الأفلام المرعبة... مشكلات نفسية ورواسب داخلية
المفاجأة والتشويق والإثارة والعنف من أهم العناصر التي يعتمد عليها منتجو الأفلام المرعبة ومخرجوها. وينقسم مشاهدو هذه النوعية من الأفلام في العالم العربي عموماً والسعودية خصوصاً إلى قسمين، إما رافض لها لما تسببه من تشويش وقلق، أو محب وباحث عنها ليكتسب منها الشجاعة. «لها» استطلعت آراء بعض أفراد المجتمع والمختصين النفسيين للتعرف إلى الآثار النفسية والرواسب التي تتركها هذه النوعية من الأفلام.
مريم أفندي: تشغّل العقل لمعرفة الأحداث والبحث في أعماق فكرة الفيلم
«حبي للإثارة والتشويق جعلني أشاهد الأفلام المرعبة دوماً وأحبها»، هذا ما بدأت به مريم أفندي (موظفة في القطاع الخاص) حديثها، وأضافت: «أشعر بأن هذه الأفلام تشغّل العقل لمعرفة الأحداث والبحث والاكتشاف في أعماق فكرة الفيلم. وما زال في عقلي الباطن فيلم «كابوس إلم ستريت» بأكثر من جزء، لأنني أعتبره من ذكريات الطفولة وأول فيلم شاهدته في عالم الأفلام المرعبة».
وأشارت إلى تطور أفكار الأفلام المرعبة عبر الوقت، فأصبح يدخل فيها كل جديد في هذا العالم ليزداد التشويق لدى جميع المشاهدين. وأكدت أن الأشخاص الذين لا يحبون مشاهدة هذه الأفلام عاشوا أحداثاً ومواقف معينة في حياتهم، تسببت لهم بخوف شديد وتركت رواسب في نفوسهم، مشددة على أنها تحرص على مشاعر غيرها حين مشاهدة الأفلام المرعبة، وترضخ لطلبهم حين يرفضون مشاهدتها معها حتى لا تزعج أحداً، ولأنها تبحث عن المتعة وقت المشاهدة، ودائماً ما تردد عليهم أن أحداث الفيلم غير حقيقية ولا تمت إلى الواقع أبداً.
فرح ضناوي: أكثر الأفلام التي ترعبني هي التي تتحدث تفاصيلها عن الجن
وتقول فرح ضناوي (طالبة جامعية): «أكثر الأفلام التي تخيفني هي التي تتحدث عن الجن، لأنني أحلم بها في نومي ويقظتي وأشعر بتأثيرها وبالخوف لفترة طويلة، وإذا اضطررت إلى الجلوس مع أسرتي أو صديقاتي لمشاهدة مثل هذه الأفلام أحاول إشغال نفسي بأي أمر حتى لا أركز على تفاصيل الفيلم».
ونوهت إلى أن الأفلام المرعبة أصبحت مخيفة إلى أبعد الحدود بسبب التقنيات المستخدمة في التصوير، مما يجعل المشاهد يشعر بأنها أحداث حقيقية، ويهلع حين تقع مفاجأة على الشاشة.
ريهام ردنة: تصوير الأفلام المرعبة أقرب إلى الحقيقة
تتفق ريهام ردنة مع مريم (طالبة جامعية) بقولها: «أشعر بأن الأفلام المرعبة مثيرة، واختلفت الأفلام عبر الأزمان وتغيرت الأفكار ووسائل التكنولوجيا مما جعل التصوير اقرب إلى الحقيقة ويمكن العين أن تصدقه، وبخاصة الأفلام المرعبة الدموية».
Paranormal activity أكثر فيلم أعجبني وبخاصة الجزء الأول لأنه كان أقرب إلى الحقيقة. وأنا أرفض تغيير مخططاتي لمشاهدة فيلم مرعب بوجود أحد المتخوفين، وأصر على المشاهدة وعليه إما الرضوخ أو الانسحاب»
سعاد: أكثر ما يخيفني في أفلام الرعب عنصر المفاجأة والقتل بوحشية
تقول سعاد (ربة منزل) : «أكثر ما يخيفني في أفلام الرعب عنصر المفاجأة والقتل بوحشية ولون الدماء، فهذا يشعرني بالقرف والغثيان، ويزيد دقات قلبي ويرفع ضغطي، لذلك أرفض مشاهدتها مهما أصرت عليّ صديقاتي، وأحاول الخروج من الغرفة والهروب إلى غرفتي لأشعر بالأمان».
وفاء أبو هادي: التقدم التكنولوجي في الأفلام المرعبة ينذر بكارثة
تعرض وفاء أبو هادي (إعلامية وكاتبة) رأيها قائلة: «لا أحبذ الأفلام المرعبة لأنها تنعكس سلباً على النفس بعدوانية قد تكون ذاتية أو مع من حولك، ولا أذكر أن هناك فيلماً مرعباً نال إعجابي، بل على العكس إذا شاهدت فيلم رعب فإن نفسيتي تنقلب مئة وثمانين درجة».
وأشارت إلى أن الإنسان بطبيعته الفطرية لا يميل إلى العنف، ولكن إذا عوّد نفسه على العنف، فإنه يكتسب تصرفات قد تؤثر في علاقاته بمن حوله من حيث القسوة الزائدة والبرود العاطفي وسرعة استخدام اليد في أي نقاش، «وأعتقد أن التقدم التكنولوجي له دور كبير، وسهّل رسم مسار أوسع للخيال في مجال أفلام الرعب، وهذا ينذر بكارثة، فالتوسع في هذا المضمار يعني القضاء على الفطرة الإنسانية من باب المسالمة والتعامل بلطف والبعد عن العنف».
ولفتت إلى أن الخوف من هذه الأفلام أمر طبيعي عند الإنسان، لأن العقل والمنطق جبلا النفس البشرية على رؤية كل ما هو لطيف ومسالم، والخروج عن نطاق الفطرة ويحدث هزة داخلية للإنسان فتنعكس عليه في أحلامه أو حتى في تخيلاته عند يقظته.
محمد أبو عوض: أقلق من الرواسب التي تبقى في مخيلتي
«ما زالت مشاهد التعذيب التي شاهدتها في أحد الأفلام راسخة ذهني ولا يمكنني إزالتها»، هذا ما قاله محمد أبو عوض عن مشاهدة الأفلام المرعبة وزاد: «لا أشعر بالخوف من مشاهدتها ولكنني أقلق من الرواسب التي تبقى في مخيلتي، لذلك أتجنب مشاهدتها وحدي أو مع أصدقائي، ولكن إذا أصروا على وجودي، أحاول إشغال نفسي بالجوال حتى ينتهي الفيلم».
وأشار إلى أن أكثر الأفلام التي تترك انطباعاً داخلياً لديه وتزعجه هي التي تتحدث عن الجن، وأكثر فيلم تأثر به هو .The Exorcism of Emily Rose
د. سارة الخضري: تأثير الأفلام المرعبة سلبي وأعمق وأقوى بين الأطفال
أكدت الاختصاصية النفسية الدكتورة سارة الخضري أن الكثير من حالات الخوف الشديد تخضع للعلاج لدى فئة الأطفال، ويكون سببها وسائل الاتصال ومنها مشاهدة الأفلام المرعبة التي لا تناسبهم. فالطفل في مراحل الطفولة المبكرة لا يستطيع أن يشاهد ما يرعبه، حتى إن البعض لا يدرك أن هذا خيال، بل يصدق أنه حقيقة مما يؤثر في نفسيته، حتى يصبح الخوف مرضاً ملازماً له من صغره وجزءاً من شخصيته.
وعن سلبيات الأفلام المرعبة على الأطفال، تقول إن الطفل لا يستطيع النوم ليلاً، ويستمر في البكاء ولا يستطيع الحركة أو القيام إلا بوجود احد أفراد أسرته. فالتأثير يكون سلبياً وأعمق وأقوى في صفوف الأطفال. أما الكبار فمنهم من يرى في هذه الأفلام متعة ومنهم من يخافها ويتجنبها، ولكن الكثير من الأشخاص الكبار تتغير عادات نومهم بعد مشاهدة فيلم مرعب.
ونوهت الخضري إلى أن الأفلام الدموية المرعبة يكون العنف فيها مضاعفاً، فهي خطيرة جداً على الأطفال ومن شأنها أن تزيد العنف والتعود عليه، وعواقبها وخيمة بعد ذلك، منها التقليد والتفكير في هذه المشاهد التي قد لا تفارق خيال الطفل بسهولة.
د. ماجد قنش: القلق والرهاب والتقليد والتوتر من آثار مشاهدة الأفلام المرعبة
أشار استشاري علم النفس والسلوكيات الأسرية الدكتور ماجد قنش إلى أن بعض الآثار النفسية التي يصاب بها مشاهدو الأفلام المرعبة هي «التوتر وبقاء الأعصاب مشدودة باستمرار، والقلق، والرعب، والرهاب، وتوتر عضلات الجسم، واستخدام العنف، وتطبيق بعض الأطفال ما يشاهدونه على أقرانهم وأخوتهم، وأيضاً التسبب بعقد نفسيه لا علاج لها، ناهيك بالأحلام المزعجة نتيجة الخوف والرعب، وقد تصل المشكلة إلى التبول اللاإرادي. وقد يمتنع الشخص عن النوم بمفرده، ويصل الأثر النفسي أحياناً إلى مرض الوسواس القهري. كما أشير هنا إلى أن هذه الأفلام قد تؤثر في مشاهديها مما قد يدفع البعض إلى تطبيق بعض المشاهد التي قد تتسبب بأضرار نفسية وجسدية».
وقال: «هناك أفلام رعب تنتهج أسلوب عنصر المفاجأة، وهذه خطرة أكثر من مشهد الرعب نفسه وهي قد تكون ضارة وقاتلة لمرضى القلب مثلاً، وهناك بعض الأفلام التي تستخدم الجن والتلبس كأداة للرعب فقد تسبب وسواس لمشاهديها. أما أفلام الرعب التي تنتهج أسلوب التمزيق والتقطيع الدموي فقد تؤدي تبلد الأحاسيس وتزيد من نسبة العنف لدى المشاهدين».
وأوضح أن النسبة الأكثر تأثراً هي فئة الأطفال إذ إن هذه المشاهد المرعبة قد تسبب خوفاً مزمناً ورهاباً اجتماعياً، أما فئة المراهقين فالخطر عليها هو التقليد نظراً إلى أن المراهق يريد إثبات رجولته وفرض نفسه على الآخرين.
ونصح أفراد المجتمع بالابتعاد عن كل ما يقلق الذهن والاقتراب من الأفلام الواقعية أو شبه الواقعيه أو الإيحاء الذهني بأن هذه الأفلام ما هي إلا خرافات لا تمت إلى الواقع بصلة.
ونبّه إلى أن هناك بعض السلبيات النفسية التي تحصل عند مشاهدة هذه النوعية من الأفلام كالتقلبات المزاجية الشديدة ورد الفعل العصبي، وسهوله الاستثارة، والتعرض للضغط، والاضطراب النفسي، والإجهاد العصبي، إضافة إلى تأثيرها في جهاز المناعة، والخوف من الأماكن المغلقة والوحدة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024