافرت الضوابط الشرعية. لكن المشكلة الحقيقية هي في العادات والتقاليد التي قد تقف أمام هدفنا وحلمنا في خدمة مصر، لأن المصريات هن الأقوى دائماً».
أضافت: «من حق الفتيات المطالبة بالتجنيد لخدمة الوطن، وخاصةً أن هناك أدواراً رائدة للمرأة في التاريخ المصري. لهذا فإن إلحاق الفتاة بالجيش في الظروف التي تمر بها مصر من إرهاب يمكّن الدولة من التعامل مع الإرهابيات».
وأوضحت أن أعضاء الحملة طلبن لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي، لعرض مطالب الحملة على المراجع السياسية والعسكرية، والحصول على موافقتها لفتح باب التطوع في الجيش المصري للإناث.
وأنهت الكومي كلامها لافتة إلى أن الحملة نظمت أخيراً مؤتمرًا جماهيريًا حاشدًا تحت شعار «تحيا مصر»، لتوضيح فكرة تجنيد الفتيات والرد على المعارضين، وذلك بمناسبة الأسبوع العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وكذلك تنظيم مؤتمرات في الجامعات المصرية. وقد وقّع استمارة القبول حتى الآن آلاف الفتيات والسيدات، والعدد في تزايد يومياً رغم أن عمر الحملة أسابيع معدودة.
مباح بشروط
ترى الدكتورة آمنة نصير، عضو المجلس القومي للمرأة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في الإسكندرية-جامعة الأزهر، أن الحملة «هدفها نبيل وتقدم رسالة قوية للرجال الخونة الذين يتقاعسون في الدفاع عن الوطن، لأي سبب كان، بأن لدى الفتيات انتماء إلى الوطن أكثر من الرجال، لأن الانتماء ونخوة الدفاع عن الوطن لا يرتبطان بالنوع أو الجنس، وإنما ينبعان من عاطفة جياشة وصادقة كتلك التي تملكها النساء».
وأشارت إلى أن دعوة هذه الحملة النسائية تستحق التقدير والاحترام والدرس، خاصة أن التاريخ الإسلامي يؤكد أن النساء من الصحابيات كن يساعدن المجاهدين في الحروب والغزوات، من خلال الطبخ وتطبيب الجرحى. وقد ذكر التاريخ الإسلامي أن الخنساء ونسيبة وخولة وغيرهنّ من الصحابيات شاركن في الحروب بما يستطعنه، رغم أن بعضهن كن كبيرات في السن.
غاية نبيلة
تؤكد الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في القاهرة-جامعة الأزهر، أن هذه الحملة هدفها نبيل وغايتها طيبة.
وتقول: «حتى إذا كنا نعترض على المبدأ الميكيافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»، فإننا نطالب بوضع ضوابط شرعية للمساهمة النسائية في دعم القوات المسلحة، مثلما فعلت الصحابيات اللواتي ضمّدن الجراح وتولّين توفير الماء وإعداد الطعام، مشاركة منهن في الجهاد بما يتناسب مع طباعهن وأنوثتهن، وفي الوقت نفسه بما يوفر الوقت والجهد على الرجال، إذا كان هناك نقص عددي لأي سبب. وقد كان في خروجهن تحميس للرجال على القتال».
وتضيف: «لا مانع شرعاً من تجنيد النساء، بشرط توافر عوامل الأمان لهن بمنع اختلاطهن بالرجال أو الخلوة، والتزامهن بالزي الشرعي للمسلمات منهن، وغض البصر من الرجال والنساء على حد سواء، لقول الله سبحانه وتعالى: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (الآيتان 30-31) سورة «النور».
عند الأزمات الكبرى
تقترح الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات في جامعة الأزهر، أن يكون هذا التجنيد للضرورة وبشكل موقت عند الأزمات الكبرى، وأن يكون في وجود محرم إذا تطلب الأمر غيابها لأكثر من يوم خارج منزلها، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم»، وفي الوقت نفسه، فإن الحساب عند الله على هذه الحملة يتوقف على نية القائمات بها والداعيات إليها، وهذه النية لا يعلمها إلا الله، ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وأضافت: «ورد في كتب التاريخ الإسلامي أن نسيبة بنت كعب بن عمرو خرجت يوم أُحد مع ابنيها عبد الله وحبيب، ابني زيد بن عاصم زوجها الأول، وخرج معها زوجها غزية بن عمرو بن عطية، كما أن الخنساء خرجت مع أبنائها الأربعة من أجل أن تشجعهم على القتال وتنصحهم، وقد سجلت كتب التراث نصيحتها لأبنائها المقاتلين: «يا بني أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعده الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (آية 200) سورة «آل عمران». فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستنصرين، وبالله على أعدائه مسنتصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرب لظاها على سياقها، وجلجلت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالمغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة».
وأنهت غالب كلامها مطالبة بتوفير الصحبة الآمنة من النساء، والقيام بالأعمال المدنية في القوات المسلحة وكل الأعمال الأخرى التي تستطيع أن تعمل فيها المرأة من دون أن تعرّض نفسها للفتنة.
المجامع الفقهية
يؤكد الدكتور سيف رجب قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون في طنطا-جامعة الأزهر، أن الدعوة لنزول المرأة الى الميادين التي تخص الرجال، وخاصة أثناء القتال، أمر خطير على المجتمع، وخاصةً إذا صاحبه اختلاط يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه. ولهذا لا بد من الحذر قدر الإمكان، وأن يكون تجنيدها في أضيق الحدود وفي ظل الضوابط الشرعية، لأن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبة خاصة تختلف تماماً عن تركيبة الرجل. ولهذا فهي مهيأة للقيام بأعمال أخرى لا يستطيع الرجال القيام بها.
وأشار قزامل إلى أنه إذا لم تكن هناك ضرورة لتجنيدها فهو نوع من تداخل المهمات بين الرجال والنساء، وقد حذر الله كلاً من الرجال والنساء بعدم تمني ما في الجنس الآخر من خصائص ومهمات، فقال الله تعالى: «وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» (آية 32) سورة «النساء».
وأنهى كلامه بالمطالبة بعرض اقتراح حملة تجنيد النساء على المجامع الفقهية، لإصدار فتوى شاملة وجامعة حولها وحول ضوابطها الشرعية، لأن في ذلك على الأقل شبهة، وقد أمرنا رسـول الله (صلى الله عـليه وسلم) بالابتعاد عما فيه شبهة، فقال: «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».
مخالف للشرع
يوافقه في الرأي الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية-جامعة الأزهر، فيقول: «في الدعوة إلى تجنيد المرأة، حتى لو بشكل اختياري، نوع من تكليفها بما لا تطيق، حيث إن الجندية والدفاع عن الوطن من عمل الرجال، حتى في الجاهلية قبل الإسلام، ثم جاء الإسلام وأوصى بالحفاظ على كرامتها وعفتها من أن تنتهك من الوحوش والذئاب من الرجال المعادين للجيش، سواء في الحروب الخارجية أو حتى في الاشتباكات الداخلية».
وأشار البري إلى أن الدعوة إلى تجنيد النساء، وإن اختيارياً، تتعارض مع التوصية النبوية الخالدة بالحفاظ على بنات حواء، حين قال (صلى الله عليه وسلم) في أكثر من حديث: «استوصوا بالنساء خيراً»، بل إنه (صلى الله عليه وسلم) كان يوصي جنوده، حيث يرسلهم في الغزوات والفتوحات الإسلامية، ألا يقتلوا الفئات المستضعفة، مثل الأطفال والنساء والشيوخ المسنين ورجال الدين المتعبدين في معابدهم، فكان يقول لجنوده في وداعهم: «انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخاً فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين». ومما سجله التاريخ وصية أبي بكر الصديق لقائد جيشه إلى الشام يزيد بن أبي سفيان: «لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيرًا ولا مريضًا ولا راهبًا، ولا تقطعوا مثمرًا ولا تخربوا عامرًا ولا تذبحوا بعيرًا ولا بقرة إلا لمأكل، ولا تغرقوا نحلاً ولا تحرقوه».
وأنهى البري كلامه مؤكداً أن «الدعوة لتجنيد النساء هي نوع من التقليد الأعمى للغرب، لهذا لا يجوز تقليدهم، لأن المسلمين الحقيقيين لا يجندون النساء مهما كانت الأسباب، ولهذا فإن السماح بتجنيد النساء خطوة من خطوات شياطين الجن والإنس، وقد حذرنا الله تعالي من ذلك فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (آية 21) سورة «النور».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024