فتاة تونسية تجابه الصعاب بالألوان وتتحول إلى «مهرّجة» من أجل قوت الحياة
تتقاطع حياتنا يومياً مع أشخاص عدّة وتختلف إيقاعات هؤلاء الأفراد بين السلبي والإيجابي، فالشخص الايجابي هو من يظل عالقاً في الذاكرة لأنه يلهمنا ويزرع في قلوبنا أملاً جديداً.
الصدفة وحدها جعلتني أقابل في يوم ربيعي نوعاً إيجابياً من الأشخاص حين زرت حديقة الحيوانات في العاصمة التونسية. فإذا بفتاة عشرينية تسير أمامي، تلقي التحية على الجميع وتوزع الابتسامات على الأطفال. دخلت مسرعة إلى غرفة تابعة للحديقة وما هي إلّا دقائق معدودة حتى خرجت بلباس مهرج وجلست على كرسي وفتحت حقيبة كبيرة مليئة بالألوان المبهجة وبدأت تصبغ وجهها وتضحك وتبتسم وتغني. ورغم أنني قررت يومها أن أمضي الساعات دون عمل أو حتى مجرد التفكير في العمل، قادني إليها الشغف الصحافي الذي يسكنني. فصورة المهرج في ذهني تعلقت دائماً بالرجل خصوصاً في بلادنا العربية، لكن ماذا إذا كان المهرج إمرأة؟
توجهت إليها وسألتها بعدما عرّفتها بنفسي، هل هذه هي مهنتك؟ قالت لي إنها طالبة في السنة الثانية من المرحلة الجامعية باختصاص تكنولوجيا الكمبيوتر في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية في مدينة سليانة شمال غرب تونس. وأضافت: «أمي وأبي مطلقان منذ ان كنت أبلغ سنتين وكل منهما اختار حياة أخرى وتزوج وتركاني أصارع الحياة وحدي، فقررت أن أكمل دراستي وأصرف على نفسي وبدأت أفكر في مهنة توفر لي مصروفي وفي الوقت ذاته لا تتقاطع مع توقيت دراستي.
لم يأخذ التفكير مني وقتاً طويلاً لأنني طالما أردت أن أسعد الأطفال وأرى الضحكات على وجوههم». تصمت قليلاً ثم تقول: «ربما لأنني حرمت منها في طفولتي لا أعلم، المهم أنني قررت أن أتحول يومياً إلى مهرج أداعب الأطفال وأغني لهم وألتقط معهم الصور».
تقول كوثر النجار التي لم تبلغ بعد السادسة والعشرين: « توجهت إلى بائعي الملابس المستعملة واخترت بدلة مهرج مع حذاء وأنف وشعر مستعار. ومع القليل من الألوان والأصباغ، دخلت عالم التهريج وبدأت أكسب قوتي بعرق جبيني . كل مساء أبحر في الانترنت لأشاهد عروض السيرك العالمي وأركز على حركات المهرج لأحفظها واستنبط أفكاراً تسعد الأطفال وتدخل البهجة إلى قلوبهم الصغيرة.
وفي أحيان كثيرة أتولى قراءة بعض القصص التي تهدف إلى النصح والإرشاد من قبيل عدم إلقاء الفضلات في الشارع، وعدم التحدث مع الغرباء، وعدم استعمال العنف».
تحدثت كوثر الينا بفخر كبير عن مهنتها وأجابت عن سؤالنا عن سلبيات هذه المهنة بقولها إن «الشيء الوحيد الذي بات يضايقني هو مفعول الأصباغ السلبية التي أضعها على وجهي لساعات بحيث تتفاعل سلباً مع أشعة الشمس فتؤذي البشرة، وهو ما يتطلب مني إما العمل في أماكن مغلقة، وهو ما يكرهه الأطفال، أو التقليل من الأصباغ وهذا ما يتنافى مع أبسط أدوات المهرج».
ورفضت اعتبار أن مهنة المهرج خاصة بالرجال: «أصبحت المرأة اليوم موجودة في كل المهن والوظائف تقريباً. صحيح أن نظرة المجتمع إلي عادة ما تكون قاسية لكنني تجاوزت الأمر خصوصاً مع تشجيع خطيبي وزملائي في الدراسة لي. فخطيبي، وهو طبيب أطفال، دائماً ما يقول لي إنه فخور بما صنعته بنفسي». وتضيف: «عادة يجعل ضيق ذات اليد الشخص ينحرف عن المسار الصحيح خصوصاً اذا كانت الشخص الذي يمر في هذا الوضع امرأة. وعلينا أن نستنبط طريقة حياة صحيحة توفر لنا العيش الكريم وأنا من هذا النوع من الأشخاص. أرفض ان أكون عالة على أحد كما أرفض أن أنحرف عن مسار الحياة الطبيعي».
ومن أهم الأدوات التي يجب على المهرج اكتسابها قالت: «الصبر والخيال الواسع والقدرة على فهم الطفل وإدخال البهجة إلى نفسه دون إخافته». وعن مدخولها اليومي توضح أن «المدخول يختلف من يوم إلى آخر ومن مناسبة إلى أخرى فوقت العطل المدرسية يزداد مدخولي اليومي ويتراوح بين 10 و40 دولاراً، أما في الأيام العادية فيمكن أن لا يتعدى المدخول 4 دولارات».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024