تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

عندما يغدر المرض في سن مبكرة...

ينصح الاطباء بإجراء الصورة الشعاعية للثدي ابتداءاً من 40 سنة. لكن ماذا إذا غدر بك المرض قبل هذه السن؟ صرنا نرى حالات لا يستهان بها من سرطان الثدي في الثلاثينات أو حتى قبلها من دون أن تكون هناك حالات في العائلة.
هذه هي حال ألين اسطنبوليان التي تختلف قصتها لأنها أصيبت بالمرض وهي في سن 34، علماً انها كانت تحرص على إجراء الفحص الذاتي الشهري والصورة الشعاعية للثدي في سن مبكرة دون اي سبب يدعوها لذلك. بدت ألين في تجربتها هذه مثالاً للمرأة القوية والأم التي لم تدع المرض يهزمها ولو للحظة، فتغلبت عليه بإصرار إلى أن اصبحت بعدها أكثر قوة وازداد تمسكها بالحياة.
من خلال تجربتها الشجاعة هذه تعطي ألين درساً لكل امرأة مرت أو قد تمر بظروف مشابهة فتسدي نصائح ذهبية لمواجهة المرض.


في كثير من الأحيان، عندما يظهر سرطان الثدي في سن مبكرة يغدر بالمريضة فلا تكتشفه في أولى مراحله بل في مراحل متقدمة مما يزيد صعوبة العلاج ويقلل من فاعليته أحياناً.
لكن قصة ألين تبدو مختلفة، فقد شاء القدر أن تحرص على إجراء الصورة الشعاعية السنوية للثدي من بداية الثلاثينات، إلى جانب الفحص الذاتي الشهري، وذلك من دون أن تكون هناك حالات في عائلتها، مما ساعد في اكتشافها المرض في أولى مراحله.
وتقول إنها كانت تحرص على إجراء الفحصين من سن مبكرة على سبيل الحشرية لا أكثر وتضيف: «اكتشفت إصابتي بالمرض صدفةً، ففيما كنت أستحم وأجري الفحص الذاتي الشهري، شعرت بوجود دملة في الثدي، لكنني لم أعر الأمر أهمية وقلت لنفسي إنها قد تكون مجرد كتلة دهنية تظهر غالباً لدى النساء وليس هناك أي داعٍ للتركيز على هذا الأمر.
لكن بعد شهرين كنت أقوم بزيارة روتينية لطبيبي، علماً أنني متزوجة وأم لصبي كان عندها في الثالثة من عمره. وكنت قد أجريت الصورة الشعاعية للثدي قبل 4 أشهر، ما جعلني أكثر اقتناعاً بعدم وجود أمر خطير.
حتى أن طبيبي النسائي رجّح أنها كتلة دهنية، لكنه نصحني بإجراء الصورة الشعاعية مرة ثانية لتبين وجود دمامل عدة منها خارجي ومنها داخلي. ثم انتُزعت خزعة من الثدي أثبتت أن الدمامل سرطانية.
لا أخفي أن الامر شكل صدمة لي. صحيح أنني كنت أجري الفحوص بانتظام، لكنني لم أتصور أن أصاب يوماً بالمرض. وهذا المرض تحديداً يوازي بالنسبة إلي الموت وكنت أجهل كل شيء عنه مما يزيد صعوبة الفكرة بسبب الخوف من المجهول وما ينتظرني في هذه التجربة.
قصدت عندها طبيبي النسائي الذي كان متعاوناً إلى حد كبير وساعدني كثيراً وأخبرني بكل المعلومات التي كنت احتاجها عن المرض، مؤكداً أن مرضي في أولى مراحله وأن نسبة الشفاء منه تصل إلى 98 في المئة وبالتالي لا داعي للخوف، من دون أن يخفي عني أن المرحلة الآتية قد تكون صعبة لكنني سرعان ما انساها وأتابع حياتي بعد الانتهاء منها».


قوة معنوية وضعف جسدي

بعد زيارة الطبيب، خضعت ألين لعملية استئصال للثدي ثم بدأت الخضوع إلى العلاج الكيميائي. عن هذه المرحلة تقول: «خضعت لثماني جلسات من العلاج الكيميائي وكانت مرحلة في غاية الصعوبة.
ليس سهلاً على المرأة التعامل مع هذا الموضوع الذي يمس انوثتها. في البداية كنت أجد صعوبة في النظر إلى المرآة.

لكنني قررت لاحقاً الاختيار ما بين جمالي وحياتي،. فاخترت حياتي لأنني كنت أعرف جيداً ان جمالي يمكن أن يصحح لاحقاً، أما حياتي فإذا فقدتها فلا شيء يمكن أن يعيدها.
وكان الأطباء قد أكدوا لي أن كل شيء يمكن ان يرمم من الناحية الجمالية ويصحح. وكان همي الأكبر ابني الذي كنت أريد البقاء إلى جانبه وهو في هذه السن الصغيرة. وقد ساعدني زوجي إلى حد كبير في تخطي الموضوع فكان يقول أنني أجمل امرأة ويؤكد حبه لي وأنه لا يهتم لكل التفاصيل الباقية ويصر على أن أرتب نفسي وأضع الماكياج عند الذهاب إلى جلسة العلاج التي يرافقني فيها دائماً، كما لو أنني أذهب إلى حفلة.
دعمني كثيراً وكان يصر على أن نذهب إلى شاطئ البحر كما أنا من دون خجل. علماً أنني لم أكن جميلة في تلك الفترة إذ فقدت شعري وحاجبي ورموشي وتغير مظهري بالكامل.
لكن هذا لم يخجلني يوماً فكنت أخرج دون ان أضع شيئاً لأغطي رأسي أو أحياناً أضع وشاحاً دون أن أهتم بنظرة الناس إلي. فكان واضحاً أنني مريضة وهذا ليس أمراً معيباً . لم أكن أخجل بشكلي بل على العكس خروجي كما انا كان يزيدني قوةً وثقة بالنفس.

لهذا لم أغرق في الاكتئاب الذي يسببه عامةً العلاج الكيميائي . كنت مرتاحة من الناحية النفسية، لكن أصعب ما في هذه التجربة كان التعب الجسدي. لم أكن منزعجة من شكلي، فقد تقبلته، لكن من التعب والإرهاق خصوصاً أنني أم لطفل في سن الثلاث سنوات ويحتاجني إلى جانبه.
كنت أشعر بالتقصير تجاهه  لكنني كنت أحاول قدر الإمكان أن أكون حاضرة وأن أعتني به، فيما كانت ظروف مرضي تمنعني أحياناً من اللعب معه كالسابق بشكل طبيعي، خصوصاً بعد خضوعي للجراحة.
كان من الطبيعي أن يتأثر طفلي بمرضي، كنت ألاحظه حزيناً ولا يعبر عما يحسه طوال العام الأول من دخوله إلى المدرسة الذي صادف عام خضوعي للعلاج.
أما بعد شفائي، فانقلبت طباعه رأساً على عقب وصارت لديه رد فعل معاكسة فأصبح صعب المراس ويتعبنا ويعذبنا بسبب هذه التجربة التي مررنا بها. كان يرى أمه مريضة وهو في سن لا يدرك جيداً يحصل وإن كنت أفسر له قدر الإمكان أنني مريضة وأحتاج إلى بعض الوقت لأشفى.
بالصلاة والإيمان تمكنت من تخطي هذه المرحلة بأفضل ما يكون. يعتبر الخوف طبيعياً لكن الايمان يزودنا بالأمل للشفاء، فالله موجود دائماً إلى جانبنا يمنحنا القوة لنتخطى القلق. في الواقع الإنسان لا يعطي الأمان الفعلي بل الله وحده يفعل».


ما بعد العلاج

مع انتهاء العلاج، خضعت ألين لعملية ترميم للثدي فأصبح مظهره طبيعياً. وتخضع الآن وقد مرت سنتان على انتهاء العلاج إلى فحوص روتينية كل 3 اشهر. إلا أنها توضح أنها لم تعد تجري صورة شعاعية لأن الثدي الأول مرمم والثاني أجرت له عملية تجميل في الوقت نفسه ليصبحا متشابهين وبالتالي، فالProthese يحول دون اعطاء نتيجة واضحة للصورة الشعاعية.
واليوم بعد مرورها بهذه التجربة تنصح كل صبية بأن: - تفحص ثدييها بنفسها في المنزل شهرياً أياً كانت سنها وألا تنتظر سن الأربعين لأن المرض قد يغدر بها قبل ذلك، ويمكن أن تلاحظ أي تغيّر في جسمها بنفسها فيكون العلاج أكثر فاعلية في حال الكشف المبكر.

أما في حال الإصابة بالمرض فتنصح أي امراة ألا تعتبرها نهاية العالم فهي مرحلة صعبة وتمر، والأهم التحلي بالإيمان لتخطيها كما فعلت هي. تنصح كل امرأة مصابة بالمرض بأن تضع هدفاً لحياتها وأن تخرج من هذه التجربة شخصاً آخر، فهي تجعلها أكثر قوة وأكثر تمسكاً بالحياة.
وتؤكد: «المرض ليس مخيفا،ً بل اسمه هو المخيف لنا، لكن الله يساعدنا على التغلب عليه. شخصياً كنت أقول لنفسي سوف أخرج من هذه التجربة منتصرة. حتى إذا كان قدري الموت فيجب ألاّ أكون ضعيفة مهزومة، بل قويّة أكافح لأهزم المرض . أنصح كل مريضة بأن تتحلى بالثقة بالنفس وأن تفكر بهذه الطريقة لتخرج منتصرة من هذه التجربة».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078