المدخل... خطوة أولى لنسيان الخارج!
كلاسيكياً كان أو حديثاً، مهيباً أو بسيطاً، رحباً أو ضيقاً، يبقى المدخل المكان الأكثر إخلاصاً في التعبير عن مزاج المنزل. ومن خلاله يمكننا قراءة المفردات الزخرفية التي يكتنزها الفضاء الداخلي، بل هو يترجم في كثير من الأحيان رموزها والإشارات التي تمنحها المعاني.
لذا يمكن إعتباره بمثابة الألف في أناقة المكان. ومن هذا المنظور، يبدو تنسيقه مهمة صعبة وحساسة، تتطلب الكثير من الاهتمام والمهارة والتدبر.
ولأن المدخل يوزع «ضيافته» الى كل أركان المنزل، فإنه ينبغي أن يعكس من خلال تنسيقاته وعناصره وأكسسواراته وأشكالها وألوانها، طبيعة الأمكنة وأمزجتها، وربما الى حد بعيد عبقريتها.
صحيح أن «الوظيفة» التي يضطلع بها ليست بالبسيطة، وهي تتطلب الكثير من الجهد لصياغة مهماتها، ولكن أيضاً مراعاة جمالياته وقيمها أمر تحتمه هذه الوظيفة نفسها، ليبدو مضيافاً ورشيقاً.
لذا فإن الصياغات المتنوعة لتنسيقاته ينبغي أن تراعي في تكوينها تفاصيل بقية مساحات وأركان المنزل. لتأتي النتيجة معبرة ليس عن مظاهر شكلية فحسب، وإنما أيضاَ عن ملامح هوية.
إن كل تفصيل فيه يشكل مفتاحاً لباب واقعي أو إفتراضي. فالمسألة ليست مجرد إفتعال لإثارة الدهشة منذ الخطوة الأولى، بل هي دقة محسوبة ومدروسة وبراعة في الاختيار والتوزيع، واختيار الأشكال والألوان والأحجام، وتوزيع العناصر وتنسيقها من أجل ضمان حرية أكبر للحركة والتنقل والعبور.
ولأن المدخل اختصار لمجموعة مفاهيم خاصة وعامة، فإن إستثمار المكان بكليته أمر ضروري وحيوي، فالأرضية والجدران والسقوف والأبواب كلها تكتسب أهمية موازية للفضاء نفسه أو للمساحة عينها.
ولعل من الأهمية بمكان الإهتمام البالغ في خيارات المواد التي ينبغي أن تكون امتداداً للخيارات في الأركان المختلفة للمنزل.
وفي مساحة محددة يتطلب الأمر براعة فائقة وخبرة متراكمة من أجل تبديد «الصخب» البصري الذي يمكن أن ينتجه وجود مواد عديدة - متناقضة في بعض الأحيان - في مكان واحد. فالمهارة في تحقيق تناغم وتناسق وانسجام تبدو أساسية للحصول على نتائج مضمونة.
الأخشاب والمعادن، الزجاج والجلود، أو أي من المواد النبيلة أو المصنعة، تبدو متاحة للدخول الى تنسيقات المدخل، على الأخص إذا استطعنا أن نزاوج بينها أو نقيم علاقات تفضي الى أجواء مرغوبة.
واستخدام هذه المواد المتنوعة ومختلفة « الطبائع» يشكل في حد ذاته تحدياً جمالياً لا يمكن التعامل معه بسهولة. فنحن هنا إزاء عملية توليد مناخ متّحد من عناصر متفرقة.
وفي جميع الأحوال، فإن ما تقدمه سوق الزخرفة من إمكانات – مواد وتصورات – يختصر الكثير من المراحل التي تتطلب الجهد والدراسة. فثمة عناصر – أثاث وأكسسوار – مصممة خصيصاً للمداخل.
وحين نتحدّث عن أثاث وأكسسوارات في المداخل فإن ذلك يشمل كل الزوايا والمساحات التي يتشكل منها المدخل، وبالطبع فهو يشمل الأرضية بكل خصوصياتها، والجدران بكل احتياجاتها، والأبواب بكل تقنياتها.
بالتأكيد إن الواقع الهندسي للمدخل يحتم خيارات تنطلق من طابعه وتراعي خطوطه. ففي كثير من الحالات تفرض هذه الخطوط ميولها في خيارات المواد والألوان والأشكال أيضاً. وقد يكون من المحتمل في حالات أخرى، أن تتطلب الخيارات تعديلات محدودة في الخطوط أو في الهيكل الهندسي.
على أن المسألة في النهاية تبقى محصورة في التصوّر العام للمكان برمته. ففي لحظة ما، سنجد أن المدخل قد يندمج تماماً مع الفضاء العام للمنزل، ليتحول الى ركن من أركانه، رغم إحتفاظه بخصوصياته الوظيفية.
ومثل هذا الأمر، يمكن أن ينطبق على كل الأنماط التي تطرحها الهياكل الهندسية. فأن يكون للمدخل طابع هندسي كلاسيكي بجدران ضخمة، مرتفعة، قد يستدعي تفريغ بعضها وترصيعها بمربعات من الزجاج الشفاف مما يضفي على المكان طابعاً غير متوقع من الحداثة.
وأن يكون للمدخل شكل هندسي صارم – مربع أو مستطيل – بخطوط مستقيمة، نقية، قد يستدعي إلغاء باب رئيسي يقود إلى الصالون – مثلاً – وإبداله بقوس مشغول بروحية كلاسيكية يولّد في جو المكان لفتة ناعمة لمزاوجة غير صادمة، يتحوّل بفضلها الصالون الى إمتداد للمدخل أو يتحول المدخل الى إمتداد للصالون.
أمثلة كثيرة يمكن طرحها في هذا المجال، يتوقف كل منها ليس فقط على شروط المكان، وإنما أيضاً على رغبات أصحاب المكان وميولهم.
وشيء آخر لا بد من الالتفات إليه أثناء الحديث عن المدخل، وهو الإضاءة بكل تقنياتها وتصاميمها وإبتكاراتها. فللإضاءة دور بارز في تنسيق المداخل، لذا ينبغي اختيارها بعناية فائقة تراعي أبعاد المكان وتنسيقاته. وتتوافر في الأسواق المختصة خيارات لا محدودة لعناصر الإضاءة التخصصية.
كما أن الأعمال الفنية من لوحات أو منحوتات تمنح المدخل ملامح خاصة جذابة وتؤهله ليكون مضيافاً وكريماً أكثر من أي مكان آخر.
وإذا كان «الكونسول» أو المقاعد «الفانتازية» أو الأكسسوارات الطليعية، تشكل أساسيات لديكور المدخل، فإن الأمر الذي لا يقل أهمية عن هذا كله يكمن في جعل القادم الى المنزل ينسى منذ الخطوة الأولى في الداخل، أن للمدخل باباً يمكن إغلاقه.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024