دراسة تحذر من تحوّل مواقع الزواج الإلكتروني إلى مصائد
مواقع «زواج اون لاين» هل هي حقيقة وحلّ لمشكلة العنوسة المنتشرة في البلدان العربية والخليجية أم هي وهم كبير، أو كما يصفها البعض «بيوت محرّمة» تدار عبر الشبكة العنكبوتية، ودائما ضحاياها الباحثات عن الزواج والخائفات من شبح العنوسة؟ أسئلة مشروعة على الجميع طرحها على أنفسهم قبل دخول تلك المواقع الالكترونية، خاصة ان دولة الإمارات حذرت أخيراً من تلك المواقع التي تتخذ من الزواج وحاجة الفتيات إلى الاستقرار وتكوين عش الزوجية ستاراً لأعمال إجرامية.
بدعة وتزييف للحقائق
كشفت دراسة أعدتها إدارة مكافحة الجرائم الالكترونية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الالكترونية بشرطة دبي حقيقة تلك المواقع بعد ورود عدد من البلاغات من فتيات وقعن ضحية لها، ورصدت أعمالها الدوريات الالكترونية التي تفعّلها شرطة دبي على الشبكة العنكبوتية على مدار الساعة.
وتقول الملازم أول حليمة السعدي من الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية ومعدّة الدراسة إن «بعض المشاركين في الدراسة أكدوا أن الزواج عبر الانترنت بدعة ضالة، وخرق للعادات والتقاليد الشرقية والشرعية، وهي فكرة دخيلة تؤدي إلى تزييف الحقائق والوقوع في المعاصي. وتكون احتمالات الخداع والكذب كبيرة لأن كلا من الطرفين يتحدث عن صفات قد لا تكون حقيقية، وتبدأ في البداية من باب اللهو واللعب والتسلية لتنقلب إلى الجد فيكتشف كلا الطرفين لاحقا انه أصبح ضحية للآخر».
وأوضحت أنه «من خلال القضايا الواردة تبيّن أن مواقع الزواج على الشبكة العنكبوتية ليست إلا مواقع تعارف بين الجنسين، وهناك نحو52 بلاغاً وردت عام 2011 من بينها بلاغات تهديد وابتزاز وصور وطلب مال لبعض من تواصلن مع تلك المواقع الوهمية. وكشفت البلاغات الواردة أن بعض مواقع الزواج الالكترونية ما هي إلا ستار لأعمال الدعارة التي تبدأ بتعارف وتنتهي بالتحريض على كسب المال عبر العمل في الدعارة، خاصة ان البعض منها ينشأ بلا ترخيص قانوني، وبعد أن تقوم الفتاة بتعبئة الاستمارة الخاصة بها على الموقع تُستغل المعلومات ضدها بشكل لافت، إلا إذا كانت معلومات مزيفة».
وأكدت السعدي أن بعض تلك المواقع تسعى إلى الحصول على المال دون وجه حق، وبعض مستخدميها انتهى بهم الأمر إلى إقامة علاقات غير مشروعة لأن البعض يستغل الفتيات بوهم الزواج، مشيرة إلى ضبط عدد من قضايا الدعارة التي استخدمت تلك المواقع لاستدراج الضحايا، ومنها قضية آسيوي كان يعيش في إحدى مدن الإمارات، وكان يروج لثلاث نسوة على إنهن من المقيمات في دبي بهدف استدراج راغبي المتعة عن طريق أرقام هواتفهن. وفي قضية أخرى سحبت صور لفتيات كن يستخدمن تلك المواقع ونُشر بعضها في مواقع إباحية. وفي قضية ثالثة تعرضت فتيات للابتزاز والتهديد بفضحهن نتيجة استخدامهن لتلك المواقع.
آراء رافضة
واستطلعت الدراسة آراء عدد من المختصين حول مواقع الزواج الالكتروني، فأكد سيف الجابري مدير إدارة البحوث في دائرة الشؤون الإسلامية والمأذون الشرعي أن 90 في المئة من زواج الانترنت هو زواج فاشل، وهو زواج يقبل لحاجة معينة، ونادرا ما يستمر.
أما عبد العزيز الحمادي الموجه الأسري الأول في محاكم دبي فيقول إن 95 في المئة من مواقع الزواج الالكتروني هي للتعارف والتسلية بغرض الربح المادي، مشيرا إلى انه ضد تلك المواقع لأنها وهمية كاذبة ولا تتوافق وعادات المجتمع الخليجي وتقاليده.
أما وداد لوتاه المستشارة الأسرية في هيئة تنمية المجتمع فترفض الزواج عن طريق المواقع الالكترونية لأنه يفتقر إلى أمور كثيرة، وأهمها معرفة كل طرف لمواصفات الطرف الأخر لأن الصورة الشخصية لا تغني عن أهمية التعارف.
وأشارت إلى مشروع «بناء» الذي تتبناه هيئة تنمية المجتمع لتزويج المواطنين والمواطنات أبناء الإمارات منذ أشهر، والذي يعتمد على أهمية التقاء الطرفين قبل الارتباط للتعرف على الصفات والمواصفات، وذلك تحت مظلة الهيئة.
المأذون الالكتروني
وفي تقويم لاستخدام الانترنت في إتمام عقود الزواج، أشارت الدراسة إلى أقوال بعض فقهاء الدين الذين أكدوا أن المواجهة الصريحة بين طرفي العلاقة الزوجية أمر مهم، مع وجود الشهود، ولابد من القبول والإيجاب، وهو ما يفتقر إليه الزواج الالكتروني. وقال الفقهاء إن تحرير عقود زواج عبر الانترنت أيضا كارثة حقيقية لان الأمر برمته يكون خارج إطار المراقبة الاجتماعية والشرعية والضبط القانوني، كما أن فكرة وجود مأذون الكتروني تفتح مجالاً واسعاً للتلاعب وضياع الحقوق، وعدم توثيق العقود.
وبناء على تلك الدراسة، حذرت الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في دبي في تصريح لمديرها العميد خليل ابراهيم المنصوري من تحوّل بعض المواقع الالكترونية المتخصصة في التزويج وتقديم معلومات وافية عن الراغبين في الزواج، إلى «مصائد للإيقاع بالفتيات اللواتي يعانين من تأخر سن الزواج, ليكتشفن لاحقا أنهن وقعن في فخ الابتزاز».
وأكد المنصوري أن تلك المواقع تستهدف بشكل خاص فتيات المدارس والكليات والجامعات، وذلك عبر إيهامهن بأن تلك المواقع المتنوعة بالأشكال والأنواع والعناوين والمسميات قد تؤدي إلى تكوين علاقات تنتهي بالزواج واختيار شريك الحياة الأمثل، إلا أنها في الحقيقة أصبحت مواقع متخصصة في الابتزاز والنصب والاحتيال.
وشدد على أن الإدارة العامة للتحريات أولت الجرائم الالكترونية اهتماماً كبيراً وأنشأت إدارة المباحث الالكترونية لمواكبة التطور التكنولوجي على مستوى العالم، مبيناً أنها تتعامل مع كل البلاغات بسرية تامة، خاصة في كل ما يتعلق بالفتيات والمرأة والطفل وذلك حفاظاً على السمعة. وأوضح أن الإدارة رصدت حوادث عدة أمكن كشف مرتكبيها سواء داخل الإمارات أو خارجها وذلك عبر التعاون الدولي.
غير قانونية
من جانبه قال العقيد سالم خليفة الرميثي نائب مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية لشؤون البحث والتحري، إن المواقع الالكترونية التي تدعي توفير الزواج للراغبات هي مواقع غير قانونية، و لا تخضع للرقابة من الجهات المختصة في الدولة، بل تشكل تهديداً لأفراد المجتمع عامة، والمرأة والطفل خاصة.
وفي السياق نفسه، قال المقدم سعيد الهاجري مدير إدارة المباحث الإلكترونية إن الدراسة التي أعدتها الباحثة حليمة السعدي من واقع البلاغات الواردة أثمرت نتائج جيدة، مؤكدا أن دولة الإمارات العربية المتحدة سباقة في محاربة الجرائم الإلكترونية.
وأضاف أن شرطة دبي تولي هذه الجرائم اهتماماً ملحوظاً، وأن هناك العديد من خبراء الأدلة الإلكترونية سبق لهم رصد عدد من القضايا التي تجرم أصحاب الحسابات في مواقع الانترنت بأنواعها، كما ضبط بعض القائمين على تلك المواقع سواء محلياً أو عبر التعاون الدولي، وأُغلقت تلك المواقع.
توصيات
ودعت الدراسة في توصياتها أفراد المجتمع إلى عدم الانسياق وراء هذه المواقع الالكترونية الوهمية، وعدم قيام الفتيات أو النسوة بإعطاء الثقة للغير عن طريق إرسال الصور أو البوح بأي معلومات عنهن أو عائلاتهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، حتى لا يكنّ ضحايا لهذه المواقع الإجرامية.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024