من الأحجار النادرة والنفيسة إلى الجوهرة الفريدة مجموعة ملكية من CARTIER
لطالما اقترنت مجموعات كارتييه بصفة «الملكية». إذ تفخر دار الجواهر العريقة بأنها صنعت ولا تزال تصنع مجوهرات الملوك والأمراء. إنما تبدو هذه الصفة أكثر دقة والتصاقاً بالاسم بعد الاطلاع على المجموعة الجديدة التي عرضتها الدار أخيراً ضمن بينالي التحف القديمة السابع والعشرين في باريس حيث خُصّصت لكارتييه المساحة الكبرى (250 متراً مربعاً) لعرض مجموعة استثنائية وفريدة تضم أكثر من مئة قطعة مبهرة. في الـ«غران باليه» في باريس بين 11 أيلول/سبتمبر و21 منه، تلألأ جناح كارتييه بأحجار يرتبط بريقها الأخاذ ببريق اسم الدار التي تشارك في الحدث البارز منذ العام 1964. زفير وألماس وياقوت أحمر وزمرّد، أحجار نقية تثبت ألوانها أن الخيال لا يمكن أن يغلب الطبيعة، وتحكي قصة الاسم وتاريخه. جناح «ملكي» استقبلت فيه كارتييه زوار المكان قبل أن يكتشفوا في أرجائه كنوز الدار المبهرة.
روح كارتييه
هذه المرة فاجأتنا جرأة الدار الفرنسية في إثبات بطولة الحجر نفسه الذي يمكن أن ينتقل بسهولة من عقد إلى خاتم، أو من تاج إلى قرط. هكذا خلف الواجهات الزجاجية، تجد الأحجار النادرة أمكنتَها ضمن التصاميم البديعة بفضل العمل الحرفي المتقن، فتبرز قيمتها ويضيء نور فرادتها اسم صانعها.
مئة وأربع قطع، بينها مئة قطعة جديدة، ولدت بعد عامين أو 98 ألف ساعة من الإبداع الحرفي. هذه المجموعة ضمّت رموز كارتييه كلّها من النمر إلى اللقاء البديع بين الأسود والأبيض، كما استعرضت مصادر إبداع الدار الشهيرة، من دفء الألوان الإفريقية إلى احتفالها واشتعالها المستوحى من الهند، إلى برودتها ووضوح الخطوط في إطار التأثير المديني. والتقت في تحف كارتييه أيضاً أزمنة مختلفة، الماضي والحاضر والمستقبل، ومعجزات الطبيعة الملوّنة والصلبة، القاسية والجميلة.
ولعرض معجزات الطبيعة هذه من أحجار جمعتها كارتييه من أعماق الأراضي والبحار، أبدع خيال المصممين ثم تجلّت قدرة المنفّذين على احترام الأحجار وإبرازها وتدليلها. فتداخلت خيوط الحرير مع الجواهر والأحجار الكريمة في إحدى القطع، وظهر موزاييك مصغّر من الألوان والأشكال في قطعة ثانية، فيما برز تأثير الأشكال الهندسية والأرت ديكو في قطعة ثالثة. عالم كارتييه بمراحله المختلفة سرده تنوّع أساليب القطع البديعة، كما حكت حكاية الدار الأحجار التي عبرت حدوداً لا يمكن أن تلتقي، وأزمنة مختلفة.
أحجار وقصص وقطع من التاريخ... وجواهر متحوّلة
إلى جانب الخواتم والعقود والساعات والأقراط والتيجان، عرضت كارتييه أحجارها النقية، مبرزة معها نقاء اسمها. تحتفل هذه الأحجار الفريدة بسحر الطبيعة وبما يمكن أن تقدّمه البلدان البعيدة. أحجار رائعة بألوانها وأشكالها التي صقلتها مهارات حرفيي كارتييه المبدعين ثم حوّلتها إلى أجزاء وقطع تليق بها صفة ملكية. تضاف إلى القيمة المادية لأحجار العالم هذه قيم تاريخية ورمزية. فقصص بعضها أصبحت جزءاً محفوراً في التاريخ مثل لؤلؤة والدة قيصر روسيا الأخير التي هُرّبت من الثورة البولشفية لتصبح إحدى جواهر الملكة ماري جدة الملكة البريطانية إليزابيث الثانية. وقد حوّلتها براعة حرفيي كارتييه المتوارثة إلى القطعة الرئيسة في تاج تنسجم معه في طقم واحد أقراط من اللآلئ.
هذه اللؤلؤة تفك من التاج، ويمكن التزين بها كجزء من عقد ناعم من الماس. ثم ان الأقراط التي صممتها الدار لتتلاءم معها زُيّنت بلآلئ مشابهة تنسجم بدورها مع العقد أو التاج. فوق اللؤلؤ يلمع الماس إلى جانب ثلاث لآلئ نفيسة. أحجام اللآلئ وأوزانها لافتة (منها٧٧.٤٤ حُبيبة و٧٢.١٦ حبيبة) وتبرز في تصميم بديع يعكس لونها الطبيعي الأخاذ.
هكذا نفذت كارتييه ابتكاراً ذا وجهين من العقد إلى الخاتم. كما كرّس صنّاع المجوهرات في الدار قدراتهم ليبدو الحجر النفيس في أجمل حلّة. وقد تطلّب جعل الماسة تتآلف مع العقد والخاتم توظيف كل مهاراتهم وخبراتهم.
ومع ذلك، لا يبدو أي أثر لهذا التحدي الكبير في القطعة النهائية، كما لا تظهر مدة العمل ولا التقنيات المستخدمة. لا تظهر سوى النتيجة النهائية، ولحظة الصفاء التي تعانق العينين عندما يقع نظرهما على رقة النور النقي.
هويات الأحجار
تبحث دار كارتييه دوماً عن الاحجار الفريدة النادرة. ومن الإبداعات التي تخبئها الطبيعة، كان للماس، ذاك الحجر النبيل، دور لا يستهان به على مرّ العصور، خصوصاً في قصص المغامرات والعشق. فلكل ماسة قصة ترويها، لأن جمال الحجر، ونقاءه وصلابته خصائص أبهرت البشر منذ القدم، ليحتل الماس عرش الجمال في عالم المجوهرات منذ حوالي ألفي عام.
ولادة الماسة هي القصة الأروع والأكثر إدهاشاً على الإطلاق. فالماسة تولد من رحم الأرض، وهي مصنوعة من أنقى أنواع الكريستال الكربوني الذي لا يمكن التلاعب به.
بين كنوز كارتييه برزت أيضاً الياقوتة الإفريقية المشتعلة باللون الأحمر التي يحتفل شكلها وهندستها بإبداع عمل حرفي حوّلها إلى جوهرة مركزية ضمن شلال من الجواهر ينساب بسلاسة حول عنق محظوظ.
أما الماسة الإجاصة، فيخبر صفاؤها المطلق قصص ثراء الأرض. وقد عانقت في تصميم مبدعي كارتييه لؤلؤة ناعمة ثم تدلّت منها لترسم حدود عقد رائع، كما اعتلت خاتماً، فأدّت دوري البطولة في قطعتين مختلفتين تجمعهما روعة الماسة والتصميم. رأينا أيضاً ياقوت بورما بلونه الأحمر الذي لا يُنسى، كما لا يُنسى لون زفير كشمير العميق كسماء كحلية أو أخضر زمرّد كولومبيا. أحجار ثابتة بجمالها لكن متنقلة بين قطعة وأخرى، فيشرق الحجر النجم مزينا سواراً أو عقداً أو قرطاً. يبدو تأمل قطعة من قطع كارتييه غوصاً في درس الجغرافيا، في لون الأرض وغناها وحدودها وقدراتها، ودرساً آخر في التاريخ. كما يفرض جمال الجواهر إلقاء التحية على الطبيعة وعناصرها الحيّة التي تلهم مبدعي الدار، فتتحوّل الحيوانات إلى جواهر، ويخطف الأنفاس تلألؤ النمر والثعبان والتمساح والضفدع... ثم تكاد تنقطع أمام شفافية الضوء في السوار المنسوج حول قطعة الأوبال الأسترالي. الوضوح هنا يضيعك، تفهمين معنى تأثير الجمال إلى حد الضياع الجميل.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024