في مصر: «سوقي عدل» حملة تتحرش بقيادة المرأة للسيارات
«سوقي عدل»، حملة تهاجم قيادة المرأة للسيارة في مصر، وتحمِّلها أخطاء وكوارث معظم الحوادث، وتبرِّئ الرجل في النهاية من أي مسؤولية، وكأنه نوع جديد من التحرش بالمرأة في قيادة السيارات... فماذا تقول المرأة المصرية عنها؟ وبماذا تدافع عن نفسها؟ وما هي متاعب المرأة في القيادة والتي يتسبب بها أحياناً كثيرة الرجل؟
بدأت تلك الحملة تنتشر في شوارع محافظة الإسكندرية، من خلال لافتات مكتوب عليها «عزيزتي.. المراية للسواقة مش للسبسبة.. سوقي عدل». تلك اللافتات كانت باكورة حملة للحد من حوادث الطرق أعلنت عنها إحدى شركات الإعلان، وعلّقت اللافتات الإرشادية دون التعاون مع هيئة الطرق والكباري المصرية، المعنية بذلك في الأساس، وأثارت ضجة عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي.
من علمكن القيادة؟!
خمسة أعوام من القيادة في طرق مصر وشوارعها أمضتها عبير عبد الوهاب لتسمع يومياً عبارة واحدة: «الله يجازي من علمكن السواقة». تقول عبير إن الرجال يسبون بذلك قيادة النساء ومن كان السبب فيها، ولا يتنبهون إلى أن المخطئ غالباً قد يكون الرجل.
ولأن الرجال على طول الطريق يعترضون على أسلوب قيادة النساء، قررت عبير تأليف كتاب ساخر بعنوان «أبو اللي علمكوا السواقة»، تنتقد فيه ما يحدث على الطريق من الطرفين رجالاً كانوا أو نساء.
وتنتقد بشكل عام أسلوب قيادة المصريين للسيارات، مؤكدة أنه يتخلله الكثير من الأخطاء والكوارث، وتقول: «المصريون بصفة عامة لا يجيدون القيادة، أو بالأحرى لا يتعبون أنفسهم ويمارسون الأسهل، فمثلاً لو رجل وجد شارعاً مخالفاً لاتجاه السير من الممكن أن يوصله أسرع يدخله ويسير به بسرعة، ضارباً عرض الحائط بالحوادث التي من الممكن أن يتسبب بها، لو أن قائد السيارة المقابل له فوجئ به، ولو كانت امرأة سيلقى باللوم عليها ويقال إن النساء لا يجدن القيادة، رغم أن المخطئ الذي خالف قواعد السير رجل».
وتضيف: «إهمال قواعد المرور والاتجاهات أمر يتساوى فيه جميع المصريين، رجالاً ونساء ومؤسسات حكومية، ومن أكثر الكوارث التي أشاهدها هي سيارات الإسعاف، التي تسير عكس الاتجاه، فحتى وإن كان هدفها نبيلاً لإنقاذ حياة مريض فإن ذلك المبرر لا يشفع لاحتمالات الحوادث وإزهاق أرواح بريئة، قد تفاجأ بها على الطريق فلا تحسن التصرف، وهنا نقول إن قائد سيارة الإسعاف دائما ما يكون رجلاً ويتصرف هكذا اعتماداً على ذكوريته في القيادة، لذا أؤكد أن الرجال الأكثر رعونة في القيادة وخسائرهم أكبر في القيادة على عكس النساء».
ورغم انتقاد عبير في كتابها للنساء في ما يخص نظرهن إلى المرآة واستعمالها أثناء القيادة في وضع الماكياج، علماً أنها خصصت للمرآة باباً كاملاً، توضح أن النساء اكتسبن سمعة زائفة في ما يخص عدم قدرتهنّ على القيادة، وزاد من رواج تلك السمعة قبول المجتمع لها دون تفكير فيها.
وتروي: «رأيت ذات مرة رجلاً يضع ملصقا يحث قائد السيارة التي خلفه على السير في حارته المرورية، إلا أنه كان يتنقل من حارة إلى أخرى بسرعة فائقة، غير مراعٍ لما يحث الآخرين عليه، وبالتالي أرى أن حسن القيادة غير مرتبط بالنوع ذكراً أو أنثى، بل نحن كمصريين جميعاً في حاجة إلى غسيل مخ مروري وتعلم للقواعد من جديد». وفي نهاية حديثها تنتقد عبير عبد الوهاب الحملة الإعلانية المهاجمة لقيادة النساء للسيارات، مؤكدة أنها لن تحبطهن، وتقول: «لا أحد يمكنه منعنا من القيادة ولن نتراجع إلى الخلف، لأننا كنساء موجودات في كل المجالات، ولن نعود مرة أخرى إلى عصر الحريم، فالمرأة المصرية لن تستسلم بسهولة ولن تحبس في المنازل».
أخطاء الرجال
إيرين يوسف، أول فتاة مصرية تجمع بين رياضتي سباق قيادة السيارات والدراجات النارية، تؤكد أن عدم المهارة في قيادة السيارات غير مقصور على النساء، فالكثيرون من الرجال يرتكبون أخطاءً فادحة تهدد حياة الآخرين على الطريق.
وتتابع: «ترجع وصمة النساء بفشلهنّ في قيادة السيارات إلى المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه، حيث أخطاء الرجل مغفورة في كل مجالات الحياة، بينما المرأة ترجم إذا وقعت في خطأ أقل من خطأ الرجل».
إيرين أنشأت مدرسة لتعليم النساء قيادة السيارات، وتقول من واقع تجربتها: «غالباً استيعاب المرأة لدرس القيادة أقل من استيعاب الرجل، ويختلف الأمر من امرأة لأخرى، فهناك من تستوعب بعد انتهاء ثمانية دروس، وهناك من تحتاج إلى 20 درساً لتتعلم، لكن النتيجة في النهاية واحدة، جميعهنّ يستوعبن وجميعهنّ يقدن جيدًا. الكارثة أنني كنت أرى الكثيرات محملات بأخطاء وكوارث تعلمنها من الرجال، بسبب تركيزهنّ في القيادة على أسلوب قيادة آبائهنّ أو أزواجهنّ أو إخوتهنّ، منها أخطاء في الرَكن أو سرعة القيادة أو حتى آداب السير في الشارع».
وتتابع: «سخافات الرجال على الطريق السبب الرئيسي لارتباك المرأة أثناء القيادة، فالرجل المتهور في القيادة الذي يسير بسرعة جنونية يصيب بعض النساء بارتباك شديد، وكذلك من يقود بطريقة «الغرز» يخرج من بين السيارات في مسافات ضيقة، فتلك السخافات لا تؤثر سلباً على النساء فقط، بل كبار السن أيضًا، لذا كان من الأفضل أن تكون تلك الحملة المرورية إرشادية للجميع، تحث على آداب القيادة بدلاً من التهكم على النساء».
نظرة دونية
شيري عماد تنتقد حملة «سوقي عدل»، وتؤكد أنها تكرس النظرة الدونية للمرأة في المجتمع. وتقول: «تلك النظرة الدونية نقابلها كنساء بشكل شبه يومي أثناء قيادتنا للسيارات، حيث نقابل شباباً ورجالاً يحتكون بنا على الطريق فقط ليثبتوا لأنفسهم أننا كنساء نخاف، فيقتربون أكثر من السيارة بشكل قد يجعلنا نرتكب حادثاً إن لم تكن المرأة ماهرة في القيادة، لكنني بشكل شخصي عندما أتعرض لهذا الموقف أستطيع التفوق على الرجل وألقنه درساً مفاده أن هناك ماهرات في القيادة».
وتتابع: «حتى سائقو الميكروباصات لا يترفعون عن تلك الاحتكاكات إذا ما رأوا امرأة تقود سيارة، وكل هدفهم بث الرعب في قلوب المرأة، ذات مرة سائق ميكروباص احتك بصديقتي على الطريق وظل يطاردها ويضحك، معتقداً أنها ستخاف، لكن بتمكنها من القيادة وجرأتها أجبرته على الصعود إلى الرصيف، ووقفت بسيارتها أمامه حتى اعتذر لها ثم سمحت له بالانصراف».
ترى شيري أن المشكلة الحقيقية ليست ضعف المرأة في القيادة، وإنما مشكلة أخلاق، فتقول: «جزء كبير من المصريين يفتقد أخلاق القيادة، فهناك من لا يقف لكبار السن، وهناك من يتخذ من قيادته حركات بهلوانية لبث الرعب في نفوس الآخرين، وهناك من ينام أثناء القيادة. وهذا حدث معي شخصياً حين كنت أقود على الطريق الدائري وهو طريق سريع جداً في مصر، وإذا بسائق سيارة نقل كبيرة يصطدم بسيارتي من الخلف ثم اصطدم بالرصيف، كل ذلك في ثوان معدودة، واتضح في ما بعد أن السائق كان نائماً واستيقظ على الحادث، بينما النساء لا ينمن مطلقاً أثناء القيادة مثل الرجال، وبالتالي هنّ الأفضل وليس العكس».
وتضيف: «تعلمت القيادة منذ كان عمري 15 عاماً، أبي كان يحفزني على المذاكرة بتعليمي القيادة، لذا أحزن عندما أرى المستهترين بالقيادة. وأنا مقتنعة بأن الاستهتار سلوك إنساني لا يفرق بين ذكر وأنثى، لذا عندما أرى رجلاً يلعب ألعاباً إلكترونية على الطرق السريعة، مثل الدائري والمحور، أو يفتح فيس بوك من الموبايل وهو يقود، لا ألقي باللوم على كل جنسه مثلما يفعل الرجال معنا، وبناءً عليه أنتقد تلك الحملة بشدة وأراها تعصّباً».
بعيداً عن المنطق
شيماء عادل (30 سنة) مترجمة، تقول: «إذا تحدث المنطق سيرفض إهانة المرأة بتلك الحملة الإعلانية، وسيوجه اللوم والإهانة إلى الرجال بسبب اختراعهم سلوكيات قيادة تعنف النساء اللواتي يقدن بجوارهم في الشارع، وكأنهم يريدون أن يكون الشارع ملكاً لهم فحسب».
وتتابع: «لا نستطيع القول بأن النساء فاشلات في القيادة، فالجيل الجديد، أي من هن في العشرينات والثلاثينات من عمرهن، يقدن باحتراف ومهارة، ورغم ذلك يواجهن سخافات وتحرشات من الرجال أثناء القيادة... رغم أنني أمضيت نصف عمري في القيادة، وأنا الآن أبلغ 30 عاماً، ما زلت أتعرض للتحرشات، ففي مرحلة الجامعة كانت المعاكسات شبيهة بمعاكسات الشارع، فهناك من يتتبع سيارتي بسيارته ليعرف عنوان منزلي، وهناك من كان يقترب أكثر بسيارته ويلقي لي رقم هاتفه. واللافت للنظر أن المعاكسات والتحرشات تتساوى فيها جميع الأعمار، كبار في السن وشباب، وجميع الفئات، سائقي تاكسي أو ميكروباص أو ملاكي».
ترى شيماء أن منظومة القيادة في مصر بحاجة إلى إعادة النظر فيها من جديد، وبحاجة إلى زيادة التثقيف والوعي بمخاطر السلوكيات الخاطئة، ولكن بأسلوب متحضر وليس بأسلوب همجي كما هو حال حملة «سوقي عدل».
عبد الرحمن عليوة: النساء فاشلات في قياة السيارات بسبب خوفهن المستمر
عبد الرحمن عليوة، مؤسس موقع «كورابيا» الرياضي، يرى أن تلك الحملة الإعلانية غير مهينة للمرأة على الإطلاق، ويقول: «النساء في مصر تحديداً فاشلات في قيادة السيارات، ويرجع السبب في ذلك إلى خوفهن وقلقهن الزائد على الطريق أثناء القيادة خصوصاً وقت الزحام». يضيف: «أنا شخصياً أبتعد دائماً عن السير خلف أو بجوار امرأة، فعن تجربة شخصية لا أسلم مطلقاً من حوادث الاحتكاك».
أحمد آدم: أبتعد عن السير خلف أو بجوار سيارة تقودها امرأة
يلتقط أحمد آدم، مخرج صحافي، أطراف الحديث ويقول: «ترتكب النساء أخطاء كارثية على الطريق بسبب إصرارهن على الحديث في الهاتف المحمول، وبسبب الثرثرة مع الراكب بجوارها، بالتالي لا تركز بالقدر الكافي على الطريق، بل يلقين باللوم على الغير ويعتبرنه هو المخطئ، بينما هن لا يخطئن بالمرة». وعن رأيه في الحملة الإعلانية يقول: «لا أراها مهينة للمرأة، لكني أرى أنها كان من الأجدر أن تركز على المحسوبيات والرشاوى في إدارات المرور التي تلجأ إليها الكثير من النساء، فيستخرجن رخص قيادة وهنّ غير مؤهلات لذلك، فالمشكلة ليست نسائية في المقام الأول قدر ما هي مشكلة فساد».
أذى نفسي
من الجانب النفسي، يؤكد الدكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن حملة «سوقي عدل» انعكاس لمشكلة الأنوثة في المجتمع، ومشكلة التعبير عنها في المجال العام، واعتبارها وصمة أو سُبة.
ويوضح: «في هذا الإطار تكون الأنوثة مرفوضة ومدانة في المجال العام، وتأتي تعبيرات كثيرة لتلك الإدانة والرفض، منها التحرش الجنسي أو اللفظي، وكأن المرأة يجب أن تختفي من المجال العام، وإن تواجدت فهي مستهدفة بكل الأشكال، وكأن خروجها من البيت عقاب يجب أن يلحق بها، وبالتالي حملة «سوقي عدل» في هذا الموضع، وكأنها عقاب على تواجد الأنوثة في المجال العام، وكأن الأنوثة سُبة».
ويتابع: «أرحب بأن تكون الحملة بعبارات أو قوانين تطبق على الجميع، لا أن تكون حملة يروج لها على أساس النوع الاجتماعي، ذلك التمييز انتهى من العالم كله، وإذا تمسكنا به سنكون وكأننا نغرد خارج التاريخ ولن نصنع مستقبلاً أو حتى نكون فيه». ويتابع: «بناءً عليه أؤكد مرة أخرى أن تلك الحملة صيغت في إطار كلام ساذج وفي إطار التفاهة العامة، هذه أشياء سخيفة ليس لها معنى ينبغي على كل عاقل التعفف عنها».
ويبيّن أنواع الأذى النفسي الذي تتعرض له المرأة، بقوله: «عندما يصدر للمرأة رسالة بأنها ناقصة عقل ودين طوال الوقت، أو أنها غير مسؤولة عن تصرفاتها، هنا تكرس المرأة حياتها لتثبت العكس، وأنها مثل الرجل فتتحمل المزيد من الضغوط والأعباء، فتشعر بأنها تخرج عن إنسانيتها، أو تظل طوال الوقت تشعر بالنقص وأنها غير جديرة بالكثير من حقوقها».
الدكتورة سامية خضر: غير مقبول أن نعود إلى الوراء ونهاجم قيادة المرأة للسيارات
من جانبها، تهاجم الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع جامعة عين شمس، حملة «سوقي عدل»، وتقول: «عام 1921 كانت لطيفة النادي أول مصرية تقود طائرة، فهل من المعقول أن نعود بالزمن إلى الخلف مرة أخرى؟ هل من المنطقي أن يتحدث البعض الآن عن فشل المرأة في قيادة السيارات؟».
وتضيف: «تلك الحملة بمثابة تراجع للمرأة، وللأسف في الفترة الأخيرة بدأت المرأة المصرية تعاني من تراجع كبير سببه سيطرة الأحزاب الدينية على الدولة لفترة ليست قليلة، وعندما اختلط الدين بالسياسة وحكم المتشددون دينياً، عملوا على انتكاسة وضع المرأة ودعوا إلى انتهاكها، عن طريق المطالبة بتمرير قوانين في مجلس الشعب تدعو إلى زواج القاصرات، وتهميش مشاركة المرأة السياسية، فكانوا يستبدلون صورة المرأة في القوائم الانتخابية بوردة، وكأنهم يرسخون أن المرأة عورة يجب ألا تكون في المجتمع، كما تم تهميش المرأة في مراكز صنع القرار مثل الوزارات والمجالس المحلية».
وتتابع: «بناءً عليه، شهدت المرأة المصرية في الأربع سنوات الأخيرة ردة تاريخية وحقوقية، مما جعل الكثيرين ينساقون خلف ذلك الفكر، ويحاولون بين الحين والآخر سلبها المزيد من مكتسباتها. لكنها صامدة وتدافع عن حقها في المجتمع. ودائماً أقول إن الحقوق تنتزع ولا تمنح، فإن لم تدافع المرأة عن حقها وتعلن رفضها لتلك الردة الحضارية، لن تجد من يمنحها حقها في أي مجال يتم تهميشها فيه».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024