بين جمهور متلقٍ ومخرج مستثمر الممثل رهينة التكرار
لم يعد الممثل بعيداً عن حياتنا اليومية، ولا بالنسبة إلى أولئك الذين يتابعون الأفلام والمسلسلات باستمرار. وبات يُخيّل إلى البعض أن الشخصية التي يؤديها الفنان ما هي إلا شخصيته الحقيقية التي يحبه فيها، وبالتالي لن يتقبل المشاهد شخصية أخرى يرفض أن يرى نجمه المفضل يؤديها. هذا من ناحية «الجمهور المتلقي» على نحو ما وصفه المخرج سمير حبشي، ولكن ما يمكن أن يؤدي إلى فشل الممثل وتراجعه هو تكرار الدور الذي نجح فيه من دون أن يطوره أو يبدع في تقديمه بشكل متجدد، الأمر الذي لفت إليه الممثل والناقد جوزيف بو نصار. نشير في هذا التحقيق إلى بعض الأدوار التي صبغت بعض الممثلين ولم يستطيعوا الخروج من عباءتها، بالإضافة إلى آراء بعض النقاد والفنانين.
نجوم لعبوا أدواراً تلبّستهم
عُرف الممثل الراحل رشدي أباظة بوسامته وزيجاته المتعددة، وهو رغم مرور سنوات على رحيله لا يزال فتى أحلام الكثير من الفتيات، وحتى الآن لم يستطع أي من نجوم الجيل الجديد أن يحل مكانه ولا سيما في دور «الدون جوان».
من ناحيتها، اشتهرت الممثلة المصرية هند رستم بأدوار الإغراء، وأُطلقت عليها ألقاب عدة منها «ملكة الإغراء» و«مارلين مونرو الشرق» لشبهها الظاهر بالممثلة مارلين مونرو ذات الشعر الأشقر. اعتزلت الفن عام 1979 نهائياً حتى وفاتها في 8 آب (أغسطس) 2011 إثر أزمة قلبية حادة.
هو الرومانسي وفتى الشاشة العربية، جمع أحمد رمزي الممثل المصري الراحل بأدواره صفات الشاب الوسيم الخفيف الظل والشجاع. ولعل الشجاعة والقوة إلى جانب الكاريزما القوية من الصفات التي يتميز بها أيضاً الممثل أحمد السقا الذي يؤدي دائماً دور الرجل الشجاع والمقدام والذي لا يهاب الموت، ومعظم أفلامه تجمع بين التشويق والمغامرة إلى جانب الرومانسية (ابراهيم الأبيض، مافيا، تيتو، حرب أطاليا، الديلر). والشقاوة أيضاً إلى جانب الرومانسية الفائضة صفتان تتسم بهما شخصية الفنان تامر حسني، ولعل الممثلين الثلاثة متشابهون في شخصياتهم، على الرغم من أن لقب «فتى الشاشة العربية» لم يُطلق إلا على أحمد رمزي.
أخيراً وبعد أدائه دور الزوج المخدوع في كل من مسلسلي «لعبة الموت» و«لو»، يتساءل كثر هل سيتحول الممثل السوري عابد فهد إلى أداء دور الرجل المخدوع في أعماله المقبلة؟ علماً أن فهد وفي تصريح خاص لـ «لها»، أكد أنه لن يكرر نفسه.
بعد نجاحها في الأدوار الكوميدية، ولا سيما مسلسل «عايزة اتجوز» تحولت أعمال هند صبري إلى الكوميديا بعدما كانت معظم أدوارها تتسم بالجدية، وكان أخيراً المسلسل الذي عُرض في شهر رمضان «امبراطورية مين؟». وعلى الخطى نفسها سارت أعمال الفنانة ياسمين عبدالعزيز التي جمعت بين الكوميديا والقوة البعيدة عن استثمار الأنوثة والجمال، فكانت أدوارها تمزج بين الكوميديا والقوة، وهذا ما كررته الممثلة مي عز الدين في عدد كبير من أدوارها إلى جانب الرومانسية.
أما «خالتي فرنسا» فهو اللقب الذي أُطلق على الممثلة المصرية الكوميدية عبلة كامل التي ارتدت دور الوالدة القوية والشجاعة إلى جانب الكوميديا الخفيفة، ولا سيما إلى جانب اللمبي وهي الشخصية التي ارتداها الممثل محمد سعد ولازمته فأصبح من الصعب أن يخرج منها أو أن يصدقه المشاهد بعيداً عن شخصية اللمبي. وتمتاز شخصيات أفلامه بالغرابة في النطق وانتمائها إلى الطبقات الشعبية، وتحصد أفلامه أعلى الإيرادات في شباك التذاكر المصري.
إنها المرأة المحبوبة دائماً من كل رجال العمل، هي الصفة العامة التي اتسمت بها أعمال النجمة اللبنانية سيرين عبدالنور، علماً أن أدوارها موزعة بين الخير والشر (روبي) والقوة والظلم (لعبة الموت).
أما أدوار الشر فكانت من نصيب عدد من الممثلين الذين أتقنوا لعبها، حتى أننا لم نعد نصدق أن ما يقومون به بعيد عن شخصيتهم، وهذا ما أصاب الممثل الراحل توفيق الدقن الذي لعب دور اللص والبلطجي والسكير إلى درجة أن بسطاء الناس كانوا يصدقونه في ما يفعله ويكرهونه بسبب تلك الأدوار. وقد توفيت والدته التي قدمت من صعيد مصر، للعلاج بعد أن اعتقدت أنه بالفعل شرير ولص وسكير، كما نعته أحد الناس المهووسين بشخصيات الأفلام أثناء سيرهم بسيارته في الطريق العام، ولم يستطع أن يشرح له أن هذا مجرد تمثيل، وكانت والدته حينها تجلس بجواره وماتت قهراً بعد أن اعتقدت أن ابنها الوحيد بهذه المواصفات. وعندما سكن للمرة الأولى في العباسية ذهب ليشتري لحماً من دكان جزار، فطارده الجزار بالساطور لأنه لا يسمح للصوص بدخول محله. ومن أشرار السينما المصرية أيضاً الممثل محمود المليجي الذي أجادها بشكل بارع، كما تميز بأدوار رئيس العصابة الخفي والطبيب النفسي. وهي الأدوار التي أتقنها أيضاً الشرير عادل أدهم.
لطالما ظهرت الفنانة القديرة أمينة رزق بدور الأم المتزنة التي تراعي التقاليد وتلوم أبناءها إذا خرجوا عن الأصول أو حدود اللياقة، حتى في أدوارها الكوميدية، فكانت مثالاً للمرأة الجادة، وأجمع المقربون منها على أن شخصيتها الحقيقية لم تختلف كثيراً عن أدوارها الفنية.
فاتن حموي: نيللي كريم أبدعت في أدوارها الثلاثة
تعتبر الصحافية والناقدة فاتن حموي أن نجاح الممثل بدور يؤديه أكثر من مرة، سيف ذو حدين. اذ إن بعض المنتجين أو المخرجين يستسهلون العمل مع ممثل برع في دور معين، لذلك يلجأون إلى العمل معه في دور مماثل لدور سابق له. مثلاً عابد فهد عندما برع بأداء الرجل المخدوع في «لعبة الموت» عاد وكرر نفسه في «لو»، لكن الدور لم يكن بقوة الدور الذي لعبه سابقا، الأمر الذي شكّل له تراجعاً وهو ما أشار إليه في أكثر من مقابلة، علماً أن دوره في مسلسل «قلم حمرة» كان رائعاً، لكن لم يتم تسليط الضوء عليه. وتضيف: «الممثل الحقيقي هو الذي نراه في أكثر من دور، كرجل المافيا أو المريض أو المخدوع أو العاشق، حتى إن الجمهور يلعب دوراً كبيراً في حصر الممثل بدور ما، عندما يحب الجمهور الممثل بدور برع في تأديته ووصل فيه إلى القمة لن يتقبله بدور آخر. والمسؤولية هنا تقع على عاتق الممثل الذي يقع فريسة التكرار من دون أن يطوّر في طبيعة الأدوار. مثلاً نيللي كريم لعبت في مسلسل «سرايا عابدين» شخصيتين مختلفتين وفي «سجن النساء» شخصية مغايرة لهما وبرعت بالأدوار الثلاثة، لذلك على الممثل أن يعرف ماذا يختار».
سمير حبشي: جمهورنا متلقٍ «على التقيل»
يرى المخرج اللبناني سمير حبشي أنه لا يوجد تأثير إيجابي أو سلبي بالمطلق في طبيعة الدور الذي يؤديه الممثل. إذ يعتبر أن بعض الممثلين يملكون شخصية تليق بالأدوار التي تسند إليهم، من هنا يتم اختيارهم، أما البعض الآخر فتسند إليهم أدوارٌ يؤدونها بالصدفة. وهناك ممثلون يفصلون بين كل دور يؤدونه وهؤلاء هم الممثلون البارعون. ورداً على سؤال حول استسهال المخرج اختيار ممثل ناجح بدور معين، يقول حبشي: «ليس استسهالاً ولكن أحياناً يشبه الدور المرجو ممثلاً معيناً، أو ممثلة معينة في الشكل وطريقة التصرف، ومن هنا يتم اختيار الممثل للدور المعني. ولكن ربما يبرع أحد الممثلين بدور لا يشبه أدواره السابقة ويلمع به». وعن الجمهور وتأثره بشخصية معينة، يعتبر أنه يتقبل كل شيء ولا يحاسب أو يحكم بين العمل الصالح والسيئ أو الممثل الناجح والفاشل، فهو جمهور متلقٍ «على التقيل». ويلفت إلى أن عدم المحاسبة يقوّض الحياة الفنية ويجمد تطورها، ذلك أننا في دول العالم الثالث ولا يوجد لدينا وعي اجتماعي. ويضيف: «نشر الوعي ليس مسؤولية المخرجين والفنانين فحسب، بل هو مسؤولية المجتمع بأكمله. والتطور الفني يتزامن مع التطور الإقتصادي والسياسي والطبي والاتصالات. فالتطور حتمي ولكنه يسير ببطء في مجتمعاتنا».
جوزيف بو نصار: تكرار الدور وتطويره يتحولان تخصصاً عند الممثل
عندما يصطبغ الممثل بدور معين يمكن أن يكون تأثيره سلبياً أو ايجابياً وفق الحالة، هذا ما أشار إليه الممثل والناقد جوزيف بو نصار. ويفند: «من الناحية الإيجابية يتخصص الممثل بدور معين أو بكيفية تسييره للدور وخصوصاً إذا عرف كيف يطوره، وبالتالي يحصد مردوداً جماهيرياً ومردوداً مادياً، وعليه بعض الممثلين يستسلمون لهذه الأدوار ويحبذونها وهذا واقع حصل مع كثير من الممثلين أمثال، «شوشو» الشخصية اللبنانية الكوميدية أو الفنان الكوميدي الراحل نبيه أبو الحسن، الذي تخصص بأدوار كوميدية». ويضيف: «لكن الممثل المبدع يتقدم بهذه الشخصية كالممثل البريطاني تشارلي شابلن الذي لم يغير في شخصيته، لكن في معظم أفلامه كان متجدداً ومطوراً للقصة ولمفهوم الشخصية التي يلعبها».
أما من الناحية السلبية فيقول بو نصار: «إذا لم يكن الفنان متمرساً ويملك ثقافةً وإبداعاً في تطوير الشخصية التي يؤديها باستمرار فسيكرر بالتالي نفسه وتحد هذه الشخصية من طموحاته وتطوره ومن متعته في العمل، فالتمثيل هو نوع من الاكتفاء الذاتي». ورداً على سؤال عن عدد من الممثلين الذين كرروا أنفسهم أخيراً في بعض الأعمال، قال: «تحدثت عن أشخاص حددوا هويتهم الفنية وبالتالي أصبح بإمكاننا تقويم تجربتهم، لا يمكنني أن أحكم على عابد فهد أو يوسف الخال أو نادين نجيم بعد مشاهدتهم في مسلسلين يشبهان بعضهما، ولكن علينا أن نحكم على باقة أعمال مرّ عليها زمن طويل، لأننا لن نخرج بنتيجة إذا تحدثنا عن فترة قصيرة». ويتابع: «برأيي الشطارة والذكاء عند الممثل هما المعيار، فكما ذكرت آنفاً أن شابلن لعب طوال حياته الدور نفسه ولم نمل منه وهناك أسماء كثيرة لعبت أدواراً متشابهة في عملين متتاليين أو أكثر، وجدنا أن أداءها خفت في العمل الثاني وأقل منه في العمل الثالث، الأمر الذي قد يؤدي إلى فشل مسيرة الممثل الفنية».
عبده وازن: التحدي الكبير يستند إلى تطوير الدور نفسه
اعتبر الناقد الأدبي والفني والأديب عبده وازن أنه قد يكون من المجحف بحق الممثل أن يرتبط بشخصية معينة تتلبسه ويصبح قريناً لها. هذه الثنائية تسيء إلى مسيرته أولاً كممثل صاحب حضور، ثم إليه شخصياً، فتحصر موهبته بما يُسمى «الكاراكتير» الواحد. ويضيف وازن: «من المعروف أن الممثل القدير هو الذي يستطيع أن يؤدي كل الأدوار، حتى التي تتنافى مع شخصيته وتختلف عنها. هناك ممثلون تلبستهم شخصية محددة، وأود هنا أن أشير إلى فريد شوقي الممثل الكبير، الذي نجح في أداء دور الشرير. لكن هذا النجاح جعله أسير نمط واحد أو ما يُسمى «ستيريو تايب»، وهذا أمر ممنوع في معاهد السينما العالمية ولا سيما في Actors studio الذي خرّج ويخرّج كبار الممثلين في أميركا». ويتابع: «دريد لحّام مثلاً وقع أسير شخصية غوّار ولم يستطع أن يتخلص منها نهائياً حتى في المسلسلات الأخيرة. لقد وسمته هذه الشخصية التي أدّاها ببراعة فائقة. بالإضافة إلى الممثل البريطاني بيتر سيلرز في شخصية «الفهد الزهري» Pink Panther إذ عُرف بهذه الشخصية وحركاتها. على رغم هذا عرف كيف يطوّرها ويبدل في أدائها. وهنا التحدي الكبير».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024