تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

المتنمّر الإلكتروني مذنب أم ضحيّة؟

Chatroom أو «غرفة المحادثة» فيلم إنكليزي يحكي قصة وليام، فتى في السابعة عشرة، مراهق وحيد يمضي وقته أمام الشبكة العنكبوتية، يُنشئ منتدى مناقشة إلكتروني للمراهقين في بلدته.
ينضم إلى المنتدى إيفا وأميلي ومو وجيم، وجميعهم مراهقون يعيشون حياة فراغ لا يكترث لوجودهم أهلهم، يتحوّلون إلى أصدقاء في المنتدى الإلكتروني يتبادلون مشاعرهم وهواجسهم وأفكارهم.
وفي المقابل، يستمع وليام إلى مشكلاتهم ويسديهم النصائح ويصرّ عليهم لتخطّي الحدود ومشكلاتهم بالقيام بفعل ما. لا أحدَ منهم كان يعرف أن وليام مجرّد مراهق يعاني اكتئابًا واضطرابًا نفسيًا ينوي التأثير فيهم في غرفة المحادثة وجعلهم يقدمون على الإنتحار.
قد يبدو الفيلم قصة إفتراضية لكنها تحاكي واقعًا ربما كانت أحداثه تكون أكثر قساوة، ويعكس واقعًا يمرّ به مراهقون كثر يمضون أوقاتهم في المحادثة عبر شبكة الإنترنت وما تحويه من مواقع التواصل الإجتماعي.
فكثر يتعرّضون لما يعرف بالتنمّر الإلكتروني Cyberbullying أو الإبتزاز الإلكتروني وكلاهما مشكلة عصرية نتجت عن توافر كل أنواع التواصل الإجتماعي الإلكتروني التي يجد فيها  البعض، لا سيما أولئلك الذين يعانون  اضطرابًا نفسيًا، وسيلة لإرتكاب ما يعرف بالإبتزاز أو التنمّر الإلكتروني.


 هنا يطرح السؤال لماذا يتحوّل بعض المراهقين إلى متنمّرين؟
يرى اختصاصيو علم نفس المراهق والطفل أن الإضطراب النفسي هو من الأسباب الرئيسية وراء تحوّل بعض المراهقين إلى متنمّرين، فبينما غالبية الأطفال و المراهقين لا يتحوّلون إلى متنمّرين، هناك من يصبح متنمّرًا ليطلق صرخة مساعدة.
النتيجة يتحوّل المراهق إلى متنمّر سواء كان عازمًا على ذلك أو لا. ولكن في الوقت نفسه لا يمكن الجزم بأن الإضطراب النفسي أو الإكتئاب هما وراء التنمّر، فبعض المراهقين المتنّمرين يقومون بذلك لأنهم يظنون أن التنمّر أمر مضحك.
وتتفاقم المشكلة عندما لا يقوم الراشد بما يلزم أو لا يفعل  شيئًا على الإطلاق لردع المتنمّر. فمن دون تدخّل الراشدين لا يدرك بعض المتنمرين عاقبة  تنمّرهم.
وهناك بعض الحالات يكون الأهل فيها نموذجًا سيئًا لأبنائهم، أي أن الأهل هم أنفسهم يتنمّرون على أصدقائهم وإن من باب المزاح، مما يقود إلى الإعتقاد أن التنمّر ليس بالسلوك المعيب.

لماذا يلجأ بعض المراهقين إلى التنمّر الإلكتروني؟
المراهقون الذين يتنمرون على مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإتصال الإلكترونية الأخرى، يفعلون ذلك لإذلال بعض المراهقين وإحراجهم وإهانتهم. ويريدون أيضًا ترهيبهم والطريقة المثلى تكون عبر الإنترنت، وهذا يعني أن المراهق الذي يختار التنمّر الإلكتروني لا يجرؤ على التنمّر وجهًا لوجه في المدرسة.
وكما وليام في فيلم Chatroom يلجأ المراهق التعيس والوحيد والذي لا يكترث أهله لوجوده، إلى التنمّر الإلكتروني ليزعج أو يسيء إلى مراهق آخر باختراق بريده الإلكتروني أو بإرسال فيروس إلى كمبيوترات المراهقين الآخرين.
فضلاً عن أن الغضب والألم أمران يحفزان بعض المراهقين على التنمّر الإلكتروني، فكثر منهم يعانون ضعف تقدير الذات Low selfesteemوعدم ثقة بالنفس. وقد حدّدت الدراسات أن 80 في المئة تقريبًا من المراهقين تورّطوا بطريقة ما في التنمر الإلكتروني.

ما الفارق بين التنمّر التقليديBullying  و التنمر الإلكتروني Cyberbullying؟
نظرت بعض الأبحاث في التنمر الإلكتروني والتنمر التقليدي، والآثار الممكنة في الأطفال والمراهقين، كما مال الباحثون إلى عدم التركيز على عوامل الحماية التي قد تجعلهم أقل عرضة للتنمّر، مثل عدد الأصدقاء أو الدعم الإجتماعي آخر.
فبينما كان الصبيان قد اختبروا التنمر التقليدي أكثر من البنات، فإن ظاهرة التنمّر الإلكتروني ازدادت في شكل ملحوظ ومتوازن بين الجنسين.
وقد يحصل التنمّر التقليدي من قبل جماعة أو فرد. ففي المدرسة مثلا تقوم جماعة المتنمرين بإقصاء أحد التلامذة من اللعب أو المشاركة في فريق، وبعضهم ينشر الشائعات الرديئة عن الضحية.
فيما التنمر الإلكتروني Cyberbullying يستعمل مواقع التواصل الإجتماعي، للسيطرة على الضحية كما حدث مع مراهقي Chatroom، أو إذلالها مثلا تركيب صور إباحية للضحية ونشرها على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي أو عبر الهواتف الخلوية والآي فون كما حدث مع المراهقة الأميركية التي انتحرت العام الماضي. وهذه الحادثة الواقعية نموذج صارخ لما يمكن أن يؤدي التنمر الإلكتروني.
إذًا المراهق والطفل صارا تحت مرمى نيران التنمّر الإلكتروني مع توافر تكنولوجيا الإتصالات بشكل واسع بين الجميع فتيانًا ومراهقين وراشدين. فمن الممكن أن يكون التنمر حادثًا عشوائيًا أو سلوكًا يستمر فترة طويلة، يبدأ في المرحلة الإبتدائية أو المتوسطة أو الثانوية. إذ لا توجد مدرسة لديها مناعة قوية من احتمال حصول بعض أشكال التنمر بين جدرانها.

والتنمر سواء كان تقليديًا أو إلكترونيًا، قد يصبح مشكلة كبيرة ومعقّدة إذا لم يعالج بسرعة وبشكل حاسم. وهذا يعود إلى الأهل والمدرسة والتلامذة والمجتمع. كما يجب فهم سايكولوجيا المتنمر الإلكتروني فهو شخص غير ناضج وجبان، يختبئ في كواليس مساحة افتراضية، لا صورة له ويجسد كيان الشر المجهول.

ولكن يبقى السؤال كيف تكون شخصية ضحية المتنمّر؟
لا يكون المتنمّر الإلكتروني بالضرورة رجل عصابة في شارع، بل في كثير من الحالات يكون زميل صف أو رفيقًا أو جارًا، أي أنه شخّص يعرف أمورًا كثيرة عن الضحية.
ويجدر بضحايا التنمّر الإلكتروني أن يدركوا أن المتنمر شخص وقح ويبحث عن أناس يستعمون إليه ليبتزهم ويسيطر عليهم، فهو في البداية يعرف نقاط ضعفهم ويعود ويستغلّها لمصلحته. وكما فعل وليام في Chatroom قد يصل التنمر والإبتزاز الإلكتروني إلى دفع الضحية نحو الإنتحار.
وفي المقابل تكون شخصية ضحية المتنمّر مثل المراهقين الأربعة الذين استغلهم وليام في Chatroom الفيلم، لناحية شخصيتهم وسلوكهم ووضعهم الإجتماعي. فالرابط المشترك الذي يجمع بين ضحايا تنمّر وليام هم أنهم جميعًا يشعرون بالوحدة وغياب الأهل المعنوي والفشل المدرسي وعدم الثقة بالنفس.
إذًا الضحية هو أيضًا مثل المتنمّر شخص معذب في داخله، ويقبل أن يتنمر أحدهم عليه لا شعوريًا. فهو يشعر بألم عميق في داخله هناك من يعنّفه في المنزل أو أنه مهمل لا أحد يهتم لوجوده. كما من الممكن أنه مراهق عانى أمراضًا كثيرة في طفولته وبالتالي حُرِم الكثير من الأمور بسبب مرضه، لأن أهله يخافون عليه كثيرًا، وبالتالي أصبحت ثقته بنفسه ضعيفة جدًا وبقوته الجسدية.
وهذه مواصفات كافية ليستغلها متنمّر هو نفسه يعاني اضطرابًا سلوكيًا، فيعمد إلى إسقاط توتره وقلقه ونقمته على المجتمع، على ضحاياه، ويدفعهم إلى أمور لا يجرؤ هو نفسه على القيام بها.

ماذا على الأهل أن يفعلوا كي يجنّبوا أبناءهم التعرّض للتنمّر الإلكتروني؟
بداية على الأهل أن يكونوا على اطلاع ومعرفة بوسائل الإتصال الإلكتروني، كي يعرفوا ماذا يجري في هذا العالم الرقمي، كما عليهم أن يكونوا على حوار دائم مع أبنائهم، ويتحققوا من سلوكهم. فإذا لاحظ الأب تغييرًا في سلوك ابنه، كأن يصبح انطوائيًا أو يجلس طويلاً وحده لا يحب أن يلتقي أحدًا، وكيف تكون ردة فعله بعدما تأتيه رسالة نصّية على الهاتف الجوال.
هنا على الأهل أن يتحقّقوا من الأمر بألا يسألوا ابنهم بشكل مباشر وإنما بفتح حوار حول شبكة التواصل الإجتماعي، فإذا كانت مثلا الأم لديها حساب على الفايس بوك يمكن أن تقول مثلاً: «معقول صديقتي الحميمة كتبت نصًا ضدّي!». فعرض مشكلة وإن كانت غير صحيحة تدفع بالإبن أو الإبنة إلى التحدّث عما يجري معها عبر شبكة التواصل الإجتماعي.

هل للتنمّر الإلكتروني الأثر السلبي نفسه الذي يتركه التنمّر التقليدية على الضحية؟
نعم ولكن الفرق أن التنمّر التقليدي أي الذي يكون وجهًا لوجه، غالبًا ما ينتهي مع انتهاء العام المدرسي، وإذا كان المتنمّر والضحية ليس لديهما نشاطات مشتركة خارج إطار المدرسة.
فيما التنمّر الإلكتروني، لا مهرب منه ويزداد سوءًا إذا لم تكن الضحية قادرة على الدفاع عن نفسها  لأن ثقتها بنفسها ضعيفة وشخصيتها متردّدة.  طلب المساعدة من الأهل والراشدين الرد القانوني هو آخر المطاف وبذلك يردع المتنمّرين.


إرشادات ليبقى المراهق بعيدًا عن التنمّر الإلكتروني

  • معرفة معنى التنمّر الإلكتروني، ومشاركة أصدقائه في معلوماته
  • ألا يعطي كلمة  سر بريده الإلكتروني لأحد
  • ألا يضع صورًا يمكن أن تُستعمل ضدّه
  • ألا يفتح رسائل من أفراد أو مجموعات لا يعرفهم
  • وضع مراقبة خصوصية لما يعرضه Setup privacy control
  • البحث عن اسمه باستمرار على (Google, Bing, Yahoo) وإذا وجد معلومات عنه خاصة به وليست للعموم عليه محاولة مسحها
  • ألا ينضم إلى شلة  المتنمرين فغالبًا ما سيكون ضحيتهم في ما بعد 

 

إذا كان المراهق ضحية التنمّر الإلكتروني من أهم الأشياء التي يستطيع المراهق القيام بها هي

  • محاولة معرفة هوية المتنمّر او المتنمّرين فغالبًا ما يبدأون كأصدقاء
  • الطلب من المتنمّر بالتوقف
  • عدم الرد بعد ذلك
  • حفظ ما يصل إليه في ملف على حدة
  • المنع  block لحماية نفسه
  • تغيّر معايير الضبط setting (عدم وضع رقم الهاتف، أو عنوان المنزل )
  • إنشاء حساب جديد وإعلام أصدقائه

 

 

دراسة أميركية في جامعة أريزونا حول العلاقة بين التنمر التقليدي و التنمّر الإلكتروني
نشرت مجلةPsychology of Popular Media Culture   دراسة بحثت العلاقة المعقدة بين التنمّر التقليدي والتنمّر الإلكتروني وكذلك العوامل التي تساهم في حماية الطفل والمراهق وتقلّص أسباب وقوعهما ضحيّتي التنمّر.
شملت العينات 192 تلميذًا من صف الثالث ابتدائي حتى السادس متوسط وانقسمت العينات على النحو الآتي: 93 صبيًا و99 بنتًا، طُلب منهم جميعًا ملء استمارات «تقويم ذاتي» حول مختلف مستويات إحتمال وقوع ضحية التنمر الإلكتروني، والشعور بالوحدة، والعلاقة بين الأقران والصدقات عبر الشبكات والقبول الإجتماعي.
كما طُلب من التلامذة تقويم رفاق الصف من مختلف الطبقات الإجتماعية لناحية الوقاحة والمتنمر وضحيته لتحديد التنمّر التقليدي. وقد جُمعت بيانات المجموعة في تقويمين عند نهاية فصل الخريف ليمنحوا التلامذة الوقت الكافي للتعرّف أكثر إلى رفاق الصف.
وكانت محصلة الدراسة أن 29,7 في المئة من التلامذة كشفوا أنهم تعرّضوا للتنمّر الإلكتروني. ولاحظت الدراسة أن الوقوع ضحية التنمّر الإلكتروني مرتبط بالشعور بالوحدة، والشعور بالعزلة وقلة الإصدقاء.
كما أن نسبة التعرض للتنمّر الإلكتروني متفاوتة بعض الشيء بين الفتيات والأولاد، فالبنات أكثر عرضة للتنمّر الإلكتروني فيما الأولاد يكونون أكثر عرضة للتنمّر التقليدي.
وفي كلا الحالين لا يبدو التنمّر التقليدي والتنمّر الإلكتروني متصلين ببعضهما بطريقة واضحة، ولكن ضحاياهما من التلامذة هم في الغالب ممن يشعرون بالوحدة ونفور المجتمع منهم.
وعلى الرغم من أن الباحثين حذّروا من تعميم  المشكلات التي أظهرتها الدراسة لأنها أجريت في مدرسة واحدة، فإن النتائج تظهر أن التنمّر الإلكتروني يؤثر في شكل تدميري على المراهقين والأطفال الذين يعانون عدم ثقة بالنفس وتقويهم الذاتي ضعيف جدًا. والمفاجأة أن الدراسة بيّنت أنه لا يوجد علاقة بين التنمّر التقليدي والتنمّر الإلكتروني.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078