كتاب لمديرة العمليات في فايسبوك شيريل ساندبرغ «تقدّمي إلى الأمام» يبني إرادة القيادة عند المرأة
قد يظنّ بعضهم أنّ قضية المرأة وحقوقها ما زالت شائكة في عالمنا العربي فقط، لكنّ مراقبة دقيقة للواقع النسائي في العالم تؤكّد أنّ المرأة الأجنبية - في كلّ أقطار العالم- تواصل سعيها إلى تحقيق تطوّر يسمح لها بالتدخّل أكثر في القرارات التي تؤثّر جذرياً في حياتنا. وفي هذا السياق، أصدرت شيريل ساندبرغ، مديرة العمليات في فايسبوك، كتاباً بعنوان «تقدّمي إلى الأمام» (ترجمة محمد السيد، الدار العربية للعلوم- ناشرون). وكما هو واضح من العنوان، تخاطب ساندبرغ المرأة بطريقة مباشرة لتدلّها إلى الأسباب الحقيقية التي تعيق تقدّمها وتمنعها من الوصول إلى الأدوار القيادية وتقديم حلول قوية وبديهية تمكّن النساء من تحقيق ذروة قدراتهنّ. ولكن قبل الغوص في تفاصيل هذا الكتاب، قد يطرح أحدنا سؤالاً عن هوية شيريل ساندبرغ وخبراتها التي تؤهلها إلى تقديم مثل هذا العمل؟
فالكاتبة هي مديرة العمليات في «فيسبوك»، وقد صنفتها مجلة «فورتشن» في لائحة النساء الأكثر نفوذاً في العالم، فيما اختارتها مجلة «تايم» واحدة بين أكثر مئة شخص مؤثر في العالم. وقد ألقت عام 2010 خطاباً وصفت فيه كيفية كبح النساء أنفسهن من غير قصد في مهنهنّ. وشجّع هذا الخطاب (تمت مشاهدته أكثر من مليوني مرة) على «الجلوس إلى الطاولة» والبحث عن التحديات، والمجازفة، والسعي وراء الأهداف بشجاعة.
في كتاب «تقدّمي إلى الأمام»، تغوص ساندبرغ في قضايا المرأة المختلفة وتجمع بين الروايات الشخصية، والمعطيات الواقعية، والأبحاث الدقيقة للقضاء على كل أشكال الغموض والانحياز المحيطة بحياة النساء العاملات وخياراتهنّ. وتتخّذ الكاتبة من تجربتها مثلاً في بعض الأحيان، فتتحدّث عن قراراتها الشخصية وأخطائها، وكفاحاتها اليومية لاتخاذ الخيارات المناسبة لها ولمهنتها ولعائلتها. وهي توفّر نصائح عملية حول تقنيات التفاوض والإرشاد وتحضّ النساء على وضع حدود التخلّي عن وهم «امتلاك كل شيء».
يقدّم كتاب «تقدّمي إلى الأمام» خطوات محددة تستطيع النساء اتباعها للجمع بين النجاح المهني والرضى الشخصي، وتثبت كيف يستطيع الرجال الإستفادة من دعم النساء في مكان العمل وفي المنزل. وقد نال هذا الكتاب ترحيباً من معظم النقّاد والنساء الرائدات في العالم مثل الإعلامية الأميركية الأشهر أوبرا وينفري التي وصفته بأنه «صريح وشجاع. ويمكن اعتباره بمثابة البيان الرسمي الجديد للنساء في مكان العمل».
كتبت مقدمة الطبعة العربية المعمارية العالمية زها حديد
النجاح لا يرتبط بالجنس أو العرق بل بالأحلام والعمل الشاق
من النماذج النسائية التي يمكن أن يُحتذى بها، المهندسة المعمارية العراقية زها حديد، الحائزة جائزة «بريتزكر»، أرقى الجوائز المعمارية العالمية. فهي امرأة عربية، ولدت ودرست في العراق ثمّ حصلت على شهادة الليسانس في الرياضيات من الجامعة الأميركية في بيروت، قبل أن تكتسب شهرة واسعة في الأوساط المعمارية حول العالم بعدما تولّت مسؤولية أهم المشاريع المعمارية في العالم مثل: «مرسى السفن في باليرمو في صقلية»، «المسجد الكبير في عاصمة أوروبا ستراسبورغ»، «متحف الفنون الإسلامية في الدوحة»، «محطّة إطفاء فيترا ويل أم رين»، «مركز روزنثال للفن المعاصر»، «محطة قطار ستراسبورغ في ألمانيا»، «مركز الفنون الحديثة في روما»، «قاعة عرض في حديقة في ألمانيا»...
وقد كتبت زها حديد مقدمة كتاب «تقدمي إلى الأمام» خصيصاً للطبعة العربية الصادرة عن الدار العربية، لكي تتوجه من خلاله إلى كلّ نساء العالم العربي بغية تحفيزهن على مزيد من الثقة بأنفسهن والإيمان بقدراتهن والعمل على تجاوز ظروفهن والوصول إلى مراكز القيادة والقرار من أجل صنع مجتمعات أفضل. وفي المقدمة تكتب زها حديد:
أنا امرأة.
أنا عربية.
أنا مهندسة معمارية.
البيولوجيا والجغرافيا تحددان أول صفتين، فيما استلزمت الصفة الثالثة أربعين عاماً من العمل الشاق. وكما هي حال كل امرأة في أية مهنة، أنت بحاجة إلى الثقة لاتخاذ خطوات جديدة في كل مرة، ويمنحك العمل الشاق تلك الجرعة من الثقة. لطالما آمنت بعملي، وعرفت أنه سيسعفني في أي وضع صعب.
لكن العمل الشاق لا يكفي دوماً. فخلال فترة طويلة من الأربعين عاماً، وجدتُ أن بعض أكبر الصعوبات التي واجهتها لم تكن ناجمة عن عملي، وإنما عن وجودي كامرأة، أو كعربية، أو في الواقع، كامرأة عربية. فالجهل والظلم، سواء أكانا كبيرين أو صغيرين، صارخين أو مكتومين، متعمّدين أو- ربما أسوأ- عرضيين، يسودان من دون علم مرتكبيهما.
لم يحذف النجاح مؤهلات صفتيَّ «العربية» و»المرأة» اللتين تسبقان لقبـي كمهندسة معمارية، لكن هذه المؤهلات باتت تعتبر الآن إيجابية، كما لو أن هوية المرأة العربية تحدٍّ يجب تخطيه. هذا مضحك من دون شك، فأنا لم أتغير، ولا أختلف عن ملايين النساء في كل العالم، لأن كل امرأة ذكية وموهوبة وقوية.
لاأظن أن الكثيرين لا يزالون يعتقدون أن الهندسة المعمارية مهنة للرجال وليس للنساء. فخمسون في المئة من طلاب السنة الأولى في الهندسة المعمارية من الإناث، وبالتالي فالنساء لا يعتبرن هذه المهنة غريبة عليهنّ. إلا أن عشرين في المئة فقط من المهندسين المعماريين العاملين من النساء، وعلينا العمل لضمان استمرارهنّ.
نشاهد الآن المزيد من المهندسات المعماريات المحترمات والمشهورات. لا يعني ذلك أن الأمر سهل؛ ففي بعض الأحيان تكون التحديات هائلة. لكن، خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، حصلت تبدلات هائلة، وسوف نتابع هذا التقدم. يصعب كثيراً تحقيق أي شيء في أية مهنة من دون تعلم أهمية التفويض ومنح الثقة للآخرين. فالتصميم اللامع يستفيد من مهارات الأشخاص الآخرين وخبراتهم. والعمل الجماعي مهم جداً بالنسبة إليّ، ولطالما آمنت به. والأمور العظيمة تأتي من القدرة على الإبداع، وقدرات أعضاء الفريق على العمل معاً.
لا تستسلمي أبداً. ثقي في حدسك وغريزتك. لن تنجزي دوماً كل الأمور كما يجب في كل مرة، ولكن عليك الاستمرار في المحاولة. ولتعلمي أن كل واحد من إنجازاتك- مهما كان كبيراً أو صغيراً- يبقى مهماً جداً. امتلكي الشجاعة لتحقيق أحلامك وطموحاتك؛ فأنت لا تستحقين أقل من ذلك. طموحاتك والتزامك ونجاحك تحددنا جميعاً.
ذات يوم، قد تقررين أن تصبحي مهندسة معمارية، ولن يرتبط نجاحك بجنسك أو عرقك، وإنما فقط بوسع أحلامك وعملك الشاق لتحقيقها. لن يقال عنك حينها إنك مهندسة معمارية عربية عظيمة، بل سيقال عنك ببساطة إنك مهندسة معمارية عظيمة.
ذات يوم، قد تقررين أن تصبحي مديرة العمليات في إحدى أكثر الشركات ابتكاراً ونفوذاً في العالم. لن يقال عنك حينها إنك المديرة الأكثر نفوذاً، أو أول امرأة عضو في مجلس الإدارة. فحقيقة كونك أنثى لن تدخل أبداً في المعادلة. موهبتك والتزامك هما اللذان سيفضيان إلى أعظم الإنجازات. ذات يوم، سوف نحقق المساواة. وحتى ذلك الحين، تقدمي إلى الأمامLean In.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024