تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

بسبب المأذونة: الزواج باطل والأولاد غير شرعيين!

د. آمنة نصر

د. آمنة نصر

د. محمد عبد المنعم البري

د. محمد عبد المنعم البري

الشيخ اسلام عامر

الشيخ اسلام عامر

أمل سليمان عفيفي

أمل سليمان عفيفي

تهاني الجبالي

تهاني الجبالي

د. عباس شومان

د. عباس شومان

د. سعاد صالح

د. سعاد صالح

د.عبد الحي عزب

د.عبد الحي عزب

د.علي جمعة

د.علي جمعة

«الزواج باطل والأولاد غير شرعيين»، هذه هي النتيجة الغريبة التي خلص إليها نقيب المأذونين في مصر الشيخ إسلام عامر في حال عقدت الزواج مأذونة امرأة. فقد أفتى أخيراً أنه لا يصح شرعاً أن تتولى امرأة وظيفة مأذون، وأن كل ما تقوم به يعد باطلاً. فماذا يقول علماء الدين عن تلك الفتوى المثيرة للجدل؟

أعلن الشيخ إسلام عامر، في حواره في برنامج «الحياة اليوم» على قناة «الحياة» الفضائية، أن تعيين المرأة مأذونة لعقد القران أو الزواج مخالف للشريعة الإسلامية جملة وتفصيلاً.

وأوضح نقيب المأذونين أن عقد النكاح يعتبر من أقدس العقود عند الله، لذلك يجب أن يقوم على عقده رجل كامل العقل، لا يعتريه ما يعتري المرأة من أعراض الحيض والنفاس، والتي تترتب عليها أحكام شرعية، منها عدم دخول المساجد التي من المعروف أن غالبية عقود الزواج تتم الآن فيها.

وأشار إلى أن أهم العقود في الشريعة الإسلامية هي عقود النبوة والزواج، ولهذا قال الله تعالى في ميثاق النبوة التي قصّرها على الرجال دون النساء: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ  وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» (آية 7) سورة «الأحزاب»، وفي ميثاق الزواج قال الله تعالى: «وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» (آية 21) سورة «النساء».

وأكد الشيخ إسلام عامر، أن ما بني على باطل فهو باطل، وبالتالي فإن ما تعقده المأذونة من عقود زواج يكون باطلاً شرعاً، وما يثمره الزواج من أبناء يكونون غير شرعيين ليس لهم ذنب إلا أن والدهم ووالدتهم ذهبا إلى مأذونة لا يعترف الشرع بعملها، وسمحا لها بعقد ما يتصورونه زواجاً شرعياً.  

فتوى مرفوضة

عارض الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، ما أفتى به نقيب المأذونين، قائلاً: «هذه القضية الجدلية المستحدثة أصدرت فيها فتوى أكدت أن الفقهاء ذهبوا إلى أن للحاكم أن يزوج بدلاً من الولي عند فقده أو غيابه، حتى قالوا: «الحاكم ولي من لا وليّ لـه»، ومعلوم أن المأذون إنما قد أُذن من الحاكم- ولي الأمر أو القاضي- فهو يقـوم مقامـه، وبذلك لا يقتصر عمل المأذون على التوثيق فقط، بل يمتد في بعض الأحيان إلى بعض أعمال الولاية، وأبني رأيي على أن أصل الاعتماد في مصر لضبط الأحوال الشخصية وأحكامها الشرعية مبني على الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، وفي ذلك الفقه للمرأة الرشيدة أن تزوج نفسها وأن تزوج غيرها وأن توكَّل في النكاح، لأن التزويج خالص حقها، وهي عندهم من أهل المباشرة كبيعها وباقي تصرفاتها المالية، وذلك لأن الله أضاف النكاح والفعل إليهن».

 وفصَّل جمعة أدلته الشرعية، مؤكداً أن ما سبق يدل على صحة عبارتهن ونفاذها في قوله تعالى: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (آية 234) سورة «البقرة»، وفي قولـه تعالى: «فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ» آية 232 سورة «البقرة»، وفي قوله تعالى: «حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ» (آية 230) سورة «البقرة»، وفي قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «الأيِّم أحق بنفسها من وليها»، وكذلك ما أخرجـه البخاري: «أن خَنْسَاء بنت خِذَام أنكحها أبوها وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم»، وما روي من أن امرأة زوجت بنتها برضاها فجاء الأولياء فخاصموها إلى الإمام علي رضى الله عنه فأجاز النكاح، وما روي من أن عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير.

وأضاف: «ما دامت للمرأة في ذلك الفقه الولاية على نفسها وعلى غيرها، فيجوز أن يأذن لها القاضي بإنشاء عقد النكاح إذا احتاج إليها كولي، ومن باب أولى أن يأذن لها بتوثيقه، لأن التوثيق يرجع إلى العدالة والمعرفة، وهما يتوافران في المرأة العدل العارفة، وهذا من قبيل الحكم الشرعي، على أنه ينبغي لولي الأمر، إذا أراد أن يُصدر قانوناً بذلك الحكم الشرعي، أن يراعي ملاءمة ذلك للواقع المعيش بنواحيه المختلفة بحساب المنافع والمضار التي تترتب على ذلك».

حلال شرعاً

 يؤكد الدكتور عبد الحي عزب، رئيس جامعة الأزهر، أن الأصل الشرعي في عمل المرأة الإباحة مثل الرجل تماماً، طالما أن العمل شريف وليست فيه مخالفة للشرع، وبالتالي فإن عمل المرأة مأذونة حلال شرعاً، خصوصاً أن العمل الرئيسي  للمأذون بصرف النظر عن جنسه- مجرد توثيق عقود النكاح التي أبرمت من قبل، سواء أبرمها هو أو غيره.

وأوضح أن الادعاء بأن ما تعقده المأذونة من عقود زواج مخالف للشرع أمر غير منطقي، ولم يثبت به دليل شرعي واحد، وبالتالي فإن هذا العقد صحيح شرعاً طالما كان الزواج أصلاً مكتمل الشروط والأركان، ومن ثم تكون ثمرته أبناء شرعيين ينسبون إلى آبائهم وأمهاتهم من دون أي مخالفات شرعية.

المهم الكفاءة

يرى الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، أن عمل المرأة مأذونة جائز شرعاً، وليس هناك ما يمنع من أن تباشر المرأة عقد الزواج للمتزوجين، بشرط أن تكون على دراية تامة بما يتطلبه العقد من صيغة شرعية.

ويقول: «عمل المرأة مأذونة شرعية وظيفة مثل أي وظيفة أخرى، تتساوى فيها النساء مع الرجال، وليست هذه الوظيفة من الولايات العامة، لأن كل ما يقوم به المأذون بصرف النظر عن جنسه هو كتابة العقد وتوثيقه في المحكمة التي تتعامل معه باعتباره تابعاً لوزارة العدل».

 وأنهى شومان كلامه مؤكداً أن عمل المرأة مأذونة ليس فيه أي مخالفة شرعية، وإنما جرت العادة على أن الذي يقوم بعمل المأذون هو الرجل، لكن هذه العادة لا تحول دون قيام المرأة بهذه الوظيفة، طالما كانت مؤهلة لها وقادرة على القيام بها مثل الرجل تماماً.  

محاذير شرعية

ترى مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، أن وظيفة المأذون بصرف النظر عن جنسهعبارة عن موثق وكاتب وملقن لصيغة العقد للقائمين عليه أو للوكلاء عن الزوجين، وبالتالي لا توجد محاذير شرعية لعمل المرأة مأذونة شرعية، وكل ما يتطلبه القيام بعمل المأذونة هو الأمانة ومعرفة الصيغة الشرعية لعقد الزواج، ويمكن أن تكتب العقد في مكان مستقل في المسجد أو في مكتب خاص بها، ويتولى الإشهار أحد العلماء بالنيابة عنها إذا تم الإشهار في الصحن العام للمسجد، ثم تسجّله في المحكمة.   

وأوضحت أن المسألة لا تتصل بالحرمة والإباحة، بقدر ما تتصل بالظروف الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تسود المجتمع، كما أن عليها مراعاة ما اتفق عليه بين الفقهاء من أن الجنابة والحيض والنفاس أمور تمنع قراءة القرآن أو مسه، فقد تتوجب عند عقد القران قراءة بعض الآيات القرآنية، وبالتالي إذا كان لدى المرأة التي تعمل مأذونة شرعية عذر شرعي فإنه يمكن لغيرها، ممن يحضرون عقد الزواج، أن يردد بدلاً منها الآيات القرآنية وهي تقوم بكتابة العقد وتلقين الصيغة الشرعية للعاقدين أو لو كلائهما.

مهنة مستحدثة

تشير الدكتورة آمنة نصر، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية وعضو المجلس القومي للمرأة، إلى أنه لا يوجد دليل في القرآن ولا في السنّة ولا في غيرهما يشترط أن يكون «المأذون» رجلاً، في عقد النكاح، لأنها مهنة مستحدثة مهمتها الأساسية توثيق العقد في المحكمة، وهذا أمر لا يشترط في صحته الذكورة أو تمنع منه المرأة، فهذا عمل إداري بحت.

وأوضحت أن عقود الزواج التي تعقدها مأذونة صحيحة شرعاً، استناداً إلى فتاوى كبار العلماء في الأزهر ودار الإفتاء، وبالتالي  يكون الأولاد الناتجون من هذه الزيجات أولاداً شرعيين تماماً ولا قيمة لمن يشككون أو يفتون بغير علم، مثل نقيب المأذونين الذي أشك في أنه اطلع على فتاوى كبار العلماء، الذين هم أعلم منه بأمور الدين ويجب عليه الاستماع إليهم وعدم بلبلة الرأي العام.

قضية خلافية

يرى الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة-جامعة الأزهر، أن هناك طائفة معتبرة من العلماء القدامى والمعاصرين يرون أن المرأة- سواءً كانت بكراً أو ثيِّباً- لا يجوز لها أن تتولى عقد الزواج لنفسها أو لغيرها، سواء بالأصالة أو النيابة أو الوكالة أو إبرام العقد لغيرها، وبالتالي فإن عبارتها غير موثّقة في عقد الزواج وغير صحيحة شرعاً.

وأوضح أن الأمانة الدينية والعلمية تقتضي القول بأن هناك طائفة أخرى من العلماء المعتبرين قديماً وحديثاً، أفتوا بأن مجرد قيام المأذونة بتوثيق العقد جائز شرعاً، وبالتالي فإن الزواج يكون صحيحاً وما يثمره من أولاد يكون شرعياً.

وأشار إلى أن هناك فريقاً ثالثاً من العلماء يجمع بين الأمرين بعدم المنع أو الإباحة التامة، وإنما بأن تساهم المرأة بجزء من عملية التزويج، مستنداً في ذلك إلى ما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، من أنها كانت تقرر أمر النكاح ثم تقول: «اعقدوا، فإن النساء لا يعقدن النكاح»، وهذا هو المعروف من أقوال الصحابة من أن المرأة لا يصح أن تعقد نكاحاً لنفسها ولا لامرأة غيرها، وهناك روايات تؤكد أن عائشة زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، وكان عبد الرحمن غائباً، فلما قدم غضب، ثم أجاز ذلك، وقيل إنها زوجت حفصة برضاها عن الخطبة والصداق والتأكد من رضا الزوجين، ثم قالت: «انكحوا واعقدوا فإن النساء لا يعقدن».

أول مأذونة

عارضت أمل سليمان عفيفي، أول مأذونة في مصر، ما ذهب إليه نقيب المأذونين، مؤكدة أنها تمارس عملها بنجاح ومن دون أي مشكلات، وتراعي الضوابط الشرعية وقت الحيض والنفاس، وتم تغيير المفهوم الخاطئ للمجتمع بأن المأذون لابد من أن يكون رجلاً، وهناك مجموعة من علماء الأزهر في منطقتها يساعدونها بكل رضا وحب في موضوع الإشهار العلني في صحن المسجد.

وأوضحت أنها عندما قررت شغل الوظيفة قبل أربع سنوات تقدمت بطلب رسمي إلى محكمة الأسرة مدعّماً بالشهادات التي حصلت عليها، مثل اجازة من كلية الحقوق ودبلوم في القانون الجنائي ودبلوم آخر في القانون العام ثم ماجستير من كلية الحقوق، ولهذا قبلت المحكمة أوراقها وأحيلت على اللجنة المختصة بتعيين المأذونين في وزارة العدل المصرية، التي اختارتها بجدارة لتفوقها على أكثر من عشرة رجال تقدموا معها.

وأنهت كلامها مؤكدة أن المرأة اليوم موجودة جنباً إلى جنب الرجل في كل الدوائر والمؤسسات العامة، فلماذا يتم حرمانها من العمل كمأذونة شرعية طالما لا يوجد مانع شرعاً، إلا أن البعض ما زال يرفض نجاح المرأة تأثراً ببعض التقاليد والعادات والأعراف المخالفة للدين.

حق دستوري

تؤكد المستشارة تهاني الجبالي، عضو المحكمة الدستورية العليا سابقاً، أن القانون لا يمنع المرأة من العمل مأذونة شرعية، لأن حق العمل حق دستوري ثابت لكل إنسان، سواء أكان رجلاً أم امرأة، ما دام النص القانوني المانع غير موجود، لأن لا تحريم إلا بنص كما هو متفق عليه بين فقهاء القانون.

وقالت: «إذا رجعنا إلى تراث الفقه الإسلامي وقمنا باستقصاء ما فيه من أحداث وأحكام شرعية، سنجد أن مثل تلك المسألة لم تُعرض من قبل، لأن مهنة المأذون نفسها مستحدثة ولم تكن موجودة أيام النبي أو الخلفاء الراشدين، وبالتالي فلم يرد أن امرأة طالبت بأن تعمل مأذونة شرعية، وعليه فلا يوجد ما يمنع المرأة من ذلك مثلها مثل الرجل تماماً من دون أي تفرقة بسبب الجنس كما يزعم ضيقو الأفق».

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080