تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

خبير الشمّ ومبتكر الجيل الجديد من عطور Guerlain Thierry Wasser تييري واسر...

ها هي دار «غيرلان» Guerlain، أمبراطورية العطور، تدهشنا مرّة جديدة في ابتكار عطر مستوحى من الشرق جمعت توليفته من أثمن أنواع خشب الصندل وأجودها، وأثرتها بعبق العود والورد. فعطر Santal Royal المترف  يعكس سحر الشرق بجماله وغموضه. التقينا خبير الشم  تييري واسر ودار  حوار معطّر بروائح الشرق وغني بتجارب مبتكر الجيل الجديد من عطور غيرلان.

- أخبرنا عن أحدث ابتكاراتك العطرية «سانتال روايال» Santal Royal. لماذا اخترت أن يكون عطراً شرقياً؟
تعززت ثقتي بنفسي بعد النجاح الذي حققته مجموعة العطور الشرقية المترفة Les Deserts D’Orient والتي ابتكرتها قبل سنتين تقريباً خصوصاً عطري: Encens Mythique d’Orient وSonge d’Un Bois d’Ete اللذين أحبهما الناس في الشرق الأوسط. هذا الأمر، جعلني متحمساً لابتكار مزيد من العطور المستوحاة من الشرق لأنني فهمت كيف يفكّر المستهلك، وماذا يتوقع من العطر الذي يتدثر به. وبعد أن كثر الطلب على ابتكار عطر جديد يحمل نفحات الشرق، قررت أن أصنع عطراً أثيرياً معززاً بنفحات الصندل الثمين والنادر. أنا أسافر كثيراً للبحث عن المكوّنات الخام التي أحتاجها لتوليف عطر جديد، فأتنقّل بين الهند، وتونس، وتركيا، وهايتي، وجزيرة جاوا... ومن هذه الأماكن الساحرة أغذي أيضاً مخيلتي الإبداعية. لكن، خلال هذه الأسفار لاحظت أن خشب الصندل نادر جداً والحصول على غلة جيّدة منه يصعب مع مرور الزمن. وبما أننا في دار «غيرلان» Guerlain نعتمد كثيراً على خشب الصندل في عطورنا الكلاسيكية خصوصاً: Jicky،Samsara،

وShalimar قررنا أن نطوّر مشروعاً للحدّ من أي نقص في المستقبل. فقمنا بتطوير شراكة مع مزارعين في بلد آسيوي نبقيه سرّا، يزرعون أجود أنواع خشب الصندل لنا ويحرصون على احترام الطبيعة. المشكلة هي أن أشجار الصندل لا تنمو بسرعة وتحتاج الشجرة إلى أكثر من 15 عاماً لكي تنضج ويصبح بإمكاننا استخراج المكوّن الأساسي الذي نحتاجه لاستخلاص عبق الصندل من قلب جذعها. وبعد أن اطمئننت إلى نجاح مشروع زراعة خشب الصندل الذي سيوفر لنا النوعية المثالية بالجودة المطلوبة لتصنيع عطورنا التي تعتمد على هذه المادة الأولية المترفة، أصبحت قادراً على تحقيق أمنيتي وهي: ابتكار عطر شرقي يرتكز على أترف المكوّنات العطرية وأكثرها ندرة وهو الصندل، وتحقق الحلم من خلال عطر Santal Royal.

- لماذا قررت أن يكون الصندل هو المكوّن النجم لعطرك الجديد رغم نُدرة وجوده وصعوبة الحصول عليه؟
عندما أسافر لجمع المكوّنات الأساسية للعطور التي أعمل على تطويرها، أشعر أحياناً بميل إلى روائح أكثر من غيرها لسبب ما ربما له علاقة بالذكريات، فأقرر أن أكرّم هذه الرائحة من خلال عطر جديد يحمل اسمها. أنا أحمل جعبة من الأفكار العطرية في مخيلتي لا أعرف متى تتحوّل إلى عطر موضّب في قارورة، وفكرة ولادة عطر أساسه الصندل لم تكن جديدة وإنما شعرت بضرورة تنفيذها الآن قبل أن يصبح الحصول على خشب الصندل أكثر صعوبة.

- لمن صمم عطر Santal Royal؟
عطر Santal Royal موّجه للنساء والرجال. هذا  العطر المترف للغاية مصمم لنخبة الذواقة ممن يحبّون اقتناء العطور النفيسة  والمميّزة، ويقدّرون التوليفات الغنية بعبق المكوّنات النادرة.

- ما هي النفحات الأساسية التي يقوم عليها عطر Santal Royal؟
يضم عطر Santal Royal نفحات ذات طابع شرقي-خشبي مغلف بعبق التوابل. تتوّج العطر نغمات مبهجة مصدرها زهرة النيرولي المتألقة تعانقها درجات حيوية ودافئة من القرفة وخلاصة الورد التي تعزز رائحة خشب الصندل في شكل رائع. أما عبق المكوّنات الخشبية المترفة كالمسك، والكهرمان، والجلد، والعود فيضفي على العطر لمسة ترف وأناقة لا مثيل لها. سيكون لمن يتدثر بعطر Santal Royal توقيع مميّز لا يمكن نسيانه بسهولة.

- أنت تبتكر العديد من العطور في سنة واحدة، كيف تحافظ على التجدد والإبداع؟
أنا أشبّه ابتكار العطور بتأليف القصص والروايات لأن لكل عطر قصة، وكما تعلمين أي روائي أو كاتب لا يعرف حدوداً لإبداعاته الأدبية فيطلق لمخيلته العنان كلما أراد، فتسيل القصص الواحدة تلو الأخرى دون تخطيط مسبق لها... الأمر سيّان عندي، فعندما أعمل على توليف العطور لا أفكر، ولا أحصي ما أبتكر بل أتبع إحساسي، وكلما خطرت لي فكرة جديدة أقوم بتنفيذها فوراً. في الواقع، عدد كبير من العطور التي أبتكرها لا تبصر النور عندما لا تحظى على موافقة شاملة من قبل فريق العمل كله. لدي مخيلة خصبة جداً لابتكار عطور جديدة وفريدة  فأنا أشعر كأنني طفل في الثانية عشرة من عمره، لدي شغف البحث والاستطلاع والقيام بتجارب جديدة حتى لو كانت جنونية في بعض الأحيان.

- ما هو الجزء الأصعب في عملك؟
بصراحة، أنا أكره الذهاب إلى المكتب لكنني مجبر على ذلك لأنني أدير فريق عمل ولدي مسؤوليات تجاهه. شخصياً، أفضّل أن أمضي وقتي في المختبر أو المعمل حيث أعمل على توليف العطور، وأشعر كما لو كنت في الجنة عندما أذهب إلى الحقول لجمع المواد الخام التي أحتاجها للعطور التي أصنّعها.

- ماذا تعلمت من دار «غيرلان» لم تكن تعرفه من قبل؟
عملي في «غيرلان» Guerlain  صقل خبرتي في البحث عن المواد الخام و فن تصنيع العطور ما ساهم في جعلي عطّاراً ناضجاً ويمكن التماس ذلك من خلال المقارنة بين العطر الأول الذي ابتكرته للدار وهو Guerlain Homme وبين أحدث عطر وهو L’Homme Ideal فهذا الأخير يكشف كيف تطورّت في مهنتي كعطار بعد أن أنضممت إلى عائلة «غيرلان» Guerlain . وأنا فخور جداً لأن جان بول غيرلان حضنني كإبن، ووثق بي، وعلمني الكثير. قبل أن أنضم إلى «غيرلان» لم أكن أذهب إلى الحقول للبحث عن الموارد العطرية، بل كان هناك فريق عمل للقيام بذلك. أما اليوم فأصبحت أنا الفريق، وهذا الأمر ممتع للغاية ومفيد جداً لعملي كبتكر للعطور.

- أي مكوّن عطري تجد صعوبة في العمل على تطويره أو مزجه مع سائر المكوّنات؟
هناك الكثير من المكوّنات التي تشكل تحدياً كبيراً في استعمالها، وأنا أتجنّبها بكل بساطة.

- وما هي المفضلة لديك؟
أحب الورد خصوصاً البلغاري، وأعشق الفيتيفير (نجيل الهند)، وبعد أن اكتشفت كنوز خشب الصندل وعبقه الأثيري أصبحت مولعاً به لأن هذا المكوّن الأنيق والنفيس يتميّز بنضارة عميقة ذات تأثير قشديّ مترف، وهو مرن جداً إذ أنه يمتزج بحرية وسهولة مع المكوّنات الأخرى خصوصاً التوابل، والدرجات الزهرية، ويضفي عليها لمسة حيوية آسرة.

- أخبرنا أي مكان في العالم يجذبك كعطار ولماذا؟
تجذبني منطقة الشرق الأوسط فالأجواء تعبق بالروائح والطيوب.  أحب أن أزور هذه المنطقة لأن الناس يحبّون العطور، وتاريخياً يبرعون في صناعتها، ويقدّرون الأنواع المترفة منها ويحرصون على اقتناء أجودها. هنا، أشعر بأنني في العالم الذي أنتمي إليه، عالم العطور. وعندما أحتاج إلى جمع المكوّنات الأساسية لأي عطر جديد أختار الهند كمصدر غني لأجود أنواع ياسمين السامباك، الميموزا، الصندل، نجيل الهند، الفانيلا، والتوابل على أنواعها.

- أي عطر من العطور التي ابتكرتها تفضله عن سواه؟
لا يمكنني تفضيل عطر على سواه لأن لكل واحد منها ذكريات خاصة به، ولكنني ربما استمتعت بالعمل على بعض العطور أكثر من غيرها كعطر Cologne du Parfumeur الذي له طابع مختلف تماماً عن  Santal Royal. كما شعرت بمتعة كبيرة بينما كنت أعمل على تطوير عطر Shalimar Parfum Initial.

- أين ترى نفسك في المستقبل؟
في الواقع، لا أجد نفسي إلا في دار Guerlain العريقة لأنها الأفضل في إنتاج العطور. وأنا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هذه الدار بعد أن تبناني جان بول غيرلان.
 

حقائق تاريخية عن خشب الصندل

وصل خشب الصندل إلى الممالك العربية خلال الحقبة التي كان فيها العرب، وهم بحّارة محترفون، أسياد المحيطات وخبراء ومزوّدي البهارات والأخشاب الثمينة، تماماً مثل المسافر العظيم إبن بطوطة الذي قام طوال ثلاثين عاماً بزيارة غالبية العالم الإسلامي المعروف بالإضافة إلى عدد من الأراضي غير الإسلامية. وتضمّنت أسفاره رحلات إلى شمال إفريقيا والقرن الإفريقي وغرب إفريقيا وأوروبا الشرقية في الغرب وصولاً إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا ووسط آسيا وجنوب شرق آسيا والصين. إلاّ أن استخدام خشب الصندل في العطور كان أكثر ندرةً في البداية. جلبه العرب إلى أوروبا خلال العصور الوسطى حيث تمّ في هذه الفترة نقع جلد «كوردوفان» Cordovan الشهير به. ودُمِج منذ ذلك الوقت ضمن لمسات خفيفة في بعض العطور الغنيّة برائحة خشب السنديان والروائح الشرقية أو عدد من العطور الرجالية، ولم يجرِ استخدامه بجرأة حتّى العام 1989 وبلوغ حقبةٍ جديدة مع عطر «سامسارا» Samsara من «غيرلان» Guerlain، وهو عطر أنثوي تمَ تركيبه ببراعة حول خشب الصندل والياسمين.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079