تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

جمعيات مدنية تونسية تطلق صيحة تحذير صادمة وتدين عمليات الإتجار بالنساء والفتيات

سعيدة راشد

سعيدة راشد

 إيمانويلا

إيمانويلا

هيلين لوجوف

هيلين لوجوف

أطلقت جمعيات تونسية وأجنبية تعنى بوضع المرأة في العالم صيحة تحذير نتيجة تنامي ظاهرة ما يُعرف بـ «الإتجار بالنساء»، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقدته في العاصمة التونسية بحضور شخصيات مدنية واجتماعية سلّطت خلاله الضوء على هذه الظاهرة عبر تقديم شهادات حية وقصص واقعية. «لها» واكبت المؤتمر وتحدثت إلى نساء مررن بهذه التجارب المريرة.

بداية، نبّهت رئيسة جمعية النساء الديموقراطيات التونسية سعيدة راشد من تفاقم انتشار ظاهرة الإتجار بالبشر في تونس والتي تهدد بخاصة النساء والأطفال والفتيات. وأشارت في تصريح لـ «لها» إلى أنه لا توجد إحصاءات وطنية بخصوص عملية الاتجار بالبشر، وذلك بسبب غياب اهتمام خاص بهذه الظاهرة من جانب الحكومة والمجتمع الدولي ومؤسسات الدولة.
وشدّدت على ضرورة تسليط الضوء على ظاهرة الاتجار بالنساء، داعية المجتمع المدني ومؤسسأت الدولة والحكومة إلى إيجاد حلول عاجلة للحد منها.

من جانبها، أكدت ممثلة المنظمة الدولية للهجرة هيلين لوجوف أن تونس تعتبر مصدراً ووجهة ومنطقة عبور لعمليات الإتجار بالنساء والفتيات، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تستهدف بالأساس النساء المهاجرات اللواتي لسن في وضع قانوني أو من ضحايا ارتفاع نسبة الفقر في بلادهن أو ضحايا النزاعات المسلحة. وأضافت أن هؤلاء الضحايا يجدن أنفسهن في فضاء ثقافي مختلف حيث الجميع يتكلّم لغة لا يتكلمنها، كما تُمنع عنهن الهوية القانونية والخدمات الصحية والعمل مما يجعلهن عرضة لسوء المعاملة والعنف والاستغلال من المتورطين بالإتجار بالأشخاص، وذلك وفق دراسة اعدتها المنظمة منذ عام 2012.

ضحية

«لها» التقت إحدى ضحايا الإتجار بالنساء في تونس، وهي فتاة في السابعة والعشرين من العمر قادمة من ساحل العاج. تقول إيمانويلا إن أحد جيرانها اتصل بها في ساحل العاج وعرض عليها عقد عمل في تونس كمعينة منزلية لدى أحد مديري مصرف إفريقي في تونس براتب محترم. ومن دون تردد قبلت العرض لظروفها الاقتصادية الصعبة. وبعد فترة استُصدرت لها تأشيرة زيارة إلى تونس لمدة ثلاثة أشهر. وفي مطار العاصمة كان في استقبالها رجلان تونسيان أخذاها إلى منزل مخدومها.
تقول إيمانويلا إنها في الأيام الأولى من عملها توقعت ان تبدأ حياة جديدة وأن تنتشل عائلتها من الفقر الذي تعيشه، غير أنها عند مطالبتها براتبها أعلمها مخدومها أن رواتبها للأشهر الثلاثة الاولى قد دُفعت مسبقاً الى الشخصين اللذين استقدماها للعمل في تونس كعمولة لهما وأنها لن تتسلم راتباً إلا في الشهر الرابع من عملها. غير أنه لم يف بوعده وواصل استغلالها وامتناعه عن دفع مستحقاتها الى ان قررت مغادرة العمل عنده والبحث عن عمل آخر. غير أنها اكتشفت أن القانون التونسي يفرض غرامات مالية على كل من تجاوز مدة التأشيرة الممنوحة وأنه لا يمكنها العودة الى بلادها الا بعد دفع الغرامة التي تراكمت بمرور الوقت، بالإضافة الى عدم امتلاكها ثمن تذكرة العودة الى ساحل العاج.
من الاستغلال الجسدي الى الاستغلال الجنسي
تواصل إيمانويلا سرد قصتها فتقول إنه بعد وجودها في الشارع في دون مأوى ولا مال، استقبلها بعض الشبان من ابناء بلدها  يقيمون  في تونس بطريقة غير شرعية  وعرضوا عليها إيواءها  إلى أن تجد عملاً جديداً أو تتدبر أمر العودة إلى بلدها. ولكن منذ الأيام الأولى اعتدى عليها عدد منهم جنسياً ولم تجد أي خيار سوى الإذعان.
وتابعت إيمانويلا أن الامر تطور وراح هؤلاء الشبان يجلبون لها شركاء آخرين من الباحثين عن المتعة الجنسية من جنسيات مختلفة. واستمرت معاناتها لأكثر من سنة، إلى أن وقعت في قبضة الشرطة التونسية التي سجنتها بتهمة الدعارة. وبعد خروجها تعرفت على احدى الجمعيات الحقوقية في تونس التي استقبلتها وتعمل حالياً على ترتيب عملية سفرها الى بلدها.
قصة إيمانويلا ليست الوحيدة من نوعها، فقد أورد التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية حول الإتجار بالبشر للعام 2012 أن عدداً من الفتيات القاصرات يحملن الجنسية المالية أُجبرن على ممارسة الدعارة في مخيمات اللاجئين في منطقة الشوشة في تونس إبان الثورة الليبية. وأشار التقرير الى ان تونس أصبحت وجهة و معبراً للاتجار بالبشر، وأن الاضطرابات في كل من تونس وليبيا ساهمت في ازدياد الهجرة غير الشرعية من تونس الى ايطاليا حيث تمت المتاجرة بالمهاجرين غير الشرعيين.

نشاط جرمي

وكشفت التقارير الأمنية التونسية وجود عدد من الشبكات الناشطة في مجال الاتجار بالنساء جنسياً تنشط في الضواحي الراقية للعاصمة التونسية حيث تعيش شريحة كبيرة من الجالية الليبية المترفة بالإضافة الى طبقات راقية. منية هي إحدى الفتيات اللواتي وقعن في فخ شبكة يشرف عليها تونسي لا يزال ينشط في مجاله حتى بعد إيقاع الأمن التونسي عدداً من ضحاياه وتأكيد انه الرأس المدير لعمليات الدعارة أو الاتجار بالنساء.
قصة منية بدأت في سن 12 سنة  في قريتها في سفوح محافظة جندوبة التي تعد من أفقر المحافظات التونسية، حين اتصل بها احد السماسرة الذي يشغل الفتيات لدى العائلات التونسية في العاصمة والمدن الكبرى، واتفق مع أبيها على تشغيلها لدى عائلة مقابل مبلغ مالي لا يتجاوز المئة دولار ولمن يعتبر للأب العاطل عن العمل ثروة لا يستهان بها. وافق الاب وتسلم أول أجر لابنته ألهاه عن السؤال عن مصيرها المجهول في عالم لا تعرفه.
نقل السمسار الصغيرة إلى العاصمة وأودعها لدى عائلة أفرادها كثر العدد فلم تقوَ البنت الصغيرة على خدمتهم ولا على تحمل سوء معاملتهم، إلى ان قررت بعد سنوات الهرب والعيش لدى احدى صديقتها التي أبهرتها ببهارج حياة لم تتعودها وعالم لا ينشط إلا ليلاً. ثم تعرفت إلى شاب أوهمها بالزواج والحياة الهانئة، لكنه ما فتئ ان قدمها إلى عدد من معارفه لإشباع رغباتهم الجنسية مقابل أموال لم تتسلم منها الفتاة شيئاً... ولم يعد بإمكانها الإفلات من هذا الوضع بعدما علمت انها وقعت تحت سطوة رئيس شبكة دعارة يشغّل عشرات غيرها في عالم الجنس.
مأساة منية استمرت حتى بعد دخولها السجن في قضية دعارة، فبعدما خرجت منكسرة منهكة من أعباء الحياة والسجن لفظتها عائلتها وامتنعت عن استقبالها بسبب العار الذي لحق بها، فما كان من منية الا ان عادت الى الشارع بحثاً عن  مستغلها ليؤويها ويطعمها مقابل ان تمنحه حرية التصرف بجسدها فيهديه ويبيعه لمن يشاء. ورغم إصرار السلطات التونسية منذ سنوات على عدم وجود ظاهرة الإتجار بالبشر في تونس، فقد دفعتها الصيحات المحذرة من تفشي هذه الظاهرة الى إعداد قانون لمكافحة الاتجار بالبشر بعد التيقن من أن هذه الظاهرة أصبحت واسعة والانتشار بمختلف أنواعها على غرار العمل القسري وشبكات الدعارة وبيع الأعضاء.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079