تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

أزمة المراهقة: لماذا كل هذا العنف؟

«لا يحقّ لكما التدخّل بعد الآن في شؤوني فأنا لم أعد ذاك الطفل الصغير». جملة يرددّها معظم المراهقين عندما يسأل الوالد  مثلاً ابنه عن سبب عودته إلى المنزل في ساعة متأخرة. ليس من السهل أن يكون الأهل والدَي مراهق، خصوصًا أن مرحلة العبور إلى عالم الراشدين تصبح يومًا بعد يوم أكثر عنفًا. لماذا لا يفعل إلاّ ما يريد؟ كيف يمكن الأهل مساعدته على تحديد هويته الجديدة؟
يرى اختصاصيو علم نفس المراهقة، أن المراهقة مرحلة صعبة بالنسبة إلى اليافعين، ولكنها ايضًا صعبة على الأهل الذين عليهم إدارة الصراع المستمر بينهم وبين ابنهم أو  ابنتهم المراهقة. ويبدو أن إدارة أزمة المراهق تزداد صعوبة بسبب إزدياد العنف في العالم.
ويعلّل اختصاصيو علم النفس عنف المراهق بالآتي:


صراع رغمًا عنه
تتميّز أزمة المراهقة بالمعارضة، فالمراهق يبحث ويحاول أن يجد مكانته في العائلة وفي المجتمع الذي يعيش فيه. وغالبًا تمر مرحلة البحث هذه بالصراع، وفي المقابل يصعب على الأهل أن يبقوا هادئين في مواجهة مراهق لا يصغي إلى أحد ولا يفعل إلا ما يريد أو ما يمليه عليه تفكيره.
ومع ذلك فإن لهذا التصرف تفسيرًا: إذ يرتبط هذا الإستفزاز الدائم بتناقض المشاعر الذي ينتاب المراهق، فهو يخاف من تخلّي الآخرين عنه وألا يعود أحد يهتم لأمره، وفي الوقت نفسه يخشى أن يؤثر فيه إذا كان موضع اهتمام الآخر.
ورغم أنه يبدو أنه يتعمّد إيجاد مشكلة، فإن المهاترات التي تحصل بينه وبين أهله تؤثر فيه سلبًا مثلما تؤثر في الأهل بل ربما أكثر. ذلك لأن المراهق يكون حسّاسًا جدًا تجاه الصراع الذي يحصل بينه وبين أهله. فهذه الشجارات في الغالب توتّره وتزعجه في أعماق ذاته.

عنيف أكثر فأكثر
ورغم أنّ أزمة المراهقة كانت و لاتزال موجودة منذ زمن بعيد، فإنها تشتدّ مع الوقت ويصعب على المراهقين عبورها بسهولة. فالأحداث المعاصرة تزداد عنفًا، مما يترجم شعورًا متزايدًا بالقلق.
فهل هذا سببه راهنًا أن إيجاد المراهق مكانته في المجتمع أصبحت أكثر تعقيدًا من الماضي! لاحظ عدد من المراقبين الإختصاصيين النفسيين أنّ تزايد التصرفات العنيفة والإضطرابات عند المراهق تترجم الصعاب: الأنوركسيا والبوليميا والتنمّر...
فبحسب الإختصاصيين 15 إلى 20 في المئة المراهقين قد يدخلون في زوبعة المراهقة العنيفة، إذ بعضهم يلجأ إلى العزلة وبعضهم يعبرون عن توترهم وقلقهم بسلوكيات عنيفة، ولحسن الحظ أن المظاهر العنيفة جدًا التي تصل إلى المرض تشكل نسبة ضئيلة جدًا بينهم.

تحدي التربية
النقد والرد على الأهل بطريقة وقحة هي طريقة المراهق للتعبير عن استقلاليته، من المؤكد أنها طريقة محرجة جدًا. فالمراهق يشعر بالغموض حول ما يشعر به، وبالتالي يستعمل التحدي كلغة، وهكذا يضع مسافة بينه وبين أهله فهو يبحث عن استقلاليته مع شعوره بالحاجة إلى الأمان. وبالتالي فالمراهقون الأكثر وقاحة هم الأكثر اتكالية.
ذلك إنّ الوقاحة هي متراس ضد المشاعر المعقّدة التي تجتاح المراهق ووسيلة لتنمية الشعور بهويته الخاصة، فينتقد الأسلوب التربوي الذي يعامله به والداه. فيقول مثلاً: «أريد أن أتكلّم كما يحلو لي، دعوني أعيش حياتي كما اشاء أنا». باستعماله هذه التعابير الرنّانة، وبهذا التحدّي يختبر مقاومة أهله واحترامهم للرموز الأبوية التي غرسوها فيه.

مشاعر متناقضة وعدوانية كامنة
اللغة واللهجة واختيار الكلمات كلها أمور تشكّل جزءًا من رموز التعرف و إشارات إلى انتماء المراهق لمجموعة أو شلّة. بتصرفاته يشحذ رغبته في التماهي وهذه طريقته التي وجدها ليشعر بكيانه خارج إطار الأهل.
وعمومًا ما يريد التعبير عنه مختلف عما يريد قوله، فهو يجد صعوبة في معرفة ماذا يريد وفهم ما يشعر به، فهو لا يجد الكلمات والحجج للدفاع عن وجهة نظره أمام والديه. لذا الوقاحة والعبارات الطنّانة التي تأتيه بسهولة، تجنّبه ترك نفسه خاضعًا لمشاعره وعدوانيته الكامنة. فالأحكام التي يطلقها مثل «أنتم طغاة أو متخلفون» وجمل مدمرة تحدّد الحوارات بين المراهق وأهله بطريقة قاسية.
وأبسط ملاحظة أو توتر  يمكنه أن يفجّر تصرفًا متهوّرًا. وهذه طريقة أيضًا ليطرد العنف الذي في داخله فشتم زميله في المدرسة أو في النادي يسمح غالبًا بتجنب العبور نحو الفعل العنيف أي الضرب مثلاً.

ماذا يفعل الأهل تجاه الوقاحة؟
أن نكون «أهلاً» يعني أن نكون مثالاً: إذًا عليهم الإنتباه إلى لغة الحوار المستعملة في المنزل، فالمراهق يميل إلى نسخ شكل التعابير التي يستعملها الراشدون، معتقدًا أنه بهذا التقليد يظهر أنه أصبح ناضجًا. فالقليل من التحدي في هذه السن مسألة طبيعية، وفي المقابل على الأهل ألا يحاسبوا ابنهم في كل مرة يقول كلمة ليست في محلها، بل عليهم أن يضعوا بعض الحدود على أن يستعملوا كلمة تعجب عندما يتفوّه المراهق بكلمة معيبة، «مثل انتبه إلى لغتك أيها الشاب» ، إذ عليه أن يفهم أنه من المهم أن يراقب نفسه وأن ليس كل شيء مسموحاً أمام أهله.
وبين الأخوة والأصدقاء تُمنع الشتائم والإهانات والعبارة الوقحة، فمن حق المراهق أن يغضب وأن يعبر بحرّية ولكن باحترام ومن دون سفاهة. عليه أن يفهم معنى احترام الآخرين والتسامح، ويزن عباراته، فهل يقبل أن يشتمه أحدهم؟

كيف يمكن السيطرة على أزمة المراهقة وإدارتها؟  
تزداد مهمّة الأهل صعوبة في السيطرة على مرحلة العبور إلى سن الرشد وإدارتها، فمن المؤكد أن كل إنسان سوف يمر بأزمة المراهقة ويواجهها، ولكن بعض النصائح في إمكانها مساعدة الأهل على مساعدة ابنهم المراهق على تخطي هذه الأزمة بسلام.
في البداية على الأهل أن يدركوا أنّ المراهق يعبر أزمة المراهقة بسلام عندما يكون لديه مرجع عائلي صلب ومتحد يصغي إلى همومه، فهم الذين يتماهى بهم المراهق وبالتالي يساهمون في نمو شخصيته وتطوّرها.
إذ يصعب على المراهق التقيد بالقوانين إذا لم يكن الأهل يحترمونها ويلتزمونها، واليوم يلاحظ أن غالبية الأهل يختارون أن يكونوا «الأهل الأصدقاء». كما يمكن توجيه المراهق إلى ممارسة النشاطات الرياضيّة فمن خلالها يمكن تفريغ مكبوتاته بطريقة سليمة. فضلاً عن ضرورة أن يكون الأهل حاضرين للإصغاء إلى ابنهم أو ابنتهم.


ما هي المشكلات الرئيسية التي تنشأ بين الأب وابنه؟

تتأرجح المشكلات بين الآباء والأبناء بين «أب لا يقوم بدوره كما يجب» وبين «أب يقوم بدوره أكثر مما يجب». ففي النوع الأول يمكن وصفه بالأب الغائب عن حياة ابنه. وغيابه هذا يجعل من الابن « طفل أمه» إذا صح التعبير، تعيسًا وغير واثق بنفسه.
وعندما يصبح يافعًا، يشعر بالفراغ فيعبر عنه بتصرفات غير سوية وأحيانًا يشعر بأنه ولد غير مرغوب به.

أما في النوع الثاني، فيكون الوالد سلطويًا وهذا الأمر يجعل العلاقة مع ابنه علاقة خصومة مستمرة. كما يمكن وصفه بالأب الذي يريد لابنه النجاح الباهر كي يشعر بالفخر وأحيانًا يفرض عليه الأمور التي يراها هو مناسبة، كالطبيب الذي يريد ابنه أن يصبح طبيباً مثله مثلاً، أو الأب الذي يبني صداقة مع ابنه ويغفل دوره كوالد.

ومهما كانت المشكلات بين الابن والأب يمكن الأم أن تساعد ابنها على تخطيها، شرط ألا تحاول أن تحل مكان الأب أو تجمّل صورته وتجعلها مثالية. 
فإذا لم يكن للأب دور فعال عليها أن تعرف ذلك وتناقش ابنها كي تحميه إذا لزم الأمر. ولكن في الوقت نفسه عليها أن تتحدث مع ابنها عن الماضي الذي عاشه الوالد وتحاول معه أن تحدّد الأسباب التي تسمح للابن فهم تصرفات والده.
ومن الضروري أن يعرف الطفل أن المشكلات التي يواجهها مع أهله ليس هو سببها بل الأسلوب التربوي الذي نشأوا عليه وأنهم يتصرفون معه بالطريقة التي كان أهلهم يربونهم عليها.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078