المهور الباهظة وتعنّت الآباء أهم أسباب «العنوسة» في السعودية
أكدت دراسة سعودية أن عدد الفتيات غير المتزوّجات في السعودية، مرشح للتزايد من مليون ونصف المليون فتاة حالياً، إلى نحو أربعة ملايين فتاة في السنوات الخمس المقبلة، وأشارت إلى أن 18 ألف حالة طلاق وقعت العام الماضي، مقابل ستين ألف عقد زواج، مما يشير إلى أن نسبة فشل الزواج هي 30 في المئة. وبيّنت إحصائية صدرت عن وزارة التخطيط في عام 2010 أن عدد «العوانس» اللواتي بلغن سن الزواج وصلنّ إلى مليون ونصف مليون فتاة في السعودية، حصدت مكة المكرمة النسبة الكبرى بوجود 396,248 فتاة، تلتها منطقة الرياض بـ327,427 فتاة، والمنطقة الشرقية بـ228,093 فتاة، ومنطقة عسير بـ130,812 فتاة، والمدينة المنورة بـ95,542 فتاة، وجازان بـ84,845 فتاة، فمنطقة القصيم بـ74,209 ، ثم الجوف بـ52,190 ، وحائل بـ43,275 فتاة، ثم تبوك بـ36,689 فتاة، والمنطقة الشمالية بـ21,543 فتاة. مع احتمال الزيادة خلال السنوات المقبلة. وأظهرت الإحصائية أن من أهم مسببات ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع السعودي، هو الزواج بأجنبيات بسبب ارتفاع المهور في بعض المناطق، إضافة إلى عجز بعض الشبان عن الزواج في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها بعضهم، وهو ما دفع ببعض الأسر والقبائل إلى السعي لتحديد المهور، وفرض عقوبات على من يخالف ذلك. «لها» تستعرض في هذا التحقيق بعض القصص الواقعية لفتيات اخترن العزوبية، وأخريات مازلن ينتظرن الفرصة القدر، آخذين بآراء أصحاب الاختصاص في هذا الموضوع...
هند سالم: راتبي الشهري حرمني من أن أصبح زوجة
هند سالم (44 سنة)، وهي معلمة في إحدى المدارس للمرحلة المتوسطة، رفض والدها تزويجها، على الرغم من كثرة المتقدمين إليها، وأصرّ على ذلك لأنه يريد «إنساناً من بيئة معينة، ومواصفات خاصة، فاضطررت لمواجهة والدي مواجهة شديدة وصريحة، بل أعتقد أنها وصلت إلى العنيفة. فلم أجد إلا والدتي التي صارحتها، لكني لم أستفد أيضاً لأن والدتي لا حول لها ولا قوة أمام والدي صاحب الكلمة النهائية في المنزل».
أوكلت سالم، أمرها إلى خالقها، وباتت تشاهد حلم الزواج وتأسيس العائلة في النوم فقط. وحاولت أن تبدأ بأي علاقة علّها تضع والدها أمام الأمر الواقع، عن ذلك تقول:» تعرفت إلى ابن الجيران، وهو رجل مُطلق، ولديه أبناء، إلا أن والدي علّم بالأمر، وانتشر الخبر كالنار في الهشيم بين الأهل والجيران، الأمر الذي اضطرني للانتقال مع عائلتي إلى مدينة أخرى بعد أن باع والدي منزلنا، ومازال يرفض أي شخص يتقدم لخطبتي، متذرعاً براتبي مع أن وضعنا المادي ليس بحاجة للريالات التي كنت أتقاضاها من المدرسة».
رهف الغامدي: أفضل أن أبقى «عانساً» على أن أُهان في منزل الزوجية
من جهة أخرى نجد أن رهف الغامدي (35 سنة) آثرت العزوبية على الزواج من رجلٍ يُهينها، أو يعنّفها كما كان والدها يفعل مع والدتها، تقول: «أجد أنه من الأفضل أن أبقى في بيت أبي معززة، مكرمة، عوضاً عن إهانة قد أتلقاها من (زوج)، وقد سمعت الكثير من قصص الصديقات، عن مزاجية الأزواج، وتعنيفهم لزوجاتهم، وضربهم في الكثير من الأحيان، كما أنني كنت شاهده عيان على قسوة والدي على والدتي، وبت أخشى الزواج، فإذا تزوجت ولم أتأقلم معه سيتم الانفصال، وسأبقى عرضة لفرصة أخرى قد تكون أسوأ من سابقتها، لذلك أفضل أن أبقى حُرّة».
هالة النفجان: قبل عقد القران أستغرب قبولي بالزواج وأنهي كل شيء
من جانبها قالت هالة النفجان (46 سنة)، أنه ومهما «امتنعت الفتاة برغبتها عن الزواج ، يبقى هذا الأمر بالنسبة إليها، حلماً، وطبيعة بشرية خُلقنا جميعنا لأجلها، ناهيك عن إحساس الأمومة، الذي يُغير الفتاة إلى إنسان آخر، بمشاعر مختلفة، لا أعتقد أن أي فتاة لا تحلم بأن تصبح زوجة، وأماً، ليقاسمها حياتها رجل وأبناء».
تروي النفجان قصتها التي جعلت منها معلمة أجيال، وصديقة لطالباتها، وضيفة في أفراحهن، وهي التي ظلت تنتظر دورها، إلا أن اليوم لم يأتِ بعد. عن هذا تقول:» كلما تقدم لي خاطب، فرحت به، وأخذت أرسم في ذهني أحلام الرحلات الوردية، التي سنعيشها معاً بعد الزواج. وفي كل مرة، نتفق على تفاصيل الزواج، ونحدد موعداً مع المأذون الشرعي، وقبيل هذا الموعد، ينقلب الحال معي، ويدب في جسدي ما يشبه الصاعقة الكهربائية، تجعلني أستغرب قبولي بالزواج، وبين محاولات أمي المُلّحة بإتمام الزواج، ورفضي الشديد، تبدأ الخلافات بيننا، ويتواصل الصراخ في البيت، وينتهي كل هذا باتصال من أبي للخاطب، يخبره أن الزواج قسمة ونصيب، وأنه لا يملك نصيباً عندنا، ويؤكد له، في الوقت نفسه، أنه شاب جيد، وليس فيه عيب يذكر... لا أعلم كيف يحصل ذلك، ولماذا، لدرجة أنني بعد الاعتذار عن عدم قبولي بالزواج من الخاطب، أتمنى من أمي أن تبحث عن طريقة تعيد لي هذه الفرصة، ولكن دون جدوى».
تتابع: « أجزم بأن عدد الذين تقدموا إلي بطريقة رسمية تجاوز 30 شاباً ولم أوافق على الاقتران بأي منهم، وقد وصل الأمر في إحدى المرات إلى وصول المأذون إلى منزلنا لعقد القِران، وسألني هل أنتِ هالة، أجبته بنعم، وقال: هل توافقين من الزواج على فلان بن فلان؟ فبدأت أطرافي تتجمد، وتملكتني رعشة، لا أعرف من أين مصدرها، وصرخت أمام الجميع لا لا، بدون أن أشعر! وكأن أحداً ينطقها بالنيابة عني، وأخذت أبكي بشدة، وخرج الخاطب وأهله من المنزل، ظناً منهم أن والديّ قد أرغماني على الزواج منه، مع أنه كان أحد أبناء العائلات المعروفة والثرية في جدة، ولم يصدق ما حصل، وخرج غاضباً من منزلنا، ليخرج بعده المأذون الذي بذل محاولات لإقناعي بالزواج، ولكن دون فائدة، فما كان من والدي إلا أن صفعني لشعوره بالإحراج أمام الناس».
اليوم تعيش هالة وحيدة، مع والديها، ومازالت تنتظر أن تتسنّى لها فرصة أخرى، علّها تحقق مُرادها في أن تكون أُماً، وزوجة، لافتة إلى أن حالتها النفسية تزداد سوءاً، يوماً بعد يوم، «وبتُ أشعر بأنني همّ كبير على أسرتي، خاصةوأن أخواتي الصغيرات تزوجنّ في أعمار لا تتجاوز الحادية والعشرين، إلا أنا».
عائشة سليمان: يجب تغيير كلمة عانس
أبدت عائشة سليمان استغرابها عدم تغيير مصطلح العنوسة بـ « تأخر في الزواج»، ذلك لأن وقع الكلمة على الفتيات أخف وطأة من كلمة عانس. ومع الظروف الحالية، والانفتاح الذي بات يشهده المجتمع السعودي، وسعي المرأة إلى شق طريقها بذاتها، أجد أن هناك فتيات اخترن عدم الارتباط، لأسباب كثيرة، أهمها عدم قدرة الشاب على دفع مبالغ مالية باهظة للمهور وتكاليف حفلات الزفاف، وبالتالي لن يتمكن من أن يصرف على زوجته وبيته مستقبلاً، كما أن القصص التي تدور حولنا، من تعنيف الزوجات، وتعنت الأزواج، باتت تُخيف الكثيرات، فيفضّلن البقاء وحدهنّ على أن يرتبطن بمن يُهينهن أو يضربهن». وأكدت أن السبب الرئيسي لوصول الفتاة إلى مرحلة العنوسة هو «تعنت الآباء، خاصة ممن يتلذذون في استلام رواتبهن، غير آبهين بزواجهن أم لا، باحثين عن أي عيب قد يُبعد هذا المتقدم من الاقتراب من بناته».
د. الطويرقي: العنوسة في السعودية جرس إنذار
قال استشاري الطب النفسي الدكتور جمال سالم الطويرقي أنه لا بد أن «نعرف مصدر هذه الدراسة لنتأكد من صحة أرقامها، وأسباب العنوسة التي ذكرتها، والوارد فيها زواج القاصرات. في مسألة العنوسة يجب توضيح الكثير من الأمور، أصبح هناك قانون في السعودية وفي العالم يجرّم الاتجار بالبشر، و زواج القاصرات يندرج تحت هذا النوع من الاتجار بالبشر. كما أن ديننا الإسلامي حرم هذا النوع من الجرائم، وعندما نجد أن أباً يبيع ابنته التي لا تتجاوز سن 12 سنة، ويقبض ثمنها، يكون من غير المنطقي أن نضع زواج القاصرات من ضمن أسباب العنوسة في السعودية. ويجب علينا تحديد عمر المرأة حتى تستحق لقب عانس، هل هو في سن 30 سنة، في السابق كان متوسط معدلات الزواج في سن 20 سنة، أما اليوم فنجد أن هذه الأرقام تغيرت لأسباب كثيرة، أولها زيادة التمدن، بمعنى أن الفتاة تسعى لإنهاء دراستها في كل المراحل، وصولا إلى الجامعة، لتصل إلى عمر 24 سنة، وهناك تبحث عن الوظيفة، أو إكمال الدراسة لنجدها وصلت إلى سن 30 - 35 سنة، دون ارتباط، حتى أن الشاب ليتمكن من توفير المال ليتزوج، يصل إلى سن 28 سنة، وهذا ما لا نستطيع أن نطلق عليه عنوسة، فما فوق سن 40 هنا يُقال عنها عنوسة، أما في سن الـ 30 فهي تحتمل النقاش، ولا بد من تحديد السن التي اعتمدتها الدراسة لتقول إن عدد العوانس في السعودية في ازدياد».
ولفت الطويرقي إلى ضرورة تغيير بعض المفاهيم الاجتماعية التي ما زال المجتمع السعودي يؤمن بها «كزواج ابنة العم من ابن عمها، ورفض بعض القبائل تزويج أبنائهم وبناتهم من قبيلة أخرى...».
وختم أن العنوسة في السعودية، و«رغم غياب إحصائيات وأرقام تُشير إلى زيادتها، هي جرس إنذار، فالبذخ المدني الموجود في المجتمعات الخليجية على وجه العموم، والسعودية على وجه الخصوص، يجعل الشباب يعزف عن الزواج المبكر، لأنه يفتقد العنصر المادي الذي يمكّنه من تسديد المهر، وتكاليف الزواج الباهظة... لا بد من تسليط الضوء على مسألة المهور، وهي المشكلة الأساسية للعنوسة».
الجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج والتوجيه الأسري
من جانبه، ذكر نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج والتوجيه الأسري في جدة الشيخ أنس بن عبد الوهاب زرعة «أن الجمعية استطاعت رسم إستراتيجية لأهداف بعيدة المدى وأخرى قريبة تحقق الهدف الرئيسي من إنشائها، وهو مساعدة الشباب والفتيات على الزواج، والقضاء على مشكلة العنوسة، وتوعية الشباب بأهمية الزواج والتفقه في أموره، وترشيد نفقاته، وحض المجتمع على تيسير أمور الزواج بخفض تكاليفه، إلى جانب تحقيق التكافل الاجتماعي. ويتمثل دورنا كجمعية خيرية إلى تسهيل أمور الزواج فالرغبة موجودة لدى الجنسين، لكن الصعوبة تكمن في تجهيز متطلبات الزواج من مهر، وأثاث، وأجهزة كهربائية، وقاعة لإقامة حفلة الزفاف، كل هذه الأمور من أهم العقبات التي تعترض أي شاب، يرغب في الزواج، لنوفر كل ذلك بل وأكثر، ونيسر على الشاب، وما عليه سوى التقدم إلينا بطلب مساعدة. وقد بلغ إجمالي عدد المتزوجين من خلال الجمعية 46150 شاباً وفتاة».
وحول الإحصائيات التي يتم الإستناد إليها في حصر نسب العنوسة خلال أعوام سابقة قال زرعة إن نتائج أحدث المسوح السكانية التي أجرتها مصلحة الإحصاءات العامة في المملكة العربية السعودية لعام 2007 أظهرت أن نسبة السكان السعوديين الإناث في سن 15 سنة فأكثر، اللواتي لم يسبق لهن الزواج بلغت 32.1 في المئة وبالنسبة إلى السعوديين الذكور 15 سنة فأكثر، بلغت نسبة الذين لم يسبق لهم الزواج 40.1 في المئة. مشيراً إلى أن « كل تلك الدراسات والنتائج تدعونا لمضاعفة الجهد والعمل لمساعدة الشباب والفتيات على الزواج».
د. المعبي: بعض الآباء سبب تأخر زواج بناتهن
عبرت المستشارة الأسرية الدكتورة زهرة المعبي عن استيائها الشديد من هذه الأرقام الخيالية، الُمصنِفة لفئة العوانس، لافتة إلى ضرورة تحديد سن معينة للفتاة لتستحق لقب عانس، تقول: «مع أني لست مع المصطلح إلا أنه موجود في مجتمعنا، فنجد أن كل فتاة تخطت سن 40 سنة، تصف نفسها دون أن تعلنها، بأنها في دائرة العوانس، وبحسب ثقافة المجتمع يختلف عمر الفتاة في إطلاق لقب عانس عليها».
وأشارت إلى أن «هناك نساء يفتخرن بأن يكنّ مطلقات، على أن يكنّ حاملات للقب عانس، وأنا أقول هنا إنه وللأسف الشديد، وصلنا إلى هذا الحد في المجتمعات الخليجية والعربية. ولعل أكبر مُسبب لمشكلة العنوسة في السعودية هم الآباء والأخوان، وهي حقيقة مؤلمة للفتاة أن يكون شخص من داخل عائلتها يرفض تزويجها. وإن تجاوزنا التكاليف الباهظة، والمهور المرتفعة، وبعض الشروط التعجيزية نجد أن الآباء سبب عنوسة بناتهم بسبب طمعهم برواتبهن».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024