غرف الأطفال: ممالك يؤثثها الكبار...
على الرغم من التحوّلات والتغيّرات الكثيرة التي شهدها مفهوم غرفة الطفل حيث كانت الألوان، مرة، تلعب دور البطولة، ومرة أخرى كانت الأشكال سيدة المكان، بقيت رغبات الأهل وميولهم وتمنياتهم ترسم آفاق هذا الفضاء، وتحدد خطوط خصوصيته، تبعاً لآرائهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية.
لذا فإن المسألة ينبغي النظر إليها بكثير من التفحص، ذلك أن الخيارات الخاصة بغرف الأطفال ستشارك بفعالية في تكوين تطلّعات الطفل، وتشكيل ميوله وأيضاً في توليد رغباته.
ما نسميه غرفة الطفل، هو في الحقيقة عالم متكامل بكل أبعاده وآفاقه وتفاصيله، وهنا تكمن الأهمية، وأيضاً المسؤولية التي ينبغي التنبّه لها عند تصميم غرف الأطفال وتبنّي الخيارات لها بدءاً من الألوان مروراً بالأثاث – أشكاله و مواده – وإنتهاء بالأكسسوارات.
ذلك أن كل هذه العناصر تكتسب الأهمية نفسها وتتطلب المستوى ذاته من المسؤولية ودقة الاختيار، ليس فقط من الناحية الوظيفية أو الجمالية، وإنما أيضاً من الناحيتين النفسية والأمنية على حد سواء.
وحين نقول «عالم» فإن ذلك يشير إلى المعنى المباشر للكلمة، ذلك أن هذه الغرفة تتحول، بوجود الطفل فيها، إلى مكان ليس للنوم والدراسة واللهو فقط، وإنما أيضاً إلى فضاء حميم يودعه أسراره وخيالاته وأحلامه وطموحاته.
ومن هنا ينبغي، بداية، الاعتراف بحق الطفل في ممارسة حياته في هذا العالم دون معوقات أو منغصات وفي بيئة آمنة بعيدة عن الأخطار وكل ما يمكن أن يحد من حركته وحريته في ممارسة نشاطاته المختلفة بكل راحة وأمان.
وانطلاقاً من هذا المفهوم، نجد اليوم ميلاً واضحاً لدى المصممين والمهتمين بعالم الأطفال، نحو الخروج ولو بحذر من الأجواء التقليدية التي كانت تتحكّم في طبيعة ومحتويات غرف الأطفال، فنلاحظ، مثلاً، تنحياً للألوان الوردية والزهرية في ما يخص البنات، والتي كانت تلحقهم بعوالم الأميرات الصغيرات.
كما نلاحظ تجنباً للألوان الزرقاء التي كانت تخيّم على أجواء غرف الصبيان، وتطلق مخيلاتهم نحو الحكايات الوهمية للقراصنة الصغار.
ومن هذه الأجواء نرى إتجاهات حديثة للخروج من هذه النمطية، وتوليد معادلة جديدة تنفتح على متغيرات العصر ومنجزاته، وتفسح المجال لكل الألوان بأن تشارك في تأسيس ملامح جديدة لأجواء أكثر طرافة وإثارة، وأكثر ملاءمة لمعطيات الحياة المعاصرة.
على أن هذه العملية لا تستبعد معايير أساسية، ينبغي الأخذ بها والمحافظة عليها، مثل التصاميم المتينة والمتماسكة والتي تخلو من الزوايا الحادة أو النتوءات والحواف البارزة والتي تعيق حركة الطفل وتعرضه للخطر عند السقوط فوقها أو الأصطدام بها.
كما أن مكان السرير وارتفاعه يكتسبان أهمية كبيرة، وذلك من أجل تجنيب الطفل السقوط عنه أو تتيح له الأقتراب من الأرفف لألتقاط الأشياء عنها أو محاولة اللهو بالأشياء المعلقة على الجدران. ويجب وضع السرير بدقة تسهيلاً لحركة الطفل وإنسيابية تنقّله في الغرفة.
انطلق المبدعون في تصاميمهم الجديدة لهذا العام من رغبة حقيقية في التغيير والاستفادة إلى أبعد حدود مما تقدمه التقنيات الحديثة المتطورة من إمكانات مذهلة، لتطويع الأشكال والمواد وابتكار أجواء جديدة بأساليب وألوان غير مسبوقة تستميل المزاج وتحرك العواطف.
وقد شهدت المعارض العالمية والدولية نماذج مختلفة من التصاميم التي تتلاءم مع اتجاهات التطوير، يحمل بعضها طابعاً حديثاً يزهو بالألوان والأفكار الجديدة العملية المتطورة والتي طرحت بعضها الشركة الأيطالية والعالمية «دير كيدز» Dearkids المتخصصة في انتاج غرف الأطفال وذلك بالإضافة الى الشركات العالمية الأخرى مثل الماركة الفرنسية «غوتييه» التي قدّمت أنماطاً اخرى من أثاث الغرف التي ترافق الطفل من بداية سنواته الأولى حتى سن المراهقة، وذلك بعد إدخال تعديلات طفيفة على بعض قطع الأثاث مثل حجم السرير أو كرسي المكتب.
فهذا النموذج من التصاميم يعتبر من الأساليب الذكية التي تستثمر المساحة بمظاهر مبتكرة من الأثاث الحديث والمتطور، والذي يمكن استخدامه من جانب الشباب والبنات على السواء، فهو يعتمد على ابتكار وحدات مندمجة من الأثاث التي تضم السرير والرفوف خزانة الملابس والمكتب والتي يمكن تجميعها في ركن من الغرفة يتم تخصيصه للنوم وللعمل، بينما يحرر الجزء الباقي من الغرفة ليستخدم ركناً للجلوس وممارسة بعض الهوايات البسيطة المحببة.
كما توفر الساحة الزخرفية أجواء أخرى من التصاميم المدهشة والتي تختلف أساليبها ومعالجاتها تبعاً لما تقدّمه من أنماط، ينضوي بعضها ضمن إطار الطراز الرومانسي أو الريفي أو المعاصر أو الكلاسيكي أو النيوكلاسيكي. وهكذا نجد أن مخيّلات المصممين لا تتوقف عند حدّ، بل هي نشطة في جموحها نحو ذروة الإبداع.
تدعم هذه التصاميم مواد طبيعية خالصة من الخشب والمعدن المعالج، تطرزها أنواع من الأقمشة القطنية الملونة والمزخرفة بنقوش مستوحاة من عالم القصص الخيالية وأبطال أفلام الكرتون إضافة الى الستائر والأكسسوارات المختلفة الأشكال والألعاب المصنوعة من الأقمشة الملونة والتي تضفي على الأجواء نفحة طفولية جميلة تفيض رونقاً.
وتلعب الجدران دوراً رئيسياً في مسيرة ديكور غرف الأطفال والمراهقين، حيث يتم تلبيسها أحياناً بورق خاص للجدران «بموتيفات» أحادية اللون ناعمة تذوب في الديكور أو بنقوش بارزة تستطيع بألوانها أن تحمل للمكان طابعاً مبهجاً أو اللجوء إلى خلق حيوية وتاثيراً خاصاً من خلال طلاء الجدران بلون أحادي من البرتقالي الناعم الذي يحمل إلى الديكور حيوية وانتعاشا أو نوعاً من التناغم أو التصادم بينه وبين ألوان أخرى متناسقة.
أما بياضات السرير واقمشة الستائر والوسائد وكذلك قطع السجاد، فقد اكسبتها الموضة الجديدة تنوّعاً مدهشاً من حيث النقوش والألوان والتي تلائم ولوقت طويل شرائح عمرية مختلفة من الجنسين بعد أن ألغى التيار الزخرفي الحديث بينهما الكثير من الفوارق، مما منح المصممين حرية أوسع للعب على التأثيرات والمواجهات اللونية المحببة من الأطفال على اختلاف ميولهم وأمزجتهم.
ويتخلل هذه التصورات المتنوعة من ديكور غرف الأطفال بعض السيناريوهات لغرف ريفية الطابع بأثاث مصوغ من الحديد المطوّع تزينه مجموعات أخاذة من الأقمشة المزخرفة بالأزهار و«الموتيفات» المستوحاة من أجواء الطبيعة، بايقاعات ثمرية عذبة أو حامضة منعشة تحمل، في الغالب، طابعاً أكثر رقة في غرف الصغيرات، واكثر كثافة وصخباً للذكور.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024