عندما يصبح الزوج سر شفاء المرأة
لا تقتصر الآثار السلبية لسرطان الثدي على صحة المرأة وجسدها، بل تشمل حالتها النفسية بعد أن تتزعزغ ثقتها بنفسها في كثير من الأحيان. فبالنسبة إلى المرأة التي تمر بهذه التجربة، يمس المرض جانباً مهماً من أنوثتها، وهذا تحديداً ما يفقدها ثقتها بنفسها نتيجة القلق من نظرة الآخرين إليها.
في تلك المرحلة بشكل خاص، يبرز دور الزوج ليساعدها على تخطي هذه المرحلة من خلال طريقة تعامله الإيجابية معها.
فوجوده إلى جانبها كرجل ونظرته إليها وطريقة تعامله معها، كلّها عناصر تلعب دوراً اساسياً في وصولها إلى بر الأمان وعدم وقوعها ضحية الاكتئاب الذي يصعب الخروج منه.
دور الرجل أساسي في حياة مريضة سرطان الثدي ليتخطيا معاً هذه المرحلة الصعبة، خصوصاً أن المرأة تكون عندها في غاية الحساسية وتفاصيل بسيطة يمكن أن تؤثر فيها، وتؤدي بها إلى الإحباط نتيجة فقدان الثقة بالنفس.
السيدة ليلى عجم مرت بتجربة المرض وعاشت لحظات صعبة، إلا ان وقوف زوجها بجانبها في اللحظات الصعبة ساعدها في الحفاظ على ثقتها بنفسها وبجاذبيتها كامرأة، فلم تترك مجالاً للمرض ليؤثر فيها وفي أنوثتها ونظرتها إلى نفسها.
تزوج السيد عبد الحفيظ عجم وزوجته ليلى قبل 38 عاماً، ولطالما كانا قريبين من بعضهما بعضاً في اللحظات السعيدة والمرّة على حد سواء.
إلا أن وجود الأولاد والانشغال الدائم بأمورهم وبتلبية حاجاتهم أثّرا إلى حد ما في انشغال أحدهما عن الآخر. عن علاقتها بزوجها تقول ليلى عجم: «ساهم مرضي في تقرّب أحدنا من الآخر.
زوجي يكبرني بـ 16 عاماً، إلا أنني لم أشعر يوماً بفارق السن بيننا. في فترة مرضي شعرت فعلاً بهذا الفارق، إلا أن ذلك كان إيجابياً ولمصلحتي في هذه المرحلة الدقيقة لأنه أظهر كل اهتمامه الزائد بي كأب وزوج وحبيب وصديق، حتى أنه كان يراني بشكل افضل مما كنت أرى نفسي ويتابع كل التفاصيل المرتبطة بحالتي ليدعمني ويساعدني. كان هو مرآتي في تلك المرحلة».
في أي فترة من المرض احتجت أكثر إلى وجوده إلى جانبك ودعمه لك؟
الفترة الاصعب لي كانت عندما فقدت شعري وحاجبيّ. اصبح رأسي عندها كرأس الطفل ففقدت ثقتي بنفسي وتعبت كثيراً من الناحية النفسية، فطبيبي لم يشأ أن يحمي شعري أثناء العلاج للتأكد من الاستفادة التامة، خصوصاً أن المرض كان في المرحلة الثالثة إلى الرابعة عندما اكتشفته.
أذكر أن شعري تساقط بكميات كبيرة عندما كنت استحم في النادي بعد ممارسة الرياضة، فرحت ألملم شعري المتناثر أرضاً ووضعته في المنشفة ثم ارتديت ملابسي واعتمرت قبعة وخرجت مسرعة واتصلت بزوجي باكية، لكنه راح يهدئ من روعي بالقول «لماذا تبكين؟ هذا لا يشكل مفاجأة لنا لأننا كنا نعرف مسبقاً أن شعرك سيتساقط وأنه سيعود لينبت مجدداً».
وصلت إلى المنزل ووجدت أنه ترك عمله وكان في انتظاري في المنزل ليهدئني فكان لي دعماً مهماً في تلك اللحظات الصعبة.
في مرحلة العلاج الكيميائي انتفخ جسمي بالكامل بسبب العلاج وتبدل شكلي تماماً وظهر اسوداد في مواضع معينة، ومنها أظافري، وكذلك ازرقاق في شفتيّ. كان وضعي سيئاً للغاية لأنّني فقدت كل عناصر الانوثة التي تتمتع بها المرأة.
فهل كان من السهل عليّ أن أتقبل كل ذلك بعدما فقدت كل نقاط الجاذبية لدي كامرأة لولا وجوده إلى جانبي؟ في الواقع كان زوجي يمازحني عندما سقط شعري. حتى أنه بقيت شعرات متناثرة في رأسي حلقها لي بنفسه، وعندما رأى أن ثمة جرحاً في رأسي مازحني بالقول: «أهلك خدعوني ولم يخبروني بوجود هذا الجرح في رأسك». عندما كنت أشعر بالخجل بسبب فقدان شعري وأركض إلى الغرفة عندما يقرع الباب وأغطي رأسي بسرعة قبل أن يراني أحد، كان يوبخني مستغرباً سبب خجلي من هذا الموضوع ويقول: «أين العيب في أن يراك الناس بهذا الشكل؟ فليروكِ دون شعر، أين المشكلة في ذلك؟».
هل كنت تشعرين بالخجل من كشف رأسك أمامه؟
لم أشعر يوماً بالخجل من كشف رأسي أمام زوجي لأن نظرته إلي كانت عادية من البداية وتتخطى كل هذه التفاصيل التي يعتبرها سخيفة أصلاً ولا يعيرها أهمية. لذلك كان هو الاقرب مني في هذه المرحلة ووجوده إلى جانبي يريحني كثيراً.
دعم زوجي ساعدني في الحفاظ على ثقتي بنفسي فكنت أفخر بشكلي ولم أواجه يوماً مشكلة من هذه الناحية. لم يكن يسمح لي بالتركيز على ذلك، بل بالعكس كان يساندني لأتخطى هذا الموضوع وأكون فخورة بنفسي دائماً. لكن اشير إلى أن الأهل والاصدقاء كانوا إلى جانبي ودعموني لأتخطى هذه المرحلة.
من كان أول شخص أخبرته عن مرضك عندما اكتشفته؟
كان أحد أصدقائي أول من أخبرته عن مرضي طالبةً منه إيجاد الطريقة المناسبة لأخبر فيها زوجي بموضوع مرضي من دون أن يؤثر ذلك فيه، وهذا كان كل همي، وذلك خوفاً على صحته لأنه كان يعاني مشكلة في القلب.
كنت أريد أن اجد الطريقة المناسبة لأنني لم أجد الجرأة اللازمة لأخبره بنفسي. لذلك أخبره الطبيب على طريقته بشكل مبسط خوفاً عليه من رد فعل قوي بسبب الحزن. فكان الهدف إخباره بطريقة مبسطة .
كيف كان ردة فعله عندها؟
زوجي من النوع القوي ولا يعبر بسهولة عن أحاسيسه. لكنني تحدثت معه مباشرةً بعدها مؤكدة أن هذا المرض رسالة لي وله لنتقرب من بعضنا ونكون معاً لأننا واحد.
هل لاحظت أنه ضعف في فترة من الفترات؟
لا شك في أنه كان قلقاً كثيراً علي لكنه كان قوياً وساندني. في فترة من الفترات انزعج من كثرة اهتمام الناس بي وزياراتهم فرأى عندها أن الاهتمام كثر من حولي وهو لم يعد يراني لأن الناس يأتون للاطمئنان إلي طوال الوقت.
شعر عندها أنني لم أعد له، خصوصاً أنه بعد هذه الزيارات المتكررة كنت أتعب في المساء وأنام. أما المرحلة التي ضعف فيها فعلاً وانهار، فهي تلك التي تركت فيها المنزل في حرب 2006 عندما نقلتني السفارة الأميركية إلى أميركا لأتابع العلاج هناك بسبب ظروف الحرب في لبنان. عندها انهار وشعر بالوحدة بسبب غيابي عن المنزل، فكانت هذه أصعب المراحل في مرضي بالنسبة إليه.
في علم النفس
د. ديزيريه قزي: الرجل الذي يهجر زوجته في مرضها ضعيف الشخصية ويرى في مرضها ضعفه
عندما تصاب المرأة بسرطان الثدي، أكثر ما تحتاج إليه هو دعم أقرب المقربين إليها، خصوصاً زوجها الذي تعتبره مصدر قوة لها. فإما أن يكون الزوج الداعم والسند لزوجته فيمدها بالقوة ويعيد إليها ثقتها بنفسها عند إصابتها بهذا المرض الذي يمس جانباً مهماً من أنوثتها، أو أن يتخلى عنها أو يضعف فيغرقها في بحر من الاكتئاب.
الدكتورة اللبنانية الاختصاصية في علم النفس ديزيريه قزي تحدثت هنا عن دور الزوج الذي يمكن أن يكون سلبياً أو إيجابياً بالنسبة إلى المريضة. قالت: «الموضوع حساس جداً بالنسبة إلى المرأة، فسرطان الثدي يصيب جانباً مهماً في حياتها كامرأة لأن الثدي بالنسبة إليها يرتبط بأنوثتها والرضاعة والأمومة.
وهي في لا وعيها تربط ما بينه وبين قدراتها الجنسية وجاذبيتها. لذلك تحتاج إلى الكثير من المعنويات والدعم حتى لا تقع في الإحباط. فإذا كانت المرأة مستعدة للإحباط، يسهل أن تقع فيه في هذه المرحلة .
لذلك يلعب المحيط دوراً مهماً في إنقاذها، خصوصاً الزوج. فالمرأة تتأثر بنظرة زوجها إليها وما إذا كانت قد تغيرت في مرحلة مرضها. يجب أن يشعرها باستمرار بجاذبيتها وبأن نظرته إليها لم تتغير وأن حبه لم يتبدل.
وهذا وحده لا يكفي فيجب ألا يعتبر أن الموضوع قد انتهى هنا، بل يجب أن يجلس معها ويستمع إليها ويسمح لها بالتعبير عما تحس به. هي تحتاج لأن تبكي أمامه وتعبّر عن مشاعرها.
هنا يكمن دوره في نظرته إليها وطريقة تعامله معها. يجب أن يشعرها بأن نظرته إليها كامرأة لم تتغير وأن المرض لم يؤثر في حبه لها. فالإهمال يؤثر فيها إلى حد كبير، خصوصاً أن تقال لها كلمات مثل «لم تعودي كالسابق» أو «تغيرتِ كثيراً».
عبارات كهذه كفيلة بإغراقها في الاكتئاب. التغيّر طبيعي في هذه المرحلة ويجب عدم تسليط الضوء عليه، ويجب أن يوضح لها زوجها ذلك حتى لا تتأثر بهذه التفاصيل المرتبطة بجاذبيتها وأنوثتها.
من الطبيعي أن تتأثر نفسياً بمرضها لكن زوجها الذي يساندها يساعدها على تخطي هذه المرحلة من خلال حبه لها فيخرجان معاً من هذه المرحلة ويتابعان حياتهما بشكل طبيعي ويتخطيان الموضوع.
ولا بد من التوضيح أنه يجب الا يكون الزوج في هذه المرحلة بمثابة أب أو أم حاضنة في الوقت نفسه، لزوجته.
فالإفراط في العناية بها يشعرها بالضيق. يجب ان يبقى زوجها الرجل الذي يشعرها بقيمتها كامرأة وأن يكون الصديق الذي يمكن أن تعتمد عليه في هذه الظروف الصعبة فيستمع إليها ويعرف ما تحس به. هذا الدور تحديداً مطلوب وضروري».
من جهة أخرى، تشير قزي إلى أنه في هذه المرحلة، قد تواجه المرأة مشكلة البرودة الجنسية بسبب حالتها. يمكن أن يسترجعها زوجها فتعود الأمور إلى مجراها بفضل علاقة الصداقة المتينة بينهما عندما يعيش معها ما تعيشه ويحس بما تمر به حتى يتخطيا هذه المرحلة. أما أن يهمل هذه الأمور ويركز على نقاط ضعفها فأمر يسيء إليها.
أما عن الرجال الذين يهجرون زوجاتهم بسبب المرض فتقول قزي: «ثمة أشخاص لا تتحمل شخصياتهم هذه الظروف التي تتطلب الشجاعة والتحدي. هؤلاء في غاية الضعف.
الزوج الذي يهجر زوجته في هذه المرحلة يعاني ضعفاً في الشخصية ويرى في مرض زوجته ضعفه. لذلك يفضل عدم مواجهة هذه الظروف والهروب منها لأنه يخشى المجهول ويخاف ألا يتمكن من مواجهة هذا النوع من التحديات.
ومما لا شك فيه أن هذا النوع من الظروف يعتبر في غاية الصعوبة على المريضة التي يجب أن تتحلى عندها بالكثير من الشجاعة والقوة. لكن غالباً ما تكون معتادة على تصرفاته هذه وتعرف شخصيته وتتوقع منه هذا التصرف.
يجب أن تتحمل جيداً فكرة أن يتركها في هذه الظروف الصعبة. من هنا أهمية أن تكون العلاقة بين الزوجين متينة ومبنية على الصداقة والحوار، فتكون عندها قوية في أصعب الظروف ويواجهها الاثنان معاً مهما حصل ويتمكنان من تخطي الصعاب».
هل شعرت بأن مرحلة المرض والشفاء منه شكلت مرحلة انتقالية في علاقتك بزوجك؟
مرضي قربني كثيراً من زوجي فشعر كل منا بحاجته إلى الآخر وأحسّ كلانا بقربه من الآخر. كل ما فعله زوجي معي قربني أكثر منه وعرفت قيمته عندي بشكل أفضل، فلم يتركني أضعف وإن للحظة، وكان يمدني بالقوة طوال الوقت لأكافح المرض، ولولاه لما نجحت في ذلك ولما حافظت على ثقتي بنفسي. وعندما شفيت عدت إلى المنزل ووجدته مزيناً بالازهار لتهنئتي بالشفاء.
بعد أسبوع أخذني في رحلة في البحر لمدة شهر كامل قمنا فيها بجولة حول العالم لأنه رآني أعيش مجدداً وأعود إلى الحياة. كان شهر عسل بالنسبة إلينا لأنه اعتبر أنني عدت إلى العائلة سليمة معافاة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024