تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

ابنتي حسن صبي... وابني يقلد البنت!

فرح تميم

فرح تميم

«تميل جنى (خمس سنوات) إلى ارتداء سروال الجينز والشعر القصير وتفضّل اللعب مع الأولاد، فيما يميل رامي (سبع سنوات) أحيانًا أثناء لعبه إلى الإدعاء أنه أم فيلعب بالدمية ويقلّد والدته حين تغنجه».
هذان المشهدان يقلقان أهل هذين الطفلين، مما يجعلهم ينهرون الإبن الذي يميل إلى لعب البنت، وكذلك البنت التي تفضل مظهر الصبي. فهل رد فعل الأهل صحيح؟ ولماذا يفضّل بعض الأطفال تقليد الجنس الآخر؟ وإلى ماذا يشير هذا الميل عندهم؟
«لها» توجّهت إلى الإختصاصية في علم نفس الطفل فرح تميم التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.


لماذا يميل بعض الأطفال إلى تقليد الجنس المختلف عنهم، أي البنت تقلد الصبي والصبي يقلّد البنت؟
يبدأ الطفل سواء كان ذكرًا أو أنثى، في سن الثالثة اكتشاف العالم المحيط به، غير أنّ البنت والصبي لا يبدآن الإكتشاف بالطريقة نفسها. إذ تشكّل الأم بالنسبة إلى البنت النموذج الأوّل والوحيد الذي تتبعه، وإن كانت البنت لا تشبه أمها، وفي إمكانها بكل الأحوال التماهي بها.
أما بالنسبة إلى الصبي فهذا الأمر صعب، ولكن عمومًا وبعد إنفصاله عن العلاقة الإنصهارية بأمه يبدأ التطلّع إلى والده نموذجًا يتماهى به.
وأحيانًا تتغيّر القاعدة والعكس يحدث. مثل حالة جنى والأم لا تفهم تصرفات ابنتها (خمس سنوات) الذكورية التي تميل إلى ارتداء السروال الصبياني وقصة الشعر الصبيانية وتفضل اللعب مع الصبيان، فيما الأم الثانية تقلق من ميول رامي الأنثوية، ورغبته في التصرف مثل أمه.
فتكون البنت أقل أنثوية في تصرّفاتها وتميل أكثر إلى لعب الصبيان، وتبدو أنها كما نقول بالعامية «حسن صبي»، فيما يبدو الصبي أكثر اهتمامًا بمظهره ويهتم أكثر بلعب البنات ونقول له «متأنث».
وعلى كل الأحوال إذا اقتصر الأمر على مجرد اللعب وبشكل عابر فإن هذا لا يدعو إلى القلق، إذ لا ضير أن يلعب الطفل من وقت إلى آخر ألعابًا لا تتوافق مع جنسه، أمّا أن يكون تقليد الجنس الآخر بكل التفاصيل وبشكل مستمر ومتطوّر فهذا مدعاة قلق.

ما العوامل التي تدفع بالبنت إلى تقليد الصبي والعكس؟
هناك عوامل كثيرة يمكن أن تعيق عملية هيكلة الطفل وتحديد هويته. مثلاً الأب العنيف قد يدفع البنت للتماهي بالصبيان، والأمر نفسه يحدث مع الصبي إذا كانت الأم عنيفة. وكذلك إذا كانت الأم أو الأب من النوع الذي يبالغ في حماية طفلهما ممّا قد يؤدي بالطفل إلى التماهي بالجنس المختلف عنه. وأحيانًا النزاعات الزوجية، فضلاً عن تعرّض الطفل لسلوك عنيف مثل الإعتداء الجنسي.
كما أن لتصرفات كل فرد في العائلة دورًا مهمًا في تعليم الطفل تحديد هويته الجنسية. مثلا الأب الذي يضرب زوجته وأمام طفله، فإن هذا الطفل قد تكون ردة فعله عكسية، وقد يرغب في أن يصبح إمراة ويرفض أن يكون رجلاً لأن النموذج الذي يشاهده يوميًا شرير وحقير.
إذًا يجب التفكير في توفير محيط إجتماعي صحي ومتوازن كي يتمكن الطفل من الإنفتاح. وأحيانًا كثيرة يقرأ الطفل في عيون الأهل وتصرفاتهم ما إذا كانوا يرغبون في ما لو كان جنسه مختلفًا، مثلاً يقال للبنت « ليتك صبيًا أو تسمع ليتنا نرزق صبيًا»، فتحاول هذه الطفلة في لا وعيها أن تدافع عن وجودها وتثبت لوالديها أنها في إمكانها أن تكون صبيًا والعكس يحدث حين يكون الطفل ذكرًا. أو حين تجد البنت أن أهلها يفضلون شقيقها لأنه صبي، أو الصبي يجد أن أخته تحوز الكثير من الإمتيازات. فتكون رد الفعل في الحالتين «أنا أيضًا يمكن أن أكون الطفل الآخرالذي تحلمون به».

هل يجب القلق من البنت «المتصبينة» والصبي «المتأنث»؟
برأيي أنه يجدر القلق إذا خرجت الأمور عن مجرد أنها تصرفات عابرة أو مصادفة، أي حين يصبح تصرّف الطفل الدائم على أساس أنّ هويته الجنسية مختلفة عما هي في الواقع ، فبعض الأهل لا يعيرون الموضوع اهتمامًا وكأن شيئًا لم يكن، حتى أنّ بعضهم يستعملون عبارات ساخرة مثل «حسن صبي للبنت» وأحيانًا يضحكون على التصرف، والأمر نفسه بالنسبة إلى الصبي» حين يرقص مثلا مثل البنت»، ممّا يزيد الأمر تعقيدًا ويعيق عملية العلاج النفسي.
والأسوأ أن بعض الأهل يوافقون على هذا التصرّف، في حين يجب القلق ودق جرس الإنذار عندما يبالغ الطفل في تصرفاته المخالفة لجنسه، ويجب التصرّف بشكل صحيح لإدارة عملية تشكيل الهوية. فدور الأهل حاسم في حماية طفلهم، وهذا يتطلب فكرًا متنبهًا ويقظًا خلال نمو الطفل.

إذا لم يكن واحدٌ من هذه العوامل موجودًا فهل يمكن اعتبار أن الميل إلى تقليد الجنس الآخر عابر؟
كما ذكرت سابقًا إذا لم يكن التصرف دائمًا، أما إذا كان دائمًا ويزداد مع الوقت، فمن المؤكد أنّ هذا التصرف مقلق وقد يكون مؤذيًا.
لذا قبل إصدار الحكم، على الأهل مراقبة الطريقة التي يتصرّف بها طفلهم أو طفلتهم. ولكن في الوقت نفسه عليهم أن يأخذوا زمام الأمور ويشرحوا للطفل بهدوء أنّ ما يقوم به هو في العادة من خصال الجنس الآخر.
ولكي تصل الرسالة بشكل صحيح من المفضّل أن تخرج من الجنس نفسه، أي الأم تتحدث إلى البنت والأب يتحدث إلى الصبي. ومن المفضل أيضًا عدم فرض محظورات، مثلا «ممنوع عليك أن تلعب بالدمية أو أن تلعبي مع الصبية»، فهذا المنع قد ينتج عنه رد فعل عكسية فيصرّ الطفل على التصرف بعكس ما يُطلب منه وتتعزّز رغبته في أن يكون من الجنس الآخر.
إذ يكفي أن يمنع الأهل شيئًا واحدًا عن الطفل كي يفعل كل شيء ليحصل عليه. لذا يجب مناقشة الطفل بحكمة ليعرف الأهل أسباب تصرفاته. كما عليهم محاولة إقناعه بإيجاد نموذج يتبعه مثل بطل رسوم متحركة أو بطل في كرة القدم أو الفنون القتالية بالنسبة إلى الصبي، وبطلة للبنت مثل «الأميرة النائمة أو سندريللا» أو إحدى شخصيات سلسلة رسوم متحرّكة تشاهدها على التلفزيون.

بماذا تنصحين الأهل؟
في البداية يجب تجنّب كل العوامل المسبّبة لتغيير عملية تحديد الهوية، ولاسيّما المشاجرات بين الوالدين، والمبالغة في حماية الطفل وكل العوامل التي ذكرناها سابقًا. ومن جهة أخرى وفي حال استمرار الطفل على تصرفاته المخالفة لجنسه على الأهل التصرّف بسرعة وألا يبسّطوا المسألة، ويبحثوا عن العوامل ويحللوها ويتحقّقوا من الأسباب التي تجعل الطفل يتصرف على هذا النحو.
أحيانًا قد يكون الوضع معقّدًا عندها عليهم استشارة اختصاصي لمحاولة تحليل وفهم وإيجاد التشخيص المناسب. لأن مشكلة تحديد الهوّية الجنسية يمكن أن تكون مرتبطة بأسباب عميقة أحيانًا تكون خطيرة مثل حالة اضطراب نفسي شديد، أو استغلال جنسي أو شيء آخر، لذا لا يجوز الخوف أو التردّد في استشارة اختصاصي نفسي عمله مساعدة الطفل والأهل.

ماذا عن الأزياء أي حين تصرّ البنت على الإرتداء كما الصبي؟
من الطبيعي أن تشعر الأم بالإنزعاج عندما تختار البنت الصغيرة ثياب الصبية، فمعظم الأمهات يرغبن في أن ترتدي بناتهن فساتين جميلة كما الأميرات، إذا كانت البنت مصرّة على ارتداء السراويل بصورة دائمة، هنا نسأل الأم هل هي من السيدات اللواتي يرتدين أزياء أنثوية وتهتم بمظهرها الأنثوي، أم أنها من السيدات اللواتي يهملن مظهرهن ويفضلن السراويل؟ إذا كانت الأم من الفئة الأخرى كيف لها أن تطلب من الطفلة ما لا تفعله هي! نموذجها الأول.
وكذلك هل معظم أصدقاء البنت أو أقاربها صبية؟ فغالبًا الأطفال يتأثرون بأقرانهم وإذا كانت البنت محاطة بالصبية طيلة الوقت، فمن الطبيعي أن تتأثر بهم. عندها على الأم أن تحاول إقامة توازن في علاقات ابنتها الإجتماعية، أي توفير المحيط الإجتماعي الذي يطغى فيه حضور الإناث.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصبي. المهم أن يعمل الأهل على إيجاد توازن في علاقات الطفل الإجتماعية أي أن يكون هناك حضور للجنسين في حياتهم.

لماذا يتنكر بعض الصبية بأزياء البنات والعكس؟
اللعب جزء ضروري لنمو الطفل النفسي وتطوّره الفكري، فهو يسمح بالتحقق من الواقع وتطوير سيناريوهات من إنتاج مخيلته، كما يسمح له ببناء قصة خيالية شخصية واجتماعية في الوقت نفسه.
والتنكر بشخصية أو انتحال شخصية مغايرة لهويته الجنسية. مثلاً حين يختار الصبي لعب دور الأميرة والبنت دور الأمير، فهذه طريقة ليتعرّف على حياة الآخر وفي الوقت نفسه يدل على إدراك الطفل لمفهوم الإختلاف في الهوية الجنسية، وبالتالي فإن اللعب يمكّنه من التمييز بين ما هو واقعي وما هو خيالي.
وفي المقابل، من المعتاد أن يتنكر الأطفال في سن صغيرة، فينتحلون شخصيات عدة، فالطفل يبدأ بوضع أنف مهرج، وانتعال حذاء الأم أو الأب، فالتنكر هو انتحال في خياله، لشخصيات أو تصرفات الآخرين، «فأنا ألعب دور الآخر مع العلم أنني أعرف أنني لست هذا الآخر»، ولحظات اللعب هذه غالبًا ما تكون مرتبطة بإبداعات خيالية مكثّفة.


هل يجدر بالأهل القلق عندما يلعب الصبي بعلبة البنت فيما تلعب البنت بألعاب الصبي؟
لا مشكلة في رغبة الذكر في اللعب بالدمية أو رغبة البنت في اللعب بالسيف، إذا كانا دون السبع سنوات. فعندما يلعب الولد في سن الأربع سنوات بدمية، فهذا يشير إلى حاجته إلى فهم معنى العائلة ودور كل فرد فيها. وفي هذه السن لا يدرك تمامًا كل الفوارق بين الذكر والأنثى.
و يشعر بالحاجة إلى لعبة تجسّد شخصية ما، يعبّر من خلالها عن مشاعره ويمثل الأحداث التي يعيشها فنراه يتظاهر بإطعام دميته، أو التحدث إليها.
وعوضًا عن منع الطفل، في هذه السن، من اللعب بالدمية التي تجسّد شكل الفتاة، يجدر توفير مجموعات من الدمى التي تمثل له العائلة. ويقتصر دور الأهل على مراقبة ابنهم. فيراقبون الدور الذي يلعبه.
وحين لا تكون الخيارات كبيرة أمام الطفل ولا يجد أمامه سوى دمية فتاة، فمن الطبيعي أن يختار اللعب بها. ولكن حين يكون عنده نماذج للذكر والأنثى حينها يمكن معرفة اختياره الحقيقي. وتشير الأحداث أو المواقف والحوارات التي يخترعها الطفل أثناء اللعب إلى أمور يعيشها في الواقع.
من الضروري أن تراقب العائلة مشهد اللعب الذي يمثّله طفلهم. وعليها ألا تقلق إذ لعب طفلها بالدمية وابنتها بالسيارة أو بالسيف. فلقد تغيّرت التقاليد الاجتماعية ولم يعد دور الأب يقتصر على العمل خارج المنزل، ولا دور الأم على رعاية الأبناء والاهتمام بشؤون المنزل.
وصار الزوج يساعد زوجته في الاهتمام بالأبناء ويرعاهم أثناء غيابها. ومن الطبيعي أن يقلّد الطفل أهله.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080